04-2014
22

محاضرة مكتوبة بعنوان: فيض الإيمان الذي لا يُلبس بظلم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مولى الفضل، جزيل النوال، الذي لم يزل جوده هطّال، سحَّاح بعجائب من الجود، لا تحدها حدود، ولقد شُرِّفتم بصاحب المقام المحمود، طلعت لكم به أنجمُ السعود، وكنتم خيرَ أمة ببركته تُنشر لكم الألوية في اليوم الموعود، والناجي منكم في ذلك اليوم، يتقدم مرورُه على مرورِ جميع الأمم التي سبقت من القرون الكثيرة التي لا يمكن إحصاؤها ولا عدُّها، تتأخر حتى يدخل الناجون من أمة سيدنا محمد، لا يوضع لهم ميزان حتى تُوزن أعمالُ أمة النبي محمد، ولا تُنشَر لهم صُحُف حتى تُنشر صحائف أمة النبي محمد، ولا يمرون على الصراط حتى تمر أمة النبي محمد، فاجعلنا يا ربنا من خيار أمة هذا النبي محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

فهي بما بثّ لها الخالق الرحمن، من مواهب ومن رحمات، ومن خصائص ومن عطاياه، تشتدّ حسرةُ الذي حُرِمها من بينهم، وكان فيهم فحُرمها بإعراضه عن الله، أو إصراره على معصية الله، أو إيذائه لعباد الله، أو سوء ظنّه في الله أو في خلق الله، أو بمواصلته لمخالفةِ شرعِ الله سبحانه وتعالى، إلى غير ذلك من أسباب الحرمان القاطعة، وخُذِل في ذلك فأصرَّ واستكبر وفاتَه العطاءُ الأوفر، وفاته الخيرُ الأجلّ الأكبر.. لا تجعل فينا محروماً يا كريم يا برّ، ولا في منازلنا ولا في ديارنا ولا في أهالينا ولا في قراباتنا ولا في جيراننا ولا في أصحابنا ولا في طلابنا ولا في مَن والانا فيك يا رب العالمين. وانظر إلى أمة هذا النبي بهذا النبي، وارحمنا يا رحيم، وأكرمنا يا كريم وثبِّت أقدامنا على صراطك المستقيم، (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، صراط المحبوبين والمقربين، صراط النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين..

فيارب ثبتنا على الحق والهدى ** ويارب اقبضنا على خير ملةِ

ودواعي هذا الفضل في مثل ذا المحفل تدعوكم، لأن تأخذوا نصيبَكم من فضلِ ربكم، بصدق الوِجهة إليه، حتى تخرجوا من الانحصار في هذه المحسوسات، فإنها جسمانيات، جسدانيات، والأجسام والأجساد بأصنافها شأنُها حقيرٌ إذا نُسبت إلى الروح، (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ولذا حُكِم للروح بالبقاء والدوام والخلود، وحُكم على عامَّة هذه الأجساد إلا ما استُثني منها أن تعود إلى التراب، وأن تصير فيه وأن يسلط عليها الديدان والحيتان والهوام، وأن تأكلها حتى تفنى تلك الأجساد، وتبقى الحيتان يأكل بعضُها بعضا.. وخذ العبرة هذا الجسد أُكِل، والذي أكله أيضاً من الحيتان مات، فلا يزال يأكل بعضها بعضاً حتى تبقى دودتان، فتغلب إحداهما الأخرى، ثم ينقطع الغذاء، فما بقي عندها في القبر شيء، الغذاء الأول وهو ذا الجسد الذي ربما كان صاحبه يتكبّر ولو فكّر في ذا الحال ما تكبّر، هذا الجسد نفسه هو الغذاء الأول، كمّل هذا الغذاء فرجعت بعضها لبعضٍ غذاء، ثم انتهى كل شيء فبقي الواحدة منها، تموت من الجوع.

لنعلم أن الموت يشمل الكلّ، وأن الحيَّ الذي لا يموت ربُّ العالمين، والذي اغتنم نصيبَه من هذا الخير الموهوب للأمة ربما سرت السراية من فضلِ الله عليه حتى إلى جسده، فيبقى جسدُه وسط التراب وبين التراب وتحت الثرى محترماً لا يأكله دود ولا حوت ولا شيء من هذه الحيوانات المسلطة على جميع الأجساد إلا أجساد مخصوصة، ما هذه الأجساد المخصوصة، هل وُضع عليها شيء من الماديات والجسمانيات؟ لا..! لكن اتصلت أرواح أصحابها اتصالاً خاصاً قويًّا بالحيّ الباقي فحكم ببقاء الجسد نفسه، فصار الجسد الفاني الذي هو من تراب ومآله إلى التراب وهو عند عامة الناس من المسلمين من المؤمنين، وكثير من الصالحين يتحول إلى هذا التراب وتأكله الحيتان والديدان، إلا هذا الجسد المخصوص فلا يُسلَّط عليه شيء من ذلك الدُّود وهكذا، انتشر الإكرام لأن صاحب هذا الجسد اغتنم الأمر، فصدق مع الحق في التوجه، فخرج عن هذه الجسدانيات كلها، كيف خرج عنها؟ خرج عن الانحصار فيها عن الانقطاع بها، وصارت له ملامح في وجهاته، وفي تأملاته، وفي مداركه، إلى ما وراءها من الروح، فصار كله روحاً حتى كأنَّ الجسدَ روح، وهو جسد فأُعطي من خصائص الروح، الروح لا يمكن أن يمسَّها دود، لا يمكن أن تتحول إلى تراب، فتنتقل الخصوصية للجسد الذي عايشَ هذه الروح التي صفت، والتي أُكرمت والتي خُصِّصت بالخصائص الكبيرة.

سمعتم قول الشاعر الصالح الشيخ عيسى البيانوني عليه رحمة الله:

جسد تمكّن حب أحمد فيه ** تالله إن الأرض لا تُبليه

 أم كيف يأكله التراب وحبه**  في قلبه ومديحه في فيهِ

ليس كل محب، بل قال "تمكّن حبُّ أحمدَ فيه"

وكان هذا الشاعر ممن قُبِر بالمدينة المنورة، وكلما مرت فترة فحفروا قبره وجدوه كما وُضِع، جسد تمكن حب أحمد فيه تالله إن الأرض لا تُبليه، وهكذا شؤون هذه الأجساد، التي جاءتنا الأخبار عن خمسة أصناف: الأنبياء، والشهداء، والعلماء العاملون بعلمهم، وحفظَة القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، والمؤذن محتسباً لله سبع سنوات يؤذن للصلوات الخمس محتسباً للرحمن جل جلاله بلا مقابل، فهؤلاء خمسة أصناف لا تأكل الأرضُ لهم أجسادا، وهكذا، شؤونٌ من شؤون أهل المحبة الخالصة، والدرجات المخصوصة، لا يأكل التراب أجسادهم تكريماً من الله لهذه الأجساد، لأنهم استقبلوا هذا الكرمَ بحقه.

ولكن، كما قال الإمام العارف بالله سيدي أحمد بن علوان عليه رحمة الله: من عاش في هذه الحياة، شغله تغذية جسده عن روحه فأراد أجراً فليطلب أجرَه من الحيتان والديدان فقد عاش مشتغلاً في سبيلها يقوِّي وينمِّي لها الجسد لتحصل غذاء وأكلاً كثيراً، قال فهذا خدّام للحيتان والديدان بتقويته لجسده بغير اشتغال بتغذية الروح، انقطع عن تغذية الروح، وفكر في الجسد ، وهذا الذي يُدعى إليه اليوم كثيرٌ من المسلمين، قال أجسادكم أجسادكم أجسادكم، قبل كل شيء أجسادكم، بعد كل شيء أجسادكم، أجسادكم أجسادكم، في مظهرها، في صورتها في قوتها، في منظرها، في أدويتها... أجسادكم أجسادكم، وانصرفوا إلى الأجساد تماماً عن الأرواح فما كأنّ فيهم أرواح، ففاتتهم خصائص الأرواح، فصاروا نقائص الجسد من الموت معناه نالت أرواحهم، فصارت الروح المنزهة عن الموت تتغشى بمعنى من معاني نقائص الجسد وهو الموت، فيقال فيهم: فأجسادهم قبل القبور قبور، مساكين أرواحهم انقبرت في الجسد قبل ما تنقبر أجسادهم في التراب، انقبرت أرواحهم لأنها أرواح ظُلِمت وأرواح جُحِدت خصائصُها ومزاياها، وتعلّق أربابها بالأجساد، وبالمظاهر، وبالصور

 نعم عالم الأرواح خير من الجسم ** وأعلى ولا يخفى على كل ذي علم

 فما لك قد أفنيت عمرك جاهداً ** بخدمة هذا الجسم والهيكل الرسمِ

ظلمت وما إلا لنفسك يا فتى ** ظلمت وظلم النفس من أقبح الظلم

 تيقظ هداك اللهُ من نوم غفلةٍ ** ولهوٍ ولا تعمل على الشك والوهم

وقال أيضا:

عش بالرجا والأمل يا صاح ** وحسِّن الظن بالمعبود

 وزجّ وقتَك بالأفراح ** ولا تأسّف على مفقود

 وارقَ إلى عالم الأرواح ** فإنه الأصلُ والمقصود

 ولا تعوّل على الجثمان **  فإنما هو إلى التُّرب

هنا خصائص دعوات الأنبياء، وبها تحيا الأرواح والأجساد معاً، والجسد في الدنيا يعيش في طاعة وعليه مَسحة من خصائص الروح فكأنه روح، فإن قويَ هذا الأثر فيه وتمكَّن منه، انصبّت الخصوصية عليه حتى لا تأكله الحيتان ولا الديدان ولا التراب، ويبقى محفوظاً تحت عناية الخالق، إلى أن يعيد اللهُ جميع الأجساد التي تحوّلت إلى تراب، في وقت ما بين النفختين النفخة الأولى التي بها يصعق من في السماوات ومن في الأرض، وما بين النفختين تعود جميع الأجساد، وما من جسد عاش في الدنيا إلا وصانعه ومكوّنه يعيده كما بدأه أول مرة، (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ)، (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)، وهكذا، في هذا الشأن العظيم، حتى تُنفخ النفخة الثانية فتقوم جميع الأجساد إذ تطير الأرواح إلى أجسادها (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ* وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ).

 وأمام هذا الموقف والحكم، تصغر محاكم العالم، أي حكم في الدول الكبرى والدول الصغرى؟ يصغر، يحقّر، يتلاشى، يذوب كأنه لا شيء! فشهوده هذا في القلوب والعقول غيّ، هل تعرف الغيّ؟ غيّ يُبتلى به من لم يتصفّ باطنه، من لم يتطهر قلبه، أما من طُهّر قلبُه فقبل أن يُكرم اللهُ سحرةَ فرعون بالإيمان كانت عندهم نظارة أهل الغيّ، يقولون يا فرعون (أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) أنت صاحب الملك وعندك القدرة، اعطِنا شيء، قال (نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)، لما سجدوا وآمنوا تغيرت النظارة، ينظرون إلى فرعون (لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ) حكمك هذا ونفوذك حقير، صغير قصير، لا يساوي شيء، لا يغرنا، (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) هل لك حكم يتجاوز الحياة القصيرة؟ أنت بكبريائك هل لك حكم يتجاوز هذه الحياة القصيرة!؟ ما في، إذن أنت قصير وحكمك قصير، ولكن عشِقنا مَن إليه المصير، (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ)

فما الذي حصل؟ هُدِّدوا (فَلَأُقَطِّعَن أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) ولا صُلبوا ولا قُطِّعت أيديهم، أبداً، (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لّا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى* فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) سارت القوة والنفوذ والحكم القصير الحقير وراء مرعيين بحكم العليّ الكبير، فتضاءل هذا أمام هذا، (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ* وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى* يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ) نحن الحاكمون، نحن الذين بيدِنا الأمر، لا تلك الصورة التي أبرزناها لاختباركم، فلما صدقتم معنا كانت هذه النتيجة، جميع ما هو على ظهر الأرض مِن حُكم اليوم، كل من قابله بنظارة (لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) سيسلم منه مهما كان تهديدُه وسيمضي تحت إمامة النبوّة والرسالة، وسيُسخَّر له البحر ولا يخاف دركاً ولا يخشى، لكن الناس أصابتهم فتنُ هذه المحاكم على هذه الأرض لأنهم عظّموها، لأنهم اغتروا بها، لأنهم ظنّوا أنها الفعّالة؛ والفعال واحد، (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ).

فبالثقة به والاعتماد عليه، تعرف حقائق ما يحصل للمتوكلين عليه، والمستندين إليه جل جلاله، قال سيدنا الخليل "حسبي الله ونعم الوكيل"، فلما عرضَ له سيدنا جبريل.: ألك حاجة؟ قال "أما إليك فلا!" لأنه كان في حالةٍ من القرب وكان أقرب إلى الرحمن من سيدنا جبريل، مقامك دون هذا.. أنا وجدت الأعظم الأجلّ.. قال: فسَله، قال: علمه بحالي يُغني عن سؤالي" (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)

 أهل الحكم الصوري القصير، (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا)، لكن صاحب الحكم الكبير قال (فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ)، (فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ)، فما مشى إلا حكمه وما مشى حكمهم.. وحكمهم الصوري والذي هو بفعله سبحانه وتعالى، يجري على أيديهم اختبار يختبر الله به من شاء، والأمر كله له، وإليه.

(إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا) قال سيدنا الخليل، بجمعكم لا تُسلَّطون علي ولا يمكن يمسني، (إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ* وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) اللهم اجعلنا منهم.

الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، والظلم الذي يُلبس به الإيمان اعتماد على غير الله، اعتقاد استقلالية في الفعل لغير الله، ظنّ تقديم أو تأخير لغير الله، هذا ظلم يُلبس به الإيمان (وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) لا شرك جليّ ولا شرك خفيّ، في اعتقاد أن غيرَ الله هو الفعّال، أبداً، جل جلاله وتعالى في علاه.

فالله يكرمنا وإياكم بكؤوس هذا الإيمان نشربها، كما شربها مَن قبلنا من الصحابة والتابعين، والعباد الصالحون، على ممر القرون عليهم رضوان الله.. يا من سقيت تلك القلوب الطاهرات الزاهرات التي اصطفيتها، هذه قلوبٌ إن لم تسقها ما سقاها غيرُك، وإن لم تُكرِمها ما أكرمها أحدٌ سواك، وإنا بالذي فتحتَ به بابَ كرمك حتى سقيت القلوب من هذا المعين الإيماني ما سقيت نتوجه إليك ونتوسل به أن ترحمنا فتسقي قلوبنا هذه كلها، يا الله، وقلوب من يسمعنا، وقلوب أهل بيوتنا أجمعين يا الله، سقيا لهذه القلوب، من هذا المعين الصافي المنقى عن كل شوب، إيمان لا يُلبس بظلم يا رحمن، يا عالم السر والإعلان يا الله، إيمان لا يُلبس بظلمٍ يا الله، إيمان لا يُلبس بظلمٍ يحلّ في قلوبنا ويدوم ويزداد حتى نلقاك يا الله، ونجني ثمرته يوم لقائك يوم الهول العظيم، فنأمن مع مَن يامن وننادى مع من يُنادى (أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ* نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) يا غفور يا رحيم يا معطي هذا النُّزل أكرِمنا به يا كريم يا الله..

طلب عظيم اسأله من العظيم يكرمك به الكريم.. يا الله، إيماناً لا يُلبس بظلمٍ أبدا يزداد عندنا سرمدا، نلقاك به ونسعد غدا، مع خواص السعداء يا الله؛ وإذا استجاب فيكَ الدعوة فأعطاكَ من نور هذا الإيمان ذقتَ الحلاوة من صلاة العشاء الليلة، وبتّ الليلة بخير حال، واستمرّ معك ذلك النوال، إلى ساعة المقابلة للكريم، يارب أكرِم هذه القلوب بسقيا من ذلك الشرب أحلى مشروب، بوجاهةِ حبيبِك المحبوب، يا الله.

بحبيبك سقيتَ الرعيل الأول، ونسألك بذلك الحبيب الذي جعلتَه إلينا مرسلاً، كما جعلته مرسلاً إليهم فلا تحرِمنا خير ما عندك لشرِّ ما عندنا، واسقنا من ذلك الكاس، على يد خير الناس، حتى يقوى لنا الأساس، ويحصل لنا بطاعتك الإيناس، وندخل في الخِيار، أرباب الأنوار، السعداء في الدنيا ودار القرار، يا مسعد السعداء، يا صاحب الحكم، يا فعالاً لما يريد، لا شريك لك، لا ضدَّ لك، لا نِدَّ لك، لا مثل لك، لا شبهَ لك، لا وزيرَ لك، لا معين لك، أنت الملك وحدك، فيا من تفرَّد بالملك ارحم المملوكين، وأكرِمنا بما أكرمتَ به الخلّصَ من المؤمنين الموقنين، يا الله..

يا الله.. سقيا إيمان لا يُلبس بظلم أبدا، ظاهراً وباطنا، يعيش به ويحيا الكل منا موقنا ويُبعث آمنا..

 وأحيه لك مسلماً وتوفه بك مؤمنا ** واجعله يوم نشوره من العذاب آمنا

كل واحد منا أعطه هذا العطاء يا معطي، يا معطي، يا جواد، يا رب العباد، يا الله، قد أكرمتنا فأوقفتَنا على بابك، وشرّفتنا بسؤالك، فأتمم النعمة وأجزِل حظَّنا من نوالك، يا الله، سقيا لهذه القلوب، يا الله، وقلوباً كثيرة في شرق الأرض وغربها اسقِها بمن بعثته لأهل شرق الأرض وغربها، يا الله، في ليلتنا هذه، تكتب بها إسلاماً لمن لم يسلم، ورقيّاً لمؤمنين ما ارتقوا في ما مضى من أعمارهم، واجعل ما بقي من الأعمار سعادةً لنا، وبهجةً لنا، ونوراً لنا، وزيادةً في إيماننا وفي يقيننا، إيماناً لا يُلبس بظلمٍ بوجه من الوجوه يا الله.

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) فاجعلنا منهم يا من يقول للشيء كن فيكون، في الليلة هذه كم ورقة وكم وِجهة وكم سؤال قُدّم إلى مؤسسة إلى هيئة إلى جماعة إلى حكومة إلى وزارة، لكن هذا سؤال ووجهة إلى رب الأرباب مسبب الأسباب الكريم التواب ذي العطاء المنساب، والجود بغير حساب، رب العرش العظيم، القوي الغني القادر، ترفعون سؤالكم إليه، وتتوجهون بهمتكم إليه، وتُقبلون عليه، شرّفكم فالله يتمِّم لكم الشرف، حتى تسكنوا أعلى الغرف، ومن تمّم الله له الشرف حشرَه في زمرةِ الأشرف، الأنظف، الأرأف، ذاكم محمد، ريحه المعطار، يُشمُّ فيه مختلف الأقطار، يارب اجعلنا من أهل الاتصال، أذِقنا لذائذ الوصال، ثبّت الأقدام على اتباع خاتم الإرسا.. يا الله بنظرة من نظراتك، والعوائق كلها أزِحها بنظرتك، والحجب كلها أزِحها بنظرتك، يا الله، والموانع عن الخير بقلوبنا أزِحها بفضلك، بنظرة من نظراتك..

 ألا يا الله بنظرة من العين الرحيمة ** تداوي كل ما بي من أمراض سقيمة

 

للاستماع إلى المحاضرة

لمشاهدة المحاضرة