06-2015
11

محاضرة مكتوبة بعنوان: حقيقة الملك ومَن ينال العزة ويدرك السعادة

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد للإله الأجل، وليس للعبدِ الأقل إلا مولاه تعالى في علاه، وإذا علم عبدٌ أي عبدٍ في أرض الله أو في سمائه ذِلَّتَهُ للحق أعزَّهُ العزيز ، وإذا علم ضعفه أمامَ القوي قوّاهُ القوي ، وإذا علم عبوديته تولّاهُ بربوبيته ، ونعم الرب رب العالمين ، نعم الرب رب العالمين ،  رب الدنيا ورب الآخرة ، رب كل شيء ، بيدِه ملكوت كل شيء جل جلاله وتعالى في علاه

ما سعدَ من سعِدَ في سماه إلا بذلته لهذا الإله ، إلا بخُضوعه لهذا الإله ، إلا بأدبِه مع هذا الإله ، إلا بتوحيده لهذا الإله ، إلا بسجودِه لهذا الإله ، به أسعد من في سماه ، وبذلك يُسعِد من في أرضه ، فلا سبيلَ إلى حقائق السعادة في أرضٍ ولا سماء ، في ظاهر ولا باطن ، في أي عصرٍ من العصور إلا بمعرفة عظمة العزيز القدير اللطيف الخبير السميع البصير المُنشيء الموجد الفاطر ، مَن بيده ملكوتُ كل شيء وإليه  يرجع كل شيء سبحانه وتعالى.

وكل الذين جحدوا وكذَّبوا الرسل وكذَّبوا المرسلين قد مرَّت منهم قرونٌ بعد قرون صاروا عِبراً ، ومنهم قومٌ نقرأ قصصَهم في القرآن ( فهل ترى لهم من باقية )، ومنهم من يقول عنهم ربنا ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) كذبوا بموسى أيام معدودة لكن من أيام موسى إلى اليوم عرض على النار غدو وعشي في كل يوم مرتين ، كم هذه الأيام ؟ كم أيام تكذيبهم وكم أيام عرضِ النار عليهم ؟

الأيام التي عُرضت عليهم فيها النار غدوا وعشياً أضعاف أضعاف أضعاف أيام تكذيبهم ، وبعد؟ وبعد سيستمر العرض إلى أن تقوم الساعة ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) كله نتيجة التكذيب بموسى، لأن التكذيب بموسى تكذيب بإله موسى، لأن التكذيب بموسى نُكران لحق الموجد الخالق جل جلاله وتعالى في علاه .. وهكذا مضت القرون ومضت الأمم.

ويذكر لنا النبي ﷺ مصير واحد فرد تبختر ، اغتر بالمظاهر بالصور بالمال بالدنيا ( بينما رجلٌ يمشي متبختراً أعجبته هيئتُه ومالُه إذ خُسِف به الأرض فهو يتجلجلُ فيها إلى يوم القيامة )

كم أيام تبختر؟ وكم أيام تجلجل !؟ إلى الليلة وهو يتجلجل الصبح كان متجلجل والعصر متجلجل والآن يتجلجل في الأرض ، مسكين ، بماذا اغتر ؟! معه فلوس ، معه قوة ، معه جنود ، معه سلطان ، وقال كذا وخسف الله به الأرض ، وقارون الذي أوتي ما أوتي ، وقال له قومه ، وقدموا له النصيحة .. لا تفرح بغير ربك ، غير ربك ينقطع عنك ، غير ربك يُحال بينك وبينه ، غير ربك ما يقوم معك للأبد.

 ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِين وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) لتستعد للبقاء ( وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) وكانت النتيجة ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ ) وهذا قارون وحده

طغاة الزمان الموجودين في الشرق والغرب سيأتي الساعة (  فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ ) لا حزبه ولا هيئته ولا حكومته ولا أسلحته ( فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ) واعتبر المعتبرون ( وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ ) الباقية الدائمة ( نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا )

الملطخون بإرادة العلو على ظهر الارض والفساد لا نصيب لهم في الدار الآخرة

( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقـبَةُ لِلْمُتَّقِين ) لا يريدون العلوَّ في الأرض ولا التعالي على شيء فرأيناهم أنبياء في الأرض وأتباع الأنبياء وأصفياء ما  تكبروا على الحيوانات ولا على النباتات ولا على الجمادات( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ) لا يعرفون إلا قول السلام (  وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً )

سر الصلة القوية بالرحمن  ( يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ) ( يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً )

فحُقَّ لهم بكل حق وصدق أن يقولوا: لو يعلم الملوك ما نحن فيه بالليل لجالدونا عليه بالسيوف ، أنتم الملوك أيها الناطقون بهذا الكلام ، أنتم الملوك ، وماذا عند الملوك ؟ ولقد ذهبوا وذهب ملكهم وما ملَّككُم الله باقٍ، وأمامكم الملك الكبير( وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ) فمن الملوك إذاً ؟ أمَن ملك الأرض ؟ أمَن تولى على رقاب الناس، أم من تولى على خزائن الأرض ؟

 هذا إن كان في لحظة مقبلة سيختم له بسوء الخاتمة هذه ملك هذا !! هذا أخسّ من كل ساقط على ظهر الأرض ، هذا ساقط هابط ضائع خاسر.. لكن من يُكرم بحسن الخاتمة ملِك ، لأنه يذهب إلى المُلك الدائم الباقي ، ويعيش في البرزخ ملك وفي القيامة ملك ، وفي الجنة ملك ، وإلى كم ؟ خذ لك عشر سنين !! هذا حق ملوك الأرض ، هات عشر هات خمسة عشر هات خمسين .. ومن طال منهم قعد ستين سبعين وبعدين.. خذ لك مليون مليار سنين الاف الملايين من السنين والمليارات وأنت ملك ، هذا هو الملك ، بل حقائقها ذاقوها وهم هنا لما ملَّكهم اللهُ أنفسَهم وشهواتهم فملكوها ، رأى ماذا هيّأ الله لها من حقائق هذا الملك ، إذ ملَّكهُم درجاتٍ عُلى وذوق لذة مخاطبة الملك الأعلى ، فقالوا نحن الملوك وهمُ الملوك ، هذه الحقيقة..

 الآن فلسفة الملك عند الناس ، هؤلاء إنما سميّناهم ملوك بسبب واحد أن صاحب ملك السماوات والأرض والدنيا والآخرة ملَّكهُم وأدامَ تمليكهُم ، فلهذا صاروا ملوك ، لولا رضاه عنهم ما هم ملوك ، لأن الملك له ، وفي ذلك يقول في القيامة (  لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) إذاً فلا مَلك إلا مَن ارتضاه ومن اصطفاه ومَن ملًّكه ..

لأن المُلك له وحده ، فكل من خرج عن طاعته فمن الذي يوليه المُلك ؟ عدوُّ الملِك من يملِّكُه ؟ لكن من أحبه هذا الملِك فهو الملك ، أما شؤون عالم الدنيا فكثيراً كلما قربتَ من ملوكها الظاهرين دخلتَ في أسرِهم وقسرِهِم ، إن أرضيتهم ملُّوكَ وإن أغضبتهم يعرفون يتصرفون معك ، وبعدين ، هذا هم هذا ملوك الأرض!!

ولذا كان يقول مَن يعيش من العقلاء على ظهر الأرض: البعيد من السلطان سلطان، البعيد من الملك حق الأرض هو ملك وبعدين كل شيء محسوب عليّ ، يا ليتَهُ حساب يؤدي إلى عزة إلى رفعة ، انتبه لنفسك ،  محسوب عليك لما تشبع ، احسب لنفسك حساب ، بيقولون علي كذا ، وأنا ما أقدر ، هذه هي الحياة ..

لكن  لو قربتَ من الملك الحقيقي لأعزّك ، لأعزَّك ،  صرتَ ما تترك شيئا فيه نفع لك ومصلحة لك أبداً قط ، صرت ما تترك شيئا ، إلا في تركه عزُّك ، في تركه كرامتك ، تترك من أجله شهواتِ النفس وما إليها ، فيعزّك بما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين ، وأنتم فيها خالدون جل جلاله وتعالى في علاه.

غناء أزواجهم في تلك الدار غناء بالصوت الحسن الجميل:

نحن الناعمات فلا نبأس أبدا ، نحن الراضيات فلا نسخط أبدا

نحن الخالدات فلا نموت أبدا ، طوبى لمن كان لنا وكنا له

هذا نموذج من أغانيهم في دار الكرامة ، تتروّح بها أرواحُهم 

فأين هو عند الملوك ؟ إلا مَن اتقى الله منهم، وأقام شرعَ الله واتبع محمدا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، يرجع مع هذا الملك هو الإمام العادل الصادق أما من ظلم أما من أساء أما من قدّم غير الله على الله أما من حابى كفرة أو فجرة على حساب شرع الله تعالى فويلٌ له ، ضاع ، خسر الدنيا والآخرة ( ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِين ) والعياذ بالله تبارك وتعالى

أُقرب من الملك الحقيقي بقربك من الملك الذي بيده .. ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) تعرف معنى بيده الملك ؟ أُخرج من الوهم لا بيد غيره ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

كل مَن تولى أو عُزِل مِن أيام آدم إلى اليوم الذي آتاهم الملكَ هو، والذي نزعهُ هو ، إذا فليس غيره في الأرض ، ليس في ملك الأرض غيره ، هو الملك إن كان ما يتولى أحد إلا بإيتائه ولا يخرج منه إلا بنزعه ، فهو الذي يؤتي وينزع فمالك تنسى الذي يؤتي وينزع وتروح إلى عند مؤتى ومنزوع منه!؟ هذا مؤتى وهذا منزوع منه لكن من الذي آتى ومن الذي ينزع ؟ هو الله ، هو رب محمد ، رب محمد الذي دلَّك عليه، ووجهك إليه جل جلاله وتعالى في علاه فلبِّ دعوة محمد والحق بأولي الألباب الذين يقولون ( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا  ) هذا المنادي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، نادانا أن  نثبِّت أقدامنا على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نكون في ذلك تبعية لفاجر ولا كافر ولا شيطان في أنفسنا وأسرنا ، لا يضحكون علينا في عاداتنا ولا في عباداتنا ولا ألبستنا..

آه لو علمت الأمة عزها بالله وأدبها مع الله لما استطاعت موضاتُ الكفار أن تلعب بشيء مِن أسرِهم ، ولا بأموالهم ولا بأفكارهم ، لكن أهانوا أنفسَهم فهانوا ، وأذلوا أنفسَهم لغير الله فذلُّوا، ولو أذلوا أنفسهم لمنهج الله ولطاعة الله لعزُّوا العزَّ الأكبر، فما أُعِز أهل السماوات من الملائكة إلا بالذلة للحق جل جلاله وتعالى في علاه ، ( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) هذا وصفُ الملائكة عليهم السلام، وهم مِن أسعد خلق الله تعالى ، سعدوا بالذلة لله ، فاكسب نصيبَك من هذه السعادة ، واستعد لختام شهر شعبان لتستقبلَ شهرا.. الملك فيه يتجلى ، الملك فيه يتفضل ، الملك فيه يقرِّب ، الملك فيه يكفِّرُ السيئات، الملك فيه ينظر إلى بعيدٍ منتزِح فيرفعه في مراتب القرب من حضرته العلية.. تهابه ملائكة السماوات حين اختاره ربُّ السماوات جل جلاله ، شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار ، ينادي المنادي فيه من قبل ربنا كل ليلة يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ، فكن ممن يبغي الخير .. من يعزم على الاستمرار على قطيعة واحد من أرحامه فهو ممن يبغي الشر فيُدعى عليه بالقصران ، فإن استمر على ذلك ليالي رمضان كل ليلة كل قال أقصر أقصر أقصر ، ما يقع إلا قصران بعد ، كيف بيخرج رمضان وهو محروم من المغفرة والعياذ بالله تبارك وتعالى ..

 من كان في ليالي رمضان يفتح على نفسه أبواب المناظر المحرمة، ويتبعها في أجهزة وفي غيرها فهو ممن يبغي الشر ، يا باغي الشر أقصِر !!! تُب وانزجر واقصر عن هذا ، فإذا أبى واستمر الليالي والملائكة يدعون عليه بالقصران ، يقع عليه قصران وخسران ، وكيف يكون بعد رمضان إذا خرج منه بالحرمان من الغفران.. إن لم يغفر  له فيه فمتى؟ ويلٌ لمن أدرك رمضان فلم يُغفر له ، يا رب وفّر حظنا من رمضان وإحسانك في رمضان ، كم تقرِّب من قاصي فيصبح دان، وكم تتفضل على مجرم مذنب فتكسوه بعد العصيان ثوب الطاعة والرحمة والدنو من حضرتك فيشرب الكأس الهاني.. يا رب اسقنا كؤوس المعرفة والقرب والمحبة ، يا حي يا قيوم يا أرحم الراحمين ..

وبذلَّتنا لله نحوز العزةَ والله ، وتتجلّى هذه العزة في أنَّ كل من يدعونا إلى مخالفة أمرِ الله يجدنا أعزة ، وكلُّ مَن يقرِّبنا إلى الله، الإحسان إليه والخدمة له يجدنا أذلة (  فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ما يقدر يحصِّل منه لفتة تخالف الشرع أصلاً .. عنده الله قبل كل شيء ( يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ الله )

  يا متفضِّل تفضّل علينا وأهلينا وأولادنا يا الله، لا تجعل في بيوتنا مَن يعتزُّ بالتشبه بالفسقة فتذله ، ولا من يعتزُّ بالمخالفة بالشرع فتهينه ، أعزَّنا بطاعتك ( فمن يُهِن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء)  يا من يفعل ما يشاء كن لنا في الظاهر والخفاء يا الله ، يا الله

رمضان هذا المقبل علينا اجعله من أبرك الرمضانات على أمة حبيبك محمد، في شرق الارض وغربها وجنوبها وشمالها ، يا الله ، كيدُ عدوك وأتباعه مِن كل ما يقلبون فيه الحقائقَ ويضحكون به ويخدعون الخلائقَ ردّ كيدهم في نحورهم واكفِنا جميعَ شرورهم يا الله ، ونورَ الهداية انشره في المشرق والمغرب حتى نرى راياتِ حبيبِك المصطفى لامعةً ظاهرةً واضحةً على رغم كل طاغٍ كفورٍ يا الله..

فإنك أنت الذي قلت عن نفسك هو (  هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )

ثم خاطبتَنا وقلت (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ  ) وإذا أنت الدالُّ على تجارة فلا بد أن تكون التجارة لائقةً بعظمتك يا ملك الدنيا والآخرة، هل أدلكم على تجارة، يا ربنا ما هي التجارة التي أنت تدل عليها ؟ ( تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )

تسلمون بهذه التجارة مِن كل عذاب ، فهل عند أهل الشرق والغرب تجارة نسلم بها من العذاب؟ لكن عند الله نعم ( تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ )

آمنا بالله وبما جاء عن الله على مُراد الله ، آمنا برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله

يا مَن آمنَ بالله: ربُّك مقدّم قبل كل شيء ، يا مَن آمن برسول الله قبل كل الخلق في الفكر، في النظر، في المسلك في القول في العمل ، محمد مقدَّم ، آمنت به هو مقدَّم في كل فكرة في كل قول في كل عمل في كل مظهر ، محمد مقدَّم ، آمنا بالله وبرسوله..

( تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِه وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ) وأول المجاهدة بهذه الأموال انظروا الضعفاء انظروا الفقراء انظروا المحتاجين ، انظروا المنكوبين ، القليل منك بإخلاص لوجه ربك يكبُر عند ربك ، أنت تدري إذا أخرجت صدقة لوجه الله وإن قلَّت من الذي يربّيها لك ؟ الله ، ( إن الله ليربّي لأحدكم صدقته كما يربي لأحدكم فَلُوَّهُ ) أنت تفرح بتربية البنوك لشيء من مالك ، ملك الملوك قال تعال حط مالَك أنا بربِّيه ، بيربِّيه لك سبحانه وتعالى ، ويُربِي الصدقات (  يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) ( وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) قال الله أنا أربِّي لك

يقول النبي يمثِّل حتى تكون التمرة ، تمرة واحدة تصدق بها مثل جبل أحد !! تمرة مثل جبل أحد في الميزان توضع ، لأن الذي ربّاها الواحد الأحد.. فبمن تثق يربِّي مالك إن كان غير الله ، أتثق بغيره !؟ جل جلاله ، أو غيره أوثق عندك منه ، قال يربي الصدقات جل جلاله وتعالى في علاه ( وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ... )

ما الذي يحصل في واقعكم الكبير ، أنت لست مملوكا للبطن والفرج يا هذا !!

أنت أمامك ميدان كبير مقبل عليك فالنتيجة التي تحصل ( يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) كما أي فلل !! لكن رح أنت والفلل ! والله لو جمعت فلل الدنيا من أولها لآخرها وقصورها ثم جبت بلبنة واحدة من لبنات قصور الجنة لكانت اللبنة أغلى منها .. أغلى منها ، نعم والله أغلى منها ..

إسمع .. لمناديل سعدٍ في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، مناديل سعد بن معاذ رضي الله عنه، يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: لمناديل سعدٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها ، وقصور الملوك !! قصور الملوك ؟! إعقل خير من الدنيا وما فيها ، المناديل حق سعد ، فكيف القصور .. ( وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ )

لبنة من فضة ولبنة من ذهب ومِلاطُها المسك الأذفر ، هذا المسك اللي بين اللبنتين حقك لو خرّجوه منه شيء في الشرق رائحته زكية تُشَم في الغرب ، ما هذا الطيب ، هذه دار الضيافة حق القدير ، حق الملك جل جلاله وتعالى في علاه..

كلٌّ يضيّـف على قدرِه ، يقربوا لكم بعض الأشياء جابوا لكم الآن ريموت تسيِّرون به الأشياء ، شوف الملوك في الجنة الخواطر حقُّهم ريموت لكل ما في الجنة ، الخاطر حقه ريموت للشجر وللأنهار وللقصور وللأزواج وللإخوان والخدّام ، كل شيء حق الخاطر تبعه ريموت ، يدق هنا هنا على طول يتحرك ،

يقول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يذكر هذا أخاه ويذكر هذا أخاه فيمشي سرير هذا إلى هذا وسرير هذا إلى هذا، بالخاطر حقُّه وتحركهم الأسرة ويتقابلون ويقولون أريد عندك ، قال أريد عندك ، فيجلسان يتذاكران أيام كانوا في الدنيا فيقول تذكر في يوم كذا حضرنا وإياك مجلس كذا ودعونا الله بكذا، يقول نعم ، فيقول أعطاني مقابله كذا وكذا ، يتذاكرون أيام وهم في الدنيا، ومن أكرمه الله منا بدخول الجنة يتذكر ، كنا في ليلة كذا ، كنا كذا ، وأعطاني الله كذا وكذا

الله لا يخلِّفنا ، الله لا يبعدنا الله لا يطردنا، الله لا يحول بيننا وبين جنته يا رب ، يا رب اجعلنا من أهل جنتك.. نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.

قوموا بواجبكم وقد بثّ الله للامة المحمدية الخيور وأرباب النور وعلى أيديهم يحصل تقريبُ البعيد وتحويلُ الشقي إلى سعيد وعطايا من الحميد المجيد وواسع من الفضل مديد لا يُعَد بتعديد ولا يُحدُّ بتحديد( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (  لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ )

يا حي يا قيوم ، يا ملك الملوك اجعل هذه القلوب ملبِّيةً لندائك مؤمنة بك وبرسولك، ظافرة بهذه التجارة التي دللتَنا عليها ، يا رب نربح فيها ونُعدُّ في أهليها ونرقى في مراقيها يا خير دال ، بوجاهة حبيبك مَن جمعتَ فيه حميدَ الخلال وشريفَ الخصال، ارزقنا متابعته في الأقوال والأفعال ، بالخير اختم لنا شعبان ، وبالسعادة الكبرى بلِّغنا رمضان وأعنَّا على الصيام والقيام واجعله صياماً مقبولاً لا مدخولاً ولا معلولا وقياماً لا مدخولاً ولا معلولا عندك مقبولا آمين يا رب العالمين..

افتح لهم فيه باب ذوق لذة الاقتراب مِن حضرتك حتى يكونَ مِن أبركِ الرمضانات علينا وعليهم يا الله ، ما فاتنا في الأعوام الماضية وفي رمضاناتنا نحن المتحسِّرون إن شئتَ عليه ، فاجعلنا مِن أهل صدقِ التحسُّر حتى تعوضنا عما فات خيراتٍ واسعة فيما بقي لنا مِن العمر وفي رمضان هذا يا رب رمضان ويا رب الإحسان ويا كريم يا منان

مَن للجَنان ، مَن للتطهير عن الأدران ، مَن لكشف الران؟ من لدفع كيد النفس والشيطان؟ أنت وحدك لنا يا ربنا وقد لجأنا إليك وانطرحنا عليك وتذلَّلنا بين يديك ، فيا مُعزَّ المتذللين لعظمته حققنا بحقائق التذلل لعظمتك وأعزنا بطاعتك ما أحييتنا يا الله ، يا الله ، يا الله..

أقدام ثبِّتها على الاستقامة في الحياة، وعلى المرور على الصراط يوم الموافاة، حتى نجتمع في دار كرامتك ومستقر رحمتك، مع الذين أنعمتَ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

يا الله ، انظر الى الأمة في رمضان هذا يا الله ، أكرِم نبيَّهم فيهم، وأكرمهم بنبيهم، وبما بينك وبين نبيهم تجاوز عنهم ، اغفر لهم ، سامحهم فيما كان منهم ، انشر نورَ التوبة في قلوبهم ووفِّر حظَّنا منها يا الله.

واجعلها ساعة إجابة ، والدعوات مستجابة، وهذه الوجوه كما جمعتها هنا اجمعها في ظل عرشك ، اجمعها على حوض نبيك ، اجمعها على حوض نبيك ، اجمعها على حوض نبيك يا الله ، يا الله ، يا الله ..

غير مخلّفٍ فينا صغير ولا كبير ومَن يسمعنا، ومَن يوالينا فيك يا أرحم الراحمين ، وبارك لنا في أهل النور والسر والخير الذين بثثتَهم في المشارق والمغارب وأطِل أعمارهم وارزقنا الأدب معهم ، والقيام بما تحبه منا نحوهم ، وارزقنا معرفةَ حقوق المسلمين عامة وخاصتهم خاصة، وإعطاء كل ذي حقه حقّه، ووفقنا للقيام بالحقوق واحفظنا من الزيغ والعقوق، وتولنا في الدنيا والآخرة بما توليت به المحبوبين أهل الوجوه الناضرة التي هي إليك ناظرة يا الله ..

 وبالصدق ألحَّ عليه وقل له وهو يسمعك يا الله ، استشعر قربَه منك بما لا يطيقه فهمُك وعقلك أكبر مِن كل ما تتفهم وتتوهم هو أقرب إليك مِن كل ذلك ، قل للقريب يا الله ، فعسى يرحمك فيقرِّبك بكشفِ حجابك، وغفر ذنبك.. يا الله هوِّن علينا الطريق اليك ، ويسِّرها لنا بفضلك يا حي يا قيوم ، يا رحمن يا رحيم يا الله ، حاليةٌ نقولها بتوفيقٍ من بارئنا وبمنَّةٍ من خالقنا، نقول يا الله نعِّمنا بها في الدنيا ونعمنا بها عند الموت وعمنا بها في البرازخ ونعمنا بها في القيامة ونعِّمنا بندائك يا الله في دار الكرامة يا الله ، يا الله ، كلمة عظيمة اسم أعظم للرب الاكرم مكّنك من النطق به وان تناديه به ، وأنت تخاطبه به ، وأنت تناجيه به ، اسم ربك أعظم الأسماء أنت به تنطق، وأنت به تخاطب، وأنت به تدعو، وانت به ترجو، وأنت به تسأل العفو يا الله ، اسم عجيب فضله رحيب ، خير الأسماء الله ، أشرف الأسماء الله ، أعظم من كل اسم الله

يا الله يا عظيم ابسطلنا باسمك الاعظم بساط النعيم ومد لنا يا مولانا سماط التكريم وكن لنا يا حليم يا عظيم ، ما أعجب الاسم الله ، يا ما أحسن الاسم الله ، يا ما ألذَّ الاسم الله ، ناده هنا وهو سيرحمك، وهو سيأخذ بيدك وهو الذي يرفع ظلمتَك ويغفر خطيئتَك ويُحسن خاتمتَك ويطيِّب لك لقاءه ، ويطيب لك لقاءه ويطيب لك لقاءه ، يا رب نلقاكَ وأنت راض عنا.. يا ربنا نلقاك وأنت راضٍ عنا ، يا ربنا نلقاك وأنت راض عنا ، يا الله .. يا أكرم الأكرمين.

 وصلِّ وسلِّم على مَن دلَّنا عليك ودعانا عليك، وبه عرفنا نناجيك ونناديك أفضل الصلوات وأزكاها وأزكى التحيات والتسليمات وأعلاها وعلى آله وصحبه وأهل محبته وقربه وآبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين والملائكة المقربين والآل والصحب أجمعين، وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

والحمد لله رب العالمين. 

للاستماع إلى المحاضرة

لمشاهدة المحاضرة