04-2013
23

محاضرة مكتوبة بعنوان: إصغاء سمع القلب والروح لنداء الحق ورسوله وضرورته للأمة للإنقاذ والفوز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أكرمَنا بنبيٍّ أحسنَ البلاغ عن الله، وأحسنَ التعليمَ لنا والتوجيهَ لنا والحدوَ لنا لنحوزَ رضاه؛ اللهم لك الحمد إذ خصَّصتنا بمحمد، وجعلتَنا من أمة حبيبك محمد، فثبِّت أقدامنا على قدمِ نبيك محمد، واربط نياتِنا بنية حبيبك محمد، واربط مقصدنا بمقصد حبيبك محمد، واربط أفعالنا بأفعال حبيبك محمد، واربط أقوالنا بأقوال حبيبك محمد، واربط مجالسَنا بمجالس حبيبك محمد، وثبتنا على حسن الاتباع لحبيبك محمد، وائذن بحشرِنا مع حبيبك محمد. فنُكفى الحسرة يوم الحسرة، يوم الندامة، وبئست الندامة ندامة يوم القيامة، ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى*يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى*وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى).

 والنتائج على حسب المسار في هذه الحياة الكثير غرورُها، الكثير زورُها، الكثير الخدعُ فيها، والكثير المخدوعون فيها، النتائج ( فَأَمَّا مَن طَغَى*وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) وهناك لا رؤيةَ لمحمد ولا لوجههِ المنير، ولا مصافحةَ لكفِّه الطاهر، ولا ورودَ على حوضه المورود، ولا مرافقةَ للنبيين ولا الصديقين ولا الشهداء والصالحين، بل مع المغضوب والضالين نعوذ بالله من ذلك.

 (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) هذه نتائج مَن غفَل، من تخاذَل، مَن لم يرضَ بالتنبيه، لم يرضَ بالتوجيه؛ يعيش معنا يقول الزمان فسد، وأنت لماذا تفسد؟ أمَا داعي الصلاح أمامك!؟ أمَا النور يلتاح تجاهك!؟ أما البُسُط مبسوطة لك!؟ أمَا سمعت المنادي يناديك!؟ أما الداعي يدعوك!؟ (اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)، هل استطاع ظلامُهم وأبواقُهم وزخارفُهم أن تحجبنا عن سماع نداء الحق ورسوله؟ لا.. ولا يستطيعون ذلك، لكن أنت لِمَ تتصامم عن هذا وتسمع ذاك؟ لِمَ تغتر؟ لِمَ تقبل على ذاك الخبيث؟ وأين وصل؟ وصل إلى أين؟ وصل إلى دارك؟ على يدك، على يدك وليس على يد واحد ثاني، وصل إلى دارك على يدك، لا يستطيع الخبيث وحده أن يدخل عدو الله ولا جنده، أنت بيدك تدخلهم! وصل شرُّهم على يدك إلى دارك، وإلى سيارتك وإلى جوالك وإلى الراديو حقك، وإلى الآي باد الذي معك، وإلى النت الذي تستعمله.. ، الشر وصل على يدك، يقول العدو ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)

قد كان يذكر لنا بعض الصالحين في بعض الأماكن، يقول: رأى بعض صلحاء بلده من مات من أهلها، وإذا به تحولت أظفاره إلى نحاس قوي، ويخمش بها عينه، يُخرِجها، وترجع ويخرجها.. فسأله: ما بالُك؟ قال دخَّلت مناظر سيئة، في هذا التلفاز..

قال فقيل لي: دخلته بيدك فأخرِج عينك بيدك..

 قال هذا عذابي، من يوم مت وأنا في هذا العذاب.. بيدك دخلته وغشيت عينك خرج عينك بيدك ذي الساعة، خذ جزاءك، نعوذ بالله من غضب الله سبحانه وتعالى.

المنادي ينادي والنداء قوي، هو أقوى والله، أقوى من نداء إبليس وجنده، بأصنافهم وأنواعهم بمختلف أبواقهم التي ينفخون فيها هنا وهناك، نعم يأخذون الكثير، ولكن الحسرة عليهم لأن النداء الأقوى قائم وما استمعوه ولا أجابوه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) تراه حاضرا في مثل ذا المحضر، يجي ويجلس معنا مثل هذه الساعة.. كم توجد في الدنيا من أنواع الفتن والفساد.. هو في سياج منها، كأنه في عالم آخر بعيد عنها، هو في حراسة، هو في سُرادقات من إفاضات الجود، إن مَطرت هناك اللعنة مطرت عليه الرحمة، إن نزل هناك الغضب نزل عليه الرِّضى..

 من أين جاءت؟ هذه بضاعة محمد بن عبد الله، هذه بضاعة السراج المنير، هذه بضاعة الرحمة المُهداة، الذي بكى في لياليه، الذي نادى من أجلنا باريه، وأجابه رب العرش ( إنا سنرضيك في أمتك ولن نسوءك فيهم)، كان وجود الأخيار في مختلف الأقطار، وما يُمد على أيديهم من بساط الأنوار والأذكار والتوجيه إلى الغفار، كان ذلك مظهر ( إنا سنرضيك في أمتك)، مظهر هذا في الدنيا، (إنا سنرضيك في أمتك ولن نسوءك فيهم) ومهما اشتدت الفتن ونزلت المِحن سنجعل شرابَك الصافي واصلاً لكلِّ من أقبل وصدق، لكلِّ من توجه، لكل من رغب، ودائر الكاسات على ممرِّ الليالي والأيام والأزمان، في مختلف الجهات موجودون بعيننا تحت سرايةٍ من سر ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) وإذا ثار ما ثار، وحصل ما حصل من حواليهم، فهم تحت ما جرى ما أجريناك فيه، (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ*واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) يقول سبحانه وتعالى قبلها (...وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ*وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) قل إني أنا النذير المبين، من مثلك ينذر أخطر شيء: غضبنا؟ ينذر الخلق من أصعب شيء، عقابنا وعذابنا وإعراضنا عنهم؟ أنت، قل إني أنا النذير المبين، (كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ*الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ*فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ*فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) وإن كان موجودا في مكة حكم نافذ لأبي جهل وعقبة بن أبي معيط، ونظراؤهم.. فاصدع بما تؤمر، ومن سيأتي بعدك سيصدع إن جاءت فتنة من شرق أو من غرب سيصدعون وراك، بسر صدعك هذا، (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ*) الدنيا ملآنة مستهزئين (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، دعهم يتكلمون، ويسبون ويعملون ما شاءوا نحن كفيناك إياهم.. نورك سينتشر، ودينك سيظهر، وشأنك سيعلو، مهما حاولوا، وتمر الأزمنة والأيام واسمك يُردَّد في الشرق، ويُردد في الغرب، ويُردد في الديار، ويُردد في الشوارع، ويُردد في الأسواق، ويُردد في الكتب، يُردد في الصحف، ويُردد في الإذاعات، ويُردد في القوائم، ويُردد في الأجهزة، واسمك مرفوع برفعِنا (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).

 ما لأكثر العقول والقلوب تنظر إلى دعايات ومظاهر أهل الظاهر والجمود والجحود من أهل الدنيا ودولهم وسلطانهم، وما تنظر لهذه الأعلام في دولة الحق التي رأسها محمد؟  ألا ترى الذكر المرفوع؟ ألا ترى النورَ المنشور؟ ألا ترى التأييد الرباني؟ ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا* وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا).

 فيا فوز من أُكرم بتحريكِ قلبِه لينصر هذا النبي، أشياء خفيفة يا أحبابنا يا إخواننا يا سامعين يا مدركين يا أرباب لب يا أرباب العقل، أشياء خفيفة نقوِّمها في عاداتنا وعباداتنا نجنِّب أنفسنا وديارنا وأسرنا فيها دواعي الشرور والاستجابة لها، وما أرادوا منا في الأقوال والأفعال والأغاني والأزياء وما إلى ذلك، ونمسك سنة محمد.. وننصره، فماذ يحصل؟ الذي يحصل أنك تدخل في دائرة عناية الرحمن، يقول الذي أنا نصرتُه أنتَ حركتَ قلبَك بنصرتِه فتعال هنا ادخل، يدخلك الكريم في دوائر التكريم، ويحشرك مع حبيبه.. فأنت أصلا لم تعمل شيئا، هو أصلا منصور، إن نمت ، وإن خالفت أو عاندت.. فالنبي محمد منصور، منصور في الدنيا ويوم النشور، ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ )، ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) يُقتَل المقتول منهم، يُضرب المضروب منهم، يُسجن المسجون منهم، والنصر لهم، والنصر لهم..

يا بلال.. عُذِّبت في مكة أيام وليال؛ من المنصور؟ أنت بسبب اتصالك بالمنصور، باتصالك بمحمد، علَّمك الولَع بالواحد الأحد، ضربوك فقلت "أحد أحد"

يا بلال..  اليوم ليس في العالم ليس من يذكر الذين ضربوك بالخير، لا أحد يذكرهم بخير..

يا بلال.. اليوم ذكرك في الشرق والغرب بالإعجاز والإكرام.

يا بلال.. أيام وليالي قلائل صبرت فيها وأدركت ثمرات كبار جلائل

يا بلال.. ربحت الكرَّة، ربحت التجارة.

يا بلال.. فزت، فزت، وكل من استجاب لمحمد فاز.

الذين في وقتكم وشُرّفتم بالذات الكريمة بينكم وسبقتم إليها، هذا فضل من ربكم لا أحد يقدر أن ينافسكم عليه، ولكن السعادة بالحبيب ، وأنوار ذاته وبركته باقية حتى أدركناها مِن بعدكم، حتى وصلت إلى قرنِنا وزماننا، وهي باقية بعدنا كذلك، هذا فضل الله، هذا فضل الله علينا وعلى الناس، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)..

نذكركم بكافر أسلم، فعلم المعنى والحقيقة وذهبت الموازين الباطلة من ذهنه بعد أن كانت راسخة عنده، مثل غيره من الغافلين والكافرين، يقاتل المسلمين، وجاء إلى عند سيدنا حرام بن ملحان، يقاتله فترقب فرصة، فأتاه من ورائه بسهم قوي، يرميه من خلفه برمح فيخرج من صدره، وينفذ السهم ويخرج الدم، فيتلقاه بيديه.. قال فطَيَّره يمنة ويسرة وهو يقول ( فزتُ وربِّ الكعبة )، فالكافر هذا من ورائه لا زالت الموازين مخبوطة ما عرف الحقيقة، فتعجب!! لماذا قال: فزت!!؟ أنا الذي قتلته، وأنا الذي أرقتُ دمَه وهو يقول فزت!؟ متحيِّر ما يعرف.. قال: فلما أسلمت عرفت، فاز والله، هو الفائز وليس أنا، هو الذي فاز، وبعد ما أسلم دخل النور في قلبه وقام الميزان، ميزان الحقيقة.

 دعوكم من ذي الموازين الساقطة، لا أحد منهم سينفعكم، لا دولة ولا شعوب، ولا أحد منهم سيشفع لكم، إلا ما اتصل بهذا النور فقط، خذوها بيقينٍ قاطعٍ لا ريبَ فيه، اسمعوا الدعوة إلى ما ينفع وإلى ما يرفع، وإلى ربطكم حتى عيونكم هذه على ما فيها ترى المشفع، ترى المشفع في الآخرة إذا أجبنا إذا استجبنا إذا لبينا النداء، ويا رب أكرمنا بهذا.. عيوننا لا ترى النار يا رب ولا أهوالها، ولا تطمسها بالعمى في ظُلم مهاوي جهنم، وألحِقها بأبصارٍ بكَت إليك، وحاشاك من ذلك كما قال سيدنا علي زين العابدين:

 "أتُراك تغلُّ إلى الأعناق أكفّاً تضرعت إليك" في الدنيا أنت وفَّقتها وارتفعت إليك تتضرع تقول لك يا رب يا رب، في ذاك اليوم هل تغلُّها للأعناق هكذا؟ ما يظن بك هذا.. " أتُراك تغلُّ إلى الأعناق أكفّاً تضرعت إليك!؟ واعتمدت في صلاتها راكعةً وساجدةً بين يديك، أو تقيِّد بأنكال الجحيم" وقت القيد يوم القيامة وجرِّهم إلى النار " أو تقيد بأنكال الجحيم أقداماً سعت إليك، وخرجت من منازلها لا حاجة لها إلا الطمع والرغبة فيما لديك" يجتمع مثل ذا الجمع، لا حزب دنيوي، لا دولة من دول، لا تجارة من التجارات، ما لهم إلا الطمع والرغبة في ما لديك، فهل تقيِّد هذه الأقدام؟ التي سعت إلى هذه الأماكن بقيود الأغلال والنار يوم القيامة؟

 "أو تقيِّد بأنكال الجحيم أقداماً سعَت إليك؟ وخرجت مِن منازِلها لا حاجةَ لها إلا الطمعُ والرغبةُ فيما لديك".

 وكل هذا "منّاً منك عليها يا سيدي" أنت الذي منَنت، الواحد منا لو تخلَّف عنه توفيقُ الله ما قدر يحضر، ولا قدر ينظر، ولا قدر يسمع، ولا قدر يجيء، ولكنها فضل الله، "منّاً منك عليها يا سيدي لا منّا منها عليك، بل ليت شعري أتُراك تصمُّ بين أطباقها أسماعاً تلذَّذت بحلاوة تلاوة كتابك الذي أنزلته" أسماع تلذذت بحلاوة القرآن، وبحلاوة الذكر للرحمن، وبحلاوة الصلاة على النبي محمد.. منكم مَن حضر من المغرب يقول: يا رب صل على محمد يا رب صلِّ عليه وسلم، صلى كذا كذا مرة، ومن لحق ومن لحق ومن جاء، " أتُراك تُصِمُّ بين أطباقها أسماعاً تلذذت بحلاوة تلاوة كتابك الذي أنزلته، أو تطمسُ بالعمى في ظُلم مهاويها أبصاراً بكت إليك؟" فلا تعميها وتطمسها بالعمى في النار.

" خوفاً من العقاب وفزعاً من الحساب، أما وعزَّتك وجلالك ما أصغتِ الأسماعُ حتى صدّقت، ولا أسبَلتِ العيون واكفََ العبراتُ حتى أشفقت، ولا عجَّت الأصوات إليك بالدعاء حتى خشعت، ولا تحرَّكت الألسنُ ناطقةً باستغفارها حتى ندمت على ما كان من زلَلِها وعثارِها"

 ويقول هذا الصدِّيق في دعوته إلى الرب: "يا من أكرمنا بالتصديق على بُعدِ أعمالنا من شواهد التحقيق"، يعني أن أعمالنا ما فيها شاهد لنا بالتحقيق، ما فيها شيء من التحقيق، وأعماله صلاة ألف ركعة كل ليلة، وفي خديه خطان أسودان من مجرى الدموع، ينفق على مائة بيت أو مائتين بيت في المدينة، ما دروا أنه هو الذي ينفق عليهم، إلى الأعمال الأخرى، ومع ذلك يقول أنت أكرمتَنا بالتصديق على بُعد أعمالنا من شواهد التحقيق، ما فيها شواهد التحقيق بالقيام بالأمر لك والامتثال لما شرعت..

" يا مَن أكرمنا بالتصديق على بُعد أعمالِنا من شواهد التحقيق، أيِّدنا اللهم منك يا ربّ" في هذا المجلس المبارك، في هذه الساعة الشريفة، بالعصمة والتوفيق، أيِّدنا اللهم منك يارب في مجمعنا هذا، وفي ساعتِنا هذه، في ساعتِنا بالعصمة والتوفيق، العصمة من كل شر، من كل سوء، من كل ضر، من سوء الخاتمة، من عذاب القبور، من فضيحة يوم البعث والنشور، من الانقطاع عن ركبِ النبي محمد، اعصمنا يارب، والتوفيق، وفقنا لكل خير، وفقنا لكل فضل، وفقنا لكل إحسان، وفِّقنا لأداء الحقوق في أنفسنا، في أهلنا، في أولادنا، في أزواجنا، في جيراننا، في أصحابنا، في أهل بلادنا، في العالم، لا تنطوي بواطنُنا على غشٍّ لا تحبه منا، لصغير ولا لكبير، اطوِ هذه الصدور على النور يا الله، على ما تحب وترضى يا الله، دعوناك يا الله، رجوناك يا الله، الجمع اليوم جمعتَهم هنا فلا تفرِّقهم هناك، في زمرة الحبيب اجمعنا وإياهم، في ظل عرشِك اجمعنا وإياهم، على حوضِه المورود اجمعنا وإياهم، وتحت اللواء المعقود اجمعنا وإياهم.

واجتمعوا ما دمتم في الدنيا على الأدب، لا تغركم نفوسكم ولا شهواتكم، يدعونكم لما لا ينفعكم، يدعونكم لما يُردِيكم، يدعونكم لما يقطعكم، صمّوا آذانكم عنهم، وافتحوها لنداء الحق، (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) وتداعوا إلى هذه الخيرات، وكونوا عاملين بمقتضاها في خلال اليوم والليلة، وفي خلال مجالسكم ودخولكم وخروجكم، وملاقاة بعضكم لبعض في عمل أو في عزومة أو غيرها، أشغِلوا الفكر وأشغِلوا الوقت بالقول الطيب، والتفكير في ما ينشر المحبة بين عباد الله، في ما ينشر الألفة، في ما ينشر الأخوة في ما ينشر الخوف من الله تعالى، في ما ينشر الصدق مع الله في ما بيننا البين، نبعد عن الغش، نبعد عن هذه التعصبات وهذه التباعدات، نعيش كما شاء الله منا وأحبَّ منا وشرع لنا إخوانا.. وكونوا عبد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، لا يخذله، لا يحقره. ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ)..أولئك سيرحمهم الله.

 اللهم اجعلنا منهم، ارحمنا يا أرحم الراحمين، انظر إلى المؤمنين وخفِّف عنهم هذه الشدائد، ووطآت هذه المصائب التي حلَّت بهم، يارب أنت الرحيم بالأمة فائذن بكشف الغمة، وأجلِ لهذه الظلمة، ونبِّه القلوب وأيقِظها من غفلتها واربطها بحبيبك المحبوب، اللهم واسقنا أحلى مشروب، واجعلنا من الصادقين في الوفاء بعهدك الذي عاهدتَنا عليه، انظر إلى من في ديارنا وأسعِدهم يا مسعد، وأدخِلنا في دائرة المحبوبين، مِن كل موفَّق وردَ على خير مورد، يا ربنا إليك توجَّهنا، يا ربنا إياك طلبنا، وبفضلك سألناك وأمَّلناك، ولولا توفيقك وعنايتك لامتدت الأكف إلى غيرك، ولكُنا الساعة على باب غيرك، لكنك صُنتنا وحمَيتنا ووفَّقتنا وحفِظتنا حتى وقفنا على بابِك خير الأبواب، يا رب الأرباب، يا مسبِّب الأسباب يا كريم يا وهاب، أدخِلنا في دوائر الصالحين، واجعلنا في حزبِك المفلحين، اللهم أحيِ فينا سيرَ المحبوبين المقربين، من عبادك المكرَمين، واكفنا ما أهمَّنا من أمرِ الدنيا والآخرة، وما لا نهتم به، وما أنت أعلم به منا، وكن همَّنا أنت، كن همَّنا أنت، واكفِنا كل همٍّ سواك يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام، يا الله..

 أنت سعيد بدعاء مولاك فقل له يا الله، أيقِن أنه يسمعك.. فقل يا الله، أيقِن أنه يراك فقل يا الله، أيقِن أنه أرحم بك من نفسك ومن آبائك وأمهاتك فاسترحمه وقل يا الله، أيقِن أن عباده ضالون إلا من هداه هو فاستهدِه يهدِك وقل يا الله..

اهدنا فيمن هديت، اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا في من عافيت، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين.

كان بعض المطوِّفين الأخيار في مكة يحدثنا فيقول: قبل ستين أو سبعين سنة، عقدنا مولدا ودعونا جماعةً من العلماء من مختلف الأقطار، فحضر منهم جماعة من مصر ومن الشام ومن المغرب وغيرها، وتكلموا وأفاضوا واحدا بعد الثاني، ثم طلبوا من الحبيب عبد الله بن طاهر الحداد - صاحب قيدون - أن يتكلم، فقال تكلم أهل العلم من الحرمين ومن المغرب ومن الشام ومن مصر ومن اليمن ومن غيرها .. كفى ذلك، قال واحد من العلماء بجنبه: ومن بيوتكم خرجت الدعوة.. فقام ورفع يديه وقرأ دعاء القنوت، اللهم اهدنا فيمن هديت، ففاض المجلس بالخشية والسكينة والبكاء، كمَّل دعاء القنوت وجلس، فكان الذي بجانبه أحد علماء مصر يقول أشهد أنك من ذرية رسول الله، وقال: أيها الناس أفضنا في الحديث عن آلام الأمة وآمالها فما حصلت هذه الخشية ولا حصلت هذه الرقة، قام هذا الإنسان يأتي لنا بدعاء كلنا نحفظه، ونسمعه كل يوم، فنزلت السكينة ونزلت الخشية ونزلت الطمأنينة، لتعلموا أن كلامَ أهل القلوب غير، وأن أربابَ القرب من الله شأنهم غير..

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن تولَّيت، وبارِك لنا فيما أعطيت، وقِنا شرَّ ما قضيت، وقنا شرَّ ما قضيت، وقنا شرَّ ما قضيت، وقنا شرَّ ما قضيت، وقنا شرَّ ما قضيت في الدنيا والبرزخ والآخرة، وقِنا شرَّ ما قضيت في أنفسنا وأولادنا في أهلنا وأصحابنا، في زمننا وأهل زمننا في الأمة المحمدية، قِنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذلُّ من واليت، ولا يعزُّ من عاديت، تباركتَ ربَّنا وتعالَيت، فلك الحمدُ على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك..

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين.

 

للاستماع إلى المحاضرة

لمشاهدة المحاضرة