بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرمَنا بإشراقِ أنوار مصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشعشعَت في القلوب، فدعَتها إلى علام الغيوب ونزَّهتها عن العيوب، وسقَتها من أحلى مشروب، فكانت قلوباً ارتضاها ربُّ الأرض والسماء، فهل محلُّها إلا المكان الأسمى؟
عاشت على ظهر الأرض، ولها الكرامة في يوم العرض، ثم الاستقرار في دار الكرامة والنظر إلى وجه الله الكريم .. فيا ما أحلاها، ويا ما أحلى أحوالها، ويا ما أحلى حياتها، ويا ما أحلى مآلها، وعاقبتها وآخرتها، اللهم ألحِقنا بهم وسِر بنا في دربِهم.
رب إنا الهدى هداك وآياتك*** نورٌ تهدي بها من تشاء
قال الله لنا سبحانه وتعالى على لسان رسوله (هَذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ) وقال ( قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)، (قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ)، وكل من لوى عنقَه عن دعوة هذا النبي فقد عمِي، ومن عمِي فعليها، ودعوتُه قامت، قامت بالكمال وقامت بالصفاء وقامت بالعظمة وقامت بالعناية الربانية، فلم تزل كذلك قوية، صافية، محفوفة بالعناية إلى ساعاتنا ولحظاتنا، وإلى ما بعد وإلى الأبد، سبحان رب هذه الدعوة التامة، دعوة الكمال، دعوة مَن:
حوى رُتَب الكمال فلا شريك *** له فيها وجلَّ عن المثيل
هو النور المبين به اهتدينا *** هو الداعي إلى أقوى سبيلِ
كلما اختلطت على الناس الجهات والاتجاهات وجدنا الدليل إلى أقوى سبيل، إلى أقوم سبيل، إلى أشرف سبيل، إلى أكرم سبيل، دليلٌ منتخب من قِبلِ الإله الجليل.. صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
فالحمد لله الذي جعلنا من أمته، وسننه بها تحيون وتتسبَّبون في حياة غيرِكم، فأحيُوها، أحيُوا سننَه الكريمة، زينتكم زينةُ منازلكم ودياركم، زينةُ أهليكم وأولادكم، هذه الزينة العظمى التي تبقى مع الإنسان أبدا سرمدا، كل ما يعرضونه عليكم من الزينات في العالم هنا وهناك تفارقكم، وتخلُص منكم وعنكم، وتخرج منكم، لكن هذه الزينة إذا تزيَّن بها أحدُكم بقيت، وإن مات.. وإن قُبر، وفي يوم الحشر تظهر أنقى وأزهر وأوفر وأكثر وإلى دار الكرامة والنظر، زينة السنن، زينة السنن، سُنّة السواك، سُنّة البسملة، سُنّة الرواتب، سُنّة الدخول باليمنى في بيوت الله وفي بيوتنا والخروج باليسرى، وعند الخلاء الدخول باليسرى والخروج باليمنى، سُنّة إفشاء السلام، سُنّة الإيثار.. وهكذا.
موائد السنن مبسوطة لكم في الموائد في الحياة زينةٌ لكم، زينة زيَّنكم الله بها، من تزيّن بها بقيت معه تلك الزينة، وتابعته إلى برزخِه ثم إلى ساعة حشرِه ونشرِه، فماذا عند زينات القوم الذين أغرقوا الكثيرَ بإتباع هذه الزينات على غير بصيرة، وصاروا يريدون أن يزيِّنوا ظواهرهم ولو تخبَّثت بواطنُهم، وأي عقل عند من يعتني بتزيين ظاهره وباطنه وملآن بالخبائث، ملآن بالظلمات والأقذار والأكدار، حتى قال القائل متعجب في من هذا حاله ويرضى:
نعم أرى من يعاني غسل ظاهره *** وقلبُه قد غدا من خُبثه جنبا
وفي يوم القيامة يُعرف قدر هذه الطهارة وهذه الزينة، ( يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، فإذا علمنا أن الزينةَ مما أباحه الله لنا تذكرةٌ لنا، في فنائها بزينة البقاء، في زوالها بزينة الدوام، في صغرها بالزينة الكبيرة، مذكِّرة لنا بذلك.
وفي حدود ما أباح لنا سبحانه وتعالى، أحبّ منّا أن نجعلها للصلاة (خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) نجعلها للقيام. كان يقول العارفون: إحسان هيئتك لما تقوم بالليل أهم، لأنك تعملها للكبير، للكبير العظيم، للواحد تتزين لله سبحانه وتعالى، فهذه الزينة في هذا الوقت حُسن لباسك وعطرك وثيابك لما تقوم في الليل هذا أعظم من الوقت الآخر لأنك تعمله للعظيم، للجليل جل جلاله وتعالى في علاه.
بل علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال مهما امتدينا في أي زينة أو حتى في أي عطر نتعطر به أن نجعله لله، وقال: من تطيّب لله جاء يوم القيامة ورائحتُه أحسنُ من المسك، ومن تطيّب لغير الله جاء يوم القيامة ورائحته أنتن من الجيفة. يتطيب لغير الله.. لمباهاة، لِلفت أنظار حرام، لإغراق في سوء وشهوات، لغير الله تعالى، ليقول أنا أحسن وأنا أفضل، إلى غير ذلك من المقاصد الهابطة المنحطَّة، ورسول العلو يدعونا إلى أن نعلو، إلى أن نتطيَّب لله نتزين لله نلبس ثيابنا لله سبحانه وتعالى، ومن أجل الله فيكون الله لنا، ( وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)، إني معكم إذاً، قال قوموا بهذه الشروط وهذه الأحوال، ورب العرش خالق الكل يقول أنا معكم، إني معكم لئن أقمتم الصلاة، تفقدَّتم أحوالكم فيها، في جماعتها، في الخشوع فيها، في سواكها، في الحرص على الصفوف الأولى لكل من قدر، في فجرها، في عشائها، في الأدب فيها مع الله تعالى، في رواتبها..
وآتيتم الزكاة، أعطيتم حقوق الفقراء، حقوق المساكين مما قل أو كثُر، كلٌّ بحسب ما آتاه (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا) فإذا بذلت (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)
وآمنتم برسلي، قد أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة من دون إيمان بالرسل، الإيمان بالرسل لابد منه، ولكن نص عليه على الخصوص، لابد من الإيمان بالله وبرسله، قال يعني قصدتموني من الأبواب التي فتحتها لكم، ما تكبَّر أحدكم قال أنا أعرف ربي ويريد أن يلغي هذه الوسيلة ويلغي هذه الواسطة، قال (وَآمَنتُم بِرُسُلِي) وإيمان تصديق آمنا صدقنا أنهم جاؤوا من عندك، قال (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أين تعظيمهم؟ إيمان فقط؟ قال عظموهم من اجلي، أنا عظمتهم وميزتهم فعظموهم أنتم، وعزرتموهم، فإذا تمَّ ذلك منكم، قال إذاً أقرضتموني قرض حسن، قدمتم من فانيكم ليعطيكم الباقي الكبير العظيم. ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
أيام كانت السوق قوية في بعض القرى عندنا في عينات، وكانت ترِد البضائع إليها من هنا وهناك، والناس يأتون لأنه فيها أمن لمختلف القبائل اللي بينهم قتال والبادية، وفي ذاك المكان يأمنون فلهذا كبرت السوق وكثرت، فوردت بضاعة لواحد وقد عُدِمت والناس محتاجون إليها.. فقال له جماعة التجار في السوق والسماسرة: الآن أسعفَت لك الدنيا، جاءك هذا الحمل من ذي البضاعة ولا شيء منها في السوق، والناس محتاجين إليها، تشرّط المبلغ الذي تريد.. فأجاب: أسعفت الآخرة، قالوا له أسعفت الدنيا، قال أسعفت الآخرة، كل البضاعة التي وصلت قسِّموها تقسيم، ولا يباع منها شيء..
قالوا شف سوقها حامي، ومفقودة في البلاد، والناس محتاجين إليها، اطلب المبلغ الذي تريد اليوم في ثمنها، أسعفت الدنيا..!! قال أسعفت الآخرة، هذا وقت حاجة الناس سأقدمها قدمها لربي، كم با تعطونا أنتم؟ قالوا با نعطيك مثل قيمتها مرتين ثلاث أربع مرات، قال واحد با يعطينا مثلها عشر مرات، قالوا مِن هذا؟ قال ربي! الحسنة بعشر أمثالها ويمكن يضاعفها إلى سبعمائة، روحوا روحوا إذا أسعفت الدنيا، أنا أقول لكم أسعفت لي اليوم الآخرة، اليوم نصيبي وفرصتي للآخرة. وقسَّمها كلها، ولا أبقى منها شيء.
هذه العقول الزكية، هذه العقول الزكية، اليوم لما ضعفت زكاة العقول ساروا بخيوط مثل خيوط العنكبوت يقودونا نحن بها، يفتعلون بها مشاكل كبيرة في العالم، ويثوِّرون ذا على ذا، وذا على ذا من أجل خيط المكسب الدنيوي فقط، وبعدين ما عاد حد يحصل له حد منهم سواء، ويذهب أكثره في هباء، ولكنها كما أخبر نبينا فتن كقطع الليل المظلم والعياذ بالله تبارك وتعالى، وتدع الحليم حيران في شانها، ولكنه معه الدليل وقت الحيرة، وإذا اتبع الدليل وقت الحيرة سَلِم من الآفات وسلم من العاهات..
يا رب ثبِّتنا على الحق والهدى *** ويا رب اقبضنا على خير ملةِ
برحمتك يا أرحم الراحمين.
فإذا انتبهنا من إقام الصلاة وتساعدنا عليها وتداعينا إليها وانتبهنا من أهلينا ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) وانتبهنا من إيتاء الزكاة وآمنا بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم، آمنا بهم جميعاً مَن علمنا ومَن لم نعلم، وقد نبأنا الله بأسماء خمسة وعشرين في القرآن، منهم النبي هود على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، منهم النبي صالح، هؤلاء من المذكورين في القرآن الكريم وقال (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) جل الله وتعالى، آمنا بالرسل.
وأعظمهم نبينا أعظمهم اللي بسببه جلست في ذا المكان، والله لولا بعثته ولولا بلاغه لا عرفت لا أنا ولا أنت، لا معنى ذا المكان ولا معنى الصلاة فيه ولا معنى القراءة ولا معنى القرآن.. لكن الله أكرمنا بمحمد، أسعفنا بهذا الحبيب، شف الخير والنور المتلالي مِن عهده إلى هذا العهد، ثابت فينا، معشر الأمة متسلسل بسلاسل من نور قوية، ما تتقطع، ولا تنفصم، ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم) ، (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا) ما سوى هذا مِن كل ما يُدعى إليه صغير منا أو كبير، جماعات أو أحزاب أو شعوب أو دول، كل ما سوى هذا فهو منفصِم، وصاحبه منقصِم، إلا من تمسك بذا الحبل، (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ)، كل إيثارٍ لغير الله على الله طاغوت، كل ما يُنصب للخروج عن شرعِ الله والعمل بغير ما أحب فهو طاغوت، ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) اللهم اجعلنا منهم وحققنا بحقائق الإيمان ( يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) فبحمد الله هذا النور التي ابتث، واليوم في قلوب كثير من أهل الشرق ومن أهل الغرب، عايشين معنا على ظهر الأرض، مؤمنين بالله، اللهم احفظ عليهم الإيمان وزِدهم إيمانا، وقوِّ لنا ولهم الإيمان، اللهم كما أنعمت علينا بالإسلام فزِدنا منه، وكما أنعمت علينا بالإيمان فزِدنا منه، وكما أنعمت علينا بالعافية فزِدنا منها، وكما أنعمتَ علينا بالعمر فبارِك لنا فيه، آمين يا الله..
هؤلاء المبثوثون اليوم في العالم، هم محلُّ الفرج، هم محل المخرج، على قدر ما في قلوبهم من الإيمان، وتجري الأمور والأحداث هنا وهناك، ويغيث اللهُ بغياثه، ويتدارك الله سبحانه وتعالى بفرجه، وبنُصرته، بواسطة هذه القلوب التي آمنت به، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، وهكذا .
ونجاة المؤمنين وعد بها في كتابه العزيز جل العزيز، سبحانه وتعالى، فنسأل ربَّنا أن يحقِّقنا بحقائق الإيمان، تتزوَّد منه كل ما جئت لمثل ذا المجلس، ونظر الرحمنُ إليك ازددت إيمان، خرجتَ وإيمانُك أقوى، وهذا لن تجده في أي سوق من الأسواق الأخرى.. لكن تجده في سوق الأخرى، هذا سوق الدار الآخرة، بالجلوس معهم يقول الرب كما جاءنا في الصحيحين للملائكة إذا قالوا "فلان عبد خطّاء ما جاء للذكر وإنما جاء لحاجة وجلس معهم" (وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسُهم) يخرج بسعادة الدارين، من مجلس ضمَّه مع تركة سيد الكونين، مع أخباره مع آثاره، مع أنواره، الحمد لله الذي أقام لنا هذه الخيرات، والحمد لله الذي يسر لنا هذه التوجهات وهذه الجموعات، كلنا في أمن وكلنا في طمأنينة وكلنا في سكينة وكلنا في عافية.. يا ربنا لك الحمد.
والمجامع التي في الآخرة تقوم على مجامع في هذا الدار، وهناك تظهر الآثار، كم من مجتمعين في ظل العرش من أثر مجامع في الدنيا، والاجتماع إلى تحت اللواء، وأي لواء اسمه لواء؟ لواء الحمد يحمله محمد، يحمله أحمد، يا رب اجمعنا تحت ذاك اللواء، لواء لسيدنا المصطفى من لم يدخل تحته لم يدخل الجنة، من لم يستظل بظله لا يرى دار الكرامة، ويجتمع أهل الجنة كبارهم وصغارهم حتى الأنبياء والمرسلين، فإن بحثت عن آدم وقت ما يحمل حبيبنا اللواء هو تحت اللواء، وأين شيث بن آدم؟ تحت اللواء، وأين إدريس؟ تحت اللواء، فين نوح؟ تحت اللواء، إبراهيم، صالح، هود، عيسى، موسى، زكريا، يحيى ..تحت اللواء هناك.. من علمت ومن لم تعلم من الأنبياء كلهم هناك تحت اللواء، وأتباع الأنبياء صدِّيقي القرون الماضية والأمم السالفة، وصدِّيقي هذه الأمة تحت اللواء، وكل من مات على الإيمان تحت اللواء.. فيا رب اجمعنا تحت ذاك اللواء، هذا لواء حبيبك جمعتَنا تحته الليلة، لواء الذكر لواؤه، لواء الصلاة عليه لواؤه، لواء القرآن لواؤه، لواء العلم لواؤه، لواء المحبة في الله لواؤه.. كلها لواؤه صلى الله عليه وسلم. واجتمعنا تحتها، نسأل الله أن لا يخلفنا عن ذاك اللواء.
قال صلى الله عليه وسلم (ولواء الحمد يوم القيامة بيدي، آدم فمن دونه تحت لوائي) ولو بذلنا أرواحنا لنرى ذاك الوجه واليد الحاملة لذاك اللواء لكانت الأرواح رخيصة عند تلك النظرة، إذا شرَّفك الله بتلك النظرة، فإذا قد ربطك الله بذي الخيور فاحمده تعالى، ولا تقلق لشيء، وإن نالك من ذا أذى أو من ذا نظرة، أو من ذا كلمة احملها، ليست بشيء عند ما خُبئ لك، بشيء عند ما هيئ لك وأُعدَّ لك، لأن الذي أعده ربُّ العالمين. في الحديث القدسي (أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). قال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ)، (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) اللهم ألحِقنا بهم، اللهم احشرنا معهم، وأدخلنا فيهم يا ربنا يا الله.. يا ربنا يا الله..
أحضرك وجعل في قلبك قصده، فأنت في الحقيقة إلا قصدته، ما حد مننا جاء من شان مراوح ولا من شان سواري ولا من شان فرُش، جينا قاصدين الرحمن، والدليل سيد الأكوان، والمائدة مبسوطة بالقرآن والأذكار والعلم والصلاة، وصلينا الصلاة وانتظرنا صلاة، ما هذه المنن؟ هذه محافل دولة الرحمن، جل جلاله.. دولة الرحمن دخَّلك فيها، يمكن لو شي من الحكومات دعتك ودخلتك لمحافلها با تنتشي با تقول دخلت كذا حضرت عند كذا، هذا رب العرش هذه محافل جوده، وكرمه، يطلب إليها من شاء ومن سبقت له السابقة.
الحمد لله على ما وفّق، الله يوفق من وراءنا إن شاء الله، أنتم ارحموا من وراءكم من أصدقائكم من أصحابكم وتداعوا إلى الخير، في موائد بُسطت من قبل ربِّ الخير سبحانه وتعالى، ومعطي الخير سبحانه وتعالى، تدخل فيها تصادف انسياب عطاء أو تصادف غفرَ خطاء أو تصادف جود من واسع من حضرة الحق تعالى، تُكفى به سوء، شر وبلية في الدنيا أو البرزخ أو الآخرة.. والله أطيب وأكثر. قال صلى الله عليه وسلم (من قرأ سورة الإخلاص إحدى عشر مرة بني له قصر في الجنة)، قال إذاً تكثر قصورنا يقول سيدنا عمر للنبي، إذا تكثر قصورنا يا رسول الله، إذا كان رب العالمين على قراءة أحد عشر مرة من سورة قل هو الله أحد سيعطينا قصر، إذاً تكثر قصورُنا يا رسول الله، قال (الله أكثر وأطيب) ، خذ، اعمل ولا تخف، وسيعطيك ولا يبالي جل جلاله، ونعم الكريم ونعم الطمع في الكريم سبحانه وتعالى.
ألا يا لله بنظرة من العين الرحيمة تداوي كل ما بنا من أمراض سقيمة، لا يخرج الواحد منا من مجمعِه الليلة إلا وحبلُه مربوط، بالسير القويم المضبوط، في منهج الحبيب صلى الله عليه وسلم، تحت لوائه اجمعنا يا الله، تحت لوائه فاجمعنا يا الله، وأهالينا كلهم يا الله، أولادنا كلهم يا الله، جيراننا كلهم يا الله، طلابنا كلهم يا الله، أصحابنا كلهم يا الله.. تحت لواء الحبيب، تحت لواء القريب، تحت لواء المجيب، يا قريب يا مجيب، قرِّبنا أكملَ التقريب، وفِّر حظنا من هذا الحبيب، واجعلنا منه قريب، واقضِ حاجاتِنا قريب، يا الله، لهم حاجات علموها، وأخرى لم يعلموا بها، وبابك واسع ونضع جميع حاجاتنا وحاجاتهم على بابك الواسع، يا واسع فاقضِ لنا الحاجات، فاقضِ لنا الحاجات..
حاجة في النفس يا رب*** فاقضها يا خير قاضي
وأرح سري وقلبي *** من لظاها والشواظ
في سرور وحبور *** وإذا ما كنت راضي
فالهناء والبسط حالي *** وشعاري ودثاري
بك يا ربي وأسمائك وصفاتك، وحبيبك وأهل حضرته أقسمنا عليك أن ترضى عنا، أن ترضى عنا، أن ترضى عنا، أن ترضى عنا، وعن والدينا وعن مولودينا، وعن ذوي الحقوق علينا، فلا يبيت أحدٌ منا ليلتَه هذه إلا وأنت يا مولاه يا خالقَه يا رب العرش راضٍ عنه، واجعل الرضا دائم، نحيا في رضاك، ونموت في رضاك، ونلقاك وأنت راض عنا، نلقاك وأنت راض عنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، فإذا ناديتَ أهلَ الجنة أسمعتَنا ذاك النداء معهم، إذا قلت لهم (ألا أعطيكم أفضلَ من ذلك، فقالوا يا ربنا وما أفضلُ من ذلك؟ فقلت أحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا) أسمِعنا ذاك النداء، أسمِعنا ذاك العطاء، أسمِعنا ذاك المنّ، أسمِعنا ذاك الإفضال، يا الله، يا الله..
غنيمتُك أن تدعوه اليوم فيرحمك في ذاك اليوم، فقل له يا الله، ولا أرحم بك من الله، قريبٌ منك يسمعك، قريب منك يراك وينظرك، قريب منك محيطٌ بك، (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ) فيا ربَّنا الذي هو معنا سألناك يا الله، يا الله، يا الله، ارضَ عنا، رضوانك الأكبر، الذي لا سخط بعده أبدا، آمين، آمين، آمين، يا مجيب دعاء الداعين، يا من لا يخيِّب رجاء الراجين، يا ملبِّي نداء المنادين، يا محقق سؤال السائلين، يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين، ويا ذا القوة المتين، ويا راحمَ المساكين، ويا أرحم الراحمين، نبيتُ في رضاك، ويدوم لنا رضاك، ازدد عنا رضا أبدا سرمدا، يا أكرم الأكرمين.. والحمد لله رب العالمين.