بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خص المصطفى بالآيات الكبرى, وجعله سيد أهل الدنيا والأخرى, صل اللهم وسلم وبارك على من رفعت له قدرا وذكرا, وشرحت له صدرا, وأعليت له فوق الخلائق منزلة وجعلته صاحب الكمال الإنساني, والشرف الأعظم المخصوص بأعظم العطاء الرباني, صلي وسلم وبارك عليه وعلى أله والأصحاب, ومن سار في ذلك المسار إلى يوم المآب, وعلينا معهم وفيهم يا كريم يا وهاب .. أما بعد:
فإن من أعلى وأجل ما أيد الله به المصطفى الأجل وعبده الأكمل سيدنا محمد صلى وسلم وعلى اله وصحبه وسلم:
آية الإسراء وآية المعراج
قال جل جلاله : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الإسراء1 .
وقال جل جلاله : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى* فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى*مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى*أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى*عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}النجم8-17.
لقد كانت تلك الآية مظهراً من مظاهر نبوةِ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتأييد الله له, وفيها اختبار وامتحان للمؤمنين إذ يرون كيف قطع المسافة في تلك الليلة قال: ( ليلا ) في جزء من الليل، في لحظات من الليل قطع فيها تلك الرحلة الطويلة العريضة, وجاءه من السماء جبريل ومن معه من الملائكة فكان ما كان من شق صدره ثم ركوبه البراق وحضوره إلى بيت المقدس, وكان مروره في ذلك المسار وتلك الرحلة على أرض طيبة التي به تطيب وسيطيبها مجيئه وحِلاله فيها ثم مروره على الشجرة حيث كلم اللهُ موسى ومروره على قبر موسى، ومروره على بيت لحم حيث ولد عيسى بن مريم, ثم اجتماعه بالأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم فجمع الله له روحَ كل نبي أرسل من آدم إلى عيسى بن مريم فحضر الكل، فتقدم هو الإمام وكلهم مأموم، الأنبياء والملائكة مأمومون وسيد الرسل إمامهم صلوات ربي وسلامه عليه فما أعظم منزلته.
وصلى وصلوا خلفه فإذاً هو الـ *** ـمقدم وهو الرأس لأهل الرئاسةِ
صلوات ربي وسلامه عليه.
وقدَّمتك جميعُ الأنبياء بها *** والرسل تقديمَ مخدومٍ على خدمِ
صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه.
ثم كان بعد ذلك المعراج من سماء إلى سماء، فنُصب له المعراج الأول إلى السماء الأولى وحتى انتهت سبع معارج إلى السماء السابعة، ونُصب المعراج الثامن من السماء السابعة إلى البيت المعمور، ونُصب المعراج التاسع من البيت المعمور إلى سدرة المنتهى..
ثم كان المعراج العاشر حيث تأخر جبريل ولم يتقدم إلا النبي الجليل وحده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، زُجَّ به في الأنوار من بعد سدرة المنتهى حيث ينتهي علمُ الخلائق إلى المستوى الذي سمع فيه صريفَ الأقلام تخطُّ في اللوح المحفوظ, ووصل إلى عرش الرحمن جل جلاله وتعالى في علاه فأدناه سبحانه وتبارك وتعالى وأعلاه ورفع قدره وخصصه وحباه.
وكان هناك فرض الصلوات الخمس التي فرضها الله تبارك وتعالى على أمته خمسين صلاة أولا ثم خُفِّفت بطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإشارة الكليم موسى إلى أن صارت خمس صلوات وجاء النداء: ( هن خمس ولهنَّ أجرُ الخمسين، ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد، أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) هن خمس ولهن أجر الخمسين, فما أعظمها من خمس هدية عظماء جاءت من الرحمن في ليلة الإسراء والمعراج لهذه الأمة المحمدية فكانت وصلةً بيننا وبين رب الأرض والسماء وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
وهناك رأى المشاهد صلى الله عليه وآله وسلم وشاهد الجنةَ والنار، والتقى بالأنبياء لقاءا كان أولاً في الأرض في مثل قوله كما جاء في صحيح مسلم: ( مررتُ على موسى ليلة أسري بي وهو قائم يصلي في قبره ) ثم اللقاء في بيت المقدس .. خلصه الله تعالى من سلطة الكفار وطهر ساحته وأعلى فيه راية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, وهي راية تحتها رايات جميع الأنبياء والمرسلين من ادم إلى سيد الوجود صلوات ربي وسلامه عليه.
ثم كان لقاء الأنبياء في السماوات، فلقي في السماء الأولى آدم ولقي في السماء الثانية وفي السماء الثالثة في السماء الرابعة أعدادا من الأنبياء، قصَّ علينا أسماءهم صلى الله عليه وسلم ووصفَهم لنا وصفا، ومرَّ في السماء السادسة بموسى وفي السماء السابعة بسيدنا إبراهيم الخليل الذي حمل لنا السلام منه في ليلة الإسراء والمعراج وقال: ( أقرئ أمَّتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبةُ التربة عذبةُ الماء، وأنها قيعان وأن غِراسَها سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر ) صلى الله على سيدنا محمد وعلى سيدنا الخليل إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وال كل منهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
وكان ما كان في تلك الواقعة والحادثة العظيمة التي حدثت قبل هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وبعد وفاة خديجة بنت خويلد عليها رضوان الله ووفاة أبي طالب عمه الذي كان يدافع عنه, وبعد ما حصل له من الشدة عندما ذهب إلى أهل الطائف فقابلوه بالرمي بالحجارة حتى سال الدم من عقبيه، وكان ما كان من الشدة جاءت رحلة الإسراء والمعراج.
وجاء فيها منزلة أبي بكر الصديق بقوله : إن كان قال فقد صدق, لما قيل له إن صاحبك يزعم أشياء تخرج عن العقل قالوا : إنه أسري به إلى بيت المقدس ثم أصبح بيننا ونحن نضرب أكباد الإبل شهرا ذهابا وشهرا إيابا قال : إن كان قال فقد صدق. صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم.
وطلبوا منه أن يصف بيت المقدس فجلَّى الله له عن بيت المقدس حتى صار ينظر إليه ويصفه لهم ويقول الصديق : صدقت صدقت وذلك أنه قد سبقت له رحلات إلى بيت المقدس عليه رضوان الله تبارك وتعالى, وكان في ذلك اختبار للمؤمنين.
وكان من الآيات أن لقي في أثناء الطريق قافلة لهم وسألوه عنها فأخبرهم أنه وجدها في المكان الفلاني وأنه ضل لهم جمل، وأنه حصلت لهم وقائع سألوهم عنها بعد قدومهم فكانت كما قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، حتى قالوا له ومتى يقدمون؟ قال عند طلوع الشمس, فصار القائل يقول هذه الشمس قد طلعت وقال القائل وهذه العير قد أقبلت كما حدث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فوجب أن نعرف المكانة لصاحب الإسراء والمعراج وأن نثبُت على ما لَه مِن منهاج، وأن نحيدَ عن كل زيغٍ واعوجاج حتى نستضيء بأنوار هذا السراج ونحشر معه يوم لقاء الله.
اللهم لا فرَّقتَ بيننا وبين نبيِّك المصطفى، اللهم أثبِتنا في أهل الصدقِ والوفاء، وأهل المتابعة والاقتفاء, وارزقنا كمالَ الإنابة وأثبِتنا في أهل الدعوات المستجابة، واختِم لنا بالحسنى وأنت عنا راضٍ يا أرحم الراحمين.
وصلى الله على المصطفى محمد وآله وصحبه، ومن سار في دربه..
والحمد لله رب العالمين.