بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، مُكرِمنا بمفتاحِ باب رحمته، حبيبِه الذي جعله الصفوةَ في صفوته، والخِيرَة في خيرته، المُنتقى من بريّته، مَن به ختم الرسالة، ودلّنا عليه أحسنَ الدلالة، فصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على النور المبين سيدنا المجتبى، وعلى آله وصحبه ومَن استقام على منهجِه مصدِّقاً بذلك النبأ، وعلى آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين وآلهم وأصحابهم النجباء، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين الذي يكون فيه أعظمُ النبأ..
ونسألك اللهم أن تجعلنا في ذلك اليوم في زمرة صاحب الرسالة الذي يحمل لواءَ الحمد، وأن ترفعَنا به مراتبَ محبوبيك ممن كتبتَ لهم الخلودَ في العزِّ والمجد، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وإنكم لواقفون على بابِ ربِّ العرش العظيم السميع العليم الكريم المعطي المنّان الرحيم الحق.. الله، وكان وقوفُكم على بابه بمِنّةٍ من مننه فاضت من بحار كرمه، فسالَت إليكم كان مفتاحُها الذي كان يدور في شوارع مكة يقول ( أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، أيها الناس أعطوني كلمة تملكون بها الرقابَ في العرب والعجم، تعلون بها بين الأمم) ما هي ؟ قال (لا إله إلا الله)، وكانوا ينفرون منها إلا مَن سبقت له سابقةُ السعادة، وبدعوته وصبره انتشرت الأنوارُ من الحيّ القيّوم جلّ جلاله إلى قلوب المستجيبين والمنيبين على مدى القرون حتى جاء الوقت والحين، وحضرنا فيه، وفي قلوبنا لا إله إلا الله فثبّتها اللهم في قلوبنا، ونوِّر بها قلوبنا، وطهِّر بها قلوبنا، وحققنا بحقائقها واحشرنا في زمرة خاصة أهلها وكمَّلهم يا الله، يا الله، يا الله، تُوِّج ونُوِّر ومُجِّد وعُظم وشُرف بها قلبك، وهي أعظم من الأرض وما فيها، والسماء وما فيها، وما بينهما إنها كلمة الله العظمى إنها ( لا إله إلا الله، محمد رسول الله ) عليها نحيا وعليها نموت وعليها نُبعث إن شاء الله، من الآمنين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.
وإن الرحمن ليكتب وصولَها إلى قلوب مَن سبقت لهم السعادة، فإذا كتب أن وصولَها إلى قلبٍ على يدِ واحدٍ من أهلها، ضاعف الخير على ذلك الواحد مِن أهلها بسبب دعوتِه الغير إليها أو وصولها مِن الله على يده، إلى قلب ذلك الغير، ولقد وقف نبي الخير يقول لسيدنا علي بن أبي طالب: (ادعهم إلى الإسلام، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم ، خير لك من الدنيا وما فيها)، ليلة باتوا يدوكون ليلتَهم أيهم يُعطى الراية في الغد، بعد أن سمعوه يقول وقد بعث إلى الحصن الأخير من حصون خيبر، سيدنا أبابكر وسيدنا عمر، فقال: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه اللهُ ورسوله ويحب اللهَ ورسولَه، يفتح الله على يديه)، وفي الليل وصل من المدينة صاحب الرَّمد سيدُنا علي، وبات بخيمةٍ بجانب المصطفى، وأصبحوا الصباح، وصلوا خلفه والتفت وكلهم مشدود إليه، قال: أين علي؟ قال هو رَمِد، وصل البارحة من المدينة بمرضِه، يتبعك ولكن هو رَمِد، قال ائتوني به، من شدة الرمد ما كان إلا يمسكه واحد بيده يقوده كأنه أعمى لا يرى، فأمسكوا بيده حتى أدخلوه، أجلسوه بين يديه، فبصق في كفه هذا وكفه هذا ومسح عينيه، ففتح عينيه وكأن لم يكن به شيء، ثم لم توجعه عينه إلى أن مات، ولم يرمد بعدها إلى أن مات، قال خذ الراية، واذهب إلى القوم، ولا تلتفت، وقام يمضي فحضره سؤال، فلم يلتفت وقف يقول (يا رسول الله، علامَ أقاتلهم؟)، قال (ادعهم إلى الله، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم، خير لك من الدنيا وما فيها)، يُريه ماذا تحمل هذه الرسالة للخلق، هذا الصنف الذي أرسله إليهم، واصلوا وسلسلوا الخيانة ونقض العهود والمواثيق، وألَّبوا القوم، وجمَّعوا الجموع، لإيذائه، لقتاله، للنيل منه ومن أصحابه، والآن آخر حصن من حصونهم قال: ادعهم إلى الله، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، هذا ما يحمله محمد، وهذا ما يحمله أتباعه الصادقون إلى يوم القيامة، فإذا حملوا إلى هذا الصنف المعاند المضاد المؤذي المُتعب الناقض للعهود المؤلِّب على الحروب، حمل هذا الحمل، حمل هذه الأمانة، حمل هذه الرحمة، حرص على هدايتهم، حرص على إسلامهم، حتى كان من وقع ذلك بعد أن وجد القوم لا يسلمون، فقابله رجل كان يتبايع معه منهم، قال يا علي أنا صاحبك فلان، قال اخرج لا أماتك الله إلا مسلماً، دعا بهذه الدعوة لأنه حمل الدعوة من عند صاحب الأمانة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، يتمنى بها إنقاذ الناس من النار إلى الجنة، حتى ذكر بعض أهل التاريخ أنه طال عمرُه حتى سئم الحياة فأسلم ومات بعد إسلامه، لقي بعض المتأخرين من الذين جاؤوا بعد عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، يقولون له: هل رأيت رسول الله؟ قال لا، لكن علي كنت بيني وبيني مبايعات، وأنا رأيت خيمته في يوم وصلنا إلى خيبر، وخرجنا من حصن إلى حصن وقالوا تلك خيمة محمد ورأيت خيمتَه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
الحبيب الذي يشتاق قلبي خيامه ** ليتني شوف وجهَه ليتني اسمع كلامه
وخيامه في الجنة، يراها مَن يراها، ويصل إليها من يصل، ممن وصلتهم هذه الكلمة فقاموا بحقها، وأخذوا منهجهم في الحياة منها ومِن معناها، واتصلوا بسرها، وحقيقتها، لا إله إلا الله، لا يُعرف قدرُها، وإنما يظهر عظيم من قدرها في القيامة، تشرئب إليه النفوس والعقول والقلوب كلها، ويعرفون قدر أهلها، قال صلى الله عليه وسلم (ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم)، وقال (لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن أهلها سخطَ الله ما لم يؤثروا صفقةَ دنياهم على آخرتهم) فإذا فعلوا ذلك خُدِعوا وقيل لهم غير الله تعالى لكم مقصود، وارغبوا في ما رغبنا فيه وهم أهل الجحود، وتبعوهم وآثروا الدنيا على الآخرة، فإذا قالوها قال الله كذبتم لستم بها بصادقين.. رب اجعلنا من الصادقين بها، المتحققين بحقائقها، يا الله، وكثّر الصادقين بها، كثّر القائمين بحقها، في أزمنتنا وفي بلداننا وفي أوطاننا وفي هذه الأمة، في عربِنا في عجمِنا في شرقنا في غربنا، في جنوبنا في شمالنا في شامنا في يمننا في جميع الأقطار، ياربي كثّر أهلَها، المتحققين بها، الصادقين بها يا الله.
والمجمع ومن لنا يسمع اجعلهم في الصادقين، المتحققين، نحيا وإياهم عليها، مرتقين في مراقيها، وساعة الختم وعند خروج الروح وعند مفارقتها للجسد وعند مُعاينة الأمر الغائب عن الأعين اليوم: اجعلها حاضرةً في قلوبنا ناطقةً بها ألسنتُنا ألهمنا إياها أنت لقّنا إياها، أنت أرشِدنا إليها، أنت أثبت علمها في قلوبنا، أنت اختم أعمارنا بها، أنت ذكّرنا بها، أنت توفّنا عليها، أنت اجعلها آخر كلامنا من الدنيا، وبذاتك وأسمائك وصفاتك وحبيبك وأهل حضرتك أقسمنا عليك أن تحقق هذا الطلب وأن تنيلنا هذا الأرب يارب.
فإنك مَن أعطيته ذلك فقد أسعدته، وقد أكرمتَه، وقد رحمته، وفي النعيم خلّدته، وفي الكرامة أبّدته، ومن حرمته منها عند موته، فلا والله لا أغنت عنهم وزارات، ولا رئاسات، ولا مؤسسات، ولا شهادات، ولا قصور مشيدات ولا سيارات، ولا مفاخرات، ولا مكابرات، ولا ظهورٌ في الشاشات، ولا أغناهم شيءٌ من هذا الحطام والفتات، ولا شيءٌ من هذا الفائت الزائل الآئل إلى الهباء، فيارب لا تحرم منا واحداً التحقُّقَ بها، والموت عليها، وتذكيرك إياه بها عند خروج الروح من جسده بحقها عليك اختم بها أعمارنا، يا الله، يا الله، وهي المجدِّدة للإيمان في القلوب، قال نبينا صلى الله عليه وسلم (جددوا إيمانكم) قالوا كيف نجدد إيماننا؟ قال (أكثروا من قول لا إله إلا الله).
وكان بعض أصحابه يقول: إني لأرجو لمَن قالها مادّاً بها صوتَه تعظيما أن يغفر الله له أربعة آلاف ذنب من الكبائر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ولجيجُ صوتها في السماء أعظمُ منه في الأرض، وعن شأنها عند الرب كان يقول بعض السلف: إذا قال المؤمن لا إله إلا الله اهتزَّ عمودٌ في العرش، يقول الحق: اسكن، يقول: حتى تغفر لقائلها يا رب.
وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل، أن رسول الله قال لجماعة من أصحابه: هل بينكم أحد من غير أهل الملة؟ قالوا لا، كلهم مؤمنون، قال ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله، فلقّنهم إياها ثلاثاً، ثم قال إن الله قد غفر لكم.
يا سيدنا، أنت الذي بعثت إلينا هذا الصادق، هذا الهادي المهدي، ومِن بعده قلناها، فأعِد بركة مجلسه ذاك على مجلسنا هذا، فما قلناها إلا بتعليمه، ما قلناها إلا بهديه وصبره، وما قلناها إلا بمنِّك علينا به إذ أرسلتَه إلينا بها فبحقِّه وهو سيد أهلها، اجعلنا في خاصة أهلها يا الله.
وارفعنا أجمعين وسامعينا إلى حصنِ عزها، حصنُ عزها تحرر عن أن تأسرك شهوة أو هوى أو مظهر أو فكر أو خطة أو منهج لصغير أو كبير يخالف منهجَ العلي الكبير جل جلاله، صاحب هذا الحصن، حصن العز الأعلى، في عزته هو الذي يشرب كؤوس (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وشاربوا هذه الكؤوس هم الأعلون، وإن لم تسمعوا لأسمائهم ذكراً في أجهزةِ إعلامكم هذه، ولا في ما بين الناس هؤلاء، شؤون الأرض من أولها إلى آخرها صغيرة وحقيرة وستظهر شؤون السماء، بل شؤون رب الأرض والسماء، وسيجتمع الأول والآخر في اليوم الآخر، في أرض المحاشر، وسيُعلم أهلُها وأنهم الأعلون،( وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ).
إنه حصنُ عز، أعزنا الله وإياكم بهذا الحصن يارب، يارب، يارب.
وتذكروا علي الرضى بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، وقف موقفاً، وقد خرج إليه، أهل ذاك القطر حين وصل إليهم إلى خارج البلد، وكان مغطِّياً وجهه فطلبوا منه أن يكشف الوجه، فكشف الوجهَ بنُوره، وضجّ القوم بالبكاء، قالوا حدّثنا حديثاً عن آبائك، قال: حدّثني أبي موسى الكاظم، قال حدّثني أبي جعفر الصادق، قال حدّثني أبي محمد الباقر، قال حدثني أبي علي زين العابدين، قال حدثني أبي الحسين، قال حدثني أبي علي بن أبي طالب، قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أنه قال، وفي رواية عن جبريل عن ميكائيل عن الله أنه قال (لا إله إلا الله حصني، فمن قال لا إله إلا الله دخل حصني، ومن دخل حصني أمِن من عذابي) فكتبت الحديثَ بهذا السند في الحاضرين خارج البلد عشرون ألف محبرة، هؤلاء بمحابرهم مستعدين، مكانة الدين مكانة العلم في تلك القرون أيها الأحباب..
كم اليوم عدد المسلمين في العالم؟ وكم كان عدد المسلمين في ذاك الوقت؟ ولكن يأتي فردٌ من أهل النور والعلم فتحتشد الحشودُ حوله، ربما أشبه في وقتنا احتشادهم حول الراقصات، إلى أين تدهوروا؟ أين سقطت الأمة؟ مَن خانها؟ مَن خدعها؟ كيف وصل حالُها إلى هذا؟ يا أهل قلوب فيها نورُ لا إله إلا الله، أتروا الوضعَ بهذا الحال ولا تتحرك فيكم شعرة؟ ولا تحسوا بحُرقة؟ ولا تدركوا أمرَ أمام هذا الواجب؟ أين وصلت الأمة؟ من قاد زمامها؟ أين ذهبت؟ مَن قاد أفكارها؟ مَن قاد وجهاتها؟ مَن قاد رغباتها؟ إلى أي شيء أُملِي عليهم أن يرغبوا؟ وبأي شيء يطربون؟ يا رب بلا إله إلا الله وأهلها حرِّر وخلّص وأنقِذ قلوبَ أهل الإسلام، في المشرق والمغرب، مِن سلطة الكفرة اللئام، وأعدائك قطَّاع الطريق، حرِّر هذه القلوب يا رب، طهِّر هذه القلوب يارب، وانشر لا إله إلا الله في قلوب لا تقولها لتقولها يا الله.
احتشدت الحشود، المحابر ما عندهم أقلام مثل هذه كل واحد منا يشتري له قلم بأرخص سعر ويضعه في جيبه، كان عندهم قصب، أعواد ومحابر فيها الحبر يكتبون بها حضروا بها في ذاك المحضر عشرون ألف فكتبوا هذا السند، وما فاتهم هذا السند.. القلوب معظمة للحق ولرسوله، القلوب معظمة للدين هم أهل لا إله إلا الله، هم أهل حصن هذا العز.
يارب: حصنك لا إله إلا الله فاجعلنا في حصنك بحقِّك عليك، ولا تُخرجنا من هذا الحصن أبدا، واجعل كل ما يُداخلُ عقولنا من الأفكار من سر هذا الحصن، وكل ما ينازلنا من النظرات من سر هذا الحصن، وكل ما نعلمه من معلومات مِن سر هذا الحصن، وما نقرره في المسلك في الحياة في يومنا وليلتنا في مناسبات زواجنا، في أسفارنا في إقامتنا في معاملاتنا في أسواقنا اجعله مِن سر هذا الحصن، ومن نور هذا الحصن لا إله إلا الله، عليها نحيا، وعليها نموت، وعليها نبعث إن شاء الله، من الآمنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وربما رحمك في المجلس، ورأى قلبك منكسراً فسقاك بكأسها، أو أدخلك الحصنَ ثم لم تخرج منه ابدا، حصنك أدخلنا إياه يارب، ومن دخل حصنك أمِن من عذابك وأيّنا يطيق عذابَك؟ وإن غرَّتنا أنفسُنا، وإن ضحكت علينا شياطيننا، لا طاقة لنا بعذابك.. اللهم أجِرنا من عذابك، وآمنّا من عذابك، وسلّمنا من عذابك، وأدخِلنا حصنك الحصين يارب العالمين يا الله، يا الله، يا الله، سيد أهل لا إله إلا الله هذه تركتُه، وهذه بركته وهذه وراثته، وهذه ملَّته، وهذه أمته، فارحمنا به أعظم الرحمة، وحقِّقنا بحقائق هذه الكلمة، واجعلنا في خواص أهلها يا ولي النعمة.. آمين.
ولو سافر أحدُنا أبعد الأسفار، وبذل ما يملك من جميع المال، ومِن جميع المظهر في الدنيا مقابلَ أن تصفوَ له ساعةٌ يطلب هذا الطلب من الإله الرب فيها لكان ذلكم قليلا، ولكان الطلبُ جليلا، ولولا أنه لا يتعاظمُ هذا الإله شيء، ما جرؤت لسان هذا الخاطئ أن يلحَّ عليه في هذا السؤال، وأن يرفع إليه كفّ الابتهال، وأن يقول: يا وال ما لنا غيرك في كل حال، فمن لنا في الحياة أو في المآل فاقبلنا على ما فينا، يا وليّ الإفضال، يا جزيل النوال، يا معطي الجزال، يا من يعطي وهو غير مُبال، لا إله إلا أنت آمنا بك فاسقِ قلوبنا كؤوسَ لا إله إلا الله، شرِّفنا بها في الحياة، شرِّفنا بها عند الوفاة، شرِّفنا بها يوم الموافاة، يا الله.
وقد بعث بعضُ شيوخنا في آخر أيام عمره، إلى بعض الشيوخ من أهل النور وقال له قل له أما الدنيا فما أنا من أهلها وأما الآخرة فأعددتُ لها لا إله إلا الله محمد رسول الله، وما هي إلا أيام حتى انتقل ذاك الإمام، ومع أهلها نسأل ذا الجلال والإكرام أن نُحشر معهم يوم القيام، ادفع سخطَك عنا، واجعلنا من الصادقين بها، ثبّت علمها في قلوبنا، افتح لنا أبواب الفهم فيها، والمعرفة بأسرارها، يا الله.
وأنت أكثر منها، يوم بعد يوم ليس لك حتى مائة في اليوم منها!؟ قلها بقلب حاضر، واجعلها من أورادك في اليوم والليلة، ولا أقل من مائة مرة منها وإذا أضفت إليها الملك الحق المبين، لا إله إلا الله الملك الحق المبين، كانت وصلةً بينك وبينها، عسى يرحمك في يوم في ساعة في لحظة ويفتح لك نورها، يغمرك في خيورها، يرفعك في مراقيها جل جلاله.
لعظمتِها كتبها على قوائم عرشه، وعلى أبواب الجنة، ومعها كتب الرسالةَ لمحمد، وضم اسمَه إلى اسمِه، تنبيهاً على علوّ مقامه، صلى الله عليه وسلم، لا إله إلا الله محمد رسول الله، فالله ينوِّر بها قلوبنا، الله ينوِّر بها ديارنا، ينوّر بها أولادنا، ينوّر بها ناشئتنا، يا الله، يا الله، حققنا بحقائق لا إله إلا الله، متحققون بها، إذا كبّروا وقت الشدّة، ووقت الحاجة اهتزت لهم الظواهر بعد أن تهتز البواطن، وكان يقول بعض رؤساء الروم لجماعة من الصحابة إلى ما يدعوكم نبيكم؟ قالوا إلى هذه الكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإذا بها تهتز من عنده السواري وما عنده، قال كلما قلتموها يحصل هكذا؟ قالوا لا، إنما بمثل الآن حصل، قال وددت أنها تحصل معكم كلما قلتموها، لماذا؟ قال حتى يُظَن أنها سحر من أسحاركم ولا يتبعكم الناس، ولكن تجي إلا في أوقاتها ، فهذه فيها سر من الأسرار، لا إله إلا الله محمد رسول الله. جعلنا الله وإياكم من خواص وأهلها.
وإن آيات القرآن شرحٌ لـ ( لا إله إلا الله محمد رسول الله )، والسُنة شرحٌ للقرآن، وإن أقوال الصحابة والتابعين شرح للسنة، فكلها دخلت في لا إله إلا الله، أكثِر منها حتى ينفتحَ لك سرُّها، ينفتح لك نورُها، ينفتح لك خيرها، والهَج بها، وقد كان بعض الأكابر في الصالحين، ألفها فلا تكفُّ لسانه عنها، فكان إذا أراد دخول الخلاء أخرج اللسان وعض عليه بأسنانه قال هذا موطن لا يليق به الذكر باللسان يكفي بالقلب، فيشتغل بها قلبه فإذا خرج فك لسانه وانطلقت بلا إله إلا الله.
قالوا: ولقد كان أبوبكر الصديق يخاطب من يخاطب فيخلط كلامَه بلا إله إلا الله، وكلما تكلم كلمات وقف وقال لا إله إلا الله، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وهكذا المتعلقون بها، وقبل سنوات حضر الوفاةَ بعضُ النساء الصالحات، وأخذت تقول لزوجها والأولاد قولوا لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وماتت، ما لقنوها هي لقنتهم، هي لقنتهم، امرأة قلبها منور بها، عاشت على حقيقتها، فهي لقنت الأحياء الذين عندها، قالت قولوا لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وماتت بعد ذلك، وهل كل يختم له بمثل هذا؟ وهي الساعة الحرجة عندما تأتيك.. ولكن سألنا لك ولك باريك وعسى لا يُخزينا ولا يخزيك، ولا يخيِّبنا ولا يخيبك، يارب ثبِّتنا عليها واجعلنا من خواص أهلها، وهي لنا عندك وديعة فاحفظها لنا عندك، وتوفّنا عليها ووافِنا بها يوم القيامة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
تدارَك أهلَها أجمعين واكشف عنهم البلايا والرزايا، بسرِّها ادفع الحروب والكروب والخطوب والشدائد والأهوال والمحن والفتن، ما ظهر منها وما بطن، واجعلنا مِن الشاربين مِن كؤوسها الظافرين بعزِّ حصنك الحصين، مِن جميع الآفات، لا يضرنا ضار، من جميع الأغيار والأكدار، يارب في عنايتك الكبيرة ومنَّتك الوفيرة، سائرين في خير سيرة، عابدين لك على بصيرة داعين إليك على بصيرة منيرة، وعلى هذا تمر الحياة وتحسُن لنا الحياة ونلقاك خير لقاء، يا من هو الباقي ويا مَن ما عنده خير وأبقى، يا حي يا قيوم يا الله يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين.
للاستماع إلى المحاضرة
لمشاهدة المحاضرة