بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرمَنا بإشراق هذا النور، وضاعفَ لنا به الهباتِ والعطايا والخيور، وجعلنا به خيرَ الأمم أبرزت بفضل منه وهو نِعم الرحيم الغفور، لا إله إلا هو عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير، له الملكُ وله الحمد بيده الخيرُ يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
بسط لنا بساط المنَّة، بهادينا إلى طريق الجنّة، الذي كان لنا من الآفات والعاهات في الدارَين خير جُنَّة، صاحب الإسراء والمعراج، نورنا والسّراج، الذي يطيب للارواح به معنى الامتزاج، عندما تنتهج في نهجه أكرمَ انتهاج، فتُحظى من شريف ذلك المنهاج بما به تنال من حضرة الحق سبحانه وتعالى مواهبَ الكرم حيث يُخلع التاج على كل من اقتفى ذاك السبيل، واتصل بصاحب المعراج الجليل، بعد أن اقتدى به في القصد والنية والفعل والقيل، وقد جُعلتم من أمته محض منَّة من الله الكريم، فكان لكم بذلك التشريف والتكريم، فحافظوا على هذه الكرامة من العليِّ العظيم، بالثبات على الصراط المستقيم، فقد حوت قصةُ الإسراء والمعراج تلكم المعاني الواسعات، في شأن الارتباطات والاتصالات، ورجوعِ الأمر كلِّه إلى ربِّ الأرض والسماوات، بواسطةٍ عظمى هو خيرُ أهل الأرض والسماوات، ذاكم الذي خُتِمت به الرسالات، حبيبكم المصطفى محمد، رفيع الدرجات صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله.
وشاهد جناتٍ وناراً وبرزخاً*** وأحوالَ أملاكٍ وأهلَ النبوة
وصلى وصلوا خلفَه فإذاً *** هو المقدم وهو الرأسُ لأهل الرئاسةِ
فاقدم فأنت لمن سواك إمام
سريت من حرم ليلاً إلى حرمٍ *** كما سرى البدرُ في داجٍ من الظُّلم
وبتَّ ترقى إلى أن نلتَ منزلة *** من قاب قوسين لم تُدرك ولم تُرَمِ
وقدَّمتك جميعُ الأنبياء بها والرسل*** تقديم مخدوم على خدم
وأنت تخترق السبعَ الطباقَ بهم *** في موكب كنتَ فيه صاحبَ العَلَم
حتى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ *** من الدنوّ ولا مرقىً لمستنِم
خفضت كل مقامٍ بالإضافة إذ *** نوديتَ بالرفع مثل المفرد العلم
كيما تفوز بوصل أي مستتر *** عن العيون وسرٍّ أي مكتتم
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا*** من العناية ركناً غير منهدم
لمّا دعا اللهُ داعينا لطاعته *** بأكرم الرسل كنا أكرمَ الأمم
فيارب ثبتنا على الحق والهدى *** ويارب اقبضنا على خير ملةِ
اجتمع في حياته الدنيا أهلُ النبوات أجمعين وصلَّوا خلفه، وسوف يجتمعون غداً يوم القيامة تحت لواء الحمد وهو الإمام، وهو المُقدَّم المِقدام، وهو أول من يُؤذن له في الكلام، (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لّا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)، صاحب (أنا لها) ويا لكَ من فخرٍ ما له منتهى، وبعده يقول له ربك سبحانه وتعالى ( ارفع رأسك، وسَل تُعط، وقل يُسمع لقولك، واشفع تشفَّع) صلوات ربي وسلامه عليه.
فهكذا شأن النبوات والرسالات اندرجت في خير البريّات، فعسى لنا نصيبٌ من أهل ذاك الركب، والدخول في دائرة ذاك الحزب، فإنه المقدَّم على الجميع..
وإن رسول الله من غير ريبة ***إمامٌ على الإطلاق في كل حضرةِ
وجيهٌ لدى الرحمن في كل موطنٍ*** وصدر صدور العارفين الأئمةِ
وجاء في هذه الكرة الأرضية، إلى أماكن مخصوصة بمواهب سنيّة، من المسجد الحرام وفي طريقه إلى المسجد الأقصرى، مرَّ بالمدينة المنورة، حيث يكون المهاجَر، ومرَّ بشجرة موسى، ومرَّ ببيت لحم حيث وُلد عيسى، ومرَّ بقبر موسى..
والأعجب في اتصال العالم الغيبي بالعالم الحسِّي، عير قريش في الطريق تمشي والنبي عليها يمرّ، والناقة من هيبته تنفر، ويُكسر منهم من كُسِر، ويجد من مائهم ماءً فيشربه ليكون علامةً لمن يدّكر، ذكرها بعد ذلك لمن يُنكر، فقالوا آية؟ فلما سألوهم قالوا وكان عندنا إناء فيه ماء فوجدنا الإناء خالياً من غير ماء، فلا ندري من شربه لا أثر لا أنه سال على الأرض، ولا بقي في الإناء ذلك الماء، فقالوا سحرٌ مستمر كما هي عادة المُنكِر، المستكبر، المتولي الجاحد.
وهذا شأن البشر، إذا لم تساعدهم عناية العلي الأكبر، ولم يتطهروا من القَذَر الذي يعلق بالنفوس، يكابرون ويجحدون الحق وهو واضح فوق الرؤوس، ولكن مع ذلك لرجسِ النفوس ويردُّون الحقَّ بالباطل (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ) بل كل المكابرين لصدقِ هذا الصادق خير الخلائق، هم مغموسين في أقذار هذه النفوس وأدرانها، وتلك المكابرة التي يستحقون عليها أن يعضّوا على أيديهم، (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا) ، فلنتخذ معه السبيل، ولنشرب من ذاكم السلسبيل، نتخذ السبيل مع نبينا الجليل، بتعظيمه ومحبته، بكمال الإيمان به وتصديقه، باقتفائه ومتابعته، بالقيام بأمره وبنصرته، وبكثرة ذكرِه والصلاة عليه، وبالعمل بسنته ونشرها، وبأن نحيا على موالاته وعلى مناصرته، بالأنفس والأموال والأرواح والمُهج وكل ما نملك، وفاءً بعهد الله واعترافاً بحق الله الذي يَلزمُنا نحو حبيبه محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم اجعلنا ممن اتخذ معه سبيلا، فحشرتَه معه ووهبتَه من لدنك أجراً جزيلا، وشرَّفته أن ينظرَ وجهاً جميلا، وأن يرقى مقاماً جليلا، فضلاً منك يا ذا الفضل العظيم، يا ذا المنِّ الجسيم، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
ومرَّ من الأماكن التي مر منها إلى بيت المقدس حيث كان الاجتماع وحيث كانت الصلاة، وحيث كانت التجليَّات العظمى، ثم كان بعد ذلك مرورٌ على السماوات السبع سماء بعد سماء، ومشاهدات في كل سماء وتجلياتٌ وعطاء واسع، حتى جاوز السبعَ السماوات، وإلى البيت المعمور وإلى سدرة المنتهى، ومنه إلى الحُجُب النورانية من حجاب بعد حجاب بعد حجاب، حيث لا يصعد جبريل ولا غيره من سادتنا الملائكة في عطاءٍ خُصَّ به هذا العبد المقرَّب والحبيب المطيَّب، صاحب الجاه الأرحب الراقي أعلى الرتب، محمد بن عبدالله سيد العجم والعرب.. يارب صل عليه واجعل لنا معه سبيل، واسقِنا من سلسبيله أحلى سلسبيل، برحمتك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين.
فانطوت شؤونُ الأرضين والسماوات، بما فيها من خيرات، في هذا الخيِّر مصدر كل خير، ومنبع كل فضلٍ للعالمين، صلوات ربي وسلامه عليه، وكانت الرحلة كلها والمعجزة كلها تحت تقديس وتنزيه العليِّ الأعلى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فجعل عبدَه المصطفى سميعاً بصيراً فسمع ما لم يسمعه غيرُه من الخلق كلهم، وأبصر ما لم يبصره من الخلق كلِّهم صلوات ربي وسلامه عليه، فلا سميعَ أسمع من محمد في الخلق، ولا بصيرَ أبصر من النبي محمد في الكائنات كلها، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه..
خصصت بتلك العطايا الحضرةُ الواسعة، هذه العينَ الناظرةَ والأذنَ السامعة، فلا يطمع طامع في الإطلاع على مستورها والإحاطة بشهود نورِها، وكان مشاهدةُ الجنات وما فيها، وتحريكُ العزائم منا لأن نكون من أهليها، فقد هبَّت الرائحةُ لماشطةِ بنت فرعون بالرائحة الحسنة؟ ما هذه؟ هذه رائحةٌ لماشطةِ بنت فرعون وما كان حال ماشطة بنت فرعون؟ كان حالها أن وقرَ الإيمان بالله تعالى في قلبها، فأحبت ربَّها وعظَّمت ربها فقابلها الملك والزخرفة والحياة والبهرجةُ والقوة والسلطان والأسلحة والجند وكل مظاهر هذه الدنيا، فما زعزعوا شيئا من إيمانها ولا غرُّوها بشيء من زخرُفهم ولا من زينتِهم، وهكذا أثنى عليها ربنا في القرآن، وضربها مثلاً للذين آمنوا، سيدتنا آسية..
وهذه الماشطة كانت في هذا الوصف لم يغرها ملك فرعون، ولا مظهر الدنيا ولا زخارفها ولا دعاياتها ولا القول المنبسط بالقوة فيها، وكل ذلك زادها إيماناً بالحق تبارك وتعالى، إلى أن قالت: بسم الله حين سقط المشط عليها، وتقول لها بنت فرعون من هذا الذي تذكرين اسمه؟ قالت الله، قالت ألك رب غير أبي؟ قالت الله ربي وربك ورب أبيك ورب الأولين والآخرين، قالت سأقول لأبي، قالت: قولي لأبيك فأخبرته فاستدعاها، ألكِ رب غيري؟ قالت ربي وربك ورب كل شيء الله سبحانه وتعالى، قال ارجعي عن هذا الكلام، قالت لا أرجع، قال أعذبك، قالت عذّب، قال أقتلك، قالت اقتل، وثبتت على إيمانها ويقينها، عليها رضوان الله تعالى.
انظروا الآن، زعزعة الناس أمام كل ما جاء شيء قليل هياج لدعاية أو لفتنة تبلبلوا وتقلقلوا، جاء بالزيت وحماه بالنار طست ملآن زيت يغلي، ووضعوا ولدها الأول، وولدها الثاني، وبسرعة من حمى الزيت وغليانه انخلع اللحم عن العظم، وجاءت وهي ترضع صبيا لها، فيوقعونها فوق الزيت في النار، فأدركتها الشفقة على الصبي فتقاعست، فترك الصبي الثديَ يقول: يا أماه اثبتي فإنك على الحق، وضعوها وإلى قُرب الله وإلى مكرمةِ الله وإلى جود الله وإلى كرم الله وإلى عفو الله وإلى غفران الله وإلى إحسان الله وإلى فضل الله.. وارتقت المراقي حتى تهب الرائحة الطيبة على خير الخلق في ليلة الاسراء والمعراج تمجيداً لشأن هذه الصادقة مع الله سبحانه وتعالى، الراغبة في ما عند الله جل جلاله وتعالى في علاه، ثابتة على إيمانها بربِّها سبحانه وتعالى، فكذلك حدّثنا صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
كما حدّثنا القرآن عن آسية امرأة فرعون ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ) الرغب إلى الله، والشوق إلى الله، والطلب قربُ الله (رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) وهذه الزخرفة والزينة واللهو الذي يأخذ العقول والقلوب ( وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) عليها رضوان الله تبارك وتعالى، فكانت مثلاً للمؤمنين، وكان من جزائها عند الله، أن تكون في الجنة زوجةَ سيد المرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، هي والثانية التي ضرب الله بها المثل، (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ).
كان مشاهدة الجنة ومشاهدة النار، ومشاهدات الأعمال في تلك الليلة، وآثارها، وكان أيضاً مشاهدة الفضل على الأمة إلى أن تقوم الساعة، حمايتُنا من أن ينصِّرنا المنصِّرون وأن يهوِّدنا المهوِّدون، وإلا فكم بذلوا وكم حاولوا وكم عملوا ولكن الأمة في جمعيَّتها محفوظة، والأمة بعين العناية ملحوظة، وإن ضروا كثيراً من أفراد المسلمين والمسلمات، في صفاتهم فاستحقوا بها عتاباً أو عقاباً وعذاباً في الآخرة، أو حُرموا بها درجاتٍ كثيرة والعياذ بالله تبارك وتعالى، ولكن لن يبلغوا مطمعاً في تهويد الأمة، ولا في تنصير الأمة، وقد عُرِض ذلك في ليلة الاسراء والمعراج وناداه المنادي عن يمينه، فأعرض عنه ولم يُجبه، وناداه المنادي عن يساره فأعرض عنه ولم يُجبه، وظهرت عليه العجوز تناديه فلم يلتفت ولم يُجب، ثم قال لجبريل ( ما هؤلاء؟) قال "يا محمد، الأول داعي اليهودية كان عن يمينك يدعوك، لو أجبته لتهوَّدت أمتك من بعدك"، والعياذ بالله تبارك وتعالى، فحِفظُ الأمة ببركة هذا المصطفى، ووِجهته وأسرار إسرائه ومعراجه، وقال "وأما الذي دعاك عن شمالك فذاك داعي النصرانية، أما إنك لو أجبت لتنصَّرت أمتك من بعدك" وكم بذلوا من أجل التنصير هنا وهناك في بلدان عربية وغير عربية آسيوية وأفريقية وغيرها، فإذا مرَّت السنون الكثيرة وانحرف من انحرف وضل من ضل، جاءت النتائج بتكثير المسلمين، ومضاعفة المساجد في تلك المنازل وتلك الديار رعاية من الله بالنبي المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
وهكذا، ترى مع هذا الضعف عند أهل الإسلام، حتى استحيا بعضهم، خرج إلى بعض جهات أفريقيا فدخل إلى بعض الأدغال البعيدة، وأقام أياما رأى نفسه مجاهدا كبيرا، في تحمل للحرّ وللصحراء والتعب وعدم وجود الإمكانيات، يرى في نفسه أنه مجاهد في سبيل الله، وأنه بذل للإسلام ولدعوة الإسلام جهداً كبيراً، فلقي وهو راجع في المطار امرأتين قد حلقتا رؤوسيهما ومابقي فيهما شعر، حلقتا الرؤوس فسألهما: ما جاء بهما إلى هذا المكان؟ قالوا جاؤوا من أجل النصرانية، ولأجل خدمة النصرانية، ولأجل نشر النصرانية، كم لكم؟ قالوا سنة، استحقر نفسه واستحقر جهده، وقال: أنا مسلم بغيت نفسي داعي قعدت اسبوع وشفت نفسي مجاهد في ذا المكان، سنة جالسات ولم حلق الشعر؟ قالت جئت لمهمة أقوم بها، ووجدت هذا يستغرق مني في كل يوم نصف ساعة صباح ونصف ساعة مساء، يشغلني عن مهمتي فحلقته أحسن من أجل أواصل المهمة في التنصير، تواصل المهمة..
هذا المظهر عند أهل الضلال وعند أهل الزيغ كيف يبذلون!؟ تعرف ما مقامنا في ديننا وفي إسلامنا، تعرف نومنا تعرف غفلتنا تعرف كسلنا تعرف عُجبنا بأنفسنا، ما قمنا بحق هذا الإسلام ولا بحق هذه الديانة، ولا بحق هذه الأمانة، ولا بحق هذه الدعوة كما ينبغي.
وكان ما كان في تلك الليلة، قال له "أما العجوز التي نادتك فإنها الدنيا ولم يبق من عمرها إلا بمقدار ما بقي من عمرِ تلك العجوز، أما إنك لو أجبتَها لآثرت أمتُك الدنيا على الآخرة" ولكن وإن مرت 14 قرنا ونحن في القرن الخامس عشر فلا زالت قلوب في الشرق والغرب تؤثِر الآخرةَ على الدنيا، وتؤثر اللهَ على كل شيء ببركة هذا النبي صلى الله عليه وسلم، وبأسرار إسرائه ومعراجه، صلوات ربي وسلامه عليه، فالأمة في بركته إلى ان تقوم الساعة، وظهرت هذه المظاهر والنماذج، لنعرف أن في التبعية زاهدُنا وثابتُنا على الإيمان، إنما هم في تبعية سيد الأكوان صلى الله عليه وسلم، حفظُنا من الغواية، كان بعد أن عُرِض عليه الأشربة، الخمر واللبن والماء، فتناول يسيراً من الماء وشرب اللبن، فقال إنك تُهدى إلى الفطرة، أما إنك لو شربت الخمرَ لغَوَت أمتُك من بعدك، ولو أكثرتَ شرب الماء لغرقت أمتك، ولكن حُفظنا من الغرق وحُفظنا من الغواية العامة لنا، ببركة هذا النبي صلى الله عليه وسلم.
يارب صل عليه واجزِه عنا أفضل الجزاء، فمن يعرف منا حقَّ هذا النبي؟ ومن يعرف منا قدرَ هذا النبي؟ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فلنلاحظ ما شاهد من تلك المشاهدات في تلك الليلة لتستقيم منا الأقوال والأفعال على الصلاة وعلى الجهاد في سبيل الله، وعلى رعاية حق الامانة، وعلى المحاسَبة على ما يصدر من ألسنتنا من الكلمات، وكلها قد رأى آثارَها في تلك الليلة وبلَّغنا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم..
قد فاز صِدِّيقٌ بتصديقٍ له *** وبالعروج الصدقُ وافى أهله
قال لما جاؤوا به يجرون تعالى إن صاحبك قد جُنّ، ما ذاك؟، قالوا إنه يقول إنه أُسري به البارحة إلى بيت المقدس في الشام، وأصبح اليوم عندنا!!! قال "إن كان قال فقد صدق"، إن كان هو الذي قال صدق وأنتم تكذبون من عندكم، وإن كان قال فقد صدق، يبيِّن الصدّيق للأمة أن مقتضى التصديق أن تقوم عقولهم ومداركُهم ومشاعرهم على أساس "إن كان قال فقد صدق" لا يقدَّم عليه كلام غيره، ولا عقل ولا فكر ولا شيء مما يكون في هذا الوجود.
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا*** به موقنات أن ما قال واقعُ
صلوات ربي وسلامه عليه
نسأل الله أن يبعث في قلوبنا حقائق التصديق، وأن يلحقنا بخير فريق.
يا رب بارِك لنا في هذه الذكرى، وهب لنا مِن عندك البشرى، وأصلح شئوننا والأمة سرّاً وجهراً..
يارب نازلَ أمتَه من الكروب ما أنت به أعلم، فاكشف الكربَ والهمَّ والغمّ، وحوِّل الأحوال إلى أحسنِها يا عليُّ يا أكرم، يا رحمن يا أرحم، يا حي يا قيوم يا الله.
اجعلنا وهؤلاء في سبيله، شاربين من سلسبيله، متابعين له في فعلِه وقيلِه، داخلين في أهلِ قُربِه وجيلِه، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين.
اسأل ربَّك يحشرك في زمرته، اسأل ربك يُريك نور طلعته، اسأل ربك يكرمك في القيامة بمصاحفته اسأل ربك يظلك بظل لوائه، يارب اجعلنا ومن يسمعنا تحت ظل ذلك اللواء، مظلولين بظل لواء الحمد، واردين على الحوض المورود، شاربين منه شراباً لا نظمأ بعده أبدا، داخلين مع حبيبك إلى جناتك يا الله، بمحض منَّتك يا الله، فضلاً وكرماً يا الله.
يا الله، حقق لنا ذلك، وأنِلنا هذه المطالب الكبيرة يا خير مالِك، سلِّمنا مِن جميع الزيغ والمهالك، يارب انظر إلى شامنا، وانظر إلى يمننا، وانظر إلى شرقنا وانظر إلى غربنا، واكشف الشدائد عنا، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاءُ منا، ولا تؤاخذنا بسيئاتنا ولا بذنوبنا..
يا الله .. نستغفرك فاغفر لنا، نسترحمك فارحمنا، لا تجعل واحداً منا سبباً لنزول العذاب على الأمة، ولا لتسلُّط الكفار ولا لوقوع غمَّة، يا الله، نستغفرك لذنوبنا فاغفرها، نستغفرك لذنوب أهالينا فاغفرها، نستغفرك لذنوب والدينا ومولودينا فاغفرها، نستغفرك لذنوب جيراننا وطلابنا وأصحابنا فاغفِرها، نستغفرك للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، فاكفنا شؤمَ الذنوب وشرَّ الذنوب، وبلاء الذنوب وعواقب الذنوب، يا حي يا قيوم اكفِنا شر سيئاتنا، فإنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، فأجِرنا يا خيرَ مُجير، وأعذنا يا خيرَ مَن به يُستعاذ، يا من هو الملجأ والملاذ، يا حي يا قيوم يا الله.
يا من أسريتَ بالحبيب أغِثنا بالفرج القريب، يا الله، ووفِّر لنا منه الحظَّ والنصيب، يا الله، واجمعنا غداً في زمرته مع أهل التقريب، يا الله، أدخِلنا معه الجنة من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب يا ربَّ الأرباب، يا مسبِّب الأسباب يا كريم يا توّاب.. يا الله، واجعل رجبَ ينصرف بذنوبنا كلِّها، فلا تُبقِ لنا ذنباً إلا غفرته، ولا خطيئة إلا محوتها، ولا سيئة إلا بدَّلتها حسنة، ولا تبعة إلا تحمَّلتها، ولا تبعة إلا تحمَّلتها، ولا تبعة إلا تحمَّلتها، يا الله، لا نُخزى بشيء من ذلك في القيامة، ولا تنالنا في ذلك اليوم الحسرةُ ولا الندامة، يا الله، أنت مالك يومِ الدين فكن لنا في ذاك اليوم، واكفِنا شرَّ الندامة واللوم، وأدخِلنا في خيار القوم يا رب العالمين، ويا أكرم الأكرمين..
والحمد لله رب العالمين.
للاستماع إلى المحاضرة