بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحيِّ الدائم الباقي الذي بيدِه الملك، وإليه يرجع الأمر كلُّه، أكرَمنا بإرسال المصطفى محمد فبيَّن الطريق، وأدار أحلى رحيق، وأزاح الغمَّةَ والضيق، فصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك وكرِّم في كل لمحةٍ ونفسٍ على عبدك المصطفى، سيد كل مقربٍ ونبيٍّ وصدّيق، وعلى آله وأصحابه وآبائه وإخوانه من النبيِّين والمرسلين وآلِهم وأصحابهم، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ولا تخلِّف منا أحداً منا عن ركبِهم، ولا تُخرج أحداً منا عن حزبِهم، ولا تُزِغ قدمَ أحد منا عن دربِهم، حتى تثبِّت أقدامُنا يوم تزلُّ أقدامٌ في النار، وتثبت أقدامٌ على الصراط إلى دار الكرامة ونِعم القرار، (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاء)
له في تسيير الأقدار في هذا العالم، أسرار كبار، يعرف ما يعرف منها الخاصةُ من الملائكة ومن النبيين والصديقين المقربين، وما غاب عنهم أكثر مما علموا، ويجهلها الجاهلون، فسبحان مقدِّر الأقدار ومطوِّر الأطوار، ومولِج النهار في الليل والليل في النهار، ونسأله أن يلطف بنا في ما تجري به المقادير، وأن يكون لنا نعم المولى ونعم النصير، بما كان به لمحبوبيه من أهل الحظ الكبير، من كل ذي قلب منير، ممن لطف بهم ولاطفَهم في الدنيا والبرزخ ودار المصير، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ومن أبرز ما جعل فيها من الحِكَم، التذكُّر والتبصُّر (لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)، لمن أيقنَ بالمصير الكبير والرجوع إلى العلي الكبير، والاجتماع جميعاً فلا حكم إلا إما إلى الجنة وإما إلى السعير، (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، مع أهل الجنة اجعلنا يا رب، ومع خيارهم يا رب، في زمرة سيدهم يا رب..
وهل سيد أهل الجنة إلا محمد؟ صلوات ربي وسلامه عليه، صاحب الوسيلة في الجنة، أعلى الدرجات، قال ( لا ينبغي أن تكون إلا لعبد، أرجو أن أكون أنا هو) صلوات ربي وسلامه عليه، آتِ سيدنا محمداً الوسيلةَ والفضيلة، والشرفَ والدرجةَ العاليةَ الرفيعة، واجعلنا جميعا في زمرته محشورين آمين.
فإنه يُبعَد عنه أقوام، فإذا استفسر عنهم قيل له ( إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) بدَّلوا وغيروا، تركوا كلامَك وراء ظهورهم، منهجك وراء ظهورهم، أخذوا كلام وأفكار وسنن فجار وكفار، واتبعوها وساروا عليها شرَّ مسار، فانقضت عليهم الأعمار وهم في خسار، فمأواهم جهنم وبئس القرار، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ) حقائق من الخالق عن مصيرِ مَن على ظهر الأرض، الذين في زمانكم والذين من قبلكم والذين من بعدكم، أو فيهم أحد مُبهركم وآخذ قلوبكم هذا الخبر أكبر منكم ومنهم، مِن العليِّ الأكبر جاءنا يبيِّن مصيرنا ومصيرهم، (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ)، (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
بيَّن لنا هذه الحقائق، وأكثرهم في غفلاتهم وكفرِهم إلى جهنم وبئس المصير، أجارنا الله منها، أعاذنا الله منها، (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ) مهما ظهروا به من مظاهر على ظهر الأرض، وتسمَّوا به من أسماء وتلقَّبوا به من ألقاب، وادّعوه من أفكار ومناهج وبرامج وخطط، يودون لو تُسوَّى بهم الأرض (وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)، (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا) صلوات ربي وسلامه عليه.
فاجعل لكل من الحاضرين والسامعين سبيلاً مع هذا الرسول، يتخذه في حُسن اتباعه مع كمال الإيمان به، ويزداد الإيمان وتحسن المتابعة على ممر أيام العمر إلى ساعة الغرغرة، نموت له متَّبعين، وبه مؤمنين، وإلى لقاه مشتاقين، ويجعلنا الله له من المرافقين، ويجعلنا الله من الذين إلى وجهه ناظرين برحمته إنه أرحم الراحمين، (والويل لمن لا يراني يوم القيامة)، (والويل لمن لا يراني يوم القيامة) من لا يراك يوم القيامة؟ قال (من ذُكِرتُ عنده فلم يصلّي عليّ)
صلى الله عليه أفضل الصلوات، زيّن بالصلوات عليه قلوبنا، وألسنتنا وأرواحنا وأجسادنا وحياتنا وموتنا وبرزخنا وآخرتنا يارب، فإنك تصلي على من صلى عليه مرةً واحدةً عشر صلوات، وصلواتُك لا يحدها مقدار، فنسألك قبولَ الصلاة عليه، وأن تجعلنا من مكثري الصلاة عليه وهو القائل (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرُهم علي صلاة)، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
فكم تجمع لكم مجالس الصلاة عليه من خيور، وشرحٍ للصدور ودفعٍ للشرور، وفي مثلها توجهوا إلى العزيز الغفور في شان الأمة في البطون والظهور، فإنه جاري فيهم من المذكرات والمنبِّهات ومن مقتضيات الرجوع ما قال الله عنه (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ولذا تسمعون ما تسمعون، وتشاهدون ما تشاهدون فلا يلهينَّكم ذلك عن حُسن قصد من يقول للشيء كن فيكون، ولا تظنوا أن الأمر يخرج إلى يد غيره فلا يكون شيء في الدارين ظاهراً ولا باطنا إلا بإرادته وأمره سبحانه وتعالى.
وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ما أكثر اغترار من يقولون نحن صناع القرار، هل لكم من قرار حتى نصدقكم بأنكم صناع القرار؟ ألستم تموتون؟ فليس أنتم من تقررون! من قرر الموت عليكم؟ أنتم مقرَّر عليهم لا مقرِّرون، بخبلِكم ظننتم في ما أعطاكم المختبِر المبتلِي الخالق من اختيار أنكم صناع القرار، فاخترتم ما خالف شرعَه وهديَه فخبتم هنا وفي ذاك الدار، حقيقة القرار بيد واحد، الذي يقول لنا ولهم ولمَن قبلنا ومن يأتي بعدنا في مجمع واحد (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) لمن؟ (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) (وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) من ذا الذي ينبهر بالقرن الحادي والعشرين؟ (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ) (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) يقول سبحانه وتعالى ( فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) هل رأيت غيرَ هذا اللون في واقع حياة البشر وتاريخهم؟ من الذي يغرك؟ لا تغتر، خذ كلامَ رب البشر، خالق البشر وتهيأ للقائه وأحسن قضاءَ عمرك على ما يحب، فهو الذي سيبقى لك وغيره لا يكون لك بشيء، لا يبقى لك حزب، لا يبقى لك فكر، لا تبقى لك دولة، لا تبقى لك وزارة، لا تبقى لك مؤسسة، لا تبقى لك زراعة، لا تبقى لك صناعة، لا شيء يبقى لك، والله لن يبقى إلا لك إلا هو، ولن ترجع إلا إليه سبحانه وتعالى (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). فاقصِد وجهَه واطلب وجهَه، وما قبِل منك من عمل الخير أبقاه عنده فهو باقٍ لك بإبقائه جل جلاله (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا).
خذ الحقيقة وادخل في خيار الخليقة واستقم على الطريقة التي آثارها ماءٌ غدق هنا، وعيشٌ رائق هناك، (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا)، (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا)، (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) هذا خطاب لأعلم الخلق بالحقائق وشؤون الخلائق، وعظمة الخالق، يقول له (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) فاستزِد، وكن على قدم الطلب والرغب، (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) فليس شأنك شان من يغتر ولا يقول قد علمت ولا قد عرفت، فما قال هذا إلا الفاسدون وإلا المجرمون، وفيهم من هذه الأمة مَن ذكرهم النبي يقولون "من أعلم منا؟ قرأنا فمن أقرأ منا؟ علمنا فمن أعلم منا؟ " مغرورين من الذين ظاهرهم في الدين وفي الإسلام وغيرهم ذكر الله أمثالهم، (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) على علم عندي؟ ما كنت نطفة؟ نسيت؟ كنت علقة نسيت؟ وكنت مضغة نسيت؟ وتلك الأيام أي علم عندك (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا)، ولا عسى حد من المفكرين الكبار في العالم ما كان نطفة؟ من هو؟ هاته من هو هذا؟ روّنا ياه
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) يا مغتر بصناعة الكمبيوتر وقف هات لي ذبابة واحدة، من فضلك انت عاقل قوي عندك القدرة لا أريد كمبيوتر اريد ذبابة، بتعرفه إنه مثل الذبابة هو، (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) لماذا تغتر بأي شيء آتاك؟ أصلك عدم! وهذا مؤتى حادث وعرضة للزوال، لماذا تغتر؟ أنسيت أصلك ونهايتك؟ أو أنت ما تموت؟ من أنت؟ وأنت ما تموت؟ ميت ميت! أصلك ونهايتك وذا الحين حاضرك هذا، ماذا في أمعاءك؟ ترفع راسك على ماذا؟ أو أنت نوع ثاني؟ هذا حاضرك! لماذا ساعة تمرض وأنت ما تريد تمرض؟ لماذا الأمور تجري في بدنك على غير مرادك؟ وفي ولدك على غير مرادك؟ وسط بيتك على غير مرادك، وأحيانا في زوجتك على غير مرادك، يا أخي اعرف واقعك، اعرف ماضيك اعرف مستقبلك، ما هذا الغرور ؟ مخلوق يغتر؟ مخلوق مقهور تحت القدرة يغتر، أنا صنعت! أنا ابتكرت! أنا اخترعت!
شوف أعلم الخلق بحقائق الخلق وبحقائق الوجود يقول له معلمه (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) لا مجال للغرور أبدا، ولا للوقوف ولا أنا قد علمت، لازلت محتاجاً، هذا وصف العباد، هذا وصف الخلق، هذا وصف المصنوعين، هذا وصف العابدين، وإنما العلم للمعبود، (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) .
فيا مجتمعون على تعظيم علمِ الله، قبل الله ذلك منكم، ووجَّه قلوبكم إليه، فإن قلوبكم إذا اجتمعت على تعظيم علمه علّمكم من علمِه ما شاء يرفعكم به، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) من هو الكرسي الذي خلقه فوق السماوات؟ فلو وضعت السماوات السبع والأرضون السبع فيه لكانت كسبعة دراهم ملقاة في فلاة، السماوات والأرضون واللي بين الأرضين والسماوات ما هذه العظمة؟ (لكانت كسبع دراهم ملقاة في فلاة) صحراء كبيرة فيها سبعة دراهم مرمية، ما تساوي عشر العشر العشر من هذه الصحراء، هذا عند الكرسي، والكرسي والسماوات والأرض، لو وضعت في جانب في العرش لكانت كسبع دراهم ملقاة في فلاة.
هكذا يحدثنا صاحب العلم اليقيني، يحدثنا أصدق لسان ظهر ويظهر بين الخلائق، لا والله ما ظهر أصدق من ذا اللسان قبل ولا بعد، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)، (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )، (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)، (يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، صلوات الله وسلامه عليه، (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) ربطنا الله وإياكم به.
كان حمل أمه في مثل ذا الوقت في شهر رجب به، وكان حملُ الله لنوح في السفينة في مثل هذا الشهر، في شهر رجب، وجرت بهم الأمواج، وأي من أمواج، (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)، حقنا تكنولوجيا في العصر الحديث، قليل هبة تجي لهم من بحر تطلع شوي كذا تطلع عليهم يقولوا خسرنا كذا وكذا.. لابد أن نتدارك وننقذ.. ما قدروا يردونها، وهذه الأمواج الكبيرة ملأت الأرض فحمى الله سفينة نوح، (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ *لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)، واليوم تنسى الذي حملك في الجارية هذاك في أصلاب آبائك في سفينة نوح، وتمد عيني انبهارك لناس مثلك هم كانوا محمولين ما فيهم حامل، كلهم محمولين.. تعرف محمولين؟ ، اللي حملنا واحد، وزعنا بعد ذلك قرن بعد قرن تظهر من النطف والعَلق والمُضغ (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ *ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) وإن كان شي يبهركم في الكون (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) جل جلاله، (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) جل جلاله (فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ* وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ)، (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)، (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)
(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ *لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)، الآن يجيبون لنا أخبار بعض سفن تحطمت قوية كبيرة، وفيها آلات وقوات ومكائن، تحطمت بأمواج البحر، سفينة نوح عبارة عن ألواح ودسر، مسامير وخشب، وأي مؤسسة وشركة صنعت السفينة ذي؟ سفينة ما لها نظير حملت البشر كلهَّم، جميع ذري البشر من هؤلاء الذين في السفينة، ما لها نظير، في أي مؤسسة في أي شركة؟ يد النبي نوح، حتى لما كان يصلحها الجماعة يستهزؤون يضحكون عليه، (وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ) وهكذا وفي أنواع يسخرون من أهل سفينة النجاة، تعرف سفينة النجاة؟ الإيمان والتقوى، إقامة حقائق الإيمان والتقوى هذه السفينة التي ينجو بها من ينجو، (قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)، يقول سبحانه وتعالى، (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) الألواح والدسر أمام الأمواج هذه ماذا تعمل؟ ستتكسر وتنتهي وتتفلت وسيغرق اللي فيها، قال لك (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) هذا عبدنا عمل بأمرنا ودقَّ الألواح والمسامير لكن بعدين تجري (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ)، هذا الذي صبر عليهم 950 سنة يسبون يشتمون مسكين مكفور ما يُعرف له قدر يضربونه حتى يغمى عليه فإذا أفاق راح يدعوهم.
(وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا* فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) ، قال (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ* وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) الله يجعلنا من المدكرين، والمعتبرين.
فاعرفوا حق الذي حملكم في أصلاب آبائكم في السفينة ونقَّلكم من صلب إلى قلب حتى كوَّن أحدكم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة ثم أخرجكم من بطون أمهاتكم، ثم إليه تنتقلون، ولا يخرج مثقال ذرة في الكون وتدابيره عن مشيئته وقدرته وعلمه وقهره وتقديره سبحانه وتعالى، (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)
فاتخذوا لكم سبيلا إلى رسوله واتصلوا بمولاكم سبحانه وتعالى، يكن لكم في الدنيا وعند الموت وفي الآخرة، اللهم لا تكِلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحدٍ من خلقك طرفةَ عين، واجعل الأشهرَ المقبلةَ علينا مقبلةً بفرجٍ للمسلمين، وصلاحٍ للمسلمين، ولطفٍ بالمسلمين، ودفعٍ للبلاء عن المؤمنين.
يارب، مواطننا، بلداننا يمننا، شامنا شرقنا غربنا، اكشف الكرب يارب، ادفع البلاء والعطب يارب، اجمع القلوب يارب، ادفع البلايا يا مزيل الرزايا يا مَن بيده الظواهر والخفايا، أنت القوي وغيرك ضعيف، أنت القادر وغيرك عاجز، فتداركنا والأمة، بنبي الأمة، يارب فرِّج على المسلمين، ففي مجالسكم هذه أحسِنوا التضرع والتوجه إليه، فإنه إذا رحم كشف الغمم وأجلى الظلم ولولا ما يكون على ظهر الأرض من قلوب متوجهة بالصدق إليه، لكان الأمر أكبر وأعظم، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى)، ويُروى في الحديث القدسي (إني لأهمّ بالعذاب على أهل البلدة فإذا نظرت إلى عُمَّار بيوتي والمتحابين فيَّ والمستغفرين بالأسحار صرفتُ عذابي عنهم)
الله يصرف عنا العذاب، الله يحفظنا وبلداننا وأوطاننا والمسلمين، ويدفع البلاء عن المؤمنين، ويأذن برفع الشدائد ويحول الأحوال إلى أحسنها ويقبل علينا رجب وشعبان ورمضان، بخير من الله واسع في السر والإعلان، يا كريم يا منان، اصدقوا في الوجهة إلى الله، يارب اقبلنا ولا تعرِّضنا لعذاب الدنيا ولا عذاب الآخرة، (وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) والرابطة بنبيك قوِّها لكل فرد منا، ومَن في ديارنا ومَن في أصلابنا وأهالينا وطلابنا وأصحابنا وجيراننا وذوي الحقوق علينا آمين يا الله.
وكلنا نتوجه إليه سبحانه متذللين بين يديه جل جلاله، اشف مرضانا عافِ مبتلانا أصلح ظواهرنا وخفايانا، طهّر اللهم سرائرنا وخبايانا، أصلح مقاصدنا ونوايانا، كن لنا بما أنت أهله ظاهراً وباطنا يا مولانا، يا الله، يا الله، يا الله..
ألا تدري أنك عندما تقولها بصدق تتنعَّم بها مِن عند الغرغرة إلى الأبد، يا الله، تصب عليك أنواع النعيم هناك، يا الله، أنت اليوم تقولها وإذا قُبلت غداً تذوقها، كؤوساً من السلسبيل ومزاج من التسنيم، وإن ساعدك التوفيق وأخذت الحظ فالشراب كله من التسنيم، وتجد بكل مرة قلت يا الله كأسا تشربه، حلاوته لا توصف، ومذاقه لا يكيّف، لأنك التجَيتَ إليه، ونعم الملجأ ونعم الملاذ جل جلاله
ربي عليك اعتمادي** كما إليك استنادي
صدقاً وأقصى مرادي ** رضاؤك الدائم الحال
يا الله، حالية عذبة، ترتقي بها الرتبة، تفرج بها الكربة، يصلح الله فيها للمتوجه قلبه، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، من آثار ندائه جاءنا في الآثار (لا يقول أحد يا أرحم الراحمين ثلاثاً إلا ناداه ملك إن أرحم الراحمين أقبل عليك فسل) يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، اجعلنا جميعا في المسعودين، دنيا وآخرة، يارب الدنيا والآخرة، لا تعرّضنا للشقاء، ولا تقطعنا عن التقى، ولا تُبعدنا عن حبيبك المنتقى.
يا الله كن لنا في دار الفناء وفي دار البقاء، يا الله، ارحم الضعفاء، يا لطيف اللطفاء، ارحم من عصى وهفا، يا حي يا قيوم، ومهما كان منا فمن لنا غيرك؟ حتى نطلب أو نسأل أو نسترحم أو نستعطف أو نستلطف، لك الأمر كله آمنا بك وشهدنا أنك الواحد الأحد، الفرد الصمد، فيا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، فرِّج على المسلمين.
والحمد لله رب العالمين.