محاضرة مكتوبة بعنوان: عظيم أثر الكلام وميزان ضبطه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على إحسانه المتوالي، وإفضاله المتتالي، ونورِ حبيبه المتلالي؛ اللهم لك الحمد شكرا ولك المنُّ فضلا، فكن لنا بما هو أهله يا خير والي.. إنك إذا أحببت أحداً من عبادك تولَّيته، فإذا تولَّيته كنت الحافظَ له، وكُنتَ الحارسَ له، وكُنتَ المعين له، وكُنتَ الهادي له، وكُنتَ الموفق له، وكنت الذي تضِن به عن البلاء والعذاب والآفات في الدنيا والآخرة؛ واذا أعرضت عن عبدٍ من عبادك، وكَلته إلى شيء من الكائنات، فتولَّى غيرك وتولَّاه سواك، ومن وكَلته الى سواك هَلَك! فليس في المملكة شيءٌ عنك يُعيض، وليس في المملكة شيء منك يكفي..
يا من يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء، يا حي يا قيوم تولَّنا فيمن توليت، ولا تُولِّنا ولياً سواك، ولا تجعلنا ممن خالف أمرك وعصاك، بارِك لنا في إقبالنا واستقبالنا لفائضات فضلك، التي تبثُّها لعبادك، ووفرت حظّ هذه الأمة منها، وجعلتَنا في هذه الأمة، فلك الحمد فضلا، لك الحمد طَولا، لك الحمد شكرا، ولك المن يا متفضل يا متطوِّل، يا منعم يا كريم يا الله.
وإنك من وهبته نعمةَ الإيمان بك فتوفَّيته على ذلك، مؤمناً بك وبرُسلك ووبملائكتك وبكتبك واليوم الآخر، وما جاء به نبيك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، جعلتَ مآله دار الكرامة والنعيم المُخلَّد، ومَن حرمتَه هذه النعمة فجميع ما أُنعِم عليه به سِوى ذلك، مِن سمع وبصر وصحة وجسد ومال وأي شيء في هذا الوجود، تحول إلى نَعْمَة، نَعْمة ليس لها عاقبة، ليست لها محمدة، عاقبتها سوء وتخلَّد بعد ذلك في العذاب المهين، والعذاب الأليم.
هذه حقيقة من إرادتك في خلقك، حدثتَنا عنها على لسان رُسُلك، فآمنا وصدقنا، فأحيِِنا شاكرين وتوفَّنا مسلمين، واحشرنا في زمرة السابقين، آمنين من الهول المهول والعذاب الأليم.
رب احينا شاكرين** وتوفنا مسلمين
نُبعث من الآمنين ** في زمرة السابقين
بجاه طه الرسول** جُدْ ربنا بالقبول
وهَبْ لنا كل سول ** رب استجب لي آمين
عطاك ربي جزيل** وكل فعلك جميل
وفيك أملنا طويل** فجُد على الطامعين...
يا ما أحسن الطمع فيك يا مولى الموالي ويا رب العالمين..
كانت هذه مِنَن سِيقت إلينا، وتعرضنا لها، بما قُلنا وبما سمعنا، نقول ماذا؟ حمد أو تسبيح أو تهليل أو تكبير أو صلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. ونسمع ماذا؟ آيات، شمائل نبويات، وكم يترتب على هذه الكلمات؟ سبحان الحكيم.. جعل لهذا الكلام أخبارا، وجعل له كبير آثار، في الدنيا وفي الآخرة، أما سمعت قوله عن طوائف من أهل الجنة: ( فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ) فأثابهم الله بما قالوا؛ ضبطوا القول، وقالوا قولاً مرضيا..( فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) كم يترتب على ضبط القول؟ لهذا ذكر الله مَن منَّ ممن يعيشون في الدنيا، ضابطين لما يصدر بألسنتهم من أقوال، وبما يتكلمون، يقول سبحانه عنهم: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ).. حَمدُوا وحُمِدوا.. وهم الحمّادون، والحمادون في الأمة كثير، في كل أمة حمادون، لكن في هذه الأمة حمادون كثير. والحمادون قوم ينطقون بالحمد ظاهرا وباطنا، لما عرفوا من عظمة المُنعم، ولما عرفوا من جلال المُنعم، ولما عرفوا من كرم المُنعم، ولما عرفوا من إحسان المُنعم، ولما أدركوا أنهم لا يستحقون شيئاٌ من هذه النعم، ولكن هو الذي تكرَّم عليهم بها، فعاشوا على حقيقة الحمد، منكسرين من أجل الله تعالى، منكسرة قلوبهم، يرون إفاضةَ النعم من دون استحقاق، فزادهم الخلاق ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) له الحمد وله المنة.
صلتُك بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، معرفتُك بمعاني نبوته ورسالته، معاني عظمته ووجاهته ومكانته عند الله، نعمة.. كلما شكرت اللهَ على هذه النعمة، زادك الله من نعمة محمد.. زادك من نعمة محمد، فاتسعت معرفتك بمعاني نبوَّته، بمعاني رسالته، بمعاني خصوصيته، بمعاني وجاهته، بمعاني منزلته عند الله.. وكلما كان كذلك وزِدت زادك (لأَزِيدَنَّكُمْ).. جل جلاله وتعالى في علاه، وهذه الزيادة التي لا غاية لها، تؤدي بك إلى دار الحسنى وزيادة ( لِلذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم.. يارب العالمين.
مِن أعظم الموازين التي بُعث بها الأنبياء: ميزان الكلام، ميزان اللسان، وقسَّم النبي لنا الكلام قسمين، كلام من رضوان وكلام من سخط الله.. وقال صلى الله عليه وسلم ( يتكلم الرجل بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما به بلغت، يُرفع له بها في الجنة درجات، فيكتب الله بها عليه رضوانه إلى الأبد) ينطق بالكلمة فيرضى الله عنه إلى الأبد! الله أكبر! كلمة طيبة خرجت منه، في وقتها ومحلها..
تعرف خطر الكلام إذا أُرسل على غير بصيرة، إذا أرسل على غير فكر، إذا أُرسل على غير محاسبة.. (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت يهوي بها في النار أبعد من الثريا، يهوي بها في النار سبعين سنة،(يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة) نعوذ بالله من غضب الله..
فانظر ما الكلام الذي يجري، وبهذا تعرف كم يسرق أعداء الله من أهل الإيمان، بما ينشرون من كلام بينهم، يعلّمونهم أن يتكلموا بغير الأنفع وبغير الأرفع، والحق يقول على لسان نبيه ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ).. يدخل نزغُه من قول غير الأحسن، لذا تجد عامة المشاكل بين الرجل وزوجته، بين أفراد الأسرة، بين الجيران، بين أهل البلدان، بين الجماعات والطوائف، بين الدول.. منشؤها من الكلام.. منشؤها من الكلام.. كلمة تصدر من ذا ومن ذا وينزغ الله سبحانه وتعالى بينهم، وللشيطان استخدامٌ لمن ينساق لتعليماته، له استخدام ليستخرج منه الكلام الذي يضر، الكلام الذي يشحن الصدور بالبغضاء، يشحن الصدور بالظلمة، يشحن الصدور بالكبر، يشحن الصدور بسوء الظن، يشحن الصدور بالاستخفاف بشيء من كائنات الله، فضلا عن مسلم، ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) وكم من كلمات صيَّرت بين المسلمين عقولا خرجت منها تعظيم الشعائر! عقولا صار لا يعبأ بالمسلم اذا كان فقيراً أو كان ناقصا في شيء من مظهره أو من خِلقته ونسي نداء ينادي به صاحب الرسالة الذي جاء من عند المكوِّن الخالق ( رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبرَّ قسمه)! ما استمع لهذا الكلام..والكلام الذي استمع إليه جعل يرسخ في ذهنه وعقليته، الاستهزاء بعباد الله الضعفاء، وبعباد الله الواقعين في شيء من الآفات الظاهرية أو الجسدية أو المالية وما إلى ذلك.. ورسول الله يحذِّر من اختلال الموازين هذه، يقول (من تواضع لغني صالح) لكن لا لصلاحه ولا لتقواه (لغناه) لأجل المال، خربط الميزان (ذهب ثلثا دينه).. من تواضع لغني صالح لغناه ذهب ثلثا دينه، ثلثين روح، عاد باقي ثلث من الدين كيف يبقى وهو واياه.. بهذا التصرف، باستعمال قلب الميزان الرباني، الله ما جعل الفخر والعزة بالمال، وهذا تواضع من أجل المال فقلب الميزان فذهب ثلثا دينه، ثلثين مرة بسرعة تذهب، بهذا التصرف السيء، وكم من كلمات علَّمت الناس ما يُذهب عليهم ثلث دينهم وثلثي دينهم وزيادة، والعياذ بالله وتعالى..
(وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا)
ينبغي للأمة في شهر ذكرى ارتباطها بالنبي، من حيث أذن الله ببروزه ووجوده بشراً لا كالبشر، خلْقا سوياً محسوسا منظورا مسموعا مُشاهداً أمام الخلائق، فبرز بذلك النور المبين صلوات ربي وسلامه عليه، وعظُمت الصلة به، لعظمة هذه الصلة، مع أن كل الأنبياء قبلنا آمنوا به، وأممهم كذلك، بإيمان الأنبياء، لكن نحن صارت بيننا وبينه صلة خاصة فصِرنا خير الأمم، أفضل الأمم
لما دعا الله داعينا لطاعته *** بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
اللهم لك الحمد، من أين جاء؟ من هذا الاتصال ببروزه جسدا وروحاً في قالب بشر، إنسان على ظهر الأرض، يُرى ويسمع ويُصافَح ويُجالس، منَّة من الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
سعدت به أمته فيما قد روته الصحاح
قد كان مولده والمبعث بأرض البطاح وساعة الوضع صار الليل مثل الصباح
وكل قلب اشرق فيه نوره، ما عاد عنده ليل كله صباح.. لأن نوره ما ينطفئ.. ويزداد في اللمعان على الدوام.. وإذا خُسف الشمس والقمر برز نور خير البشر وقال (أنا لها).. صلوات ربي وسلامه عليه
محمد الطُّهر اللي نوره طمس كل نور..
فيا فوزنا بهذا النور.. هذه الكلمات التي تجري في ذي المجامع، خصوصا في خاتمة هذا الشهر، يقبل علينا هذا الاسبوع في بلادنا حافل بالاجتماعات الكبيرة، الاجتماعات الكبيرة فيها عطايا كبيرة، فيها امدادات كبيرة، فيها فيوضات كبيرة، فيها أمطار غزيرة لساحات القلوب.. كم يحيا فيها من قلب ميت، وكم يقرب فيها من بعيد، كم يُحوَّل شقي إلى سعيد، راياتها معقودة بإرشادات من بُعث الينا بالمناهج الرشيدة، عقد لواء الاجتماع على الذكر، والاجتماع على تعظيم الشعائر، والاجتماع على الفرح بالله وبالإسلام وبمحمد، الذي جاء بالإسلام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. وبشرنا أنها مجالس يباهي الله بها ملائكته في السماوات.. بل وخصص لها سيَّاحين سيَّارين من الملائكة، وظيفتهم في حياتهم التماس حِلَق الذكر، هذه عبادتهم، مالهم عبادة أخرى، وظيفتهم من حين ما يخلقهم ربك إلى يوم القيامة قال دوروا للذاكرين من أتباع حبيبي هذا واحضروا معهم..(إن لله ملائكة سياحين يلتمسون حلق الذكر) هذا شغلهم (فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا ) هلموا حصلنا المقصود.. (هلموا إلى طلبتكم، هلموا إلى بغيتكم)، وفي لفظ (هلموا إلى حاجتكم) فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا.
هكذا جاءت لنا الأخبار في الصحيحين عن المختار، بهذه العجائب، فيها يُدار الكلام، الكلام حمد الله وصلاة على رسوله أوصاف المصطفى صلى الله عليه وسلم وشمائله، ودعوة الى ما بعث به وإلى ما جاء به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. فكم يرحم الله بها أحياء وأموات، وكم تعم خيراتُها في كثير من الجهات.
الحمد لله على هذه المنة، الله يبلغنا تمام الشهر، ويرينا سطوع النور في السر والجهر، وانتشاره في شرق الأرض وغربها، وائذن يا ربنا بتفريج الكروب، ودفع الخطوب وجمع القلوب عليك يا بر رحيم..
قد كثر الكلام الذي يُفرِّق، والذي يُبعِد عن الله سبحانه وتعالى، وغُششنا به، غُششنا به في الديار، غُششنا به المجالس، غششنا به في الأسواق؛ قد كانت الاسواق تسمع فيها القرآن، الأسواق تسمع فيها الذكر، الأسواق تسمع فيها العلم، هكذا كانت الاسواق، على مدى قرون في تريم وفي غير تريم.. أسواق الذاكر فيها، المتعلم فيها، المعلم فيها، التالي للقرآن فيها..
بعضهم له في دكانه في اليوم خمسة أجزاء، بعضهم له في في مخزنه في اليوم عشرة أجزاء ، بعضهم أقل، بعضهم أكثر.. وفيهم الذي يختم في اليوم ختمة، وهو يبيع في السوق، وقد كان كما سمعتم في كثير من بلاد أهل الإسلام، وكان بارز بجوار الحرمين المصحف جنب البائع، ودلائل الخيرات، صلاة على النبي والمصحف، يقرأ في ذا ويقرأ في ذا في أوقات فراغه، فهو في التجارتين معا، ما هذا؟ هذا كمال إنساني، هذا وعي، هذا ادراك لعمارة الحياتين، واتخاذ الوسيلة وسيلة والغاية غاية، هذا كمال انساني، كمال بشري، جاءنا من عند المرسَل بالكمال، النبي الكامل، الذي جاء بالدين الكامل، وهو مجمع الكمالات الانسانية، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه
وبث لنا هذه الآيات، التي ليس من الأقوال أعظم منها قط قط، ومنها "لا إله إلا الله" وهذه أطيب القول، أطيب القول، وهي من القرآن، كلمة من القرآن، ينبغي للذاكر بها أن ينوي التلاوة، فإنها من القرآن، يزداد نورها، يزداد أجرها، يزداد العطاء بسببها، لأنها جاءت من تعليم رباني (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)..إيش وسطها هذه؟ يجي صالح يلقن واحد من المتلقين الصادقين لا إله الا الله فيحس قلبه امتلأ نور لما يسمعها من شيخه ويقولها وراءه، رب العالمين يقول لحبيبه (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) ايش فيها هذه؟ ايش انطوى فيها؟
فاذا ذكرتَ الله بها، انوِ بها من القرآن أيضاً، من ذاك العلم اللي علمه حبيبه صلى الله عليه وسلم (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) شوف رحمة الله بالمؤمنين والمؤمنات، قال وانت يا حبيبي يا صفيي يا من أنا أسمع له من جميع الخلق، وهو أقرب اجابة عندي من جميع الخلق، المؤمنين والمؤمنات انت استغفر لهم، هم بيستغفروني لكن أنت استغفر لهم، وأين استغفارهم من استغفارك؟ علّمهم الاستغفار، وقل لهم (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا) ولكن أنت هات استغفار من قدرك (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).. عناية الله بالمؤمنين والمؤمنات، قال لحبيبه وأنت استغفر لهم، اللهم صل عليه وعلى آله
ولما كانوا درجات.. درجات.. درجات.. أرشد الأمة وصلحاءها أول من يتلقى الأمر، قال: من استغفر الله للمؤمنين والمؤمنات كل يوم 27 مرة كان ممن يستجاب لهم، وبهم يرزق الناس ويُمطرون)..فعلمهم الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات أيضاً.. إذاً ينضاف الى السمو من استغفار هو، استغفار ارباب الدرجات ليدخل البقية بفائدة من صاحب كل درجة عند الله.. عرف من الاستغفار ما لم يعرفه عامة المؤمنين.. تتجمع لهم فوائد الخصوصية.. ما أرحم الحق بنا وما أرحم نبيه بنا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم..
لكن من يُحدِّثنا عن هذا لتقوى الصلة؟ ولتتعمق الرابطة بيننا وبين ذا الجناب؟ ولنستشعر حلاوة الصلة بالرحمن وبسيد الأكوان، نذوق نعيمها في الدنيا قبل الآخرة، ونعيم ما يمكن لحضارة من حضارات الأرض تصنعه لنا.. من أين تجيب؟ ما يمكن ماشي عندهم مفاتيح، مفاتيحها ولا مصانعها ما يقدرون عليه، لكن في هدايا النبوة فقط، في كنوز الرسالة، موجودة هذه الأذواق والحلاوات، كم ذاقوها من قبلكم والله لا يحرمكم إياها..ويجعل لكم نصيب من ذوقها..
سر العلاقة بيننا وبين الجناب الشريف يقوى بكثرة مدحه صلى الله عليه وسلم، بكثرة ذكره صلى الله عليه وسلم، بكثرة الصلاة والسلام عليه، ويكفيكم ما قال (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) اللي كان يذكرني كثير، يصلي علي كثير، يكون أولى بي، وأولى بي ذا معناه أعرف، ومعناه أقرب ومعناه أقوى صلة ومعناه منطوي ومعنه داخل في ومعناه ومعناه.. (أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) يارب صل عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه وعلينا ومعهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين
فطيِّب القول، وتعلَّم طيب القول، تعلم مخاطبة القريب والبعيد بطيب القول، وعلى ذلك ربى النبي أصحابه، لما سمع من سيدنا أبيبكر بعض الكلمات وقت الغضب قال (أصدِّيقون وسبابون؟) هذا ما يجي منك، ما ينبغي، فنزع عنهم هذا الكلام كله، وعلمهم وخرجهم من جاهلية، وكان الجاهل فيهم يجهل، والذام يذم، والساب يسب، إلى تقوى الله تبارك وتعالى، يسبهم الساب ما يسبونه، يذمهم الذام ما يذمونه، سبحان الله.. تنزهت ألسنتهم، تربية المصطفى، وزمُّوا الألسنة، اقرأ سِيَر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، اقرأ سير أهل البيت الطاهر، اقرأ سير خيار الأمة على مدى القرون، تأمل أقوالهم، بماذا تكلموا؟ بماذا خاطبوا الناس؟ يقول لصاحب الإدراك بمن اتصل بهؤلاء الذين أدركوا الحقيقة "يخاطبنا السفيه وبكل قبح، وأكره أن أكون مجيبا، يزيد سفاهة وأزيد حِلْما، كعود زاده الاحراق طيبا" جا بغى بيحرق العود ظهر طيبه، كان الناس ماهم دارين به لكن لما بدأ يحرقه، من أين الرائحة ذي؟ عرفه الناس
قال شاعرهم في ذا المعنى:
وإذا أراد الله نشر فضيلة ** طُويت أتاح لها لسان حسود
يجيب حسود يخليه يتكلم لتظهر الفضيلة واذا بها انتشرت.
كانوا في أول سنين البعثة بعد ما جهر صلى الله عليه وسلم بالدعوة، قالوا الحج جاء وموسم الحج سيسمعون كلامه ويتأثرون ايش نعمل؟ قالوا حذروهم منه قبل ما يجي.. جعلوا على مداخل مكة للحجاج يقول في واحد في البلاد ساحر لا تقربوا منه.. فلما قالوا هكذا عرف الحجاج كلهم، لو لم يفعلوا هذا الكفار، الكثير من الحجاج بيدخلون وبيخرجون ما عندهم خبر! لكن نشروا الخبر، فإذا بذكر النبي محمد وسط القبائل المختلفة، من فعل الكفار هناك، وأمسك بعضهم من أمسك من الداخلين الوافدين، ساداتنا الصحب الأكرمين، إلى الحدود التي لما كثروا عليه كلام منها، أخذ الصوف ووضعه وسط آذانه حتى لا يسمع الكلام.. لا يسمع كلام محمد صلى الله عليه وسلم.. وهو يطوف الا والحبيب قدامه، يشوف والقلب يتحرك، يسمع ألفاظ وكلمات فأخرج القطن وقرب منه، يسمعه يدعو الله، جاء يصافحه وما خرج إلا مسلم
وهكذا كل من أراد معاداة الحق عادى نفسه ونُصِر الحق، فانتبه لنفسك لا تُخرِج كلمة الا وهي عند ربك طيبة وتنال بها منزلة لديه ويقبلها منك، والا كما قالوا: الكلام القبيح لا يشين إلا من قاله لا من قيل فيه.
قال بعضهم من الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم، إن مدحي لزين وإن ذمي لشين، قالوا ذاك الله، ماهو إنت، إن وافق مدحك مدح الله قُبل وحصلت الفائدة، وإلا لا عبرة لمدحك! وإن وافق ذمك ذم الله قُبِل وحصلت الفائدة منه وإلا لا عبرة في ذمك! الذي ذمه شين ومدحه زين الله، قوله الحق وله المُلك، جل جلاله.. ولا أقرب من المعرفة بالله من أنبيائه ورسله وأهل حضرته جل جلاله، فالقول قوله جل جلاله وتعالى في علاه.
وهكذا تعلم كيف تصرِّف لسانك في هذا العمر حتى تعرف سر صعود الكلم الطيب.. (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) إليه..سمعت؟ إليه.. (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) واذا واحد كثر كلام طيب.. يصعد يصعد عاد باقي روحه ما تصعد؟ وهو وذاته بتصل إليه..ما عاده الكلم بس الكلم فرع منه.. (إليه إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) هذا صعود معنوي، لا في جهة ولا في مكانة، الأرض والسماء فيه سواء، لكن صعود معنوي إلى القبول عند الله الى الرضوان من الله تبارك وتعالى، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) جل جلاله وتعالى في علاه.
هناك علامة إذا رُفع عملك الصالح ماعاد بقي عندك منه شيء، أي لم تشهد نفسك عاملا، لأنه رُفِع، ولكن اذا بقي عندك "انا فعلت أنا فعلت" هذا العمل ما ارتفع، لو كان طلع ما بنحصل شيء عندك، فوق خلاص ماهو عندك، تشهد المنة لله سبحانه وتعالى، وهكذا:
بتوفيقه صار المطيع يطيعه جل جلاله..
وهكذا في الذنوب، ان أبقاها سبحانه وتعالى مثبوتة عليك ندمت عليها وتأسفت عليها، فإذا تكرم سبحانه وتعالى بمحوِها عنده أعطاك اياها ردها لك تبقى عندك ممحوة من قبله لكن اذا رفعها وثبتها عليك؟ تنسى ذنبك.. تشوف نفسك ما أذنبت.. تشوف نفسك ما عصيت.. (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ) اذا لو كان ما عاد اثبته عليهم وقد اعطاهم اياها، يقولون إذا واحد أخطأ في خطأ، يقول هذه المرة لك، لو شليناها عندنا بنحاسبك عليها، خذها لك، وكذلك من شهد نفسه مقصر وانكسر لربه، أعطاه اياها سبحانه وتعالى سامحه فيها، وما عاد عرضه لعقوبتها ولا لنتيجتها.. (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)..
ولأجل ذلك سمعت الحق يقول لنا في الثناء على هذه المظاهر (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يسبِّح له فيها بالغدو والآصالِ رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) لهذا قال أهل الحكمة: إن ارتفاع الأصوات في مواطن العبادات بانواع الدعوات يُحلُّ الله به ما عقدته الأفلاك الدائرات, يعني يكشف به البلايا، يدفع به الرزايا
فالله ينظر إلينا نظرة، يبارك لنا في خاتمة شهرنا، وننصرف من جمعنا وقلوبنا على الله مجموعة، وألسنتنا مزمومة بزمام التقوى، ننطق بالقول الطيب، نُهدى إلى القول الطيب، ونُلهمه كما نُلهم النَّفَس، حتى نشابه أهل الجنة الذين يُلهَمون التسبيح والتقديس كما يُلهمون النَّفَس، اللهم سِر بنا في ذاك المسار ، واربطنا بالحبيب المختار، فرِّج كروبنا والمؤمنين وتولنا والمسلمين، وأصلح شؤوننا وأهل لا إله إلا الله أجمعين، بارك لنا في هذه الخاتمة لهذا الشهر الكريم، اجعل لنا نصيب وافر من عطائك الوافر وجودك الغامر ومنحك المتواتر يا كريم يا فاطر يا أول يا آخر، يا باطن يا ظاهر نوِّر لنا البصائر، صفّ لنا السرائر اربطنا بسيد الأوائل والأواخر ربطا لا ينحل يا اللـــــه.. ربطا لا ينحل يا اللـــه ربطا لا ينحل يا اللــــه.. اربط به أهلينا، واربط به أولادنا، واربط به جيراننا، اربط به طُلابنا، واربط به أصحابنا، واربط به أهل بلداننا، واربط به أهل زمننا، واربط به المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يا اللــه.. فضلا منك ربطا لا ينحل.. يكون به الهوى تبعاً لما جاء به من هدي أجل، اللهم ثبتنا على دربه، واسقنا جميعاً من شُربه، واجعل رابطتنا به تقوى في كل لمحة وفي كل نَفَس، حتى نرقى إلى مراتب القرب الأقدس، وأنت راضٍ عنا.. يا اللــــه.
يا معطي العطاء الأنفس، يا من يعطي ولا يبالي، يا مولى الموالي.. بالنور المتلالي لا تجعل أحداً عن سر الصلة به خالي وأصلح لنا به شؤوننا وأقرَّ بالرضى عيوننا وأصلح ظهورنا وبطوننا يا اللـــه.. سألناك بمن دعانا إليك فاقبل دعاءنا.. وحقق رجاءنا.. ونوِّر هذه القلوب بنورك الذي يزداد.. في الدنيا والمعاد.. يا خير ولي ويا أكرم هاد.. يا اللــــه.. نحن نسعد بقول يا اللـــــه.. ونرفع إليك يا مولانا تضرعنا ودعاءنا وابتهالنا قائلين يا اللـــــه.. موقنين أن ليس لنا إلا اللـــــه.. فيا اللــــــه.. موقنين أن لا معطي لنا إلا اللــــه.. فيا اللـــــه.. موقنين أن لا يغفر الذنوب إلا اللــــــه... فيا اللـــــه. موقنين أن لا يعطينا السعادة إلا اللــــه.. فيا اللــــــه.. يا اللـــــه.. يا اللـــــه.. أسعدنا وإياهم.. بأعظم السعادة في الغيب والشهادة واجعلنا من أهل الحسنى وزيادة.. يا أرحم الراحمين.