بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على رسالةٍ من السماء شأنُها أجل وأسمى، موطَّدة قواعدُها وأسسُها بعنايةِ ربِّ العرش الأعلى، الذي أمر حاملَها بتسبيحه وتنزيهه ، لتسريَ سراياتُ التسبيح في كلِّ مَن لبّى وأجاب الدعوة فصار في ميدانها يسيح.
قال ربنا لحبيبه المصطفى: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ) نزِّه وقدس فإني آتيتُ من فضلي عبادي في الأرض والسماء نصيباً من التسبيح والتقديس والتنزيه لي، وهو مع قُصوره عن ذاتي فإن أشرفَ ما آتيتُ من التقديس والتسبيح لك يا مركز دائرة المسبحين ويا إمام جميع الموحدين.
( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ) ليسرِيَ المدد في تسبيحات المسبِّحين، وليرتقوا في معاني التعرُّف منا عليهم فيعلموا عجزهم فينادي مثلُ صاحبك الصديق :
لا يعرف اللهَ إلا الله واتئدوا ***والدين دينان إيمان وإشراكُ
وللعقول حدودٌ لا تجاوزها***والعجزُ عن دركِ الإدراك إدراكُ
وإلا فقد قال ربنا عن كائناته ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) وتكرَّرَ الأمرُ من ربنا في كتابه لسيد المسبحين أن يسبِّح، وأن يقدِّس، وأن ينزه ، حتى يتسنَّى لقلوبِ أهل الصدق في كل مكان أن تتخلى عن الأدران، فلا تمسك بها قيودُ أهلِ الظنون والأوهام والخيالات المحبوسين في الماديات والحسيَّات الساقطين في ذلك القصر والحصر الضيِّق.
قال تعالى لنبيه ( فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ) ومَن كان مبلُغه من العلم الحياة الدنيا فهو أدنى من الدنيا، وأحقر من الدنيا ، مبلغه هذا، ما جاوز الحياة الدنيا إلى خالقها إلى موجودها إلى مكوِّنها إلى الآخرة وموجدها سبحانه وتعالى ومكونها جل جلاله وتعالى في علاه.
لذا نطق أهل الحكمة من الأمة وقالوا : ( مَن عرف كل شيء في الوجود ولكن لم يعرفِ الموجدَ والخالقَ فكأنه لم يعرف شيئا ) هذا ما يعرف شيء والى أين يذهب وعلمه ؟ وإلى أين يوصله ؟ ولكن من عرف الله ، من عرف الله .. يا رب ارزقنا نصيباً من نور هذه المعرفة ، وهي التي تجمع قلوبَ أهل تلك الوجهات والتعرُّفات الربانيات في الدنيا والبرزخ والآخرة .
أرسل الله سيدنا النبي نوح وقام بالدعوة إلى الله، وصبر وصابر وكابد، وقابل العقليات البشرية على ظهر الأرض المناوئة والمعادية والمغترةَّ بما عندها، حتى ردت كلامه وسخرت منه وصبر ، وإذا كلمهم وناداهم ( جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ) لو جئت عند واحد مرة وعمل لك كذا.. كم مرات ستكلمه؟ واحد فقط .. هؤلاء قوم كاملين ! يضعون أصابعهم في آذانهم.. ما يكفي هذا؟ بل قال أيضا:
(وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ) وهو لا يسكت، لا يقف، وأول يوم وثاني يوم وثالث ورابع، سنة سنتين ثلاث، أربع، عشر ، عشرين سنة ، مائة سنة مائتين سنة تسع مائة وخمسين! عمرك وعمر أبيك وعمر جدك وأبو جدك وجد جد جدك كم هذا ؟ كله وهو صابر ، من يعرف عظمة هذا الدين هكذا؟ من يعرف عظمة هذه الملة؟
ماذا عملنا لها يا أيها الأحباب؟ ماذا صابرنا لها؟ ماذا كابدنا لها ؟ ماذا قمنا بحقها؟ مَن سهر منا ليلة أو قام بخطبة أو ألف كتاب ، ظن نفسه أنه قام بشيء كبير.. ماذا عملت !؟
الدين أكبر وأعظم وأجل وأعلى، وأنت نسيت شج الجبين! هذاك ما قيمته هذاك ما مكانته
لو كسروك تكسير قطعة قطعة أنت وأولادك ما ساوت شقَّ الجبين .. هذا جبين علا فوق سدرة المنتهى ، هذا جبين علا على العرش والكرسي.. هذا جبين سيد الأولين والآخرين شُجَّ في خدمة هذا الدين.. في القيام بنصرة هذه الدعوة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
قال سيدنا نوح ( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا. ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا. ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ) لماذا لم يقف ؟ قال أنا دعوتهم لتغفر له، ما قال دعوتهم ليسمعونا أو يمدحونا أو يعظمونا أو ليعطونا وإنما لتغفر لهم ما دام أنا أدعو لهم لتغفر لهم فأنا قدامك أجابوا أو ما أجابوا فصبر عليه سلام الله.. حتى أوحى الله إليه ( وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ ) حق القول على الباقين، يا رب هل توجد طريقة أتوجه إليك ، قال هؤلاء الثمانين الذين آمنوا معك ولا يوجد غيرهم
( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً ) ونصره الله بعد ألوف ألوف السنين ظهر سيدنا إبراهيم الخليل أبونا ، قال الله عنه ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) وإن من شيعة نوح ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) من أنصاره ومحبيه إبراهيم.. لماذا؟ يقول لك: خيوط أهل المعرفة بي ممتدة لهم مهما بعُدت الأزمان وتباعدت الأشباح، هم شيء واحد ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) صلوات الله وسلامه عليه.
ثم جاء النبي محمد بمجرد ما سمع الجنُّ بقراءته ذهبوا إلى قومهم وهم مستوعبين من أسرار هذا الوحي وما حمله المنهج الكبير( فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يا قَومَنا إِنّا سَمِعنا كِتابًا أُنزِلَ مِن بَعدِ موسىٰ مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيهِ ) قالوا كتاب حق الانسان هذا يصدِّق كل الكتب التي نزلت من السماء من عهد آدم إلى عيسى إلى عنده كلهم
( مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيهِ ) كيف عرفوا هذا السر!؟
هذه رابطة أهل الإيمان وأهل اليقين وأهل المعرفة التي تجمعهم على الخيرات وتلُمُّ كل مظاهر الشتات وإن تباعدت بهم الديار أو المنازل أو الأوقات أو القرون وما إلى ذلك، قال صلى الله عليه وآله وسلم ( إن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف ) حتى جاء في بعض الآثار: ( لو أن مجلساً فيه ألف مؤمن ومنافق، فدخل منافق لتخطى الألف حتى يجلس إلى المنافق، ولو أن مجلسا فيه ألف منافق ومؤمن واحد فدخل مؤمن لتخطَّاهم حتى يجلس إلى جنب ذلك المؤمن ) لتعارُف الأرواح ولتقاربها بينها البين.
هكذا شأن مَن صدقُوا مع الله تبارك وتعالى، ومن أحبوا الله سبحانه وتعالى فتحابُّوا في الله جل جلاله.
ثم يجمعهم جميعا في يوم القيامة وفي مكان واحد وتحت لواء واحد، إلا المقدم عليهم واحد ( ولواء الحمد يوم القيامة بيدي، آدم فمن دونه تحت لوائي ) تعالوا كلكم يا آل الإيمان يا آل اليقين يا آل المعرفة يا آل المحبة هذا لواؤكم وهذا سيدكم وإمامكم، وهذا ربكم ينظر إليكم، فمن لم يدخل تحت لوائه لم يدخل الجنة، كل أهل الجنة لابد تحت هذا اللواء يجتمعون، من لم يدخل تحت هذا اللواء لم يدخل الجنة، ومَن لم يرَ هذا الوجهَ وهذا اللواء لم يرَ الجنة، وليس له نصيب في النظر إلى وجه الله الكريم.. فالله يربطنا بهذا الحبيب العظيم صلى الله عليه وآله وسلم.
دعوتُه هي التي تُدْعَوْن إلى نصرتها، وأنعم بدعوته التي مهما تجمَّعَ عليها دواعي الإذلال والإفساد لمضادَّتها جاءت خفايا عجائب قدرة القادر القوي فحمَتها ونشرتها وقوَّتها ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّين كُلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) الحمد لله الذي خصنا بهذا النبي، والله يقوي رابطتنا به، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
في أسرار هذه الروابط نتذكر أيضا فقيداً فقدناه بالأمس حبيبنا صادق بن محمد بن عبد الله بن عيدروس بن علوي العيدروس عليه رحمة الله تعالى، وفد إلى تريم قبل أربعة أسابيع، وكان عندكم هنا قائماً في هذا المكان، وتكلم، ما الذي أحضره لهذا المحل. وما الذي جابه لهذه المكان؟!
هذه الروابط ، هذه التعرُّفات، هذه الوصلات الروحية التي توصِل أهلَ العلم أهلَ الدين أهل الحق أهلَ الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ويكفيه ما كان في منبر مسجد الإمام العيدروس في عدن سنين بعد سنين، وهو الخطيب في ذلك المنبر، وقام بما قام به من إفتاء من إرشاد بمختلف ما أُتيح له من الوسائل عليه رحمة الله تبارك وتعالى، وكان قد سايرَ وعاشر أكابر، سراية التربية النبوية سارية بتلك الحبال في تلكم المعاشرات يتهذب بها الناس ويتأدب بها الناس وتصفُو صفاتهم، فتطالع في ملامح الواحد منهم تواضعا وخشية وإنابة وزهادة وورعا، تطالعها في ملامحه، وتراها في سيرته من أثر هذه المجالسات
أفيدك أنني جالست قوما *** حدوني بالمقال وبالفعالِ
رجالا ما رأيت لهم مثيلا *** يزعزع حدوُهم صمَّ الجبال
فحرك حدوُهم قلبي فأبدى *** غراما منه في حب الجمال
ومن لم يحصّل مثل هؤلاء الرجال ماذا يعشق ؟ ماذا يحب؟
يا لعبة، يا فلوس، يا دنيا، يا مظهر فاني، ويمر عمرُه في هذا ويخسر الخسران المبين والعياذ بالله تبارك وتعالى.
ولذا نادى مناديهم :
مَن لا صحب في زمانه شيخ عارف مكين ** مرت حياته وهو معدود في المفلسين
وفي القرون الأولى نادى منادي أهل الصدق والحكمة من الأمة وقال: ( مَن لم يرَ وجهَ مفلح فكيف يفلح )
ولذا كان يتأسف أيام الإمام طاهر بن حسين بن طاهر، يقولون أسفنا على أبناء الوادي الذين ما رأوا هذا الوجه ، نأسف على كل من كان يمكن أن يرى هذا الوجه وما رآه من أبناء هذا الوادي .
وهذا المعنى والحبل والحقيقة تحدث عنها خيرُ الخليقة في ما سمعتم في صحيح الإمام البخاري أن المعضلات إذا حَلَّت بالأمة حُلَّت عُقدُها بسر سلسلة النظر والرؤيا ، قال : يغزوا فئام من الناس فيبطئ عليهم الفتح فيُقال : هل فيكم من رأى رسول الله ؟ الفتح أبطأ ومشكلة معضلة حلت بالأمة وصار جيش المؤمنين على وشك هزيمة فكيف يفعلون؟
يعالجونها بسر النظر، هل فيكم من رأى رسول الله؟ فيُقال: نعم بقي قليل من الصحابة، إذا قدموهم وعظموهم جاء النصر ونصرهم الله .
قال نبينا : ثم يغزوا فئامٌ من الناس فيبطئ عليهم الفتح فيُقالُ: هل فيكم مَن رأى مَن رأى رسول الله؟ قال ثم يغزوا فئام من الناس فيبطئ الفتح عليهم فيُقال هل فيكم مَن رأى مَن رأى مَن صحب رسول الله ؟ سلسلة النظر هذه معنى قول أهل الحكمة والصدق ( بخت مَن قد رآهم أو رأى مَن رآهم )
قالوا هذا جملة من الأسرار في تردُّد سيد الأبرار صلى الله عليه وآله وسلم النبي المختار في ليلة الأسراء بين خطاب الرحمن، بعد أن رآه وبين موسى بن عمران عليه سلام الله تعالى، قال في الدنيا ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا)
فلما كانت ليلة الإسراء وأُكرِم الحبيب، قيل له هذا الذي رآه ، إذا ما تراه ترى من يراه
وإنما السر في موسى يردده * ليجتلي حسنَ ليلى حين يشهده
وكان كلما امتلأ من هذا الوجه قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، ثاني، ثالث، رابع إلى تسع مرات، قال: استحيت من ربي يا موسى، يكفي هذا، فأوحى الله إليه ( أمضيتُ فريضتي وخفَّفت عن عبادي هن خمسٌ ولهن أجرُ الخمسين )
وقُضيت خمس صلوات على العباد في اليوم والليلة، هي للأرواح معراج، وللطريق سراج، وسببٌ للاتصال بالعلي الأعلى المسبَّح المقدَّس عن أن يُكيَّف، عن أن يُتخيَّل أو عن أن يحيطَ به إنسي أو جني أو ملَك أو حيوان أو نبات أو جماد أو أي شيء من خلقه جل جلاله، هو فوق الكل، والمحيط بالكل، ولا يحيط به أحد ( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ) ( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) ( إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)
رحم الله السيد الصادق وجمعنا به مع الحبيب الصادق، في دوائر خير الخلائق، في الدرجات العلى في الجنة آمين اللهم آمين ، وأمتعنا ببقية أهل العلم والخير والصلاح وطوّل أعمارهم فينا، قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ( إذا مات العالم ثُلُم ثُلْمَة من الإسلام لا يسدها إلا خلفٌ منه) فالله يرحمهم ويخلف منهم أمثالهم في حيِّنا والمربع .
والمناطق تنادي، عدن وغيرها تحتاج إلى الرجال الذين وصل إليهم سر التربية والنظر، عين من عين من عين إلى الصحابة، إلى من ظلَّلته السحابة، إلى سيد أهل الإنابة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وفي حديثه عن من يأتي من بعده من الصادقين من الأمة قال: ( يودُّ أحدهم لو رآني بنفسه وماله ) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأرِنا إياه يا ربنا في النوم واليقظة، في الدنيا والبرزخ والآخرة .. يا الله ، يا الله ، يا الله
من الأمة مرتبط به ومنهم مفصولٌ عنه ، والويل لمن لا يراه يوم القيامة ، الويل لمن لا يراه يوم القيامة
لا جعل الله في بيوتنا إلا مَن يراه يوم القيامة
لا جعل الله في قرابتنا إلا مَن يراه يوم القيامة
لا جعل الله في جيراننا إلا مَن يراه يوم القيامة
لا جعل الله في طلابنا ولا أصحابنا إلا من يراه يوم القيامة
لا جعل الله في جمعنا ولا في من يسمعنا إلا من يراه يوم القيامة
يا الله ، يا الله ، يا الله ، لا تحجب هذه العيون، وفيها عيون عصت، تُبْ عليها يا تواب، تُب عليها يا تواب، تُب عليها يا تواب، باقي عمرك إحفظ عينك يا اخي، أنا أريدك ترى هذا الوجه، أنا أريدك تُنظُر هذه الطلعة ، سراج منير، رؤيتُه عز وحرز وقربة من الحق ونعيم مؤبد .. شرَّفَ الله عيونكم برؤية وجهه..
حافظوا عليها فيما بقي من الأعمار، لا تحتقروا بها مسلما، ولا تعظموا بها الدنيا ولا تتكشفوا بها العورات ، ولا تنظروا الصور المحرمات ، أعـدُّوها لشيء كبير..
اللهم أعنهم على حفظ الأمانة، أعنَّا واياهم يا معين، واجمعنا بالحبيب الأمين، واجعلنا إلى طلعته الغرّاءِ من الناظرين، وإلى كلامه من السامعين، وليدِه الكريمة من المصافحين، وعلى حوضه المورود من الواردين، ومِن كأسه من الشاربين، وفي الجنة من المرافقين، يا رب العالمين يا الله ، يا الله
ولو جئت من أبعد مكان ليُنادَى لك الرب ويُدعى أن يعطيك هذه المزية لكان قليلا في حقها ، يا الله ، يا الله
لا يتعاظمُك شيء مهما كان عظيماً، وقد علمت عظمة رؤية حبيبك في الآخرة وقد ادخرتها لمَن سبقت لهم منك سابقة السعادة ، فيا من لا يتعاظمُه شيء إجعلنا جميعاً من أهل تلك المزية، وأعطنا هذه العطية.. آمين يا رب.
والذي مضى من ظلمات التفات الأعين لما لا يليق داوِه وعالِجهُ يا رب، يا ربِّ ، وباقي الأعمار يا الله لا تسلِّط علينا أنفسنا ، لا تسلِّط علينا أهواءنا، لا تسلط علينا شهواتنا، لا تسلط علينا شياطيننا، تولّنا يا قوي يا متين.
أنت الذي قلتَ لعدوِّك اللعين ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان ) فاجعلنا من عبيدك الذي ليس للشيطان عليهم سلطان ، آمين ، آمين ، آمين.
وإذا ارتفعت الصحائفُ إلى السماء وفيها عيونٌ تحرَّزَت مما لا ينبغي وكانت واقعة فيه، رجونا من الله تحويلَ الأحوال والفرج للمسلمين وغياثاً عاجلاً ولطفاً شاملاً.. فارفعوا مثل هذه الوسائل، هذه رسائل الاستغاثة، لكن مِن المُغيث القوي الذي بيده الأمر كله، وإذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون.
نقول لجميع من على ظهر الأرض ومن العقلاء ومن المدبرين أرباب الخير فيهم وأرباب السوء والشر: إنه قادمٌ عليكم على ظهر هذه الأرض ما لم تتوقعوه أنتم كلكم، لأن أمرها ليس بيدكم ، ولا أمر السماء ، لكن رب الأرض والسماء هو الذي يسيركم في البر والبحر ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )
عقليات موجودة في العالم الآن لها معاداةٌ للدين، دين الحق، دين الإسلام، ومثلهم مع مثل معاداة الكفار أيامه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قبل النبوة وقبل البعثة، حتى تعرضوا له في عدة مواقف، منها موقف خروجه إلى الشام وسفره ، وعندهم سنة سفره ، فتعجبنا منهم وأعدوا عُددا وخرَّجوا سيوف وأردوا قتلَه حتى لا يظهر!! طيب ، وهو الذي قال لك إن هذا وصفه وسيخرج بالسنة ذي، هو قال لك سيظهر ، هل سيكذب في شيء، ويصدق في شيء ، إن كنت مصدِّقُه في الأول فصدِّقُه بالثاني ، لا بد يظهر على رغم أنفك.
وهكذا الناس اليوم في العالم يصلِّحون بعض الخطط، يظهر على رغم أنفكم ، يظهر على رغم أنفكم ، ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )
الأرض أرضُه، والسماء سماؤه ، ثِقوا به وتأدبوا معه، وارحموا خلقه من أجله.
( كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ ) تعبَّدُه الله بهذا ، تسبَّب في غفراني لعبادي ، اُدعهم حتى أغفر لهم.
( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ ) ما هذا التعبير!! شوف الأنبياء وهمومهم ومقاصدهم في الدعوة..
( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً ) فكان النصر له دونهم.
القُوى معهم، الحكم الظاهري معهم، صُنع القرار كما يسمونه اليوم معهم، وكل مجالس القرارات بمسمَّياتها المتنوعات معهم كانت، لا شيء مع نوح، وكلهم بادُوا وبقي نوح!! ولا أحد منهم اليوم يذكر بالخير ، هات لي أسماءهم، هل تعرفها ؟ أخرجها لنا، هل تجدها في نت أو غيره.. لكن نوح مذكور ،،
والعجب أنه ما بقي على ظهر الأرض آدمي إلا من نسله ونسل الذين في السفينة معه ، فقط.
الباقين حتى نسل من بني آدم لا وجود لهم ، كيف محاهم ربك !! لا نسل لهم ، ولا ذرية لهم، ولا بقي من بني آدم إلا مِن ذرية مَن كان في سفينة نوح
يقول سبحانه وتعالى: ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ) ( أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ) يعني أصولهم التي تفرعوا منها في الفلك المشحون ، حق سيدنا نوح عليه السلام ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)
وسخروا منه، وكان هو المنصور ( وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) الحقائق ، وجاءت الحقائق وكان ما كان.. ( وقِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا )
ما قيمة هذا ، ماذا حصَّل نوح !؟ صبر ، تسعمائة وخمسين سنة ، لكن اهبط بسلام منا، يقول له ربك ، منا
( وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ )
( وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً . وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبـيراً )
والناس يعيشون على هذه السنة وحدها.. مهما تطوروا في الوسائل، طريقة التفكير والمسار هذه هي واحدة، والعواقب والنتائج هذه هي ، ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ )
هل قال نُداولها أو قال يتداولونها !؟
قال لك: نداولها ،لا تقول واحد بعقله وفكره طلع ، هو الذي حرَّكه وإلى حَدِّه المحدود يصل فقط.
عمل ابن صياد زمجرة ، وأموراً غريبة واستكشافات، فكلَّمه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فجاوب باستكشاف شيء في نفوس الناس فقال ( إخسأ فلن تعدوَ قدرك )
ثم في دِقَّة الجمع بين القيام بأمر الله، باتخاذ الأسباب والعمل بالشريعة، وملاحظة التسليم في موطنِه لأمر العلي العظيم، وعدم الاستعجال، وعدم اتباع النفس ومقتضاها، قال له سيدنا عمر ( أقتُلُه يا رسول الله ، قال: لا ) لماذا؟
( إن كان هو الدجال الذي حدثتكم عنه) إن يكُنه فلن تسلَّط عليه، في قضاء من فوق جاء أنا قلت لكم ، كيف يعني ؟ هل ممكن يصبح كذاب ؟! لا هذا ما يتأتّى.. إذا قلت لكم خبر .. فهو هو .
إن يكُنهُ فلن تسلَّط عليه، لا أنت بشجاعتك ولا عشرة معك ولا مائة ما تسلَّط عليه ، إن كان هو الدجال الذي أخبرتكم فلن تُسلَّطَ عليه ، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله ، ولا لك وجه ظاهر في الشرع لتقتله، ستقتله لماذا؟
بيننا وبينهم ذمة وعهد، اتركه، يعمل مشاكل لها طريقها وحلولها، لكن قتله بيثوِّر علينا شيء ما نكون استعجلنا على أنفسنا، لا خير لك في قتله ، شوف الميزان هذا ، الميزان الدقيق منه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، ما كله قتل قتل قتل ،،
وهو كافر ومبغض ومركز فتنة يفتن الناس ( إن يكن هو فلن تسلَّط عليه ، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله )
في المكان الذي شرعت لك فيه تقتل أقتل ، ولما ما عندك إذن صريح من عندي إوقف محلك ، قف ، هذا صاحب فتنة .. في عندك إذن ، عندك إمر ،، أقعد محلك ، ما لك حق تتصرف بعقلك ولا برأيك ، وهذه محكمة ستجيء ، وأول ما سيحكم بالدماء قبل كل شيء ، أول حكم لله تعالى في الدماء ، أول قضاء في الدماء ، وبعدها يأتي الحكم في شؤون الخلق وهي أشدُّها.
ثم ما بينه وبين العباد ما أعظم كرمه فيه وما أعظم مسامحته ، لكن الذي بينهم البين ..
فاستعد للقاء ربك هذا العظيم والمحكمة الكبيرة ، سر في خير سيرة ، الله يخلف علينا من مضى ، ويحفظ لنا من بقي من أهل العلم والخير والصلاح والدين ، وينشر الإسلام في شرق الارض وفي غربها، حقائق الإيمان حقائق الدين ، حقائق التقوى ، ويجعلنا وإياكم من المستمسكين بالعروة الوثقى، يا رب اجعلنا من خواص أهل الإيمان، يا رب اجعلنا من خواص أهل اليقين برحمتك يا أرحم الراحمين ، اجعلنا ممن يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت..
( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا )
إجعلنا من خواص المؤمنين، وإذا كنا كذلك فوليُّنا هو.
تقول لي: مَن خلفيتكم؟ مَن وراءكم ، من معكم، أي عدة عندكم!؟
أقول لك ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ )
فرح بالملك ، وتكبر بالملك ، واغترَّ بالملك ،( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) المتصرف في الكون والخلق ربي.
( قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ)
أنا أتصرف في الخلق !! قال هاتوا اثنين ، اترك هذا واقتل هذا ، فهذا واحد أحييته وواحد أمتُّه ..
تركه في تفكيره ،، فقال إن الله هذا الذي اعبده وخالقي يأتي بالشمس من المشرق، فإذا انت إله ففي يوم واحد اقلب واجعل الشمس تأتي من المغرب ( فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )
وكلهم يُبهتون ، الذين تقدموا في التكنولوجيا ، هل ممكن أن يقلبوا لنا حركة كوكب واحد !؟
هم يبعدون لا يصيبهم شظى منا ما عندهم شيء ، قليل زلزلة وزالت التكنولوجيا ، أو فيضانات تطلع والتكنولوجيا غرقت ، هنا وهناك آيات يبديها ربكم .. القوة مع واحد ( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً)
تعرف جميعا ، جميعاً القوة لله ( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ )
أجِرنا من عذابك، وأدخِلنا مع أحبابك، وأصلح شأنَنا، واجعلنا في أهل حضرة اقترابك يا الله، اصرفهم يا رب منوَّري القلوب بنور الإيمان واليقين، نستقيم على منهج الحبيب الأمين ، احيِنا عليه وتوفنا عليه واحشرنا مع المقربين إليك وإليه. يا الله رضا يا الله رضا والعفو عما قد مضى.
وعيونهم احفظها في بقية لياليهم وأيامهم حتى تتشرف من عند الغرغرة برؤية المبشِّرين من الملائكة ، بشِّر أرواحهم عند خروجها من الأجساد وهيئهم لرؤية قبور وهي رياض من رياض الجنة، وهيِّئهم اللهم لرؤية موازين ترجح فيها حسناتُهم، وهيئهم لرؤية كتبٍ يستلمونها بأيمانهم.. يا الله. ولرؤية وجهِ نبيك في القيامة، وعلى حوضه، وتحت لواء الحمد، وفي ظل العرش، وفي الجنة يا الله ، وفي الجنة يا الله..
فيا رب واجمعنا وأحباباً لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
فضلاً وإحساناً ومنّاً منك يا ** ذا الفضل والجود الأتمِّ الأوسعِ
وتدارَكِ الأمةَ أجمعين، أصلِحنا وأصلِح مَن في صلاحه صلاحٌ المسلمين، لا تُهلِكنا وأهلِك مَن في هلاكه صلاحُ المسلمين، خُذ بيدِ أهل الصدق وأهل الإنابة وأهل الحق والصواب والهدى حيثما كانوا في جميع الأقطار، واجمعهم على ما تحب، واجمع شملَ المسلمين، وأذن برفعِ الشحناء والبغضاء والعداوة والظلمات والآفات والبليات والأسواء والأدواء في السر والنجوى يا مَن بيده الأمر كلُّه، آمنا بك وبما أنزلتَ على نبيك، فاكتبنا مع الشاهدين، وأثبِتنا في الصادقين، وألحِقنا بالمقربين، واجعلنا في عبادك الموقنين، وثبِّتنا على ما تحب منا ظاهراً وباطناً يا رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين.
للاستماع إلى هذه المحاضرة