03-2014
08

محاضرة مكتوبة بعنوان: أسرار التذكر والارتباط بالقرآن ونسبة أهله إلى الرحمن

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي جمعكم على بابه، ولفَّكم في رحابه، ووفقكم للِّياذِ بأعتابه، لك الحمد يا كريم، لك الحمد يا رحيم، لك الحمد يا عظيم، لك الحمد يا مَن بعثتَ إلينا حبيبَك المصطفى، سيدَ أهلِ الصدق والوفاء، وأنزلتَ عليه القرآن فيه الهدى والشفاء، وجعلتَ له صحباً هم خيرُ الأصحاب، وآلاً هم خيرُ الآل، وجعلتَ أمته خيرَ الأمم، فصلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على على هادينا إلى صراطِك المستقيم، وداعينا إليك بالخُلقِ العظيم، محمد بن عبدالله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وصل معه على آله وأصحابه ومن والاه، واهتدى بهداه، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا الله.

واقبلِ الجمع الذين قصدوك، ورجوك وأمَّلوا ما عندك، وتوجهوا إليك، وألحِقنا بمَن قبلت، وألحِقنا بمَن رضيت، وألحقنا بمن أكرمت، وألحقنا بمن اصطفيت، وألحقنا بمن اجتبيت يا رب العالمين

قال سبحانه وتعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) وهم أمةُ النبي محمد، أورثَهم هذا الكتاب العظيم، القرآن، الشفاء، الرحمة، الهدى، النور، مَن جعله أمامه قادَه إلى الجنة، ومن جعله خلفَ ظهرِه ساقه إلى النار

اللهم اجعلِ القرآنَ إمامَنا، واجعله أمامَنا، وارزقنا الائتمارَ بأمرِه، والانزجارَ عن زجرِه، واجعلنا مِن تالِيه آناءَ الليل وأطراف النهار، وشفّعه فينا، يارب العالمين، ولا تُمِت الواحدَ منا إلا وقد أدخلتَه في دائرة أهل القرآن، يارب العالمين، فإن نبيَّك الأمين قال لنا (أهل القرآن هم أهلُ الله وخاصته)، في ما دعا إليه من كريم الرُّتب، وما بيّنه من عجائب النِّسب، نسبةٌ ونسبة ورتبة فوق رتبة، وهؤلاء لهم شرفُ الانتساب إلى الله، بحسنِ صِلتهم بكتاب الله، بحُسن صلتهم بالوحي الذي أوحاه على مصطفاه

(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)، الحمدلله الذي خصنا بالقرآن ونبي القرآن، ويسَّر لنا القرآن بلسانِ سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، لعلنا نتذكر، ولأجل تقوم حقائق البشارة والنذارة، (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا)، (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، يُسِّر لنا القرآن، لننال من التذكُّر ما لم ينله الغير، ولنحوز من سرِّ هذا التذكر ما يوجب لنا تطهُّراً وتنوراً وقرباً من الواحد الأحد وتهيؤاً للقائه في يوم غد.

وليقوم لنا نعمةُ التبشير، على لسان البشير، وبيد البشير، والإنذار بيد النذير (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا)، فهذه معاني عزيزة شريفة نرتعُ فيها لنُحظى بالنسبة، نسبتك من القرب من الرحمن، أو في رضوانه، أو في الدنوِّ من حضرته، أو في تلقِّي الفائض من منّته ونعمته، حسب نسبتك للقرآن، ولكن نسبتك إلى القرآن لن تجد فيها مزية ولا خصوصية ولا رتبة عليّة إلا بحسب نسبتِك لمن أُنزل عليه القرآن، من يُسِّر القرآن بلسانه وهو خير لسان، لسان خير إنسان، لسان سيد الأكوان، لسان المصطفى من عدنان، لسان سيد أهل الإحسان، لسان محمدٍ صلوات ربي وسلامه عليه.

فإذا اجتمعنا في ذي المجامع، وذكرنا الرحمن، وذكرنا المصطفى وصلينا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، سمعنا الآيات، سمعنا الدعاء والتضرعات، فكلها نغَماتُ وذبذباتُ وترجماتُ قراءةِ هذا اللسان، قراءة هذا الإنسان، الميسَّر به الذكر والميسَّر به القرآن، صلوات ربي وسلامه عليه

فإذا قوي ارتباطك به بدأت عظمةُ القرآن تتجلى في ساحات قلبك، بتجلِّي عظمة من أنزل عليه القرآن، فإذا تمّ لك ذلك امتلأتَ بتعظيم منزل القرآن، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)، (أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ)، (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا).

 فلن تجدوا أهدى منه، ولا أحسنَ بياناً للحقائق ولا أرشدَ ولا أقوم (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) فأنت في بحر هذه الهداية، (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء )، (وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)، (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا)، (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) من أين ذي الهداية؟ هي من واحد، سبحانه وتعالى، لكن جعل لها مجلَى في وحيِه، ومجلَى في الذي أوحى إليه، قال له (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، وقال (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي) وقال له (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء)، ولكن الله يهدي من يشاء.

ادخل بحر الهداية، اللهم اهدِنا في من هديت، اللهم اهدنا في من هديت، (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) فيا آل الأفكار المختلفة: فكّروا ما شئتم، ولن تجدوا أقومَ لصلاحكم ذاتاً وجسداً وروحاً ومجتمعاً وسياسةً واقتصاداً واجتماعاً وخُلقا ومعاملةً مما أرشد إليه القرآن، هذا كلامُنا لكم يا مَن لم تؤمنوا، أما معشر مَن آمن بالقرآن، العجب كل العجب، فيكم وفي أحوالكم، تؤمنون وكأنكم لا تؤمنون! تصدقون وكأنكم تكذبون؟ أتبتغون أقومَ من هذا الهدى؟ أو مِن دلالة كتابِ العلي الأعلى؟ بسطتم أيديكم إلى مَن هبّ ودب، من أهل الشرق والغرب، وجِّهونا، علمونا، نبِّهونا، هاتوا برامجكم إلينا، والميزان عندكم، والأقوم لديكم، إنهم المحتاجون إلى قرآن ربي، ولسنا نحن ولا هم ولا الأمة في حاجة لِما خالف منهاج هذا القرآن، من تفكير أي أحد، ومن خطة أي أحد، ومن نموذج أي أحد، ومن فكرة أي أحد، ومن منهج أي أحد، كائناً من كان، (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ)، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه)؟

يا من يحيط بك الجهل، علمتَ شيئاً وغابت عنك أشياء، لو سألناك عن بعض ما في جسدك لظهر جهلُك، لو سُئلت عن بعض أخبار رئتك لظهر جهلك، لو سئلت عن بعض أخبار شرايينك لظهر جهلك، هذا وسط جسدك، وإذا خرجنا خارج جسدك فجهلُك أكثر، أنت تجهل عن كثيرٍ مما في النمل، أنت تجهل الكثير الكثير من أسرار النحل، يا أيها الجاهل (أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه)؟ وما خلق الله بهذه الكائنات بدلالاتها الفياضة التي تدل عليه إلا ليقومَ بيننا علمُ اليقين أن هذا الإله هو على كلِّ شيء قدير، وهو المحيط علماً بكلِّ شيء.

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) الغاية والنهاية والثمرة (لِتَعْلَمُوا) من أجلي وأجلك، خُذ عطاءً مِن خالق السماوات والأرض، قال أنا كونتُها وأبدعتُها بهذه الصورة من أجل أفيدك علماً، يارب علمنا، وما هذا العلم، قال عنوانه (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فتعتمدون عليه، وتستندون إليه، وتتوكلون عليه، وتلجئون إليه، تُعدُّونه لكل شدة، وتلجئون إليه في كل رخاء وشدة، وتثقون به وبوعده وبضمانه (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، أنتم بين يدي من؟ هذا المحيط علماً بكل شيء، القادر على كل شيء.

يا رب علمتَهم وعلمتَ ظواهرَهم وخفاياهم وسرائرهم وحسَّهم وعلانيتهم ومافي بواطنهم.. فيارب رحمتَك لنا ولهم، ما تتجلى به على مَن قبلتَ وارتضيتَ وسبقت لهم السابقةُ منك بالسعادة تجلَّ به علينا، وأكرِمنا به يا ربنا، تجعل من عبادك مفاتيح للخير مغاليق للشر فاجعلنا جميعاً وجمعَنا ومَن يسمعنا منهم يا الله، مفاتيح الخير مغاليق الشر هم أقوى الناس رابطةً بالقرآن، الوحيُ المنزَل على سيد الاكوان

(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ)، (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) يقول ربك، (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ )، فما كان مجيء سيدنا جبريل إلا ذاك الأمر المجازي والصوري والأمر المظهري والجوهر، أنزل رب العرش على محمد، (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) وتأدب الحبيبُ العظيم ورعى حق الواسطة، ورعى حق الوسيلة، وكان ينتظر جبريل ويسأل جبريل، وجبريل يتملَّى بنور الحبيب الجليل، حتى لما امتد الشوق عند سيدنا جبريل لكثرة النزول، وأحسَّ قلبَ الحبيب، وهو أيضاً عظيم المحبة والشفقة والرحمة، قال (ما يمنعك أن تزورنا اكثر مما تزورنا؟)، وما من ذلك إلا الإذن، ولو أذن له لم يفارق منزلَ رسول الله، وأنزل الله سبحانه وتعالى، في هذا المعنى وإقامة هذا الجواب (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)، جل جلاله وتعالى في علاه

فكان محض ذلك الإذن من الحق لتلك المجالسة الكريمة، ما بين سيدنا جبريل والنبي الجليل، صلوات الله وسلامه عليه، فخُذوا كنز هذا الوحي الذي أوحي إليه، يا أيها الهاجرون لكتاب الله ارجعوا، واربطوا بينكم وبين القرآن، ولو بتأمل صفحات في اليوم والليلة، لا تأخذ ساعاتُ يومك وليلتك لغير الرب لغير القرآن لغير الدين، إلى أين ذاهب؟ هذا الذي خلقك هو الذي أنزل هذا، وأرسل إليك هذا، ويسر بلسانه هذا، ما بالك تهمله؟ ما بالك تغفله؟ راجع ما بينك وبين القرآن.

ويا أيها التالي للقرآن تدبّر، تأمّل، تذكّر، تبصّر، يقول تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)، يقول (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)، اجعلنا ممن يتدبر، اجعلنا ممن يتذكر.

عُرف في البلدة هذه عوام أمِّيون لا يقرؤون ولا يكتبون، حفظوا القرآن، كيف حفظوا القرآن!؟ قلوب معلقة بالقرآن، معظِّمة لمنزل القرآن، ومن أنزل عليه القرآن، وللقلوب التي حملتِ القرآن، ولسندِ القرآن، فاجتمعوا في مجامعه وحضروا مجالسهم وحضروا حلقات حزوبهم بين المغرب والعشاء وآخر الليل فحفظوا القرآن، كم من أمِّي لا يقرأ ولا يكتب يحفظ كتابَ الله من فاتحته إلى خاتمته، هذا مضى في تاريخ البلدة، ربطاً بالقرآن، كانت القلوب حاملةً أسرار هذا القرآن، وارتبط عوامهم بخواصهم فسرَت السراية إلى الجميع، فكان ما كان من عظيم ذلك الشان.. لِم!؟ لأن قادتهم في المسار، حرروا أفكارهم عن النظر إلى غير الكريم الغفار، في وقتهم كلام كلام كثير، وفضول هنا وهناك، لو تتبعوه لوقعوا في ما وقع الناس فيه ولانقطعوا كما انقطع غيرهم، لكن عرفوا يختارون، عرفوا إلى من يوجهون النظر..

 ما لي نظر إلا لواحد صحيح ** متكفل أرزاق العجم والفصيح

 والقلب مطمئن إلى الرب وأنا مستريح

 ويقول بعد ذلك، إذا حصل إدراك الحقيقة، وهانت عندك كل هينة عند الله، من الدنيا وما فيها

  مَن هوَّن الدنيا حصل له ونال** منال حتى يلتحق بالرجال

 ما علامتهم؟ قال المبالاة حقهم كلها بالرب، حتى ألصق ما يكون بالإنسان من المال والعيال، من حيث الوجهة لذاته، محبته لذاته تخلصوا منها، وبقوا يحبونه من أجله، ويربونهم من أجله، وينفقون عليهم من أجله، ويراعونهم من أجله، رجال ما بالوا بمال أو عيال، طوبى لهم ما جاؤوا طريق القبيح، كل مستقبح من النظر والنية والمقصد تنزهوا عنه، ترفعوا عنه

الله يحيي فينا هذه السِّيَر، الله يرد لنا هذا الخير الأكبر، يارب أصلح أحوالَ المسلمين في البحر والبر، لأن الأمر كما قال (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) كلما أظهروا تقدماً في جانب وقاموا يجرون عليه تجربات وغيرها حصل فساد، في البر وفي البحر، البيئات تفسد والمطعومات تفسد والمزارع تفسد وتمرض، والبحر أيضاً، حتى السمك مسكين ما سلم منهم..

ولهذا هم يصلّون على معلم الناس الخير، لكن هؤلاء معلموا الناس ركز أصنام الأموال، تعرف الأصنام الحسية، راحت من قدام الناس وصنم المال قائم، (إن لكل أمة عجل، وعجل أمتي الدينار والدرهم)، العملات المختلفة هنا وهناك، لها أخبار حنانة طنانة قوية، صنم مركوز قدامهم، يسجدون ببواطنهم له والعياذ بالله تبارك وتعالى.

(تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، واذا شيك فلا انتُقش ) فاز عبدالله، فاز العبدُ المحض للرحمن تعالى في علاه، اللهم خلِّصنا من الرقِّ والعبودية لما سواك، يارب العالمين.

تدبّروا القرآن المجيد، تأملوا ما فيه، عاوِدوا حسن الصلة بينكم وبينه، وفي الأمة في شرق الأرض وغربها على مدى القرون، نماذج ظهرت يُقال عن أحدهم: امتزج القرآن بلحمه ودمه، فيهم قراء حتى إذا ناموا قرؤوه، إذا ناموا قرؤوه، وليسوا بالبعيدين، أدركنا من أدركنا منهم وسط البلدة هذه، إذا ناموا قرؤوا، قلوبهم معلقة بالقرآن، ينام فكا تدري به إلا يقرأ وهو نائم إلى أن ينتبه، لأنه في يقظته قلبه معلق بالقرآن، يمشي وهو يقرأ، وهكذا، كانوا في مشيهم حتى في أسفارهم، يخرجون إلى شعب النبي هود أو غيره، وعلى دوابهم، دابة جنب الدابة، وذا يقرأ مقرا وذا المقرأ الثاني.. يحزِّبون القرآن وهم ماشيين في الطريق، والآخرين معهم من أهل العلم حاملين كتبهم، ويقرؤونها على الدواب، وآخرين، بمجرد ما يحطوا في محل، وينزلون في مكان من تعب السفر، مباشرة إلى الكتب أول والمحل ينزل باقي الحمول، وذا يبدا قراءة بسم الله تدارس العلم

 وفاتني من خيار الناس كم رجل ** ما فارق الذكر طول العمر والكتبا

 رضي الله تعالى عنهم

هذه آثار تربية النبي محمد، هؤلاء ركزوا لنا أصنام وطاردونا بها إلى كل مكان، فأثرت على قلوب كثيرة والله يحرر قلوبنا من شرهم ومن ضرهم، ويرزقنا التبعية لخير إمام، من كان خُلقه القرآن، لا يمكن أن يُقرأ القرآن في ذات كما يُقرأ في ذات محمد، كله قرآن، رموش عينيه القرآن، تقاسيم وجهه قرآن، جبينه يشعّ بالقرآن، أذنه الكريمة قرآن، أصابعه تدلك على القرآن، تقرا فيها القرآن، صلوات ربي وسلامه عليه

وما تحمّل قلبُ غيره هذا الكتاب، بيّن الله الحقيقة (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) لكن قلب الحبيب (عَلَى قَلْبِكَ) صلوات ربي وسلامه عليه (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)

الحمدلله على ذلك، أحيا الله في قلوب الأمة رابطتَها بالقرآن، وعظموا حلقات القرآن، وعظموا ختم القرآن، بل قد جاء في الخبر، وفي السير، أنه صلى الله عليه وسلم بنفسه عند ختمه كان يدعو أهل بيته، ويختم القرآن معهم ويدعو الله وكانوا من بعده الصحابة، رضي الله تبارك وتعالى عنهم وأرضاهم، تعظيماً لهذا الشان، وكنا أدركنا آثار هذا التسلسل، في تعظيم القرآن وختمه، في صباح الخميس في مساجد تريم، وكنا نرى من عندهم في البيوت أطفال صغار، لم يتهيؤوا بعد للحضور في المساجد، إذا تركوهم في الأيام الأسبوع الأخرى يوم الخميس يقول قوموا لا تصلوا اليوم في البيت احضروا معنا ختم القرآن، أما اللي قده في عشر ونحوه قده كل يوم يحضر، ولكن أصحاب خمس سنين وست سنين وسبع، يقولولهم اليوم ختم اخرجوا معنا صلوا في المسجد واحضروا ختم القرآن، هذا كان بعض المساجد وسط البلدة قال يأتون لأجل القهوة في الختم، فيأتون بطست كبير من القدور والأواني الكبيرة، لأن الحاضرين كثير، ما بيكفيهم هذه الدلل والأباريق الصغيرة اللي يحملون فيها القهوة، فيوقدون في القدر الكبير لأن الناس كلهم حاضرين من شان ختم القرآن..

لكن ناموا بعد ذلك، جات لهم برامج قال لهم عظموا غير هذا، وراحوا سرقوا عيونهم وسرقوا آذانهم، سرقوا وجهتهم، ويا راد الضال، يا راد الضال، الله يرد ما فات، الله يرد ما فات، من الخيرات ويحيي منها ما مات، في جهاتنا وجميع الجهات، وأدم راية الدين القويم في جميع الأقطار منشورة، ومعالم الإسلام والإيمان باهلها معمورة معنى وصورة، آمين يارب، آمين يارب، آمين يارب، يا أكرم الأكرمين

مر بعض الصالحين على مقبرة، قرأ سورة قل هو الله أحد ثلاث مرات، وقال اجعل اللهم ثوابها لأهل هذه المقبرة، مضى في طريقه، يرى بعض الأقارب الموتى صاحبه في حالة حسنة، وحلة من حلل الجنة، يقول أنت أنك كنت في عذاب، قال: نعم، لكن أمس مرَّ رجل صالح فقرأ قل هو الله أحد فوهبها، فوصلني ثواب رأس واو، ثواب رأس من واواتها فغفر الله لي، لكنه ثواب رأس واو خرج من قلب صاحب قرآن، فأنقذ الله به الرجل من مقبرته، في قبره، هكذا..

وكان سبب المغفرة فما أعظم آيات القرآن، وما أعظم كلمات القرآن، وحروف القرآن، اللهم نوِّرنا بنور القرآن، واحشرنا يوم القيامة مع أهل القرآن، وارزقنا العمل بما في القرآن، واجعلنا ممن به يتذكر، وله يتدبر، وفي معانيه يتفكر، حتى يصفو ويتطهر، وإلى المراتب العلى يعلو مع القوم الغرر، آمين يارب.

واعمر بالقرآن ديارنا، واعمر بالقرآن منازلنا، كان بعض الصالحين يقول لولده قبل أن يموت : يا ولدي احذر أن تعصي الله في هذا البيت، خصوصا في هذه الغرفة، فإني قد ختمت فيها 7000 ختمة، وسط الغرفة هذه، انتبه تعصي الله فيها، كلها قرآن بتشهد عليك بعد ذلك، نطقها أقوى في القيامة لِما قُرئ فيها من القرآن، وهكذا كانوا عمروا ديارهم في عندنا الآن في بعض الغرف في بعض الديار الجديدة التي بنيت ما قد قُرئ فيها قرآن أصلاً، حتى الفاتحة ما حد قراها فيها، يارب، انظر إلينا وأحيي فينا حقائق هذه الكنوز حتى بها نفوز، وللخيرات نحوز.

(البيت الذي يُقرأ فيه القرآن) تعرف معنى البيت؟ نحن نصرفه إلى الدار بكامله وغرفها ومنازلها ومافيها، البيت الغرفة الواحدة، هذا بيت، مجموعه دار، البيت الغرفة، مش الدار كله، الغرفة الذي يُقرا فيها القرآن، ولهذا ما خلوا القرآن حتى من مطابخهم، مطابخهم فيها قرآن كامل، وكان الطباخات يطبخن وهن يقرأن، وهكذا سمو الدين، شرف الانتماء إلى السماء، بل إلى رب الأرض والسماء، أهل القرآن هم أهل الله، هم أهل الله وخاصته

فأنعِم بأصفياء الله، كان بعض الصالحين في بعض البلدان، منتشر فيها من جملة الفقه الإسلامي، على مذهب الإمام الشافعي يقرؤون المهذب والتنبيه، رجل في هذه البلدة رأى الحبيب صلى الله عليه وسلم، يقول من أولياء الله، أشار إلى الصنف الذين عنده في البلد، قال (درسة التنبيه والمهذب)، يعني المعتنين بعلم الشريعة العاملين بها هؤلاء أولياء الله، أعاد عليه السؤال، يا رسول الله من أولياء الله؟ قال (درسة التنبيه والمهذب) فأعاد السؤال في رؤيا من أولياء الله؟ قال (درسة التنبيه والمهذب)، قال يا رسول الله فدرسة القرآن؟ قال (اولئك أصفياء الله أولئك أهل الله أولئك أصفياء الله أولئك أهل الله)

الله يفتح لنا فتح في هذا القرآن، يربطنا بالقرآن ربطاً لا ينحل، ويجعلنا عنده من أهله إن شاء الله قبل أن نخرج من هذه الحياة، ونحشر مع أهل كتاب الله مع أهل وحي الله، مع اهل القرآن إن شاء الله.. اللهم افتح القلوب لذلك، والشوائب التي فيها تمنعها من ذلك انزعها يا كريم، أخرجها يا رحيم، في بساطك هذا الذي مددته لنا، فما جئنا إلا نستكرمك، ونسترحمك، ونستعطفك، ونستنصفك، ونسألك ما عندك فارحمنا في جمعنا، ارحمنا في وجهتنا، ارحمنا بمن دلّنا على هذه الخيور، وقامت به فينا هذه الأمور، بدر البدور وورثته من سلسلة النور يارب اقبلنا بهم، ياربنا اقبلنا بهم، والكل منا يخرج معمور بنور الكتاب وبحلة الآداب بالارتباط بعالي الجناب،يارب الأرباب، بسيد الأحباب أجب دعانا يا  أكرم من أجاب، واجمعنا في رحابه خير الرحاب، وارفعنا به إلى أعلى مراتب الاقتراب، وانظر به إلى المسلمين في المشارق والمغارب ودُلَّهم على الصواب وادفع عنهم كيد الكائدين واذى المؤذين وظلم الظالمين وشر كل ذي شر من الإنس والجن والخلائق أجمعين يا قوي يا متين، احفظنا وإياهم بما حفظت به القرآن، احرسنا وإياهم بما حرست به القرآن، احفظنا بما حفظت به الذكر، انصرنا بما نصرت به الرسل، ثبتنا على الحق في ما نقول، ثبتنا على الحق في ما نفعل، ثبتنا على الحق في ما نعتقد، يا ربنا يا ربنا، يا ربنا يا ربنا يا ربنا أجب دعوانا ولا تخيب رجانا وأصلح ظواهرنا وخفايانا، بلغنا في الدارين منانا، اقبل الجمع ومن فيه ومن يسمع ما يُدار فيه، وبلّغ الكل فوق ما يرتجيه، من كل خيرٍ مما أنت أهله يا مَن لا يرد داعيه، ولا يخيب راجيه، يا الله، يا الله، اكشف الحجاب، نوّر الألباب، وافتح الأبواب، في كل خير يا وهاب

بجاه من أنزلت عليه الكتاب، جامع الآداب، مفتاح باب الرحمة الواسعة، وسيد أهل المراتب الرافعة، عبدك المصطفى، ونبيك المقتفى سيد أهل الصدق والوفا، اللهم ارحمنا به رحمة واسعة، وانظر إلى أمته نظرة ربانية رحمانية، تصلح بها شؤونهم الدانية والشاسعة.. يا الله..

، وبكليتك قل يا الله، قل يا الله، يرحمك الله، وينظر إليك الله، وتسعد عند لقاه، وتسعد عند لقاه، وتسعد يوم لقاه، ويجزل حظك من عطاه، يا الله، نعم قل يا الله، بقلبك وكليتك نادِ إلهك، ناد معطيك، ناد المنعم عليك، ناد المتفضل، ناد المتجلي، ناد المتكرم، ناد المنعم، ناد المعطي، ناد المحسن، ناد الرحمن، ناد الرحمن ،ناد الرحمن، ناد المنان، ناد الكريم، ناد الرحيم، ناد الإله العظيم، قل يا الله، يا الله، وهو أقرب إليك من حبل الوريد، وعطاؤه مديد، وجوده واسع مجيد، يا الله

 قل يا الله، ناد الإله، وارجو الإله وابسط كفك إلى الله، لا رجع كفٌ خلياً من رحمتك، أتُمدُّ إليك الأكف ثم يُحرم أهلها؟ فهل بغير إذنك امتدت إليك؟ هل بغير رحمتك ذلت بين يديك؟ هل استطعنا أن نبسطها إلا وأنت الذي بسطتها؟ فيا من أعطيتنا هذا اصرف عنا كل أذى، وبلغنا فوق ما رمنا، واقبلنا على ما فينا، يا الله، املأ هذه الأيدي ولا ترد كفاً خلي، يا غني، يا سخي، يا مليّ، يا جواد، يا رب العباد، يا واسع الإمداد، يا الله، يا الله، يا الله.

 وله الحمد على ما وفقكم، وعلى ما أعطاكم وعلى ما منحكم، منه إليه به سبحانه وتعالى، عجزنا عن حمدك ياربي فاحمد عنا نفسك، بما أنت أهله لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى، فلك الحمدُ يارب العالمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.