بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جامعِنا على الوِجهة إليه، متذلِّلين بين يديه، وذلكم مِن سابقِ توفيقِه وإحسانه وواسع عطائه وامتنانه، لك الحمد شكرا ولك المنُّ فضلا، فأتمِم علينا النعمة يا مُنعم وأدخِلنا في دائرة الجود والكرم، وثبِّتنا على الطريق الأقوم، والمسلك في المنهج الذي ارتضيتَه ودعانا إليه حبيبُك الأعظم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ)، وكان مظاهر الإيمان والاستجابة لنداء المنادي ما تسمعون أو ما تقرؤون أو ما تحضرون أو ما هو منتشر في هذا العالم، مِن توجه إلى الله أو تواصي بالحق والصبر أو انطراح على أبواب الله تبارك وتعالى، وما يجري في مثل هذه المجالس مِن وجهات القلوب إلى ربها، إلى مقلبها، إلى إلهها، إلى الناظر إليها، إلى الذي يرقبُ ما فيها، إلى الذي يصطفي منها ما يشاء (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
ولم تزل آثارُ الاستجابة لنداءِ هذا الداعي عليه الصلاة والسلام، تبرزُ هنا وهناك وتحمل معها حقائقَ الأنوار، لإنقاذِ الناس ولإرشادِ الناس ولوصلِ الناس برب الناس، وللتزوُّد لما بعد هذه الحياة التي تمر بعجلة، وتمر بسرعة، وتنقضي أيامها، وحقيقة أن أيام الدنيا من أولها إلى آخرها قصيرة فكيف ما في أثناء هذا من أعمار الأمم وأعمار الأجيال وأعمار الأفراد واحداً بعد الثاني، قليل من قليل، (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ)، الله أمره أن يقول فقال خير من قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
(مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) فيا أيتها العقول التي غرَّتها الدنيا بما فيها، حتى انصاعت إلى الاستجابةِ لنداءاتها القصيرة هنا وهناك، فالتَهت عن ذكرِ الله والتَهت عن الوفاء بعهد الله، وغفِلت عن القيام بشريعة الله جل جلاله، ما أشدّ خيبتكنَّ أيتها العقول، بما دخل عليكن من الخلل الذي يُوجِب الخزي في يوم الهول المهول والعياذ بالله تبارك وتعالى.
(مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ)، فيا صاحب العقل استمتع بالمتاع القليل تزوداً للبقاء، تزوداً للدوام، تزوداً للأبد، تهيؤاً للقاء الخالق الواحد الفرد الصمد، الإله الأحد جل جلاله وتعالى في علاه.
(يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ)، وهناكم تأتي النتائجُ المختلفة، من خلال كدحِنا في فكرنا، كدِحنا في نياتنا، كدِحنا في مساعينا وفي أعمالنا، كدحِنا في عاداتنا، كدحِنا في ما نقيمه في ديارنا، وفي مجتمعاتنا، في ما نتعامل به مع القريب.. كلُّه كدح، أنت ملاقيه، وملاقي الرب، الذي يرقبك عند هذا الكدح، (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ)، ملاقي الرب، ليجزيك على هذا الكدح وملاقي هذا الكدح الذي تكدحه فإنه يقابلك وإنه لا يشذ منه فتيل ولا نقير ولا قطمير (وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)
فمحلُّ نظرِ الله تعالى مِن جميع أهل الأرض، العباد الصالحون، الذين أقاموا الموازين في تقوى هذا الإله ، وعملوا الخير وعملوا الصالح قلَّ عددُهم أو كثُر، أُذن ببروزِهم وظهورِهم أو انتشارهم على ظهرِ الأرض، اللهم لا تخلو الأرض من قائم لك بحجة إما ظاهر مشهور وإما خامل مستور، هذا واحد.
والثاني: وُعدت الأمة بظهور طائفة الحق في كل زمان ظهوراً يكفي للمسترشد للمستبين لمريد الحق أن ينضم وأن يدخل في الدائرة وأن يستضيءَ بهذا النور في ما قال (لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم مَن ناوأهم، لا يضرهم من خذلهم، لا يضرهم من خالفهم) سيناوَؤُون سيُخالَفُون سيُخذَلون من قبل ذا وذاك وكل هؤلاء لا يضرونهم، لأن حبالهم تعلقت بفوق وارتبطت برب الكل، فمن ذا يخيب مسعاهم ؟ (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) فلتقل القنوات إنه ما ينفع، فلتقل الحكومات، فلتقل الدول..!! السعي مشكور بحكم العزيز الغفور، ملك الملوك من قوله الحق وله الملك، كل مَن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن، فكُن منهم، هذا الربح المحقَّق هذا الفوز المتيقَّن، (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) الله أكبر، ومِن قِبل مَن مشكور؟ من قِبل من سيُشكر سعيهم؟ أي لجنة أي مؤسسة أي دولة أي جماعة ستشكر سعيَ هؤلاء؟ ملك الملوك رب الأرباب، الحي القيوم، الواحد القهار، رب العرش العظيم سيشكر سعيَهم فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، ثم طوبى لهم، اللهم أدخِلنا في حِماهم، واجعلنا في عِدادهم وأمدَّنا بإمداداتِهم، يا حي يا قيوم.
(وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، ولقد بيَّن الحق لنا أنها اختيارات في المسارات تُوزَّع بين الناس (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ)، على العموم والخصوص، وبيَّن ذلك لنا في بيت النبوَّة، وأنزلَ على النبي، قل للأزواج من حواليك، اللاتي هيأتَهنَّ لأمومةٍ معنوية لا يملك أحدٌ في الأرض والسماء أن يهبَها لأحد إلا ربُّ الأرض والسماء، أمومة لجميع المؤمنين والمؤمنات، أي مركز هذا؟ أي منزلةٍ هذه؟ أي وصف هذا؟ (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) يقول له أَرِه أمتَك والمؤمنين الذين جعلت هؤلاء أمهاتٍ عليهم، أرِهم ما اختيارات الأمهات هؤلاء وما مساراتهن (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ) أفصِحن عن الإرادة، أفصحن عن الاختيار في المسار وأروا الأمةَ مِن ورائكم، من تكونون؟ حتى اخترنا أن نجعلكم الأمهات في مجالسة ومصاحبة خيرِ البريات، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا)، بيتي مطهَّر لا يصلح لمُريدي الدنيا، بيتي لا يصلح لهؤلاء، لأنهم غفلوا وجهلوا وضلّوا فكيف يكونون في بيت محمد؟ لا يريد الدنيا إرادةً ينسى في جنبها الآخرة أو يقصر بها عن الدرجات العالية إلا جاهل غافل ضال، (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا) لتصفوَ ساحةُ بيتي لمن يستحقه ولمن هو أهله، فصحبتي ليست هيّنة، ومرافقتي ليست صغيرة، (وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ)، ليست حكومات ولا وزارات فانيات زائلات (فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) وتلا النبيُّ الآية على السيدة عائشة، وقال إني أعرض عليك أمراً لا تستعجلي فيه وشاورِي فيه أبويك، حتى تستأمري أبويك، وتلا عليها الآيتين، كمل الآيتين.. قالت رسول الله أفيك أستأمر أبوي؟ لا أبي ولا أمي ولا غيرهم أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
قال: وإني أعرض على أمهات المؤمنين كلهن، قال إن سألتك إحداهن ماذا قلت فلا تخبرها، من سألتني أخبرتها، خرج، إلى الثانية وتلا عليها الآيات، قالت أستأمِر مَن فيك؟ ولا أقدِّم عليك أحد، الله ورسوله والدار الآخرة، كمل التسع والجواب واحد، مِن أول وحدة إلى ثاني وحدة، هؤلاء أمهاتنا ولهن الحق في الأمومة لكل مَن دخل في قلبه الإيمان، عليهن رضوان الله تبارك وتعالى..
عن تسع نسوةٍ وفاة المصطفى ** خُيِّرنَ فاخترنَ النبيَّ المقتفى
(وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ) واليوم في خاتمة شعبان واستقبال رمضان لا نتفاضل إلا بحسب هذا الاختيار في قلوبنا، ماذا نختار؟ ومن نختار؟ وهنا مراتب ومقامات تنادي بلسان حالِها: صلتُنا بصاحب النبوة ، من كان منكم يريد الحياة الدنيا تعالوا نمتعكم ونسرحكم سراحاً جميلا، ومن كان منكم يريد اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة فالمقاعد له مهيَّأة والمراتب الرفيعة له خاطبة ومآله الدرجات العالية، وعلى حسب هذه الإرادة نختم شعبان ونستقبل رمضان، ماذا تريد؟ ومن تريد؟ وأين اختياراتك
توجَّه حيث شئتَ فأنت مما له وُجِّهت فاختَر للمليح
كم مِن حسرة على قلوب معنا على ظهر الأرض، أحدها يؤخذ في سُمعة، أحدها يؤخذ لينال شهرة على مستوى لا أدري يصل به إلى أي مكان، سنوات قليلة وتنقضي وتجي وتروح وربما تعكست عليه الأمور وبعضهم إلا في لعبة، تقطعه عن الله تماماً وعن الدار الآخرة وعن إرادة الله جل جلاله وتعالى في علاه، حتى يدخل رمضان وقلبه غافل، وذهنه ذاهل عن ربه الكريم سبحانه وتعالى، وهو معرض (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ)، أو هي شركات شاركت في واحدة من عيونك؟ إحدى عينيك جاءت من عند أي من شركة؟ (خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) ولا شعرة واحدة مِن شعرِك خلقتها حكومة، ولا دولة ولا أحزاب ولا شعوب، ولا أكلهم.. وتعظيمك لهم ونسيت الذي كوّنك!؟ (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) ما أحد شقَّيك مائل على الثاني، ولا واحدة من يديك طويلة على الأخرى، ولا واحدة من الرجلين قصيرة عن الثانية، ما هذا؟ سواك فعدّلك، مَن شاركَه في هذا؟ فلِمَ تشرك به ذا وذا في طاعتك وانقيادك، هو الواحد الذي تفرَّد بخلقك، (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) وجاءك بصورة الآدمي، صورة يُنسب إليها الأنبياء والأصفياء والرسل حتى سيد المرسلين، ولا خلقك على صورة كلب ولا على حمار.. أو ما يقدر؟ يقدر! لكن سواك فعدلك على أي صورة ما شاء ركبك ولا خالف بين عينيك، ولا حط وحدة في مكان ثاني ولا بين يديك ولا بين رجليك، وصرّتك في محلها ومعدتك في محلها، إيش هذا التكوين؟ (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ*كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) أمرُ الجزاء والمحاسبة على مساعيكم واختياراتكم المسارات في الحياة (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ) يكتبون الوجهات وفروع المسارات لكم، أعمال المسارات التي تعملوها (يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) والإخلاص والنتيجة والنهاية لنا والعالم ذا كلهم، إلى هنا تنتهي، مؤمنهم وكافرهم المرجع إلى هنا، دولهم وشعوبهم، المرجع إلى هنا، (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ* يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ* وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) هذه النتيجة نعم والله، فيا ليت يعقل أهل الغفلات وأهل الجهالات، وأهل الكفر على ظهر الأرض، وبدل ما ندعو لهم أن يعقلوا ويرجعوا، يستجرُّونا بسوئهم فيأخذون من أبنائنا وبناتنا عقولاً وأفكاراً وأخلاقاً أتباعا لهم، لا إله إلا الله، أنت المسلم محل الأستاذية في الدنيا لهداية للخلق رجعت تبع؟ تبع لمن انقطع عن الله تعالى؟ ما عرفت قدرَ ربك سبحانه وتعالى، يقول (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) هذه نهاياتكم يا دول، يا وزراء يا رعيّة يا أحزاب يا هيئات، أما مَن آمن منكم بالله فإنا نخاطب ما بقي في قلبه مِن ذرة من إيمان: شغلك عن هذه الحقيقة بأي شيء خطر عليك أنقذ نفسك! والله لن تبقى لك وزارة ولن تبقى لك حكومة ولن تبقى لك دولة ولن يبقى لك حزب ولن يبقى لك أصحاب ولن تبقى لك قناة ولن تبقى لك قصور ولن تبقى لك سيارة ولن تبقى لك طائرات، أنقذ.. والمآل هذا لي ولك على رغم أنفي وأنفك وأنوف أسيادك ومَن في الأرض جميعا، المرجع إلى هذا والنهاية هذه، والغاية هذه، فأنقِذ نفسك قبل فوات الأوان..
ويا من لم يؤمن.. فكِّر، في خلقك وإيجادك ووجود الخلق، وأعرِض عليك رسالةَ مرسل ائتمنه الله ختم به النبيين مصدق لجميع المرسلين السابقين، فأخرِج نفسك من النار إلى الجنة، من الكفر إلى الإسلام، (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ*وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) ليس لديهم منعة ولا قوة ولا قدرة، على أن يتخلفَ منهم أحد، (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)، (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ*مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ*وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)، وإذا وقفوا للسؤال في ذاك الحال، فلا تحزُّب ولا تعصُّب ولا ذا كان رئيسي ولا مرؤوسي، (مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ)؟ (مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ* بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ)، يسب بعضهم بعض يلعن بعضهم بعض، هذه غايتنا وغايتكم يا حكومات ويا رعايا، يا صغار ويا كبار يا أفراد ويا مؤسسات، ويا جماعات ويا طوائف، ويا مذاهب هذه النهاية، هذه الغاية، هذا المرجع، هذا حكمُنا في العاقبة (يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)
عسى نورُه يحلُّ في قلبك، فتعشقه وتعيش على الصدق معه وتلقاه وهو راضي عنك، يُسعدك يوم الأمر لُه، يسعدك في ذاك اليوم والأمر لُه (وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) ، تحت هذه الكلمة اعرف قدر المؤسسات والحكومات والوزارات، والإمارات وغيرها ما أسرع فَناها، ما هو اللي في وقتيذا، واللي قبلي قد فنوا واللي بعدي بيفنون، ما أسرع فناها وعُمرها من أولها لآخرها قصير فكيف بعمري أنا فيها؟ عمري فيها ولا عشر عشر عشر عشر عشر عشر عشر معشار من ألف عشر، ولا...ما يكون عمري؟ هي كلها قصيرة فكيف هذا العمر القصير حقي؟ أنا مغرور إن ركنتُ إلى شيء سوى ربي، غير معذور، مغرور غير معذور، والمغرور غير المعذور ماله مُجير، فمالي إلا أن أصدقَ وأنتبه من عمري ومِن أيامي وليالي، ليالي مقبلة عليكم بالخيرات إن شاء الله، الله يجعلنا من أسعد الناس بها وما فيها. وبجود ربنا على أهليها اجعلنا اللهم من خيار أهليها، أحسن لنا خاتمة شعبان وأحسن لنا استقبال رمضان.
في أول ليلة منه تنظر إلى أمة حبيبك محمد ومن نظرت إليه لم تعذبه أبدا، في أول ليلة ارزقنا الفوز بنظرتك والسعادة بنظرتك، والعطيّة منك الوافرة في تلك الليلة، يا الله، يا الله، ادعو من له الأمر في ذاك اليوم أن يجمعكم مع خيار القوم في ذاك اليوم في ظلِّ عرشه، تحت لواء نبيه، على حوضه المورود، وفي الجنة إن شاء الله.
فيارب واجمعنا وأحباباً لنا ** في دارك الفردوس أطيبِ موضعِ
لك الأمر في ذاك اليوم، فأعطِنا كتبنا فيه بأيماننا، يارب لا خُذِل أحدنا لأخذ كتابه بشماله يا الله، لا صغير ولا كبير منا ولا مَن في ديارنا، لا من يسمعنا ولا مَن في ديارهم، ولا أهلينا ولا أقاربنا ولا جيراننا ولا أصحابنا، لك الأمر في ذاك اليوم فبيِّض وجوهَنا (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) أنت لك الأمر في ذاك اليوم فأحسِن عرضَنا عليك، إذا نودينا للوقوف بين يديك وقام كلُّ واحد منا، ما معه شيء ولا عنده وجه، إلا إن رحمتَه وإن أكرمته، فلتلك الساعة يا صاحبَ الأمر ومن لك الأمر ثبِّتنا وارحمنا ولقنَّا حجَّتنا واجعل ساعة مسألتنا ووقوفنا بين يديك، ساعةَ فوز ونجاة، وفوزٍ برضاك يا الله، حتى ينادي المنادي في الموقف على كل واحدٍ منا ( لقد سعد فلان بن فلان سعادةً لا يشقى بعدها أبدا) ونعوذ بك من النداء الثاني، نعوذ بك من النداء الثاني.. يا صاحب الأمر في ذاك اليوم، لا تجعل في ذاك اليوم منا شقياً يا الله، يا الله، لك الأمر في ذاك اليوم فمن وقف عند الميزان رجِّح ميزانَ حسناته، اجعله ممن ثقلت موازينه ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ)، آمين يا رب.
وإذا نُصب الصراط جسر ممدود على متن جهنم، عليه كلاليب كشوك السعدان لا يعلم قدرَ عِظَمها إلا الله، وتزلزلت لذاك الهول القلوبُ والعقولُ واضطربت.. أنت لك الأمر في ذاك اليوم فثبت هذه الأقدام كلها يا مثبت، مُرَّ بنا على الصراط أسرع مِن لمحِ البصر إلى جناتك ودار النظر يا الله، يا الله، يا الله، استعدوا للهول العظيم استعدوا للمصير الكبير، ونادوه مِن اليوم واطلبوه من اليوم واسألوه من اليوم، يرحمكم هنا وفي ذاك اليوم، يا أرحم الراحمين..
قل له يا الله، يا الله، هو الرحيم بك، وهو الغفور لك، وهو المُنقذ لك، وهو المُنجِّي لك، من عذاب يوم القيامة، يا الله، أسعدنا في ذاك اليوم، (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) في أنفسنا وفي أهلينا ولا في أولادنا ولا في طلابنا ولا في جيراننا ولا في أصحابنا ولا في مَن أحسنَ إلينا ولا في من والانا فيك ولا في مَن ودَّنا ولا في مَن نصرنا على مرضاتك لا تُخزنا في أحد منهم صغير ولا كبير ذكر ولا أنثى، يا الله، (وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
والأمر في رمضان أيضاً لك أنت الذي تقرِّب فيه مِن شئت، أنت الذي توفق فيه من شئت، أنت الذي تصطفي فيه من شئت، فاجعلنا مِن خيار أهل رمضان اجعلنا ممن تصطفيهم لقُربك في رمضان، ولحبِّك في رمضان، ولمعرفتك في رمضان وللاتصال بسر كتابِك في رمضان، وللصيام المقبول الحسن التام، وللقيام المقبول الحسن التام، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين.
والحمد لله رب العالمين.
للاستماع إلى المحاضرة
لمشاهدة المحاضرة