11-2011
28

محاضرة مكتوبة، في مكة المكرمة بعنوان: مقام الذين مطلبهم الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحبيب عمر بن حفيظالحمد لله الواحد الأحد العزيز الغفار، وصل اللهم وسلم على نور الأنوار، وسر الأسرار، مَن ساقَتنا عنايتُك بواسطة ما بينك وبينه مما جعلته به الرحمة للعباد، ونشرت به ألويةَ الرضا والوِداد، حتى اجتمعنا في خيرة البلاد، نقفوا أثرَ خير داعٍ وهاد، عُبيدك المصطفى سيدنا محمد أجود الأجواد وأمجد الأمجاد.
 بعد أداء هذه الفريضة الكبرى، وشهود هذه الشعائر العظمى التي يتلألأ نورُها سراً وجهرا، فتبصره القلوب التى خشعت وتنقَّت وطهرت، فتطرب إلى مراتب القرب من حضرة باريها، وتقوم على قدم الأدب مع خالقها ومُنشئها، فتنازلُها من عجائب رحمتِه ما يرفعها ويرقِّيها، وتسطعُ عليها من شموس الوصل وتذوق من لذائذِ الوصالِ من حضرة المُنعم عليها ومُوليها سبحانه وتعالى، ما لا يمكن أن يعبِّر عنه لسان، ولا يترجم عنه في الخلق بيان، ذاكم عطاءُ الملكِ المنان والرحيم الرحمن جل جلاله.
ساقتنا عنايتُه حتى اجتمعنا في هذا المكان، في ليالي الحج الأبرك الأنور، في هذا الموسم الأشرف الأفخر، على قدمِ الإتباع لصفوة مُضر، حبيب الله محمد بن عبد الله النور الأزهر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
 فحمداً لربٍّ خصَّنا بمحمد           وأخرجنا من ظلمة ودياجرِ
 إلى نور إسلام وعلم وحكمةٍ       ويمنٍ وإيمان وخيرِ الأوامر
 اللهم أدِم الصلاة على من به هديتَنا إليك، ودلَلتَنا عليك، عبدك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، المقترنين بالقرآن لن يتفرقا حتى يردا عليه الحوض في يوم القيامة، وعلى أصحابه الأخيار المهاجرين والأنصار، أهل شرف المحبة والرفعة والكرامة، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الوقوف بين يديك يا كريم يا منان، وعلينا معهم وفيهم يا رحمن.
 وجزى الله تبارك وتعالى صاحب المكان خير الجزاء، بنيته وهمَّته جمعنا الله تبارك وتعالى في هذه الليلة المباركة، اللهم اجزِ عبد العزيز الطشقندي ما أنت أهله، وما يليق بمكانة المحبة عندك لك ولحبيبك محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، وانظر إلى أهل الجمع فاجمَع قلوبهم عليك، ويسِّر لهم الزلفى لديك، وانظر إلينا وإليهم نظرةً من عندك تُصلح بها الشأن كلَّه.
 وفي هذه المواطن تصلُح الشئون، وفي هذه المواطن تُجلَّى الكروب والحزون، وفي هذه المواطن تطيب معانى المواصلة بالأمين المأمون، وفي هذه المواطن تُعالج الأدواء، وتُكشف الأسواء، وتثبتُ الأقدام على سبيل السَّواء.
 في هذه المواطن تُستمطر رحمةُ الرحيم الرحمن، ويعمُّ فيضُها الأكوان، في هذه المواطن ينكشف الحجاب، ويُدنى من رب الأرباب. في هذه المواطن يُدار كأس الشراب، شراب أولى الألباب، في حضرات الإقتراب، من معانى جلَّت عن التعبير عنها أو أن تكتُب في كتاب، يخص بها الوهاب قلوباً وأرواحاً صدقت معه وتأدبت بأحسنِ الآداب، واتصلت بسيد الأحباب، فطاب لها الاقتراب ونازلَها من عطاء المولى عطاءٌ بغير حساب، ذلك جودُ الله على مَن يشاء، ممن كشف عن قلوبهم الغشاء، فنسأل الحقَّ أن يُكرمنا وإياكم بنصيب، لندخل مداخلَ أهل التقريب، ويصفو لنا الحال ونطيب.
 يا حي يا قيوم هذه مواطن التزود للقيام بالوفاء للعهد المعهود، وللتحقق بحقائق الركوع والسجود وللارتقاء إلى مراتب الشهود، فزوِّدنا بخير زاد.
 يا من قُلت في هذا الموسم: ( وتزوَّدوا فإن خيرَ الزاد التقوى ) تجلَّ على قلوبنا بنورٍ من عندك نثبُت به على التقوى، يا من جمعتَ أسرار التقوى في قلب عبدك المصطفى محمد، وأخذ يعلِّمنا أنها اجتمعت هناك، ولا تحل إلا في قلوب اتصلت، فأشار إلى صدره الشريف ثلاث مرات وهو يقول: " التقوى هاهنا التقوى هاهنا التقوى هاهنا"، وكيف لا تجتمع معانى التقوى في صدر الأتقى، في صدر الأنقى، في صدر الحبيب المصطفى محمد، وإنما نصيب كلِّ صدر من تقواه على قدرِ قربِه من مصطفاه، ومحبته وولاه، واتباع خُطاه، والإهتداء بهداه، والولع برؤيا مُحيَّاه، وطلب مرافقته في مراتب القرب من الله.
 فيا الله بالأتقى اجعلنا من أهل التقى، يا الله..
 إن خرجنا  فيما مضى عن تلك الدائرة بقلب أو بجارحة من جوارحنا فنسألك حفظَ ما بقي من الأعمار فلا نخرج عن دائرة التقوى في السر والنجوى، يا حي يا قيوم يا الله.
 ومن هذا التزود يتحقق للإنسان المقصد، ويجمع همته في التوجه للواحد الأحد الفرد الصمد متشبِّها بأقوام عنهم قيل:
 قومٌ همومهمُ بالله قد علِقت          فما لهم همةٌ تسمو إلى أحدِ
فمطلبُ القوم مولاهم وسيدُهم        يا حسن مطلبِهم للواحد الصمد
يصبح الناس وهذا مطلوبُه المال، وهذا الجاه، وهذا الشهوة، وهذا الرتبة، وهذا الوظيفة، وهذا الشهرة، وهذا الشنطة، وهذا البيت، وهذا السيارة، وهذا الطائرة، وهذا الوزارة، ويصبح معهم قومٌ ليس مطلوبُهم إلا الله، ما أعظم الفرق بين الفريقين، ما أعظم البُعد بين المقامين، فها نحن في هذا الموسم وبعد هذا الحج وفي هذه الليلة وفي رحاب نزول الوحي نمسي الليلة..
         وما مطلوبنا أيها الأحباب؟
 أيطَّلع عليك مقلبُ القلوب فيرى أن قد استحكم في باطنك مطلوباً سواه ومُراداً عداه!!
 اللهم إن لك اصطفاءات تطهِّر قلوبَ أصحابها عن قصدِ سواك فنسألك اصطفاءً من ذلك الاصطفاء.. يا الله، أعظِم بحال رجل أو امرأة يمسي ومطلوبُه الله، ويصبح ومطلوبُه الله، ويحيا ومطلوبه الله.. ويموت ومطلوبُه الله، وحينئذ يحب لقاء الله ويحب اللهُ لقاءه، ومن أحب اللهُ لقاءه فماذا ترى يؤتيه عند لِقاه؟ ماذا ترى له يكشف من نور عُلوِّه وسناه؟ ماذا ترى يلاطف به من أحب لقاءه ممن اجتباه؟ إنها النعم الكبرى يا أرباب العقول والألباب، فاحذروا أن يغركم دونها السراب، والسراب ما يُعمل اليوم في شرق الأرض وغربها، من استثارة التطلُّبات للدنايا، ويشتغل بذلك قوم ممَّن قطعهم اللهُ عنه، وحجبهم عن قربِه، ثم سلط عليهم من الشر ما أرادوا به صرفَ الخلق عن خالقِهم، وإبعاد العباد عن إلههم ومعبودهم، فأخذوا يستحثون وأخذوا يستجرّون وأخذوا يستبعثون في البواطن الإرادات المختلفة، بمختلف العروض التى يعرضونها حتى يوحون إلى مشاعر الناس أن المقاصد الساميات ما حددوه وما رسموه وما عظموه هم ودعوا إليه، وقد كذبوا..
 إن العظيم هو الله، ولا عظيم إلا ما عظَّمه الله، وإلا من عظَّمه الله، ولقد قرأنا في كتاب الله تعالى في علاه أن تعظيمَ شعائره من تقوى القلوب ( ومَن يعظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) ثم رأينا هذه الشعائر لها وجاهات عند الله تظهر يوم القيامة، فلم نرَ جاهاً أوسع من جاه المصطفى محمد، ولم نرَ جاهاً أعلى من جاه النبي أحمد، إذن فلا إذن لنا أن نعظِّم في الكائنات كائنةً ما كانت من العرش العظيم إلى التُّخوم في الدنيا والآخرة شيئاً كمثل محمد، فهو الأعظم عند مكوِّن الكائنات كلِّها، ولذا وجدنا أن اللهَ ربط محبتَه بمحبته، وطاعتَه بطاعته، ومبايعتَه بمبايعته، هذا فقهُ الكتاب العزيز، قال تعالى ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها ) ولا يستطيع أهل الشرور في الأرض أن يغووكم أو يغروكم بتطلُّبات غير ما يدخل تحت هذه الدوائر الثمان، يغرونكم بها ويولِّعونكم بها، ويقولون هى المقصود، لكن المعبود يقول إن كان شىء منها أحب إليكم من الله ورسوله ( أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ) فلم يذكر من الكائنات شيئا إلا المصطفى، لم يذكر أحبَّ إليكم من الله وعرشِه، ولا أحب إليكم من الله وجنَّته، ولا أحب إليكم من الله وسماواته، ولكن أحب إليكم من الله ورسوله، ولم يذكر من الأعمال إلا ما كان نصرةً لهذا الرسول، قال ( وجهاد في سبيله ) إن كنتم على هذا الحال وقصرتم فأشركتُم شيئاً من هذه الكائنات في هذه المحبة ( فتربصوا حتى يأتيَ الله بأمره ) لا تدرون هذا الأمر ما يكون، تنبيها بعد تنبيه وتذكيرا بعد تذكير بشيء من هذه الحوادث التى تسمعون عنها الكلام في الأيام والليالى بمختلف الوسائل تبثه بينكم، ثم إذا حدث منها شيء أخذ هذا يحلِّل وهذا يحلِّل وهذا يسبِّب؛ والمُسبِّب قد حدد..
 إن ما يجرى مما لا تشتهيه النفوس ولا تحبه ويضرها بسبب مخالفة الرب والرسول، والتقصير في القيام بالأدب والإتباع والمثول ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) ويجعل فيها التذكرة ( لعلهم يرجعون) فيتذكر من تذكَّر ويرجع، فينجو، ويصرُّ مَن يصر على غفلتِه وعنادِه ونسبته الأشياء إلى غير مسبِّبها، فيلقى اللهَ بعيداً غافلاً منكَّسَ القلب مقطوعاً عن الرب جل جلاله لا يحب لقاء الله ولا يحب الله لقاءه، فمن يتولاه إن كان المولى لا يحب لقاه، من يتولاه؟ مَن يأخذ بيده؟ من ينعِّمه؟ من يُكرمه؟ من له في برزخه أو عند وضعه في قبره إن كان الرحمن لا يحب لقاءه؟ فمن ذا يكون له ومن ذا ينفعه؟ وإذ علِمنا هذه الحقيقة فلنَرتبط بخير الخليقة، ونستمسك بالعروة الوثيقة، ليكون مقصودُنا الله، ومرادُنا الله، ومطلوبُنا الله، ولنتحرَّر من رِقِّ الطلبيَّات للسُّفليات والمنقضيات والزائلات، رِضاً وثِقةً بمالكها، القادر عليها، القاهر لها، وهى تحت حكمِه، ( وهو القاهر فوق عباده ، ويرسل عليكم حفظة)
 أيها الأحباب يُتزود بمثل هذا الزاد من هذه المواطن ومن هذه المواسم لننطلق في الدنيا نقول لأهل الدنيا: اللهُ ابتعثنا، الله ابتعثنا، ما سر هذه الصلة بالله؟ إنما أُرسل النبي محمد، ومن انطوى في النبي محمد تدرَّع بدِرعه، نشره في منى أيام الحج، حجة الوداع: ألا فليبلِّغ الشاهدُ منكم الغائب، فإذا بلَّغنا فما هي الصفة التي بها نبلِّغ؟ قال لنا في الحديث الآخر "بلِّغوا عني ولو آية"، صفتُكم: ( عني) هذه الصفة التى بها تبلِّغون، ليس أحد منكم تأهَّل بذاته لمعرفة أحكام ربه والقيام ببلاغها، ولكن انتخبني لذلك فبانطوائكم فيّ عنى فبلوغوا، ارتقُوا هذا المقام بانطوائكم في خير الأنام، ( بلغوا عني ) فلما أدركوا هذا المعنى قال قائلهم: الله ابتعثنا، لم نأتِ من جهة حزبية ولا سياسية ولا أهلية ولا حكومية ولا تبع مؤسسة، نحن ابتُعثنا من قبل حضرة الألوهية.. الله ابتعثنا، لنُخرج العبادَ مِن عبادةِ العباد إلى عبادة رب العباد، لنُخلِّص الناس من أدران نفوسِهم وتسلُّطات أهوائهم ليكونوا عبيداً متحقِّقين بالعبودية للواحد الأحد.
لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدلِ الإسلام، فمختلف الأديان مرجعُها إلى جوْر، ولابد أن يحلَّ فيها الجور كيف ولم تتهذب نفوس أصحابها بنُور خالقهم، فمن أين ينتزع منها فتيلَ الظلم؟ فمهما أبرزوا من شعارات ونظَّموا من تنظيمات، ترقّب وتتبع التصرفات والأنظمة، فلا ترى إلا وصادفت احتيالاً هنا وزيفاً هنا وتسلطاً هنا واعتداء على حق هذا من هذا، وذهب ما يُدّعى من حقوق الإنسان ومن الديمقراطية ومما يتعلق بشئون حريته إلى غير ذلك.. وإنما هو منازعةٌ لنظام الملكِ الأعلى، يريدون أن يضعوا أنظمتَهم مكانه، وأين يكون نظام مخلوقٍ مكان نظام خالق؟ جل الله وتعالى في علاه، ولذا قال: ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) هذا الحكم الأحسن اليوم يُستغفل شبابُنا عنه، ويقال لهم دعوه فأمامكم ما هو أحسن، كذبوا، تُستغفل بناتنا وناشئتُنا عنه، دُعُوا التعلقَّ بوحي السماء وبسنة الأسمى، فنحن الهابطون الساقطون الفاشلون في مجتمعاتنا عندنا لكم خطط ونظام!! وبهذا الخطاب خدعوا كثيراً من الأنام، وتركوا ماذا لماذا، وأعرضوا عن منْ مقابل الإقبال على مَن، هذا هو السقوط، هذا هو الانحطاط، هذا هو الهزيمة والعياذ بالله تعالى، أن تستبدل الذى هو أدنى بالذي هو خير، أن تستبدل القدوة من محمد إلى من ادعى التفكير ممن لم ينظر الله إليه منذ خلقَه، أهذا بدل هذا؟ والله إن القدوة محمد، مرتضىً من قبل الرب الواحد الأحد ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )
 وآيةُ حبِّ الله منا إتباعُه       به وعد الغفران بعد المحبة
ومن يطع الهادي أطاع إلهَه      ومن يعصه يعصي الإلهَ ويُمقت
ومن بايع المختارَ بايع ربَّه         يد الله من فوق الأيادي الوفية
قال تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله )، ما عرفنا شاعراً لا من عند حسان ولا عبد الله بن رواحة ولا الشعراء في حياته ومن بعدهم ولا البوصيرى ولا شعّار الشام ولا المغرب ولا اليمن ولا الحجاز.. ما رأينا أحدا يمدح بعُشر معشار هذا المدح ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) من يبلغ هذا المدح! من يبلغ هذا الثناء! الله يقول له هكذا، أين أنزلَه؟ أين أحلَّه؟ أين جعله؟ ( إنما يبايعون الله ) ما رأوا أمامهم إلا يداً فيها أصابع من لحم ومن دم وفيها عظام، إذاً هذه اليد لهذا البشر عبدي محمد شأنها عندي أن ما امتد إليها كما امتد إليَّ، وأكد ذلك بقوله: ( يد الله فوق أيديهم ) فلئن كان الحجرُ الأسود يمينُ الله يصافح بها عباده، فما تقول! منْ مِن نوره خُلق الحجر الأسود، وإذا اجتمعت الشعائر المحبوبة لله، المعظمة عند الله، لم يقل أنا لها إلا هو، ولا الملائكة؟ ولا الرسل ولا المقربون ولا من سواهم ولامساجد ولا بيت ولا عرش ولا كرسي، واحد يقول أنا لها، حبيب الواحد، مفرد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله
 يا مَن يقوم مقام الحمد منفردا      للواحد الفرد لم يولد ولم يلدِ
الحمد الله الذي أكرمنا بهذا النبي.. قوَّى الله حبالَ اتصالنا به، وننصرف من مجمعنا بقربٍ إن شاء الله، وصدقٍ إن شاء الله، ونورٍ يمتد إلى البيوت والمنازل وإلى شرق الأرض وغربها.
 يارب احفظ الحرمين الشريفين، ومَن فيهما وأهليهما، ومَن اتصل بهما، وهذه البلاد وبلاد المسلمين، وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين ومَن يقوم بالخدمة لك ولدينك ولرسولك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والطُف بإخواننا في جدة فيما نازلَهم، وارحم موتاهم، واجعل المثوبةَ لهم، والطف بالبقايا منهم، وادفع البلايا عنهم، وعوضهم خيراً في الدنيا والآخرة، وأهل المصائب في المشارق والمغارب، يا مرسل المصطفى لهم أجمعين نسألك بما بينك وبينه أن ترحمنا رحمة واسعة، وجميع الأمة في المشرق والمغرب، اكشف الكروب، وادفع الخطوب، واجمع عليك القلوب، وعلى حبيبك المحبوب، حتى نمسي ونصبح وأنت ورسولك أحب إلينا مما سواكما، نحيا على ذلك، ونموت على ذلك، سالكين أشرف المسالك، اجعلها ساعة إجابة، واجعل الدعوات مُستجابة، وأمطِر على ساحات هذه القلوب من صيِّب الإفضال أغزرَ سحابة، تُنبِت لنا الإيمان والمعرفة واليقين، وزيادة في التقوى في كل شأن وحين، وندخل بها في دوائر الصالحين، واغمر أهلَ البيت وإخوانهم وأصحابهم وذراريهم وأهليهم ومَن والاهم بالتوفيق والعطاء الواسع، وارتقاء المقام الرافع، وصلاح الشأن البعيد والقريب والشاسع، وأنِلنا وإياهم وأحبابنا والحاضرين المطامع وفوق المطامع، مما أنت أهله من غيثك الهامع يا حي يا قيوم، وأصلح أحوال الأمة في المشرق والمغرب، وادفع البلاء عنا وعن إخواننا في فلسطين، وعن إخواننا في العراق، وعن إخواننا في كشمير، وعن إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها، عن إخواننا في الصومال، عن إخواننا في كل مكان، يا محوِّل الأحوال حوِّل حالَنا وحالَهم إلى أحسن حال.
 وإن اقتضتِ الأعمالُ عقوبةً فإنا نئُوب إليك ونتوبُ ونتشفَّع إليك بحبيبك الأعظم ومحبوبيك أجمعين أن تعامل بفضلك لا بأعمالنا، عاملنا بفضلك لا بما صنعنا، ولا بما صنع السفهاء منا، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أجود الأجودين، وإنّا في المجمع نتوب إليك، عنا وعن أهلينا وأولادنا وبلداننا وعن بقية المسلمين والمسلمات، فتب علينا يا تواب، تب علينا يا تواب، تب علينا يا تواب، توبة نصوحا لا ننقض عقدها، لا ننكث عهدها، لا نُخلف وعدها، برحمتك يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين، وبارك لنا في أعمارنا، واختمها لنا بالحسنى وأنت راض عنا، والحمد لله رب العالمين.