05-2015
13

محاضرة مكتوبة بعنوان: الشكر ومقصود خلق الكون وعظمة من هو على كل شيء قدير وقد أحاط بكل شيء علما

بسم الله الرحمن الرحيم

محاضرة للحبيب عمر بن حفيظ في  دار المصطفى ليلة الجمعة 19 رجب الأصب 1436هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان:  الشكر ومقصود خلق الكون وعظمة من هو على كل شيء قدير وقد أحاط بكل شيء علما .

الحمد لله، وهو أهلُ الحمد ومستحقُّه على كل حال، وهو صاحبُ إفاضةِ النوال، وهو المتولِّي سبحانه وتعالى أهلَ الاقبال عليه، وهو الذي يبسط بساطَ الكرم للمتوجِّهين إليه، هو الرَّبُّ الكريم الغنيِّ الجوادُ السخيِّ المحسِن المنعِم المتفضِّل الذي لا يحتاج إلى شيء، ويحتاج إليه كلُّ شيء، ويقبل التوبةَ مِن المذنب والعاصي والمسيء، وإذا علم صدقَه بدَّل السيئات حسنات، معاملةٌ لا توصف ولا كمثلها معاملة، معاملةُ ربِّ العرش للمكلفين من هؤلاء الخلق الذين خلقَهم من العدم، وأسبغَ عليهم النِّعم، وبسط لهم بساطَ الكرم، وأرسل إليهم الأنبياءَ والمرسلين مبشِّرين ومُنذرِين، وتمَّتِ النعمةُ بختمِهم لنا بسيدنا وإمامنا ونبيّنا وهادينا محمد بن عبدالله صلوات ربي وسلامه عليه.

 هو القائم السجَّاد في غسق الدجى** فسل ورمَ الأقدامِ عن خيرِ صابر

 هو الزاهد المُلقي لدنياه خلفه ** هو المجتزي منها بزادِ المسافر

 وباذلُها جوداً بها وسماحةً ** بكفٍّ نداها كالسحاب المواطر

 فراياتُه معقودةٌ وجنودُه ** مؤيدةٌ بالنصر مِن خيرِ ناصرِ

 فحمداً لربٍّ خصنا بمحمدٍ** وأخرجنا مِن ظلمةٍ ودياجرِ

 إلى نورِ إسلامٍ وعلمٍ وحكمة** ويُمنٍ وإيمانٍ وخيرِ الأوامرِ

 وفي جنّاتِ هذه الاوامر الإلهية نعيش ونحيا ونغنمُ المحيا، لأجلِ أن يطيبَ لنا المعاد، ولأجل أن نسعدَ باللُّقيا، لقيا الإله، الذي لا يُعفى أحد من المكلفين عن لقاه، الكلُّ سيلقاه، ولكن هذا يلقاه والرب راضٍ عنه، وهذا يلقاه والرب ساخطٌ عليه، فأما الذين رضي عنهم جل جلاله وتعالى في علاه، لا تسأل عن سعادتِهم في البرزخ، ولا في يوم البعث والنشور، ولا في يوم القضاء والحكم الفصل، ولا في الجنة.. سعادات، لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

 وأما الذين لقوه وهو ساخط عليهم ولو ترى إذ المجرمون (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) اللهم أجِرنا من النار، ولا تجعل في ديارنا أحداً مِن أهل النار، ولا في جيراننا أحداً من أهل النار، ولا في أصحابنا ولا في طلابنا، اللهم أجِرنا من النار. وأكثر ممن يتعرض لها ممن يعيشون على ظهر الأرض مَن ينساها، مَن لا يبالي بها، يقول سبحانه وتعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

 وهذا اللقاء العظيم للإله العظيم الأكبر، يجب أن لا ينسيك إياه شيء، لا حروب ولا كروب ولا رخاء ولا شدة ولا ديار ولا أموال ولا دراسات ولا وظائف ولا وزارات ولا لباسات ولا برامج، ما يجوز تنسيك لقاء هذا الإله، حرام عليك تنسى لقاء هذا الإله، ببرامج؟ بسيارات؟ بطائرات؟ بوزارات؟ برئاسات على ظهر الأرض؟ تضحِّك وتبكِّي، ولو حد جلس في الرئاسة عمر نوح، وصافية له في الشرق والغرب، ولا حد يناويه ولا حد ينقلب عليه ولا حد يسبه، ثم لقي الله والله عليه ساخط، لكان خسرانا خسراناً أكبر، والله العظيم، والله العظيم، من يضحك على العقول؟ من يضحك على مَن آمن بالله ورسوله؟ حتى يوحي إليه أن شيئاً من المتاع الفاني يصحّ أن ينسيَه لقاء الله؟ ويصح أن يتعرض بسببه لسخط الله؟ أو أن يعصي به إلهَه الذي خلقه تعالى في علاه.

 يا أهل العقول، يا أهل الأسماع والأبصار، ما جاءت من خزائن شرق ولا غرب، ولكن جاءتكم الأسماع والأبصار من لدن الإله الغفار، (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، خلق لنا الأسماع والأبصار والأفئدة لأجل أن نشكر، اللهم أعنَّا على ذكرِك وشكرك وحسنِ عبادتك، وعدوُّ البشرية والإنسانية، الذي هو عدوُّها الأكبر، الذي عداوات بعضهم لبعض تكون دون عداوته، فمهما عادَوا بعضهم البعض، ولو فجَّروا ولو بالقنابل العنقودية على قولهم الممنوعة دولياً هنا أو هناك، هذه عداوة، لكن عداوة ذاك أكبر، لأن هذه فرع لذاك، هذا العدو عدوهم الأكبر الذي قال الله (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، هذا العدوّ الأكبر، وضع أول خطواته للإغواء والإضلال لمعاداة بني آدم (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) لا يعرفون شكرك ولا يقومون به، متبرمين معترضين، جزعين، منتقدين، وليش كذا، مِن عدم جاؤوا، من عدم من عدم، هل تعرف من عدم؟ عدم جاؤوا، أسماع وأبصار وشعر وبشر ولحم ودم وعظم ودورة دموية لو وُكِلت إليك مرة واحدة تديرها لفشلت، ولمُتّ، ولو وكل معك من يديرها في بدنك وعروقك لفشلوا، وأجهزة وعافية، وخيرات كثيرة، وأهل وأولاد، ويقول إيش ذي الحياة؟ إيش ذي المخاطر إيش ذي المصائب؟ ( وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ).

 وهكذا يتبرمون ويجزعون وينسون نعمَه، وينسون إفضالَه وينسون لقاءه سبحانه وتعالى، وكلٌّ على كيفه في ما يريد من مظاهر ومتاع الحياة الدنيا، إن قصر عليه شيء منها قال آه آه آه آه، قال صلى الله عليه وسلم مرة لواحد من الصحابة، "كيف حالك؟" قال "بخير"، قال "كيف حالك؟" قال "بخير"، قال "كيف حالك؟" قال "الحمد لله بخير"، قال "هذا الذي أردته منك، قول الحمدلله هذا الذي أردته منك"، أريد أن اسمع منك الحمدلله، والحمدلله تملأ الميزان، الحمدلله على نعمه ما علمنا منهم وما لم نعلم، (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا)، ما علمت منها تعلم منه جمل تفصيلها صعب عليك، والذي ما تعلم جملة وتفصيلا صعبة عليك، ما أنت داري بها، الذي تعلمها تعلم منها جمل، وتفصيلها صعب عليك ما تقدر تُحصيه، ما تقدر تعده.. كم خلايا عينك؟ كم عدد الخلايا في عينك؟ معاك عينان.. الحمدلله، في الثانية وفي الأولى كم؟ كل خلية كيف تمشي؟ وكيف هي قائمة على الصحة؟ تنام وهي كذلك، وتستيقظ وهي كذلك، وأول يوم وثاني يوم وثالث شهر ورابع شهر، وأول سنة وثاني سنة، ورابع سنة وخامس سنة وسابع سنة، وعشر سنوات.. الله! هات خلايا العين.

 قد حسبوها لعابد من عباد بني اسرائيل، عبد الله 500 عام، يقول له الحق في القيامة: ادخل الجنة برحمتي.. وهذا ينظر إلى عبادة 500 عام ولم يذكر منها لا صوم ولا قيام ولا عبادة، قال: يارب وبعملي؟ قال ادخل الجنة برحمتي، قال يارب وبعملي؟ يقول حاسبوه، فيحاسبونه على نعمة البصر وحدها، تروح أول سنة ثاني سنة، 500 سنة، قال يارب حاسبناه على نعمة البصر، فاستنفذت جميعَ حسناته وزاد عاد باقي نعمة البصر وباقي نعم أخرى، قال فخذوه إلى النار، فإذا جاءت الملائكة تأخذه إلى النار يقول يارب أدخلني الجنة برحمتك، قال فيقول الله أدخلوا عبدي الجنة برحمتي ونعم العبد عبدي، يمدحه، وكلها منه سبحانه وتعالى.

 ومع ذلك جعل الواحد منكم من أمة محمد، هات لي صرفها هذه ، هات لي قيمتها كم هذه، من أين جئت بها؟ من أمة محمد خير الامم، من أين جئت بها؟ من أي مخزن؟ من عند من؟ ومن يقدر يحصلها من الأمم السابقة؟ ما يقدرون وجاءت لعندك من أي مخزن جاءت هذه؟ من خزائن ربك، من تقدير ربك جل جلاله وتعالى في علاه.

 وبذا علمتم مسلك الأنبياء، يمر سيدنا الخليل إبراهيم، يسأل عن ابنه اسماعيل يحصل زوجته كيف حالكم؟ تشكو، ما تعرف الشكر.. فقال لها: إذا جاء إسماعيل، اقرئيه السلام وقولي له "غيِّر عتبةَ بابك"، جاء سيدنا إسماعيل، شمّ ريحَ أبوه قال حد جاء هنا؟ قالت جاء رجل جليل عليه مهابة، وقف على الباب وسألني عن حالنا وعن هذا، قال قال لك شيء؟ قال إذا جاء إسماعيل اقرئيه السلام وقولي له "غيّر عتبة بابك"، قال هذا أبي إبراهيم خليل الله، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك.

 فمرّ مرة أخرى، ومعه زوجة أخرى، وقف على الباب فاستقبلته برحابة صدر، بفرح قالت تفضل، أخدمك، ما حالكم؟ بخير بفضل الله بحمد الله، الحمدلله، قال لها : ما طعامكم؟ قالت له عندنا اللبن واللحم، فأخذت تذكر النّعم، دعا لهم بالبركة، قال إذا جاء إسماعيل اقرئيه السلام وقولي ثبّت عتبة بابك، يعني إذا بتحيا في أسرة شاكرة، ابن خليل الله، تعرف قدر النعم، تعرف قدر الجود من الله سبحانه وتعالى.

فكان كذلك قال الصحابة لما وقعت الشدة في في يوم أحد، (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) أنتم قد اصبتم مثليها ونسيتم؟ نصرناكم يوم بدر، اليوم لما خالفتُم نبينا أدبناكم، (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .

هكذا كان توجيه الحق سبحانه وتعالى وتربيته لسادتنا الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ولما رجعوا بعد الاتفاقية مع جيش الكفر، مع المشركين بمكة، في صلح الحديبية، رجعوا، بعضهم كلم النبي صلى الله عليه وسلم، قال يا رسول الله هؤلاء أخذوا منا أنا نردُّ إليهم مَن جاء مِن عندهم ولا يردون من ذهب إلينا، ويعملون ويعملون، قال له صلى الله عليه وسلم: كنتم لا تبيتون إلا والسلاح معكم، واليوم تبيتون آمنين، قال صدقت، قال: كنتم لا تستطيعون دخول مكة، واليوم تعتمرون كما تشاؤون قال صدقت، كنتم كنتم كنتم، قال والله ما فكرنا في هذا، اشكروا الله، تذكر لماذا وقع الصلح كذا!؟ لماذا جاء كذا!! شوف نعم مصبوبة عليك، وكان هذا مقدمة فتح مكة، سبب لفتح مكة.

 ولذا كان بعض العقلاء أيام الرخاء يشعر عليه بشيء من الخوف، مالك؟ يقول يعقب الرخاء شدة، وأيام الشدة تحصله يضحك، مالك؟ قال بعد الشدة رخاء، بعد العسر يسر يجي، لأن سنة الله هكذا في الحياة، لما نزل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) بكى سيدنا أبوبكر، وقال إذا تمّ أمر بدا نقصه، فإذا كمل الدين فهذه مهمة رسول الله فينا يذهب، وكان كذلك، فسبحان الله.

 ومع ذلك كله فأنواعُ الخير لمن حسُنت رابطته بالله سائرة له في الدنيا والآخرة، قال تعالى (ومن يقاتل في سبيل الله) على المنهج المرضِي، على الصدق على الإخلاص، بعيد عن النعرات، بعيد عن إرادة الدنيا، بعيد عن الاستعباد للسلطات، بعيد عن الأغراض الفانية (وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) كذا ولا كذا، حاله طيب في كل شان، وعلى كل حال هو رابح، (فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) تكفَّل الله لمَن خرج مجاهداً في سبيله، لا يُخرجه إلا أن تكون كلمةُ الله هي العليا، تكفل، وضمن، ماذا؟ أنه إن توفَّاه توفَّاه شهيداً، أدخله الجنة، وإن أرجعه أرجعه سالماً بما نال من أجر وغنيمة، في هذا وفي هذا، رابح، بالصدق مع الله تبارك وتعالى، بالإخلاص لوجه الله جل جلاله وتعالى في علاه، الذي لا يقوم إلا بالتربية، إلا بصدق الوجهة إلى الله.. رزق الله المؤمنين نصيبهم من وجهتهم إلى الله وإخلاص قصدِهم لوجه الله، وخلَّصهم مِن تسلُّط عدوِّهم عليهم، يُضرب بعضُهم ببعض، اللهم ادفع عن المسلمين شرَّ أعدائك أعداء الدين، ولا تبلِّغهم مُراداً فينا ولا في أحد من المسلمين، واجعلنا في حياتنا نعيش في جنة الصدق معك والوفاء بعهدك، فتقومُ بذلك حقائقُ الخلافة عن الله تعالى في الفرد منا، في الأسرة منا في المجتمع منا، وبذلك يكون رضوانٌ من الله، وإذا جاء رضوانُ الله، ترى كلَّ ما هو صعبٌ أمامَك قد ترى بعينيك في عالم الحس دخان كثير، مرهون بريح خفيفة تهب عليه، إذا جاءت هذه الريح راح الدخان كله، وين ذاك الغبار الشديد والدخان الكثير!؟ روح بهبَّة من الريح، وهكذا سُنة الله في الحياة.

إن النوائبَ كالسحائبِ تنجلي ** في سرعة ووجودُها يضحي خبر

 وإذا تطول إقامةٌ من حادث ** كانت مبشِّرة بطولِ المنتظر

 فاصبر على المحن القواصد وانتظر** فرجاً تزول به دولُ القدر

 تعرف دول القدر؟ لا في الشرق ولا في الغرب، هذه أوامرها تصدر من السماء، دول القدر قدر الله وقضاؤه، جل جلاله، هذه الدول الكبرى، إن من شي دول كبرى فهي هذه، هذه فقط .. أما في عالم البشر، ما هناك دولة كبرى، جابوا لنا مصطلحات وعشعشوا بها في عقولنا، يضحكون علينا، إن شي في عالم البشر دولة كبرى فالدولة المتصلة بالرب وهي دولة محمد، محمد رئيس أهل الدولة الكبرى، وما سِواها صغرى ثم صغرى ثم صغرى، كل دولة سواها، بأي معنى صغرى ثم صغرى ثم صغرى دنيا وأخرى، قال رب الدنيا والآخرة (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)، شوف الكبرى فين والصغرى فين، (يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)، اللهم أجرنا من النار، ومن سوء الدار، واجعلنا من أهل جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، يا كريم يا غفار، يا الله.

 لتتلقى قلوبُكم أنباءَ مولاكم وإلهكم في ما أحبَّ منكم أن تمضوا عليه في الحياة، فتعيشوا على ظهر الأرض متصلين بسلسلة الأوامر الإلهية، منتهين عما نهاكم عنه، تحوزون خيرَ الدنيا ثم ترى أعينُكم رسولَ الله في الدار الأخرى، وترِدُون على حوضه، وتستظلون بظل لوائه، وتدخلون معه الجنة، اللهم أدخِلنا معه الجنة فإنه أول من يدخلُها، وأنزلنا معه في قصورها فإنه أول من ينزلُها، وارحمنا يوم يشفع للخلائق فترحمها آمين اللهم آمين.

 وفي هذا التلقِّي اعزموا بصدق على أن تقوموا في الحياة كما يحب الله، وكما يحب رسوله، وكما شرع، وكما شرع رسوله، وعلى منهجه ومنهج رسوله، لا كما تريد أنفسُكم ولا أحد من البشر، كائن من كان، ما نريد أن نحيا كما يرسم لنا شرقي أو غربي، عربي أو عجمي، نريد أن نحيا كما يحب ربُّنا، كما أحبَّ منا ربُّنا، (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فلا ينبغي أن يزاحموا ربنا وإذا سلمنا أنفسنا لله بحكم الإيمان، ما لهم حق يزاحموا ربنا على حياتنا، مهما تصوّرتم من جمال في الحياة يخالف هذا، نحن على يقين أنه قبح، الجمال ما وافق جمالَ الله، والعقلاء منكم يا معشر الكفار يدرون بهذا، العقلاء منكم وأنتم كفار تدرون بهذا، ولكن اغتر لكم ناسٌ منا، اغترّوا لكم، وربطوهم بحبالكم ولعبتم عليهم، الله ينقذهم وينقذ الأمة أجمعين، إلا عقلاء الكفار يدركون هذا، أنه إن كان هناك خير في الدنيا، ما يتأتى أن يكون مناقضا لشرع الله أصلاً، (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ)، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، فإذا انتهوا إلى حقيقةٍ من حقائق الدنيا في صلاح أو خير وجدتَها مطابقةً للشرع، ومهما خالفوا الشرع، تعبوا وتنكّبوا، إلى أن يقول أوه خلاص الثمرة كذا إيش في معكم، نحصّلها في شريعة محمد، قل لهم : لماذا تريدون أن نزل، نحن طالع، فلم ننزل!؟ دعونا مع الطالع، وأوامر من فوق عقل البشر، من فوق علمِ البشر، أوامر الذي أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا، وما خلقنا إلا لنعلم هذا (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، أي إنسانٍ على ظهر الأرض لم يتحقق بعلمِ أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، فمعطّل عنده مقصودُ الكون كله، المقصود من خلق الكون معطل عند هذا الإنسان، فلا يمكن أن يكون هذا الإنسان نموذجا صالحا للإنسانية قط، في حقيقة طمأنينة أو سكينة أو خير، لأنه تناقض مع مهمة خلقِ الكون، علمنا ذلك من خالق الكون (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) لماذا؟ (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) ومن علم أن اللهَ على كل شيء قدير كيف يستكين لقوة أرضية كائنةً ما كانت؟ أو يخاف منها، كيف يخون الأمانة ووراءه استنادٌ إلى من هو على كل شيء قدير؟ أيخاف فيلجأ ويستند إلى ضعيف كان نطفة ثم علقة، وبعد قليل سيكون جيفة، (أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) أيغالبونه بأجهزتهم؟ أم يغالبونه بمصنوعاتهم، وهم ومصنوعاتُهم مِن صُنعِه؟ (أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا)، (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا)، فهذه بديهيات وحقائق أساسيّات، ينسّونا اياها ويبعدونها من عقولنا تعالوا اتركوا ربكم ونبيكم، نحن ساداتكم، لا ! إلى أين تذهبون بنا؟ إلى أين تمشون بنا؟ الله خير، (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) الله خير، (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) اللهم علمنا، هذا العلم النافع الرافع لأصحابه، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)، ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) .

 نقرا في صحيح البخاري تلك الحادثة، يخرج الكافر من عند قومه، وقد رأى الصحابة تفرقوا تحت الأشجار وشجرة سمُرة كبيرة تركوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خفف ثيابَه وكانت مبللةً من المطر وعلق سيف بالشجرة ورقد تحت الشجرة، يقول الكافر لأصحابه أقتل لكم محمد، قالوا كيف تصنع؟ قال أفتك به، قالوا افعل إن تستطيع! قالوا شوفوه هناك تحت الشجرة وحده، سأحمل السيف وأقتله، وخرج، وحمل السيف، فاستيقظ صلى الله عليه وسلم، شهر سيفه فوقه، وقال: من يمنعك مني الآن يا محمد؟ قال الله.. نبيكم قال الله، ما نطق بالله إلا وذا يتزعزع، ويسقط السيف منه، فأمسكه النبي، قال: ومن يمنعك مني الآن؟ قال: لا أحد، كن خير آخذ، قال اجلس، نادى الصحابة فجاؤوا، ووجدوا الأعرابي جالساً عنده ، إن هذا اخترط سيفي وقال من يمنعك مني؟ قلتُ الله، ثم أخذته فقلت من يمنعك مني؟ فقال كن خيرَ آخذ، قال ولم يعاقبه، قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال أعاهدك ما أكون مع قوم ضدك أبدا، ما أشتغل مع أحد ضدك، قال اذهب.. فرجع إلى قومه، قال لهم ما رأيت مثل هذا، ما قال الله إلا وانتفض قلبي ارتعد وسقطت، إنه يُمنع (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ثم جاءت روايات أنه أسلم، ودعا قومه إلى الإسلام والإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام الذي عفا عنه، واحد يتعرض لاغتيال المسؤول الكبير ماذا يفعلون به؟ ذا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وتعرض لقتله وسامحه وذهب!! بعض الذين تعرضوا لإرادة قتلِه قرأ عليهم ودعا لهم، ودخلوا في دين الله، وتحولوا من أهل الجنة ببركته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ونظر الله إلى الأمة به.

 الله يهيئ قلوبكم لحسن التلقي ويرزقكم كمال الترقي، ولا ينقضي علينا شهر رجب إلا والقلوب في تمام حضورها مع الله مقلِّبها، خاشعةً منيبةً مصدقةً موفيةً بعهد الله، محبةً لله، عالمة علم اليقين بل وعين اليقين (أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، يا من هو على كل شيء قدير وقد أحاط بكل شيء علما اكشف عنا همًّا وغمًّا، وارفع عنا سوءًا وظلما، وحوِّل أحوال المسلمين إلى خيرِ حال، اقتضى كلُّ ما حل بنوادينا وساحاتنا ذنوبُنا وسيئاتنا، فنتوب إليك يا تواب، فلم تزل فاتحاً الأبواب، ولم تقطع التوبةَ عن أمة سيد الأحباب، فتُب علينا يا تواب، يا مَن يقبل مَن أناب وتاب، تُب علينا وعلى أهل لا إله إلا الله، توبة نصوحا، توبة نصوحا، توبة نصوحا.. يا ربنا، تثبُت في قلوبنا، وندوم عليها حتى نلقاك، توبة لا يُنقَض عقدُها، ولا يُنكث عهدها، ولا يُخلف وعدها يا الله، لا انصرف أحد من أهل الجمع ولا ممن يسمعنا إلا وقلبُه محشو بنور هذه التوبة، توبة الصدق، التوبة النصوح، يا قدوس سبوح، روِّح لنا بذلك الروح، وأذِقنا سرَّ التوبة، بفتح باب المحبة، يا مَن قلت في كتابك عنك، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين، واجعلنا لك محبوبين في عافية يا رب العالمين، يا الله.

 إذا عرفت قدرَ الله وقدرَ محبته ألِحّ عليه يعطيك هذا المطلب، هذا طلبٌ عظيم، هذا مرادٌ كبير، وكم من واحد بعد الطلب يبيت وقد رضي عنه الرب، وله أحبّ، وإذا له أحبّ فلا يُحشر إلا مع الأطيب، يا الله، حقِّقنا بالتوبة، واجعلنا في التوابين الذين تحبهم يا رب العالمين، يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين، يا ذا القوة المتين، يا راحم المساكين، يا أرحم الراحمين، اجعلنا في التوابين المحبوبين لك يا رب العالمين.

 نبيت الليلةَ وأنت راضٍ عنا، مُثبتِين في المحبوبين لك ولحبيبك محمد، آمين يا الله، وبالصدق والوجهة قل يا الله، وبالعزيمة والنيّة قل يا الله، وبصدق الوجهة قل يا الله، وبالرجاء فيه قل يا الله، وبالخوف أن يؤخرك قل يا الله، يا الله لا تؤخر أحداً منا، عن هذا العطاء من خزائنك الواسعة يا واسع، يا مَن هو للدعاء سامع، يا معطي العطايا والمطامع، والمطامع والأماني قليلةٌ في بحر جودك وكرمك، فيا معطي لا تدع منا واحداً إلا أعطيتَه من هذا العطاء الواسع الصبّاب، نوراً في القلب فيه حقيقةُ التوبة يقلع بها من كل ذنب صغير كبير حسيٍّ معنوي قلبي عضوي في حاله وماله ونفسه وأهله، ظاهره وباطنه قولاً وفعلاً، نيةً ومقصداً توبة نصوحا تامة كاملة واسعة عظيمة خيراتها دائمة يا الله يا الله يا الله يا الله، توبة تفتح بها أبواب الفرج للمسلمين، وتغيث بها المؤمنين..

 وإليك نشكو ما حلَّ بالساحات، وأنت ربُّ الأرض والسماوات، ومجيب الدعوات، لا أملَ لنا في مَن سواك، ولا رجاءَ في من عداك، يا مَن الملكُ ملكُه، والأمرُ أمرُه، والخلقُ خلقُه، والعبيدُ عبيدُه، والأمرُ له، والملكُ بيده، ظاهراً وباطناً أغِث يا الله، ارحم يا الله، أدرِك يا الله، أسرِع بالغياث يا الله، فرِّج الكربَة يا الله، ارفع الشدةَ يا الله، يا حيّ قيّوم، يا حيّ يا قيّوم، نبوءُ لك بنعمتِك علينا ونبوءُ بذنوبنا، فاغفر لنا فإنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت، يا الله، خيرُ سميع تدعونه عسى يسمع دعاءكم، يا الله، يا ما أحلاها تصدر اليوم منك، وعند لقائه تشكرها، عند لقائه تشكرها، أعدَّها ذخراً للقاء، قل يا الله، يا الله، يا الله، إن بات على ظهر الأرض مَن يدعو غيرَك ويطلب سواك ويرجو مَن عداك، فإنا نطلبك وحدك ونسألك وحدك ونرجوك وحدك، وندعوك وحدك ونناديك وحدك، ونقول جميعاً يا الله، ونقول جميعاً يا الله، هذا الذي أعطيتَنا فجعلته عندنا فأعطِنا ما عندك، يا الله، يا الله.

 لو ما رضيَك تناديه ما ألهمك يا الله، ولا أقدرك على يا الله، وإننا نسأل هذا الإله أن يجعلَ نطقَ كل واحد منكم بلسانه بها مواطئاً لقلبه، فاجعل هذه القلوب تلحّ عليك، تلظُّ إليك، تتوجه إليك، تقصدك وتصدق معك وتقول يا الله، فلا تُخزنا في الدنيا لا عند الموت ولا في البرزخ ولا يوم العرض عليك، (وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )

 أتمَّ علينا النعمة، وادفع عنا كل نقمة، وكن لنا في كل مهمة، عبيدك آمنوا بك وجعلتَهم في أمة حبيبك، وقفوا على بابك وسألوك، ورجوك وطلبوك، وقالوا يا الله، فمن يقصدون لو رُدّوا من بابك؟ وإلى من يلجؤون إن جُبهوا من أعتابك، حاشاك يارب العرش، حاشاك يا مالك الملك، حاشاك يا عظيم العطاء، حاشاك يا واسع الجود، أن تخيّب الجمعَ مقتدياً بنبيك، راغباً في ما عندك، واثقاً بك، سائلاً إياك، فلا ترمِهم بعدها إلى الذنوب، ولا ترمِهم بعدها إلى السيئات، ولا ترمِهم بعدها إلى المخالفة، ولا تُعرِّض أحداً لسوء الخاتمة، منا أجمعين، وممن يسمعنا ومن أهلينا، بحقِّك عليك ارزقنا حسنَ الخاتمة، بآياتك وأسمائك ارزقنا حسن الخاتمة، بكتابك المنزّل ونبيّك المرسل هب لنا حسنَ الخاتمة، ولا ترمِ بأحدٍ منهم إلى النار، لا ترم بأحدٍ منهم إلى العذاب، لا تعرِّضهم لعذاب القبور، ولا إلى الفضيحة يوم النشور، ولا إلى الخزي يوم الوقوف بين يديك، يا عزيز يا غفور يا الله.

 ملايين من البشر يستلمون كتبَهم بشمائلهم، فلا تجعل أحداً مِن أهل جمعنا ومَن يسمعنا إلا معطىً له كتابه بيمينه، وإذا وقفنا على الميزان فأنت لنا يا رحمن، فأنت لنا يا رحمن، تثقل موازينُنا بك، تثقُل موازيننا برحمتك، تثقُل موازينُنا بمغفرتك، والتبعات لا تفضحنا بها ولا تؤاخذنا عليها، ولا تُخزِنا بها في ذاك الموقف، اجزِ عنا من ظلمناهم خيراً من عندك، واقذف في قلوبهم مسامحاتَنا يا الله، إن الويلَ لمن فضحته، إن الويل لمن كشفت عورته، وأظهرتَ سوأتَه وقبيحته، وأنت الستار وحدك لا يستر أحدٌ أحداً في القيامة غيرك فاسترنا، فاسترنا، فاسترنا، بسترك الجميل، وتحمَّل التبعاتِ عنا، تحمَّل التبعات عنا، واعفُ عن سيئاتنا يا ربنا يا الله، يا الله، يا الله، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 وما سمعتم الآن من كلامٍ عن هذه الحوادث، كل مَن امتدَّ به منكم عمر بعد السماع سيراها مُعاينة بالعيون، هذا في الدنيا، أما القيامة فأمرٌ آخر، الرايةُ فيها راية محمد، والأمرُ أمر الواحد الأحد، (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، والسعادة لأهل الهدى، ولأتباع نبي الهدى، جعلنا وإياكم منهم، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين.

 والحمدلله رب العالمين.

للاستماع إلى المحاضرة

لمشاهدة المحاضرة