بسم الله الرحمن الرحيم
الوقوف على بابك يارب الأرض والسماء منّةٌ مِن مِننك الأزلية، تخص بها من تشاء فتكرمهم بتلك المزيّة، وكلُّ صادق وقف ببابِك ونزل برحابك، فأنت الله ويكفي في فهمِ القضية، لا أرحم منك، ولا أجود منك، ولا أسخى، ولا أكرم، سبحانك يا مولى الكرم، سبحانك يا ذا المنِّ الأعظم، وبفضلك تجمعنا على بابك، لائذين بأعتابك، مقتدين بسيد أحبابك، مهتدين بهديِ أهل وراثته ومحبته وخلافته على مدى العصور والقرون..
فلك الحمد يا عالم الظهور والبطون، لك الحمد يا من يقول للشيء كُن فيكون، لك الحمد يا مَن يقبلُ المذنبَ إذا تاب، لك الحمد يا من يفتح بفضله للواقفين الأبواب، لك الحمد يا ذا العطاء المنساب، لك الحمد يا منزل الكتاب، لك الحمد يا منشئ السحاب، لك الحمد يا مرسلَ المصطفى الساري إلى قوس قاب، صاحب مقام (أَوْ أَدْنَى)، وصاحب الكأس الأهنى، والمنزِل الأسنى فصلّ وسلّم وبارك وكرِّم عليه في كل حين وآن، وارفعنا به إلى أعلى مكان، واجعل وقوفَنا على بابك على ما أحببتَ من اتِّباعه والاقتداء به، والاهتداء بهديه، والسلوك في طريقه والانطواء فيه برحمتك يا أرحم الراحمين، وبه نستفتح البابَ فافتح، وجُد وامنَح، واعف واصفح، وتكرّم واسمَح، وهب لنا منك واسعاتِ المِنَح، وافتح علينا يا أكرمَ مَن فتح، وأصلح شؤونَ هذه الأمة، واجعلنا مِن أسباب الصلاح، وادفع عنهم البلايا والهمومَ والغمومَ والأتراح، وثبّت منا الأقدام على الاستقامة على ما تحبُ بالصّدق معك والانشراح، والطمأنينة والأفراح، بِك وحدك لا بسواك، بفضلك ورحمتك نفرح، ولا تسلِّط على قلوبنا الفرحَ بالدنيئات والتافهات والترّهات والبطالات، واجعل اللهمّ قلوبَنا مقلَّبةً في أعلى مراتب رضاك في ما ترضاه كما ترضاه، يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك، يا مصرِّف القلوب والأبصار صرِّف قلوبنا على طاعتك يا أرحم الراحمين، يا الله.
قمتُم ببابه ولُذتم بأعتابه، فله الحمدُ والمنّةُ والطّول، والكون كله يدعوكم ألا تلتفتوا إلى سواه تعالى، وألا تغتروا بشيء من أجزاء هذا الكون وهذا الوجود وهذا الخلق، فإنهم في قبضتِه وعزته وجلاله، (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) تعالى في علاه، تحقَّقوا بذلك، وحقِّقوا ذلك، واشهدوا ذلك، واسلكوا في تلكم المسالك، فإن من اعتمد عليه واستند إليه أبَت رحمتُه سبحانه وعزّتُه أن يوكله إلى غيره، أو أن يسلِّط عليه سواه (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) تأمل قول لكل شيء، لكل شيء قدره، إيش معك من شيء؟ لكل شيء، (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) فلا يتعدى حدَّه، ولا يخرج عن قدره، ولا عن تقدير الله له، في ذرةٍ من شؤونه وأحواله كلها، وهي شؤونٌ في الوجود والعالم يبديها سبحانه ولا يبتديها، الله المقدِّر والعالم شؤون، شؤون يبديها جل جلاله من عجائب قدرته وإرادته ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، مفسَّرةً في مثل قوله (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فأحسنوا معاملة العلي الكبير، الذي هو على كل شيء قدير، بتطهير الضمير، وبالعمل بشريعة البشير النذير السراج المنير، محمد المصطفى صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وآبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين وآلهم وأصحابهم، والملائكة المقربين وعباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
فطهِّروا المنازل والديار، من آثار الكفار والتشبه بهم، ومن مخالفة شرع المختار، في قول أو فعل، في حركة أو سكون، في لباس أو مظهر في شعر أو نثر، في آله تستعملونها، في منظور تنظرونه، في مسموع تسمعونه، وعاملوا اللهَ تبارك وتعالى بالصدق في القيام بأمرِه يحفظ بيوتَكم ومن فيها.
وما يحصل في العالمِ مِن أذى يصل إلى بعض بيوت طالحين وقد تصل إلى صالحين معهم، وإن كان اللطف بالصالحين نازل وحاصل، ولكن (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً) لو لم يتجاهر أهلُ البيوت بمخالفة الرب ما سُلِّط على هذه البيوت شيء، ولا طائرات ولا قنابل، ولا سواها مما هو في قبضة ربي، وأي شيء ليس في قبضة ربي؟ لا شيء، كل شيء في قبضة ربي، وإنما هي تذكرةٌ وتنبيه، (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ) والمقصود (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، فأما أن يتمادوا في الغيّ، ويتمادوا في مخالفة الشرع، ويتمادوا في استعمال المحرمات، أو يظن أن الفرص عندما تأتي أحياناً، أن يحتكر طعاماً يحتاجه الناس أو بضاعة يحتاجونها، قل هذه معاملة فاسدة، إن عاملته بها فعاقبتها خطيرة عليك، وعلى مالك ومال أولادك من بعدك، فإن كل شيء بجزائه عند عالم السر والنجوى، عند عالم السر وأخفى، (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)، (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ).
ولقد جاء في الأثر أو الخبر، من احتكر طعاماً يحتاجه الناس، أربعين يوماً، ثم تصدّق به لم تكن الصدقة به كفارة لإثم احتكاره هذه الأيام، ولا يزال المحتكر ملعونا والجالب مرزوقا، والقانع بما تيسر من الرزق، هو الذي ينفتح له بابُ البركة في رِزقه، وإذا جاءت البركةُ في الرزق أورثتك صحةً وأمناً وطمأنينة وهدوءَ بال وصلاحَ مآل، ورزقٌ لا يُبارَك فيه، تعب وغصص ومغص في البطن وكدر ووجع في الرأس، وعذابٌ في الأرماس والقبور بعد ذلك
فخذ الميزان واطلب البركة من الرحمن جل جلاله، ولقد قال بعض أرباب التجارة في بعض قراكم هنا، لما عدم بعضُ الطعام الذي يُحتاج إليه وجاءه منه حمل كبير، فقال له من حواليه: أسعفت الدنيا، ماذا؟ قال له هذا الطعام المحتاج إليه طلع سعره كما تريد ونعطيك كما تريد، قال أسعفت الآخرة، كيف أسعفت الآخرة؟ قال صدقة كله لله، كم ستعطونا؟ وصلوا إلى أربعة أضعاف. قال هل يعطيني أحد منكم عشرة أضعاف؟ قالوا: أنت مجنون!؟ قال حصلت من يعطيني عشرة إلى سبعمائة إلى فوقها، وهو الله، فقد أسعفت الآخرة. وهذا نظر الأكياس، نظر خيار الناس، فما بال أنظارنا لُوِّثت بالمعروضات والمطروحات من قبل ذا وذاك!؟ فما صرنا ننظر النظرَ السليم، وما صرنا نفكرُ التفكيرَ القويم، وما صرنا نُعير شاناً للهول العظيم، ولا للوقوف بين يدي الرحمن الرحيم، ولا لدار الجنة والنعيم، اللهم قوِّم قلوبَنا وعقولَنا وفِكرنا على الصدق والإخلاص، وعلى معرفة الحقيقة وعلى الاستمساك بالعروة الوثيقة يا الله.
ولقد عجب الصحبُ الكرام من انطلاقة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أن سلَّم من الصلاة فزعاً، فزعوا وبقوا ينتظرون، فعاد إليهم، ورأى ما في وجوههم، قال إنه لم يحدث شيء ولكن ذكرت تبراً – شيء من الذهب- عندنا فخفتُ ان يأتي الليل وهو في البيت فأمرت بتقسيمه، قسمته ورجعت، هذه طريقة تفكيره، صلى الله عليه وسلم.
كان يقبل من بعض أسفاره مع بعض أصحابه على أحد يقول هذا أحد جبل يحبنا ونحبه، وما أحب لي أن يكون مثل هذا الجبل ذهباً تأتي عليّ ثلاثة أيام يبقى منه دينار، إلا ديناراً أرصده لدَين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
فما مقياس النجاح عندكم في مسلكه وحياته؟ وهل أنجح منه؟ وهل أفلح منه؟ لا قبله ولا بعده صلوات ربي وسلامه عليه، ارزقنا اللهم حسن اتباعه.
أيها الأحباب: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، فأخرِجوا المخالفات عن أمره هذه من قلوبكم ومن عقولكم ومن دياركم، ومن أبنائكم وبناتكم قال الله ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ* فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، الحمدلله رب العالمين، في وقت ما يمهل او يهمل او يهلك أو يعطي الحمدلله، على كل حال، تصرفه كله يستحق الحمد والثناء، (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ) يقول الرب: فكروا أعطيتكم أسماعاً وأبصاراً، لا تمدُّكم بها مستشفيات، ولا تمدكم بها آلات، ولا تمدكم بها حكومات، أنا لو أخذت هذا السمع ماذا تعملون؟ أنا لو أخذت هذا البصر ماذا تعملون؟ ماذا تعملون؟ ماذا تعملون؟ وإلى من تلجؤون؟ صغاركم وكباركم، رجالكم ممدودين ببصر، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ*قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) هم أصحاب الهلاك المؤبد، ومن أصابه من غير الظالمين بسبب الظالمين شيء من آفات أو شيء من العذاب النازل فليس بهالك، إما شهيد وإما مكفَّرة ذنوبه وسيئاته، وإما مكتوبة له درجات (هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ *وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ).
هذا البساط الذي نبسطه لكم لتتدبروا ولتتذكروا ولتتفكروا لتدركوا الحقائق، لئلا تغتروا بما يعرض بعضُكم على بعض ويطرح بعضُكم على بعض من أفكار واتجاهات ومعاملات، أنا أرسل إليكم مبشرين ومنذرين، (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ * فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) صدق ربي، يقول الله دائرة الأمن عندي، من بيستأمن (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) اللهم اجعلنا منهم، إيمان وإصلاح يارب، إيمان وتقوى يارب، آمن وأصلح، أصلح نفسه، أصلح ولده أصلح عمره، أصلح حاله، أصلح أقواله، أصلح أفعاله، من آمن وأصلح، آمنا بمحمد صادق سيدنا محمد، خير الخلائق سيدنا محمد، بلَّغ سيدنا محمد، آمنا بسيدنا محمد، بهديه نصلح إن شاء الله، نقوم بالإصلاح على طريقته على هديه على منهاجه، (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ*قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) شوفوا أنا، هذا أكرم الخلق، أحب الخلق أشرف الخلق (قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)، لا والله ما استووا، البصير محمد، ثم البصير مَن اتبع محمدا، (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى) كل من لم يعلم أنما أُنزل إلى محمد الحق فهو أعمى، إن كان اسمه مثقفا، اسمه مخترع، اسمه صانع، اسمه بروفيسور، ما يعلم أن ما أنزل إلى محمد الحق أعمى، هذا في ميزان ربي أعمى فهو عندي أعمى، فإن اتخذت ميزان ثاني سيسقط ميزانك ويقوم هذا الميزان، هذا الميزان وحده هو القائم، (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) اللهم اجعلنا منهم.
(إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ * وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ) كلنا نوقن أننا سنُحشر إلى هذا الإله، والنذارة جاءتنا تقطع عنا طمع العدو فينا، وأن يلفتنا إلى شيء من الزخرف والترهات يقطعنا بها عن تبعيةِ ربنا ونبينا، صلى الله عليه وسلم (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
وصنف من الناس اصطفيناهم للوقوف على أبوابنا فنظرك إليهم وانتباهك منهم وأخذ الخاطر بهم (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) اجعلنا يارب منهم، أنت أحضرَك هو جاء بك إلى هنا، في مثل هذه الأحوال والظروف، أخذت الناس كلمات كثيرة، وانصرف كثير إلى غير باب الله، وساقك إلى ذا المكان وجئت تذكره وتصلي على نبيه وتتذكر ما قال لك وما شرح نبيك، وتتذكر المصير إليه (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) فنسأل الله أن لا يكون في مجلسنا ولا في من يسمعنا أحدٌ إلا وحقَّقه بأنه يريد وجهه، يريد وجهَه، وفوزك إن أردت وجهَه، أتدري ماذا أردت؟ أتدري مَن أردت؟ أتدري من قصدت؟ أتدري إلى مَن توجهتَ؟ أتدري مَن اخترت؟ أتدري مَن آثرت؟ (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) والذين يقولون هؤلاء وهؤلاء وفعلنا (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) قال أنا أعلم بمن شكرني وانا أعرف من ضع جنب نبيي، ومن أقرب إلى ذكري قل لهم، قل ليست الموازين موازينكم، وليس الملك ملككم، وليس الحكم حكمكم، وليس الأمر أمركم، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)
فقم على بابنا يا حبيبنا رحِّب بالمقبلين علينا، (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) تعال أقبل بقلبك هذا سلام بتحصله، من أين ذا السلام؟ ومن يبغلك ذا السلام؟ يا محلاها عسى تدخل الليلة في الحضرة، عسى تدخل في هذه الدائرة، (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) الله أكبر، يا فوزك إن دخلت فيهم، حرِّك القلب بوجهة صادقة إلى الرب، وإذا به محمول لك سلام.. من حامله؟ من حامله (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) عادك بتدور السلام في أي مكان؟ في هذا الوجود وفي هذا العالم، تعال إلى عنده مؤمنا صادقا، وخذ (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
أي عمِّم كل من جاءك مؤمنا قاصداً وجهنا مخلصاً ولو سبقت منه الذنوب فعندي المغفرة، عمِّمهم، كل من جاءك إلى هنا، قل لهم (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) فارزقنا اللهم الصدقَ في الاقبال عليك، إنه غفور رحيم .
(وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) يا ما احسنه من تفصيل، وقد جاءك من فوق يا هذا، (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) تعرف الذين خرجوا عن هذا السبيل هم أهل الإجرام، انتبه لنفسك وادخل مع أهل الإكرام، مع أهل الإنعام (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ* قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) كل ما تخيل لكم أنه مقدِّم مؤخر رافع خافض غير ربي خذوهم لكم، أنا كافر بهم، (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ) أنا عزيز عند ربي ما أتبع هواك، (قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ * قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي) وهل ترون بينة أكبر؟ أوضح؟ أجلى من هذه البينة؟ (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ) سبحانه وتعالى، (مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) لأن الأمور مرتبة ومقضية، وأقدار وآجال وأيام وليال، ومحكمة ستأتي، ونجتمع فيها وقضاء وجنة ونار وانتهى خلاص، وما لأحد تقديم ولا تأخير.
(مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) قال ولو وكَل الله الحكم والفصل في القضايا لمخلوق قد العالم انتهى من زمان، (قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) من اول يوم ما حد بيصبر عليكم، ذا رب، يمهل ويتأنى ويفتح الأبواب ويقبل توبة من تاب، والحكم إليه لأنه إنما يستعجل من يخاف الفوات، والذي ما يخاف يفوت عليه شيء لماذا تستعجل؟ كلهم في قبضته ومرجعهم إليه، (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ)، فلا تستعجلوه
انظروا إلى كل ما يحدث في العالم، وعزة ربي ستأتي على الناس سنوات، ما أظنها بعيدة، يكون اليمن والشام فيه مركزاً وملجأ لأهل العالم من جميع المؤمنين والصادقين إذا هاجت الفتن، صدق، صدق وحق، بلا عجلة بس، خلوا العجلة وبتمر الأيام وبتمر السنوات ويقوم وعد الله، وبعد ذلك أنت ما تريد من العجلة؟ اصدق في حالك مع ربك والدرجات اللي تبغاها، حاصلة، ماذا لك من العجلة؟ والقاه بحال حسن وانتهت المسألة، ورافق، اطلب المرافقة لأهل الدرجات العلى، واحمد ربك واحمد الله إذ وفقك للرشد وهداك.
وقفتم على بابه، لذتم بأعتابه كم قيمة هذه النعمة؟ ومعكم من الملائكة ومن الأرواح الطاهرة، أهل القدر عند الإله سبحانه وتعالى، واجتمعنا وتوجهنا كلنا وقلنا يا رب، ونِعم هذا الرب، فيارب حقق رجاءنا واملأ من السرّ أوعيتنا، واجعلنا ممن وعى خطابك وممن تشرف بالاقتداء بسيد أحبابك، اللهم ارزقنا حسنَ متابعته، في ما نقول وننوي ونفعل ونعتقد وننظر ونفكر ونتصور، يا الله، يا الله، بمرآةِ حبيبك الأصفى نشهدك ونشهد الأشياء، يا الله، يا الله، أنت الذي أوقفتَنا على الباب فافتح يا وهاب، وأزِل عنا الحجاب، ونوِّرنا بما نورتَ به أولي الألباب، واجعلنا مِن أهل فهم الكتاب، وأهل الثبات على الحق والهدى والصواب، وأهل حسن الحاضر والمآب، وأهل حضرة الاقتراب، بحق نبيِّك محمد الذي أنزلت عليه الكتاب، اللهم احشرنا في زمرته، واجمعنا في حضرته، وتوفَّنا على ملَّته، وزيِّن هذه القلوبَ بمحبتك ومحبته يا الله، يا الله، لا يقدر قلبٌ أن يحب إلا إن وهبت، إلا إن أكرمت، إلا إن رضيت، إلا إن منحت، إلا إن أعطيت، إلا إن تفضلت، إلا إن تكرمت، إلا إن تطولت، فيا كريم يا متطول ارحم هذه القلوب واشحنها بحبِّك الأصفى، وحبِّ حبيبك المصطفى، حتى تكون ورسولُك أحبّ إلينا مما سواكما، في كل شأن سراً وعلنا، ظاهراً وباطنا، دنيا وآخرة وأذِقنا حلاوةَ هذا الحب، وأذقنا لذةَ هذه المحبة، وأدخِلنا في الأحبة واجعلنا عندك محبوبين، ولحبيبك محبوبين، يا أكرم الأكرمين
يا الله بذرة من محبة الله ** نفنى بها عن كل ما سوى الله
ولا نرى من بعدها سوى الله** الواحد المعبود رب الأرباب
فما أرجِّي اليوم كشفَ كربة ** إلا انصفى لي مشرب المحبة
ونلت من ربي رضىً وقربة ** يكون فيها قطع كل الأسباب
على بساط العلم والعبادة ** والغيب عندي صار كالشهادة
هذا لعمري منتهى السعادة، سبحان ربي مَن رجاه ما خاب
ولقد رجوناك بك وبفضلك فلا تخيب رجاءنا، ولا ترد دعاءنا واسمع بفضلك نداءنا، يا الله، ولك الشرف فقل يا الله، يا الله، يا الله، ذُكِّرنا بعبِدك الذي أسلم وقبل أن يتعلم هديتَ على يده من هديته، فارزقنا اللهم بكرمك مراتبَ في الصدق نخدم بها الشريعةَ والدين، ونصدق معك في كل شان وحالٍ وحين، ونقدِّم ما عندنا لوجهك مخلصين، يارب العالمين يا الله.
اجتمعتم لمن؟ وذكرتم من؟ وناديتم من؟ ودعوتم من؟ ورجوتم من؟ وكل هذا مِن المنّ، فيتمّ الله النعمة علينا وعليكم، يارب وهناك اجمعنا ومِن حوض نبيك اسقنا، وإلى وجهه ارزقنا النظرَ حتى نتهيأ للنظر إلى وجهك الكريم، وأنت راضٍ عنا يا عليّ يا عظيم.
يا الله نظرة إلى الشام، نظرة إلى اليمن، نظرة إلى الشرق، نظرة إلى الغرب، ترفع بها الآفات وتصلح بها مَن في صلاحه صلاح المسلمين، وتهلك بها من في هلاكه صلاح المسلمين، قولوا لربي آمين، آمين، آمين، يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، وجميع الحاضرين والسامعين، اجعلهم ممن في صلاحه صلاح المسلمين، اجعلهم ممن في صلاحه صلاح المسلمين، اجعلهم ممن في صلاحه صلاح المسلمين، وأصلحنا واجعلنا صالحين، نبيت وكلٌّ منا آمن واصلح، ونصبح كذلك، ونمسي كذلك، ونحيا كذلك، ونموت على ذلك، آمين، آمين، آمين يا رب العالمين، ويا أكرم الأكرمين.
يا تواب تب علينا، يا تواب تب علينا، وارحمنا وانظر إلينا، وارحمنا وانظر إلينا
للاستماع إلى المحاضرة
لمشاهدة المحاضرة