01-2010
26

منطلقات في بناء ذوات الدَّاعيات

                                     بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 وبعد فهذه خلاصة محاضرة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن سالم بن حفيظ في دورة الداعيات المنعقدة بتاريخ 16ذي القعدة 1430هـ.
قال الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤].

مفهوم الدعوة إلى الله:

الدعوة إلى الله تبارك وتعالى: بذل الفكر والعمل باستعمال الوسائل لتقريب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى؛ بتعليمهم أحكامه، وحملهم على تنفيذها وتطبيقها رغبة ومحبة وتعظيماً وإيماناً واحتساباً؛ بحسن عرض الإسلام على غير المسلم، وبالتذكير بفرائض الله للمسلمين ليخرج تارك الصلاة من ترك الصلاة إلى المحافظة عليها، وليخرج المقصّر في النوافل إلى الحرص عليها، وليخرج تارك الصيام أو تارك الزكاة إلى القيام بهما، وهكذا في بقية الأوامر وكذلك اجتناب النواهي.

مجال الدعوة إلى الله:

إن الدعوة إلى الله عزّ وجل ليست منحصرة في عقد الدروس ولا في المذاكرات والمحاضرات ولا في تأليف الكتب، ولكن عقد الدروس مجال واحد من مجالات الدعوة.
ومع ذلك فإنّ وسائل الدعوة وأعمالها لا تنحصر في هذه الأعمال. بل تجتمع في التفكير الجاد في الأسلوب المناسب الموصل إلى مرضاة الله تبارك وتعالى وزيادة الخير في القربة منه تبارك وتعالى فتلك هي الدعوة إلى الله جلّ جلاله، بأي وسيلة كانت ما دامت مناسبة مشروعة.

مفهوم بناء ذات الداعية:

المرأة الداعية لها ذات، وذاتها يراد بها حقيقتها القلبية والروحية وما يتعلّق بها بعد ذلك من مظاهر أعمال أعضائها، ذات المرأة الداعية قلبها وروحها ووجهتها ونيّاتها وما يتعلّق بشؤونها القلبية وما يفيض منها على أعمال الجوارح، فالمراد بالبناء إقامة أوصافها عِلْماً وعَمَلاً وفِكْراً على المنهج القويم.

محاور بناء الذات:

بناءُ ذات المرأة الداعية يتعلّق بشؤونٍ نلخّصها في ثلاث نقاط: الأولى: هي العلم، والثانية: هي العمل، والثالثة: الفكر الواسع.

المحور الأول: العلم

يجب على كل مَنْ تعلّقت بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى أنْ تتّصِلَ بالعلم على ما يتيسّر لها من ارتقاء في مستويات العلم فلابد أن يكون لديها نصيب من العلم، الذي منه ما هو فرض على كل مسلم ومسلمة وهو فرض العين فالمرأة الداعية من غير شكٍّ يجبُ أنْ يكون عندها العلم الذي هو فرض عين، وتزيد على ذلك ما تيسّر لها، ولا يشترط أن تكون متوسّعة ولا بالغة رتبة الفتوى في العلوم.

العلم الذي يتعلّق بالداعية:

وإذا ذكرنا العلم فإنّا نعني ما يتعلّق مِنْ ذلك بذات المرأة الداعية من العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية؛ لأنها آلة العلم الشرعي وكذلك قدر من علم التاريخ.
والعلوم الشرعية يُراد بها ستة : علوم القرآن الكريم وعلوم السنة المطهّرة، وعلوم الأحكام التي هي الفقه وأصولها، يعني أصول التفسير وأصول علم الحديث وأصول الفقه.
وذكرنا علم التاريخ؛ لأنه مهمٌّ بالنسبة للمرأة الداعية إلى الله تبارك وتعالى وله تعلّق بالعلم، ويتعلّق أيضا بتقويم سلوكها وأعمالها، ويتعلق بتوسيع فكرها ومن أهم المقاصد منه سيرة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

ما تحتاجه كل داعية في هذه العلوم:

القرآن الكريم: كل داعية محتاجة لأن يكون لها نصيب من القرآن، فلابدّ أن تكون تلاوتها للقرآن جيدة حسنة مُتقِنة أخذتها عمّن أخذ القراءة عمن قبله بسنده المعتبر، فلابدّ لها من إتقان ذلك، فإنْ كانت ناقصة فعليها أنْ تتدارك، هذا من أجل بناء ذاتها، ولسنا نقول إنّ الأمية التي لا تُحسِنُ قراءة القرآن لا تكون داعية، ولكن تكون داعية في جوانب معينة، ولا تكون مُهيّأة للقيام بأعباء الدعوة إلا في جوانب محددة مما تستطيعه و تتيقّنه وتعْلمه.
فيجب أن تكون مُتقنة للتلاوة ثم تكون حافظة لشيء من القرآن وأَقلّهُ بعد فاتحة الكتاب قِصار السُّور وجزء عم، فهذا من أسس زاد المرأة الداعية، والأوْلى أنْ لا تقصر عن جزء عم وجزء تبارك والخمس السور التي هي سورة الكهف وسورة السجدة وسورة يس وسورة الدخان وسورة الواقعة. ثم مع هذه التلاوة والحفظ تتعلم نصيباً من التجويد وتأخذ قراءة إن تيسّر لها بسندها فذلك أفضل وإلا فلتقرأ على قراءة صحيحة.
هذا فيما يتعلّق بنص القرآن، وأمّا التفسير فلابدّ أنْ تأخذ لها نصيباً ولو من تفسيرِ قصار السور من مثل ما كتب الجلالان عليهما رحمة الله تعالى. وبعده تأتي تفاسير أوسع منه كمثل (حاشية الصاوي) عليه، و(البحر المديد) و(تفسير الإمام البغوي) أو (الإمام الخازن) عليهم رحمة الله تبارك وتعالى.
كذلك تأخذ من علوم أصول التفسير ولو كتيّبا من الكتب وهذا من جملة زاد المرأة الداعية في العلم.

الحديث الشريف:

بعد ذلك نأتي إلى علوم السنة المطهرة: علم الحديث الشريف، قال سيدنا الإمام الشافعي: (ومَنْ كَتَبَ الحديث قويت حجّتهُ). وعلم الحديث قسمان: رواية ودراية.
علم الحديث رواية الذي يُؤخذ به رواية الأحاديث ويعلم من خلاله ما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ما فعل أو ما أقرّ غيره عليه، وعلم الحديث دراية: هو علم مصطلح الحديث ويُسمّى أيضاً أصول الحديث، وبه يُعرف ما هو الصحيح وما هو الحسن وما هو الضعيف من الأحاديث.
فلابدّ من أخْذِ نصيبٍ مِنْ عِلْمِ الحديث، ولهذا سابق العلماء إلى وضع مختصرات في الأحاديث مثل (الأربعين) للإمام النووي، و(شفاء السقيم)، و(مختصر رياض الصالحين) الذي اختصره الإمام النبهاني - عليه رحمة الله تبارك و تعالى -، و(قطوف الفالحين) مقتطفات اقتطفناها من (رياض الصالحين)...
بعد ذلك كتاب متوسط يهدي إلى ما بعده مثل (الأذكار) للإمام النووي، ومن أعظم ما أُلِّفَ في الحديث (الصحيحان) و(الأمهات الست). مراجع أهل السنة والجماعة في الشرق والغرب (صحيح الإمام البخاري)، و(الإمام مسلم) و(سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة) وقبلهم (موطأ الإمام مالك) عليهم رحمة الله تعالى، و(مسند الإمام أحمد بن حنبل) عليه رضوان الله. هذا بالنسبة لعلم الحديث رواية.
وعلم الحديث دراية يَقرأ منه الإنسان نبذة ولو مثل ما جمعه السيد محمد بن علوي المالكي في (أصول علم الحديث) أو (البيقونية وشرحها) التي تحتوي ذكر أقسام الحديث، وما شابه ذلك من الكتب.
يتعلّق بهذا الجانب علم السيرة، وهذا أمر مهمّ وإن كان يدخل أيضا في علم التاريخ لكنه أشرف التاريخ، سيرة أشرف الخلق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، وفيها بالنسبة للمرأة الداعية موازين التعامل وكيفيّات التخاطب وكيف تعالج الأمور، فهنا لابدّ من أخذ نصيب من السيرة المشرّفة والعناية بها.
علم الفقه: نحتاج في ضمن هذه العلوم علم الفقه فروعاً وأصولاً، علم الفقه فروعا: هي علوم الأحكام التي يندرج تحتها جميع الأشياء، فيحكم عليها من حيث الشرع إما بأنها واجبة أو مندوبة أو مباحة أو مكروة أو محرمة أو صحيحة أو باطلة..
أما الأصول: فهي القواعد التي يُبنى الاستنباط عليها. هذه القواعد والأسس التي يُبنى عليها الاستنباط واستخراج الأحكام تُسمّى أصول الفقه، وكان ممن أنطقه الله به وأقامه على يده الإمام محمد بن إدريس الشافعي عليه رحمة الله تبارك وتعالى فألّف كتاب (الرسالة) وهو أوّل كتاب في أصول الفقه.

لفتةُ نظر ..

إذا علِمنا هذا؛ فهذه العلوم الشرعية نحتاجها أيضا لمعرفة الأدلّة على مسالك أهل السنة والجماعة، خصوصاً في المسائل التي تنتشر الشُّبُهات حولها، فتحتاج المرأة الداعية أنْ تكون مُطّلعة على أدلّة أهل السنة في نحو الجهر بالذِّكْرِ وعَقْدِ حِلَقِ الذِّكْرِ والاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتوسّل إلى الله تبارك وتعالى، وتمجيد الصحابة وتعظيمهم والجمع بين محبة أهل البيت والصحابة الأكرمين بلا سِبابٍ ولا شَتْمٍ ولا ضرْبِ أحدٍ بأحدٍ إلى غير ذلك من مسائلِ أهل السنة فتحتاج المرأة الداعية إلى اطلاع على أدلّتهم لأجلِ الطمأنينة واليقين وللتبيين للمُستفيد لا لأجل المجادلة، ولا لأجل المحاجة.

العلم الباطن والظاهر:

هذه العلوم الستة وسطها علم يتعلّق بعلم الأخلاق والقلوب وهذا هو الذي يُسمّى بالفقه الباطن، فعندنا العلم ظاهر وباطن، فَمَا تعلّق منه بالجوارح فهو الظاهر، وما تعلّق بالقلوب وصفاتها فهو الباطن، وهذان العِلْمان الظاهر والباطن إذا أتقنهما الإنسان وقام بحقّهما في العمل أثمرا له عِلْماً عظِيماً كبيراً شريفاً هُوَ المُسمّى بالعلم اللَّدُنّي، والعلم اللدنِّي نتيجةُ تطبيق العلم الظاهر والباطن، فالعلم الظاهر: العلم بالأحكام المتعلّقة بالجوارح، لكن العلم الباطن: العلم بالصفات المتعلّقة بالقلوب، وهذا هو الذي اعتنى به الصوفية ونُسب إليهم الاهتمام به وألّفُوا فيه الكُتُبَ ومن أعظمهم ساداتنا الحارث المحاسبي وأبو طالب المكي والإمام أبو حامد الغزالي.

المحور الثاني: العمل

والعمل يُراد به التطبيق وكيفية التنفيذ لأحكام الحق تبارك وتعالى والقيام بمنهجه، وهذا يشتمل أيضاً على جانبين عظيمين:
الجانب الأول: العمل في الظاهر أو بالظاهر، والثاني: الباطن.

* العمل الظاهر:

فأمّا العمل في الظاهر فلتكن المرأة الداعية إلى الله تعالى ممتثلة مؤتمِرَة بأمر ربّها، مُنتهِية عمّا نهاها عنه الله، مُكثِرة ممّا أحبّه ورغّب فيه سبحانه وتعالى، متباعدة عمّا كرهه سبحانه وتعالى وعن الشّبُهات، آخِذة من الحلال والمباح ما تحتاج إليه دون الفضول والمكاثرة والمفاخرة، فالعمل يكون بحسن أداء الواجبات وحسن ترك المنهيّات ثم الحرص على النوافل وعلى الأعمال الصالحات المستحبّات المندوبات والبُعْدِ عن المكروهات والشُّبُهاتِ ثمّ الاقتصار في الأخْذِ في المباحات على ما تدعو إليه الحاجة وما يكون عوْناً على الدِّينِ وعلى التزوّدِ للدارِ الآخرة، وأمامُنا مع امتثال الأوامر واجتناب النواهي درجات.

إضافة أخرى: 

ثم إنّنا ذَكَرْنَا الإكثار من النوافل وهي أيضاً درجات فلا أقلّ بالنسبة للداعية في بناء ذاتها أنْ لا تُقصّر في الرّواتبِ؛ وخصوصاً المؤكَّدَاتِ منها:
ثنتان قبل الصبح والظهر كذا         وبعـده ومغـرب ثم العشـاء
هذه العشر الركعات المؤكَّدَةِ، مع صلاة الوتر وهي مِنْ آكَدِ المُؤكَّدَاتِ، وقد قال بوجوبها الحنفية وبعض الصحابة، فمَنْ طلَعَ عليه الفجر ولم يُوتِرْ أثِمَ على هذا القول، فالجمهور يقولون هي سنة وليست بفرض ولكن يتأكّد فِعْلُهَا، وكذلك سنة الضحى، وإذا أضافت إلى الركعتين ركعتين قبل الظهر صارت أربعاً قبل الظهر وكذلك بعده قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ)) رواه الترمذي.
كذلك أربع قبل العصر، دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بالرحمة لمَنْ واظبَ عليهنّ قال: ((رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا)) رواه الترمذي وأبو داود.
كذلك بعد المغرب لو صلّتْ ستَّ ركعاتٍ عَدَلْنَ لها عِبادَةَ ثِنْتَيْ عشرةَ سنة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ صلّى سِتَّ ركعاتٍ بعدَ المغربِ لا يتكلّمُ بينهنّ بشيءٍ إلا بذكر الله عَدَلْنَ لَهُ بعبادَةِ اثنتي عشرة سنة)).رواه ابن خزيمة.
كذلك الوتر أدنى الكمال فيه ثلاث وأكمله إحدى عشرة، فتحافظ على ثلاث أو على خمس أو على سبع أو على تسع أو إحدى عشرة، وتجعل لها عدداً لا تنقص منه فإن زادتْ في بعض الأوقات إذا وجدت النشاط والفراغ فلا بأس، كما أنّه يتعلّق بالعمل عند الداعية أنْ يكون لها نصيب من الصلاة في جوف الليل أو الاستغفار بالسَّحَرِ ولو قليلا، فلا تكونُ داعية إلى الله تعالى مَنْ تغفَلُ عامّة ليلها أو تنام عامة ليلها ولا تستيقظ، لا لاستغفارٍ في السّحَرِ ، ولا لصلاةِ ركعتين في جوف الليل، فتكون غير عاملة فينقص أثرها في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى فإنّ المقصود من الدعوة إلى الله القرب مِنَ الله.

بركة المشورة والرأي:

وإذا قام الأمر بين الدّاعيات على تنسيقٍ وعلى تعاونٍ وعلى تفاهمٍ بصفاءِ باطنٍ وانشراحِ صدرٍ وفرحِ كل واحدة بالأخرى ومحبّتها للأخرى، واستعدادها لقبول الرّأي مِنَ الآخر والعمل به كذلك، فهذا مِنْ أهمِّ المُهمّاتِ في جانب العمل في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

* العمل الباطن: 

العمل الظاهر يسهل فهمه ويسهل أيضا قيام صورة العمل به، لكن العمل الباطن لا يكون واضِحاً جليّاً إلا بنور البصيرة، ولا يستطاع أداؤه على وجهه إلا بصلةٍ معنويةٍ قلبيةٍ باطنيةٍ ببحر النور الذي امتدّ منه النور بواسطة القلوب التي تنوّرت وأخذَتْ سرّ التربية، ومِنْ هنا نعرف أنّ للوِجْهَةِ إلى الله والعمل بشريعة الله تعالى وَجْهٌ ظاهر بالقيام بالأحكام الظاهرة، ووجهٌ باطن بتحقيق الصّفاتِ القلبية، وأخْذِ روح الأعمال الظاهرة الذي هو الخشوع والحضور مع الله تبارك وتعالى. قال سيدنا الإمام الحداد: (فمَنْ خَلَتْ عِبادتهُ عن الحضور فعبادته هَبَاء منثور).

ارتباط الداعية بالشيخ المربّي:

لابدّ عند إرادةِ حقيقة التربية والسّيرِ إلى الله من وضع الزمام في أيدي الصادقين المخلصين المربّين، ومَنْ لم يَتَرَبَّ على أيديهم فلا يتربّى ولا يُربِّي غيره، ومِنْ هُنا احتاج كل أحد من السائرين إلى الله عامة والدعاة إلى الله خاصة إلى أخْذِ طريقة.
فمن كانت قد ارتبطت بشيخ ترجع إليه في أمورها فَلْتَصْدُقْ مَعَ اللهِ، ولتَعْلَمْ أنّ الشيخ إنّما هو نائب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لع سنده الذي أخذه من شيوخه عن شيوخهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، يُنوّر بصيرتها ويهديها لمِا هو الهدى والحق في أقوالها وأفعالها وأحوالها، ومَنْ لم يسبق لها الأخذ عن شيخ فلابُدّ مِنْ ارتباطها واتّصالها بشيخٍ هادٍ يهديها إلى الله تبارك وتعالى، ويكون عوْناً على صفاء قلبها وتخليصها من الصفات المذمومة.

صفات الداعية:

فالداعية إلى الله تعالى يجب أنْ تكون قدوة لمن حواليها، في زيّها.. في منطقها.. في تعظيمها للفرائض.. إذا دَخَلَ وقتُ الفريضة كيف تهتمّ بالفرض.. كيف تُؤدّي الفرض سواء أكانت صلاةً أو صوماً أو زكاةً أو برَّ والدين أو صلةَ رَحِمٍ أو قَوْلاً بالصّدْقِ أو أمانةً تؤدّيها أو تربيةً للأبناء والبنات، أو نصيحةً للزوج هذه فرائض.. وكلّ الفرائض ينبغي أن تكون مسارعة لحسن أدائها على الكمال وعلى التمام، كما أنها تكون من أبعَدِ الناس عن المحرّمات.. عن الكذب.. عن سوء الظن.. عن الحسد والحقد.. عن الكبر.. عن العجب.. عن السَّبِّ.. عن الشّتْمِ.. عن المِرَاءِ والجدال.. عن إيذاء صغير أو كبير ولو حيوان.. تكون مِنْ أَبْعَدِ الناسِ عن جميع المحرّمات واستماع الآلات المحرّمة.. أو الكلمات المَاجِنَةِ الغزلِيّةِ التي تُثِيرُ الشّهواتِ.. أو تهون هيبة الذِّكْرِ للسيّئات.. فيجب أنْ تكون من أبعد الناس عن كل هذا.. عن المناظر المحرمات سواء أكانت في مجلّة أو في تلفاز أو في جوال أو في انترنت إلى غير ذلك.

المحور الثالث: الفكر الواسع (فقه الدعوة)

المحور الثالث هو جانب فقه الدعوة وحسن استعمال الأساليب واختيار الأَوْلَى منها. والفكر الواسع: هو الذي يدرك سعة الخطاب الإلهي الذي حمله سيد الوجود محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إلى العالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧]. فإذا كان أُرْسِل للجميع، فالجميع لهم أفكار مختلفة، وعادات مختلفة، ونفسيات مختلفة فلابد أن يكون في دعوته سعة لهؤلاء كلهم، ولابد أن يكون في دعوته أساليب تستوعب هؤلاء كلهم وتناسب هؤلاء كلهم، وهو الذي وضعه لأمته، فدعوته واسعة ليست ضيقة وتتخاطب مع كل فئة بما يناسب عقولها وإدراكاتها و نفسياتها، وتتدرج معهم تدرجا.
والفكر الواسع في الدعوة يعرف كيف يختار ما هو الأهم فيبدأ به ويتدرج شيئاً فشيئاً ويرى إمكانية الاستقبال في أي الجوانب تكون، فيبدأ بما هو أهم منها، فما يتعلق بفعل الفرض أهم مما يتعلق بفعل السنة .. ما يتعلق بترك المحرم المجمع عليه أهم من المحرم المختلف فيه .. ما يتعلّق بالمحرم المختلف أهم من المكروه والذي لم يقل أحد من الأئمة أنه حرام .. ففرق بين ذا وبين ذا، عند نهينا عن المكروهات نكون بأسلوب دون أسلوب النهي عن المحرمات .. فالمحرم المجمع عليه يكون تأكيدنا عليه أقوى، فنعطي كل شيء حقه ، ونأخذ الخطوات أيضا بالتدريج شيئا فشيئا.
سعة الفكر هذه تحملنا على كثير من الصبر وكثير من التحمل، وعلى المسامحة والعفو عن الناس. وسعة الفكر نتيجة للتربية والتزكية الباطنة، العمل بالباطن يوسع لنا آفاق الفكر في التعامل ويهيئنا لأنْ نفقه عن الله تبارك وتعالى معاني العفو والصفح {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:١٩٩] ونعرف كيف نؤدي أدوارنا حتى في جميع شؤون مقابلاتنا للمسلمين وللكفار، ولا نتعدى الحدود ونحسن تبيين وترجمة جمال الشريعة المطهرة بحسن التعامل وحسن الأخلاق.

أهم ما يمكن قراءته في هذا المجال:

يفيد كثيرا في جانب التعليم والدعوة مثل كتاب (مقاصد حلقات التعليم) لكل مدرسة منكن، كذلك (الطوالع السعدية في بيان مهام الدعوة الفردية)، وكتاب (هكذا فلنَدْعُ إلى الإسلام) للشيخ البوطي، وكتاب (إيضاح الدلالة في مسائل الدعوة التي جاء بها صاحب الرسالة)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكتب مبينة في هذه الشأن مثل ما (القدوة الحسنة في منهج الدعوة إلى الله تعالى) للسيد المالكي عليه رحمة الله تبارك وتعالى، فالداعية تحتاج إلى قراءة هذه الكتب وإلى تمعُّنها حتى تستطيع أن تخاطب الفئات وتحسن البناء فيمن عداها من الناس.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.