بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جامعِنا على هدى قويم، وصراطٍ مستقيم، نورُه الذكرُ الحكيم، وقائدُه النبيُّ العظيم، الرؤوف الرحيم، مَن جاءنا بالبينات، وتركَنا على المحجة البيضاء ليلُها كنهارها في أحسن البيانات، وأحسن الأداء للأمانات، فصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على عبدك المصطفى خيرِ البريات، مَن ختمتَ به الرسالات، وعلى آله وصحبه الغرِّ القادات، وعلى آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين وجودك يا أجود الأجودين.
أما بعد: فإننا يجب أن نتبين بكل فردٍ منا، من صغير أو كبير المسلكَ الذي نسلكه، والطريق الذي ننتهجُه، والمنهج الذي نمضي عليه.. ما هو؟ وكيف هو؟ وعلى أي أساسٍ يقوم؟ وندرك أساسَ هذه الارتباطات والصّلات والاجتماع في مثل هذا المكان المبارك وتحت راية الدعوة النبوية المحمدية المصطفوية الأحمدية مِن طريقِ أسانيدِ خيار الأمة، من العترة الطاهرة وأرباب العلوم النجوم الزاهرة، وأرباب المعارف واللطائف مِن خيارِ عباد الله تبارك وتعالى، كلُّ ذلك يقتضي أن ندركَ ونعيَ واجبَنا في الانطلاق والمهمة ومسئوليتَنا في أداء الأمانة والقيام بحقها، وتعاملَنا مع الأحداث الطارئة على ظهر الأرض.
ومن جملة ذلك ما يُذكر في هذه الأيام من هذه الحرب التي شُنَّت مِن عدد من الدول على أقوامٍ في اليمن، وعامةُ هؤلاء الأقوام مِن مختلف الجهات بمختلفِ أصنافهم راجعين إلى سلطاتٍ يحرصون عليها، وراجعين إلى مقاصد في هذه الحياة الدنيا جنَّدوا أنفسهم لها، فكان شأنُهم ما بيَّن لنا صاحبُ الرسالة من شئون الفتن الذي تحصل في أمته وفي آخر الزمان، وما يتقدم مِن الفتن المشتدَّة، ليكون ذلك توطِئةً وتمهيداً لإظهار راياته صلى الله عليه وآله صحبه وسلم، وظهور نصر الله إياه من جديد في الوجود، فإن أنواعَ الفتن الحاصلة يكتنفُها عنايةٌ من عنايات الله، يختار فيها أقوامَ صدق يفُون بعهد الله، ما تزعزعهم الحوادث ولا الآفات ولا الفتن المختلفات، مستضيئين بنور القرآن والسنة الغراء، ممتلئي القلوب ثقةً بالله، واعتماداً على الله، ورجاءً في الله، وخوفاً من الله، لم يدع لغيره مجالاً أن يخافوا منه كائناً ما كان، فحملوا الرسالاتِ على وجهها (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً)، كان أوائلُهم وكان الرعيلُ الأول فيهم (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم)، كان خوفُهم من الله لم يترك مجالاً لأن يخافوا غيرَه، كائناً ذلك الغير ما كان (ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً.
وكل أهل هذا الوصف على مدى القرون أُمِّنوا واطمأنوا ورقَوا، وكانوا على ذلك القدم (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً)، إذا رأوا الأحزابَ والتجمعاتِ على الحق والهدى أو أنواع المخاوف (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً * من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً * ليجزي الله الصادقين بصدقهم) اللهم اجعلنا منهم (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم).
ثم ما يجري ويدور في تلك الأحداث والفتن المشار إليها بلسان النبوة، لسان الصدق ولسان الائتمان الرباني على إرشاد العباد وإنقاذهم وهدايتهم، تلا علينا ذاكم اللسان النبوي الأعظم الأعذب الأطيب أنها فتنٌ تتكاثر وتنتشر وتبلغ مبلغَها المقدَّرَ لها لا تتعداه، أنَّ من استشرفَ لها استشرفَت له، وأن المضطجع فيها في رواية في مسلم مضطجع خيرٌ من القاعد الجالس، وأن الجالس خير من القائم، وأن القائم خير من الماشي، وأن الماشي خير من الساعي.. هل بلغ أو لم يبلغ؟.. بلغ صلى الله عليه وسلم.
انتهجنا النَّهج الذي أرشدنا إليه، وكان ذلك متأصلاً متعمقاً في تاريخنا من أوله، لا ابتكاراً منا ولا استحداثاً ولا شيئاً جديد طرأ على آرائنا أو أفكارنا أو أنظارنا، ولكنا وجدنا هذا القدمَ مضى عليه أوائلُنا من أهل البيت الطاهر والصحب الأكرمين، ثم مضى مَن بعدهم مِن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، إنه قدمُ زين العابدين علي بن الحسين، وإنه قدم الحسن البصري، وإنه قدم سعيد بن المسيب، وإنه قدم سعيد بن جبير، وإنه بعد ذلك قدم الحارث المحاسبي، وقدم أبي طالب المكي، وقدم الإمام الغزالي، وقدم الجنيد بن محمد، وقدم الإمام عبدالقادر الجيلاني، وهو قبل ذلك قدم المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى، وقدم آبائه عيسى بن محمد، ومحمد بن علي، وعلي العريضي، وأخيه موسى الكاظم، وهو قدم أبيهم جعفر الصادق، وهو قدم أبيهم محمد الباقر، وهو قدم الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي، وهو قدم أبي، وقدم شيوخي الذين أدركتُهم، وأخذت الطريقةَ والمسلك وفهمَ الكتاب والسنة عنهم، وفهمَ الواجب الذي نقوم به في الحياة، ولمَ خلقنا الله، وكيف نتهيأ لحسن المصير إليه، وما علائقنا بمحمد، وما واجبنا أمام كل ما يحدث وتلوثه أفكارُ الناس وألسنتُهم يمنةً ويسرة، في حقيقةٍ تكلم عنها ربُّ الخليقة (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون).
ثم إن كلاً من تلك الفتن تجري مجراها، فتأخذ ما حُدِّد وقُدِّر لها مِن وقت ومِن مكان ومِن كيفية ومن هيأة لا تزيد ولا تنقص، إلا ما رتبت القدرةُ والإرادة الإلهية مِن ظهور آثار نقصٍ أو زيادة بأعمال الناس وأفعالهم أو دعائهم بحسب ما يضع في صحف الملائكة، والنهاية التي يمضي عليها الأمر قد خُتمت، رفعت الأقلام وجفَّت الصحف، ولا في الكتاب إلا ما فيه، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب).
فكان مسلكُ أربابِ الصدق مع الله والفهم والفقه عن الله أنهم الأصفياء الأوفياء الذين لا تزعزعهم الحوادث، ثم يتعاملون مع الأسباب بما يرضي ربَّ الأسباب جل جلاله، وكان مِن تعامُلِهم مع الحوادث فيما بين صلى الله عليه وسلم من الفتن أن يتجنبوا الفتن (واعتزل تلك الفرقَ كلها)، فسلكوا ذاك المسلك الذي نسلكه إن شاء الله تبارك وتعالى خلفهم ووراءهم، ثم بعد ذلك يؤدون الواجب فيما فرض الله عليهم وفيما أراد منهم سبحانه وتعالى، وفيما شرع لهم من معروف واضحٍ بيّن، وطريقٍ صحيح مستقيم، لا تتناوله أيدي الألاعيب من مظاهر الأكاذيب الراجعة إلى إبليس في ما يصيغ من مظاهر الفتن بين عباد الله تبارك وتعالى، فله في ذلك دُربةٌ وتصويراتٌ وتسويلاتٌ كثيرات.
وعددنا قيامَنا بشأن العلم والعمل به والدعوة إلى الله تبارك وتعالى وأداء حق هذه المقاصد الثلاثة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع في مختلف الظروف والأحوال التي نعيشها في شرق الأرض وغربها وخدمة ذلك بصدق وإخلاص، عددناه ميدانَ جهاد لا غبار عليه، القائد فيه روحُ محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وناصعُ بيانه وسنته، وهديُ صحابته والتابعين وتابعيهم بإحسان، فاخترنا هذا الميدانَ للجهاد في سبيل الله، لنقومَ بأمر الله تبارك وتعالى، لا نمدُّ الأيدي إلا لخيرٍ محضٍ صرفٍ واضحٍ بيِّنٍ لا غبارَ عليه، ولا مِريةَ فيه، ولا شكَّ فيه، ولا تبعيةَ له لجهةٍ من هنا ولا من هناك، ولا تمكُّن أن تمتدَّ إليه يدُ اللعين أو أعوانه بشكل من الأشكال، فإذا رابَنا في الأمر ريبةٌ فعندنا الأمرُ والنصحُ والتوجيه: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وتركنا ما يريبُنا وعلمنا ما يحب الله تبارك وتعالى منا أن نقوم به.
وكان من جملة ذلك فيما نحن بصدده الآن: أن أنبئكم أنَّ أمثالَ هذه الأحداث حلقةٌ في سلسلة مضى أكثرُها وبقي القليلُ منها، يكون بعدَها فرجٌ من الله، ونصرٌ للحق والهدى من حيث لا يحتسب الناس، وأنها تجري أيضاً مجراها وفي أماكن محددة، وفي كيفيات محددة، يُؤذى بها من يؤذى ويُضر بها من يُضر، ولكن الضر الأكبر على من استشرفَ لها، ودخل في معمعَتِها من حيث تعرُّضه للمسئولية الكبرى، أما مَن تضرر وهو بعيد فأصابه شيءٌ فهو معرضٌ أن يكون شهيداً عند ربه تعالى فما خسر شيئاً، ولكن مَن أدلى بدلوه ومدَّ يده دخل في دائرة المسئولية.. لمَ؟ ولمن؟ وكيف؟؛ لمَ فعلتَ هذا؟ ولمن؟ وكيف فعلته؟ أمعك بيِّنةً من الله في كل ذلك؟.. هذا أمر.
فنحن في مثل ذا المكان.. الكثيرُ منكم لم يدرِ بأخبار هذه الحوادث إلا حينما اتُّصِل به من الخارج من قبل أهله الذين سمعوا الأخبار في هذه الوسائل الإعلامية، أو تحركت بعضُ الدول لتطلبَ رعاياها أن تخرج إلى عندها، وينبغي أن لا تشعر بها إلا من الخارج؛ لأن الخارج هو المتأثرُ بهذه الوسائل التي قامت للزعزعة وللفرقعة وللصرقعة وللقربعة وللإرجاف وللتخويف ولتمشية كثيرٍ من برامج إبليس وأعوانه، فصار الناس مأسورين لذلك.
والدول التي أبدَت هذا المعروفَ لرعاياها جزاهم الله خيرا، وهذا اجتهادهم وحُقَّ لهم أن يقلقوا فهم في محل القلق، والقلق حريٌّ بهم وبأمثالهم لأنهم في ميادينَ قائمة على القلق، ودواعي القلق مسلطةٌ عليهم من كل جانب، وحظُّهم من أسرار الطمأنينة والإيمان قليل، فحُقَّ لهم يقلقوا، وما رأوا فيه مصلحة لرعاياهم وعرضوا أنفسهم بأن طلبوا من الرعايا أن يأتوا إلى دولهم، أو أن يبذلوا لهم شيئاً من وسائل النقل والإيصال.. جزاهم الله خيرا عليه.
الأسر في واقعها متأثرة بهذا الذي يصدر وهذا الذي يُقال فهي أيضاً لها مجال في العذر، وعليها مسئوليةٌ في المجال الآخر لا تُعذرُ فيها.
إذا علمتم ذلك فإننا لا نمنع أحداً يريد أن يذهب أو أن يقيم، وإننا نخبر ونقول: ستمر هذه الأيام، وأيام هذه الفتنة بكل ما فيها ونحن مِن آمَنِ خلقِ الله على ظهر الأرض، وفي الطمأنينة التامة المشيَّدة حصونُها بقوى سماوية وعنايات ربانية، وستمضي وتنتهي لن يصيبنا ضرٌّ في تغذية ولا في مسلك ولا في أمن ولا في طمأنينة، لا يصيبنا شيءٌ من ذلك، وكلُّ مَن أراد أن يقيمَ معنا فهذا مسلكُنا وهذه طريقتنُا، وهذه مهمتنا، ووراءها ما وراءها، ثم لو علمنا أيَّ ضرر يصيب الواحدَ منكم لكنا نحن الآمرين له بالرحيل، ونحن الذين نطلب منه ذلك، لو علمنا أنه سيقع مِن الضر أو الشر ما يصيبه في دينه أو دنياه لأمرناه أن يذهب، ولا يكون ذلك إن شاء الله، ولو وقع مثل ذلك وأمرناه أن يذهب فسيقول من تمَّ صدقُه: لن أرغب بنفسي عن أنفسكم.
ومع ذلك كله، لا أوضح مما أخبرتكم وتكلمت معكم فيه، هذه الحركة التي تقوم من هنا أو من هناك لا أصولها إرادةُ إعلاء كلمة الله، ولا إرادة إقامة سنة لمحمد بن عبدالله، ولا رحمة بضعفاء ولا أيتام؛ ويعلم الله الدوافع التي قامت العلائم فيها على ما قامت، ثم بعد ذلك كله نقول في هذا الاختلاط والاختباط للناس ربهم أعلم بهم وهو أعلم بنياتهم، من سمع نصحَنا فهذا نصحُنا، ومن لا فلسنا بمكفِّرين أحد ولا بمشرِّكين أحد ولا بمبدِّعين أحد ولا بمتنازعين مع أحد ولا متطاولين على أحد ولا نريد إمداداً من أحد، ولا نخاف سوءً من أحد، وليشتغلوا بما أدَّتهم إليه عقولُهم ومسئولياتُهم وأفكارُهم، وما نحن إلا في موقف بلاغٍ عن الله ورسوله، نؤدي الأمانةَ كما أحب الله منا جل جلاله وتعالى في علاه، في مشربٍ شربناه، يقول الله فيه لإمامنا وسيدنا (فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر) (إن عليك إلا البلاغ) (وما أنت عليهم بوكيل) (وما أنت عليهم بحفيظ) (إنا إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم) (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)، وورثنا منه أن نجيب هذا الربَّ الكريم والإلهَ العظيم ونقول (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفورٌ رحيم) هذا الذي ورثناه.
فكلٌّ منكم يختار مسلكَه وخطابَه مع أهله أو تعامله مع الحادثة، أما أن يغيِّر شيئاً من مِسارِه فيما يطلب فيه أداء واجبه في الحياة من أجل هذه الصرقعة والأحداث فلا، ولكن شئون الأهلين وقناعاتهم أمرٌ لابدَّ منه، ولا نرضى أن يكون عندنا أيضاً طالب أو عامل أو مدرس لا يرضى بذلك أبوه أو أمه بوجهٍ من الأوجه التي لهم فيها الحق، فلا بد أن يعطوا ذا الحق حقه، وقد رد إمامُنا مَن أراد الجهادَ معه مِن أجل أبويه وقال (ففيهما فجاهد)، فبقي بعد ذلك الصادقُ تكتنفه الرعايةُ من الله، وهو الذي يهيئ له سبيلَ التوفيق والإقناع والترتيب إلى غير ذلك.
والذين هم من بقية الدول العربية أو من اليمن: شغلُكم قبل وبعد: صدقُكم مع الله، تنصُّتُ قلوبِكم لأخبار لقائه، لا تبذلوا تنصُّتات قلوبكم وتبيعونها في أخبار الحوادث هذه، ليست شغلكم.
والحمد لله طهر الله أيديَكم منها، فليطهِّر قلوبَكم وعقولَكم حتى لا يؤاخذكم بشيء، لا يطالبكم بدم يُسفك، ولا تُسألون في القيامة عن عرض يُنتهك، ولا عن ترويع لقلوب مؤمنين ومؤمنات، فسلِّموا ألسنتكم، وسلِّموا قلوبَكم حتى لا تكون مُطالَبةٌ عليكم مِن جهة الألسن، ما حضرتم ولا دخلتم في المعارك لكن تكلمتم فتُسألون، أو عقدتُم على قلوبكم إرادةَ سوء لذا أو لذاك أو قلتم هذا يستحق أو يستاهل، وتعال تُحاسب قلت فلان يستاهل ودمه عند ربه معصوم كيف يستاهل؟ لمَ قلت ذي الكلمة؟ تعال شارك إثم القاتل، تقول: أنا ما قتلت! أنت قلت: فلان صحيح قتلُه، فلان يستاهل، تعال خذ حسابك!!
طهَّرَ اللهُ يدك، وسلَّم لسانَك، وسلَّم قلبك، واعلم أن اللهَ أعلمُ بعباده، وأعلم بنواياهم، ما لنا تحكُّم على نوايا أحد، ولا على مقاصده، عندنا تعليم فقط نعلم، ما نحكم، نعلم الناس، لسنا بمسيطرين عليهم، إمامنا ما هو مسيطر .. فكيف نحن نتسيطر!؟ الله قال لإمامنا (لست عليهم بمسيطر) فكيف نحن نتسيطر؟ ما لنا طريق لذلك ولا نحب ذلك.
فرتبوا أموركم على مثل هذا، وواجبكم في كل ما يستقبلكم في الحياة من أحداث عُلِّمنا ذكراً نذكره في صباحنا ومسائنا يقول لنا فيه نبي الله: قولوا باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، تعرف معنى شيء؟ شيء أي شيء، قال أهل النحو أنكر النكرات شيء، لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، تفهم الكلام هذا وإلا ما تفهمه!؟ وتقرأه أنت ليل ونهار .. هل أنت مؤمن أأو كافر؟! مصدق أو مكذب؟! مخلص أو منافق؟!، كلام واضح جلي.
قال الله عمن كان بجانبهم ويتربص بهم ويؤذيهم مباشرة (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها) خذ المنهجَ من الرب نفسه: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً)، (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا ويتولوا وهم فرحون) قل لهم أنا عندي عقيدة ومسلك خذوا خبر: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) وحتى قالوا لم يعبر ب ( علينا ) ما قال كتب الله علينا (كتب الله لنا) ليس علينا لنا؛ لأن الذي يكتبه كله خير لنا، مصيرنا في خير، مآلنا في خير (إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون * قل هل تربصون بنا) يا معشر من يعادي هذا الشرع والدين (إلا إحدى الحسنيين)، كل الذي يتربصون بنا بالنسبة لنا حُسن وبالنسبة لنا خير، فالحمد لله على هذا الخير وعلى هذا الدين والله يثبتنا ويأخذ بأيدينا.
واشتداد هذه الفتن في الأمة يدل على اقتراب تفريج الكربة من الله تبارك وتعالى، والعِبر أمامكم، الذين استشرفوا لهذه الفتن في الدولة هذه والدولة هذه قُدام عيوننا وما توصلوا إلى نتيجة مرضية، وأحدهم أظن لو استقبل مِن أمره ما استدبر كان رأيُه ثاني، وكان نظره ثاني، وعقله ثاني، ولكن ضعُف عنه دقةُ النظر إلى الإرشادات النبوية، ولو دقَّق نظرَه إليها لكان من البداية سالكاً المسلك الأقوم، ولكن لله في خلقه شئون ولا يقدمون ولا يؤخرون.. وسبحان المقدم والمؤخر، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء جل جلاله وتعالى في علاه، هو المقدم والمؤخر، هو الرافع والخافض، ولا يشركه في ذلك أحد تعالى في علاه، فالحمد لله على ما هدانا وأنعم به علينا.
ستنقضي بنا هذه الأيام، وننتظر ما وراءها من خير الله وجوده علينا وعلى أهل الإسلام والإيمان، والحمد لله، وإن كانت تمر المنطقة بإذن الله في لطفٍ تام وعافية، فنسأل اللهَ اللطفَ بإخواننا في صنعاء، بإخواننا في عدن، بإخواننا في محافظات اليمن كلها، وبإخواننا في شرق الأرض وغربها، لطفَك بالمسلمين، عنايتَك للمؤمنين، دفعَك للأسواء عن أهل لا إله إلا الله أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين فرِّج على المسلمين.
وليكن نصيبكم من الاهتمام بأحوال المسلمين تضرُّعكم ودعاؤكم وابتهالُكم ومحافظتُكم على الذكر، والحضور مع الله، فهذا هو النصيب، ولا تشغلوا أنفسكم بعد ذلك بكثرة الأقوال والأخبار، أنتم في غِنى عنها، ومعكم مهمات تقومون بها، وأحضروا عقولكم عند القرآن وعند السنة وعند الفقه وعند مواد التفسير ومواد الحديث ومواد النحو التي هي آلات لهذا الشرع، أحضروا قلوبكم هنا وهذا زادكم للقاء الله تبارك وتعالى، وأنتم اليوم مخاطبين بها، ليس منكم من ابتلاه بحكومة هو فيها عليه مسئولية فيها ولا استشراف وسط الفتن داخل في المعمعة فيها، فسلِم من المطالبة الكثيرة، ويشارك هؤلاء المسلمين في دعائهم ودعاء الحق لهم، والتضرع إلى الله في شأنهم.
وبعد ذلك كلُّ أحد من المسلمين عنده القدرة على أن ينصح أو يعلم أو يواسي أو ينقذ أو يتلقى ملهوفا أو محتاجا أو منكوبا أو يداوي مجروحا، فالكل يعمل بمثل ذلك مخلصاً لوجه ربه، هذا واجبهم في اهتمام بأمر المسلمين وفيما يقومون به، لا أن يتحولوا إلى عناصر المشكلة نفسها ويقعون مشكلة فوق المشكلة، فرَّج الله كروب المسلمين، ودفع البلاء عنهم.
ولنتوجه إلى الرحمن أجمعين نرفع أيدينا وأيدي فقرنا واحتياجنا إلينا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشداً، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يقوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد برحمتك يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين.
حسبنا الله ونعم الوكيل.. سبعا
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.. سبعا
وأفوض أمري إلى الله إن الله بصيرٌ بالعباد.. سبعا
يا لطيفاً بخلقه، يا عليماً بخلقه، يا خبيراً بخلقه، الطف بنا يا لطيف يا عليم يا خبير.. ثلاثا.
يا لطيفاً لم يزل الطف فيما نزل إنك لطيف لم يزل الطف بنا والمسلمين.. يا الله.. ثلاثا.
يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين فرج المسلمين
عطاك ربي جزيل وكل فعلك جميل وفيك أملنا طويل فجد على الطامعين
عطاك ربي جزيل وكل فعلك جمـيل وفيك أملنا طــــويل فجد على الطامعـين
يارب ضاق الخناق من فعل مالا يطــاق فامنن بفك الغــــلاق لـــمن بذنبه رهيــن
واغفر لكل الذنوب واستر لكل العـيوب واكشف لكل الكروب واكفِ أذى المـؤذيين
واختم بأحسن ختام إذا دنا الإنصرام وحان حين الحِمام وزاد رشـح الجبين
ثم الصلاة والسلام على شفيع الأنام والآل نعم الكرام والصحب والتابعـين
فإن الذي يُهدَّم يا رب بيوت المسلمين، وأن الذي يُهدَّم مطارات مسلمين، وأن الذي يهدَّم أموال المسلمين، وأن الذي يُنتهك أعراض مسلمين، وأن الذي يُسفك دماء مسلمين، وأموال المسلمين وثروات بيوت مسلمين أعراض مسلمين دماء مسلمين، والذي يُروَّع أطفال المسلمين، والذي يُروَّع نساء المسلمين، فالمتسبب في ذلك ما هو؟ يا رب كل هذا واقع بالمسلمين فتداركِ المسلمين، فرِّج على المسلمين، أغث المسلمين، اكشف كروب المسلمين، ادفع البلاء عن المسلمين، اجمع شملَ المسلمين بعد الشتات، فرَّقهُم عدوك وأتباعه فاجمعهم يا رب بقدرتك بوجاهة حبيبك محمد، واجعلنا وأحبابنا هؤلاء في زمرة حبيبك الأشرف النبي الألطف سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، واربطنا به ربطاً لا ينحل، اجعلنا معه في الحياة وعند الوفاة وفي البرزخ ويوم الموافاة، وفي دار الكرامة يا الله، بجاهه عليك لا تفرِّق بيننا وبينه، ولا تباعِد بيننا وبينه، أكرمهم بمصافحته، وأكرِمهم بمشاهدته، وأكرِمهم برؤيته، وأكرِمهم بالحضور في حضرته، وأكرِمهم بمعيته، أكرمهم بمرافقتِه.. يا الله يا الله يا الله، بجاهه عليك ومنزلته لديك، ومكانته عندك يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم، في صفِّه وفي حزبِه وفي ركبِه وفي دائرتِه وفي حضرتِه وفي سنته وفي متابعته وفي عنايته وفي رعايته وفي رأفته وفي رحمته وفي نصرته يا الله يا الله.
أعوذ بنور وجهك أن تخلِّف عن ذلك الركب مَن اتصل بنا أو قام معنا أو حضر مجلساً من مجالسناً أو انتمى إلى أخذٍ أو تلقٍّ عنا يا رب العرش يا حي يا قيوم لا تقطع أحداً منهم، ولا تخلِّف أحداً منهم، ولا تطرد أحداً منهم، ولا تُبعِد أحداً منهم، ولا تخذل أحداً منهم، في صفِّه نجتمع، في دائرته نحضر، معه في القيامة نحشر، ننظر إلى وجهه الأغر، نسقى بكفه، نسقى بكأسه، نسقى من حوضه المورود شربة لا نظمأ بعدها أبداً يا بر يا ودود يا الله، وبيده ابن عمه علي حيث يأمره أن يسقي الناس، اللهم اسقنا بتلك الأيدي وذلك الكأس يا حي يا قيوم.
وسُرَّ فاطمةَ بذلك، وأهل تلك المراتب العلية هنالك، يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
ارتفاع الأصوات في أماكن العبادات بالدعوات والتضرعات تحلُّ ما عقدته الأفلاك الدائرات، ولو جئنا من الطائرات المقاتلة بأعداد لكانت الجلسة هذه أحسن منها، الله يصلح الشأن لنا ولكم ، الله يدفع السوء عنا وعنكم، وينقذ المسلمين كلَّهم صغيرهم وكبيرهم، بمختلف طوائفهم ومذاهبهم بحق لا إله إلا الله، من يقولها اهدهم يا الله إلى قويمِ سبلها، وادفع عنا وعنهم الشرور كلَّها .. والحمد لله رب العالمين.
سامحونا أخرناكم عن حلقاتكم ومجالسكم تفضلوا، وأستودعكم الله، وامشوا في أمان الله وفي نور واضح مشرق وفي طمأنينة تامة، واصدقوا مع ربكم جل جلاله، وتجنَّدوا له، والله يجعلنا وإياكم في المقبولين لديه والحمد لله رب العالمين.
يمكنكم الإستماع إلى الكلمة من هنا
يمكنكم مشاهدة الكلمة من هنا