محاضرة مكتوبة للحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 22 شوال 1436هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: معاني الاضطرار وكشف السوء والخلافة في الأرض.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الرحمن الذي أوقفَنا بينَ يديه، وأحضَرنا في محاضرِ التقرُّب إليه، والتوجُّه إليه، ليطيبَ لنا بالفضل لمن سبقت له سابقة الفضل تذلل بين يديه، وهل مِن عز يعزّ به مخلوق، إلا على قدرِ تذلُّلِـه لهذا الخالق الحق جل جلاله وتعالى في علاه، وهو السرُّ الذي هدى إليه الحقُّ مَن شاء على أيدي الأنبياء والمرسلين، وقال تبارك وتعالى في أسرار المحبة المرتبطة بهذا الوصف المبارك بنوره المبين (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
نسأل اللهَ الواسعَ العليمَ أن يؤتيَنا مِن هذا الفضل الذي يؤتيه من يشاء، فقد اجتمعنا في رحابك يا ربنا نسأل ونطلب مِن وهبِك الواسع، وجودِك العظيم الهامِع ما أنت أهلُه فلا خيّبتَ رجاءنا ولا رددتَ دعاءنا يا مَن يجيب المضطرَّ إذا دعاه. وشواهد الاضطرار قد قامت بنا، فنحن المضطرون إلى رحمتك، نحن المضطرون إلى عفوك فويلٌ لنا إن لم تعفُ عنا، يا الله، إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عنا، يا عفو يا كريم، نحن المضطرون إلى مغفرتك فاغفر لنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، نحن المضطرون لأن تلهمَنا رشدَنا في حركاتِنا وسكناتِنا، في تقلُّب القلوب بين مناداة ظاهرة وباطنة، من إبليس وجنده وحزبه من شياطين الإنس والجن ومعهم النفوس والدنيا والهوى، يدعوننا إلى الانحراف عن طاعتك والخروج عن الأدب معك ونسيان عظمتِك ونسيانِ نعمتِك ونسيانِ منهاجِك، ونسيانِ رسولِك ونسيان جهادِ رسولك، ونسيان صبرِ رسولك ونسيان تضحيةِ رسولك، ونسيان بكاءِ رسولك، ونسيان تعاليمِ رسولك، ونسيان غزواتِ رسولك، ونسيانِ جوعِ رسولك، ونسيان ظمأ رسولك، ونسيان هجرة رسولك، ونسيان بيان رسولك.. اللهم فإنا مضطرون لأن تدفعَ كيدَهم وشرهم عن قلوبنا وعقولنا وأفكارنا، وعمّن وراءنا في ديارنا وفي بلداننا وفي أوطاننا، فيا مَن يدفع ويدافع عن الذين آمنوا ادفع عنا كل ذلك الضلال، وذلك الغيّ والسوء، ظاهراً وباطنا يا الله.
ونحن المضطرون يا ربي بعد ذلك لأن تديمَ النِّعم علينا واللطفَ والملاطفةَ لنا وللأمة في المشرق والمغرب وتكشف هذه البلايا التي نزلت، والمصائب التي حلَّت فيا كاشف البلايا يا دافع البلاء يا رافع الشدائد يا كاشف الكروب، يا علام الغيوب، يا حي يا قيوم، دعوناك دعاء المضطر فعجِّل بالإجابة سريعاً يا سريع الغوث..
يا سريع الغوث غوثاً منك يدركنا سريعا ** يهزم العسر ويأتي بالذي نرجو جميعا
يا قريباً يا مجيباً يا عليماً يا سميعا ** قد تحققنا بعجزٍ وخضوع وانكسارِ
قد كفاني علم ربي من سؤالي واختياري
ونحن أفرادٌ من أمة نبيك محمد وثلةٌ وجمع حوينا الأشتاتَ من القبائل والبلدان واللغات، جمعتَنا على الوجهة إليك بما خلَّف فينا نبيك، فاقبل الجمعَ واجمع قلوبَ الأمة في المشارق والمغارب على ما تحب يا الله، على ما ترتضي يا الله، لا على ما ترتضي النفوسُ الأمّارة، ولا على ما يرتضي إبليسُ وجندُه، على ما ترتضي وتحب يا الله، والمضطرون بين يديك وقد سمعنا نداءك على لسان حبيبك تخاطبنا وتنادينا تنزُّلاً وتلطفاً وملاطفة وتفضلاً وتعرُّفاً منك إلينا، فتقول لنا ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ) لا إله إلا الله.. يا مجيب المضطر مضطرون دعوك فأجِب دعاءهم يا الله، ووراء ما بيَّنَّا من مظاهر هذا الاضطرار، اضطرار حقيقي يخفى عن أفهامنا وعقولنا، ويخفى على أفهام الكثير من أصحابنا، فيا راحم المضطرين ويا كاشف ضرِّ المضطرين ويا مجيبَ دعوة المضطرين ارحمنا في اضطرارنا إليك، واكشف لنا عن سرِّ التذلل بين يديك، يا الله، فنلحق بعبادٍ يقول أحدهم في ما أعطيته وآتيته..
أنا عبد صار فخري ضمن فقري واضطراري
قد تحققت بعجزي وخضوعي وانكساري
وقد علمنا أن نُصرتَك لهم وأن تأييدك لهم وأنك معهم، وأنهم المنصورون في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، فيارب ألحقنا بهم، واكشف السوء، وأنت أعلم بالسوء، ما علمنا منه وما لم نعلم، كما أحاط به علمك، جعلت في الأرض مجامع كثيرة، يعرض الناس فيها أحوالهم على بعضهم البعض وقد يتهاوشون وقد يتعاونون على بعض الأمور من حيث إرادة المصالح والنفوس وكلهم ملتجئ إلى غيرك ثم لم تحرم الأرض من وجود مجامع إليك وحدك تتوجه، وإياك تسال، وعليك تعوّل وعليك تعتمد وإليك تستند، ثم أكرمتنا أن أريتنا في واقعنا وفي بلداننا وفي حياتنا وفي ذواتنا من هذه المجامع ما أريتنا فلك الحمد، يا ربي، وهل أقمتَ هذه المجامع على هذه الصورة بسرّ ذلك الاتصال بالإرث وأنت لا تريد أن تتفضل وتسدي وتنعم وتكرم وتكشف السوء؟ ياربي، إن التفتت أولئك إلى غيرك، فإنا نعتذر مما فعلوا وهذا التفاتنا إليك فارض، فارض، ، رضىً تكشف به مظاهر السخط، ومظاهر الغضب عنا وعن الأمة أجمعين، يا الله، اقبلنا فما جئنا إلا بك، وما ناديناك إلا بك، ولا رجوناك إلا بك، ولا قدرنا عن أن ننزل في رحابك إلا بك، وبتوفيقك وفضلك فحمداً لك وشكرا، فصلِّ على محمد مَن فتحت بنا به هذه الأبواب ووهبت لنا به هذا الوهبَ يا وهاب، واقبلنا بحنانك عليه، وبما أودعت قلبه من الحنان لأمته، مما لا يُقدَر قدره.. لا إله إلا أنت، وقد وصفته وقلت عنه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، يا رؤوف يا رحيم نسألك بعبدك الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم أن ترأفَ بنا وترحمَنا رأفةً كبيرة ورحمةً واسعة، تشمل بذلك سامعينا ومُوالينا فيك في مشارق الأرض ومغاربها وأهل الحياة وأهل البرازخ ومن يأتي بعدنا على هذا المنوال الذي تسيِّر فيه أهل السوابق من حضرتك فيارب الكل نسألك للكل، ونتوجه إليك بمحبوبيك فيهم أن تُتِمَّ علينا النعمة أجمعين، وتصلح شؤوننا بما أصلحت به شؤون الصالحين، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، وائذن بكشفِ السوء مِن حيث أحاط به علمُك.. يا كاشف السوء يا علام الغيوب..
يا الله، خلقتنا وخلقت السماوات والأرضين لنعلم أنك على كل شيء قدير فلك الحمد وصل إلينا من نور العلم أنك على كل شيء قدير، بفضلك وبواسطة نبيك ما وصل ونسألك الزيادة من ذلك، والقوة في ذلك وأنك قد أحطتَ بكل شيء علما، فيا من أوصلتَ إلينا النصيبَ من ذلك زِدنا، وزدنا، وزدنا، وقوِّنا في ذلك، ونسألك يا الله، بسرِّ العلم أنك على كل شيء قدير، وأنك قد أحطت بكل شيء علما، أن تكشف السوء عنا، وعن أمة نبيك محمد، مِن حيث أحاط به علمُك يا الله، وأول السوء الذي نستكشفك إياه يا ربنا الأسواء التي كانت سبباً للأسواء الظاهرة، الأسواء التي كانت سبباً للبلايا الظاهرة، أسواء القلوب، في شانها معك، مِن غفلتها، ومِن ريائها، ومِن عُجبها، ومِن كِبرها، من إيثارها غيرك، ومن إرادتِها لسواك، ومن تكبُّرها على عبادك، ومِن اغترارها، ومِن سائر أقذارها، فهي أسواء، وأنت المحيطُ بها علماً، فيا كاشفَ السوء، لا تدع فينا قلباً ولا في مَن يسمعنا إلا أذنتَ بكشفِ السوء عنه كلِّه من حيث أحاط به علمُك يا الله، يا الله، يا الله.
والمظهر الأقرب لذلك السوء مِن مظاهر السوء الحسي ما في البيوت من أسواء المناظر، ومِن أسواء المسموعات، ومِن أسواء الترك للصلوات، ومن أسواء القطيعة للأرحام، ومِن أسواء إضاعة الواجبات، ومِن أسواء الغيبة والنميمة، ومن أسواء الإهمالِ لسُنن نبيك، فاكشف عنا السوء مِن ديارنا يا كاشفَ السوء يا الله، لا تجعل لنا بيتاً ولا داراً إلا نوَّرته، وطهَّرته، وجعلتَ مَن فيه سعداء، يُحشرون في زمرة المصطفى غدا آمين يا الله،.
ثم سوء الاختلافات بين أمةِ حبيبك محمد وفعلة إبليس عدوِّك بالتحريش الشديد بينهم، واستغلال أعدائك لذلك والتفريق بينهم، ووقوع هذا الصدِّ والتقاتل والتباعد والتباغض سوءٌ أوجبته الذنوب والسيئات فيا كاشف السوء نستكشفك هذا السوء ونستدفع بك هذا السوء فيا من يكشف السوء وحده لا إله إلا أنت اكشف عنا هذه الأسواء، وكلَّ بلوى، ونادوا مولاكم مَن يطّلع عليكم ويسمعكم ويراكم ويقبل بفضله منكم وقولوا آمين يا الله، قولوا آمين .. يا الله.
اقبلهم يا ربي وفداً عن بقيّة الأمة، نواباً عن بقية الأمة، فبالمجمع في الأرض متصل بمجامع السماء نناديك يا رب الأرض والسماء، ونقول ارحم يا الله، استجب يا الله، اقبل دعوةَ المضطر يا الله، اكشف السوءَ يا الله، اكشف السوء يا الله، عن أمة نبيك أجمعين، يا أكرم الاكرمين، ويا أرحم الراحمين، يا الله، هذا من فضله مِن تركةِ محمد، أدركتموها وصلت إليكم، وجاءتكم اللهم لك الحمد، فأتمَّ النعمة، إلهنا وأتبعتَ قولَك بشأن الاضطرار وكشف السوء، ملاطفات ربانية، قلتَ فيها (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ) إلهي مَن استخلفتَه بالنور والصدق والهدى، فجعلته في صفِّ النبيين والصديقين والمقربين فنسألك نصيباً من هذه الخلافة، من هذا الاستخلاف الحسن، لا يُقمع عنه ولا يُطرد عنه ويحرم منه كل أحد منا، يأخذ الكل نصيبه، ممن يحضر وممن يسمع وممن يوالي، يا الله، (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ)، ولقد عرض بساطَ الخلافة وأنه رفع قدرَه بين الملائكة حتى رغبَت فيك، (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، وقالوا (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)، تجعلنا خلفاء أو تجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ وكان منا من يسفك الدماء، ولكن الله قال (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، أجعل فيهم جواهرَ لا تسفك الدماء ولا تفسد في الأرض، موجودين على ظهر الأرض، آدم ومن مشى على ذلك الدرب، من النبيين وأتباعهم، فهم خلفاؤه في الأرض، (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)، دعوناك يارب بفضلك، ولو لم نجتمع إلا لأن ندعوك لكفى ذلك، وحُقَّ لنا ذلك، دعوناك بفضلك، ودعوناك بتوفيقك، ودعوناك برحمتك، ودعوناك بك، يا الله، عذبة وكثير منكم إن شاء الله يذوق عذوبتَها بعد، يُعجَّل لمن يُعجَّل شيء من ذوق عذوبة هذا الاسم، اسم ربي، ورب كل شيء، هو اسم رب محمد، اسم رب أحمد، اسم رب المصطفى، اسم رب آدم، اسم رب نوح، اسم رب إدريس، اسم رب إبراهيم، اسم رب إسماعيل، اسم رب اسحاق، اسم رب يعقوب، اسم رب يوسف، اسم رب زكريا، اسم رب يحيى، اسم رب هود، اسم رب صالح، اسم رب عيسى بن مريم، اسم رب النبيين والملائكة ورب كل شيء .. الله، يذوق من يذوق حلاوته في الدنيا والله يكثرها لكم وفيكم ان شاء الله ولكن له حلاوة تُذاق عند التلاق، فكم تتروّح أرواح بما قالت في مثل هذه الأيام يا الله، لأنه ملك الدنيا والآخرة، ولأنه الفعَّال في الدنيا والآخرة، ولأنه إله الدنيا وإله الآخرة، ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ) ارزقنا وإياهم الاستقامة، والتلبية لندائك، نقوم بما تحب، ونبذل في ذلك أنفسَنا وأموالَنا وأرواحَنا وكلَّ ما أعطيتنا، وأسماعنا وأبصارنا ونحيا بحقيقة (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) وأنا من المسلمين..
فيارب ثبتنا على الحق والهدى ** ويارب اقبضنا على خير ملةِ
وإذا قامت قائمةُ حقٍّ وصدقٍ في الدفاع عن دينِك والنشر بأي وسيلة تحبها وترضاها فاجعل كلَّ مَن يحضرنا ويسمعنا مِن المبادرين لذلك، والسابقين إلى أوائل صفوفه مع مَن ترتضيهم في مراتب الخلافة عنك، فتجعلهم خلفاءَ الأرض، خلافة يُسرُّون بها ويُكرمُون يوم العرض، يا الله، وإن أمتعتَ بأحد منهم فبعثتَ خليفتَك المهدي فاجعلهم في أنصاره، إن أمتعتَ بأحد منهم حتى نزل عبدُك عيسى بن مريم فاجعلهم في أنصاره، وفي كل وقت وتحت كل ظرف في تبعيَّة حبيبك محمد على بصيرة ينصرونك بالصدق، بالأقوال والأفعال والنيات والمقاصد فيفُون بعهدك ويعيشون مِن جندك ويموتون على ودِّك ويحشرون مع حبيبك وعبدك، اللهم آمين، هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فواصلوا كثرةَ الاستغفار، آناءَ الليل وأطراف النهار، وأكثروا الصلاةَ والسلامَ على النبيِّ المختار، وقوِّموا أمورَكم وشؤونَكم على متابعتِه في السرِّ والإجهار، واصدقوا مع مولاكم عالمِ الإسرار والإجهار جل جلاله وتعالى في علاه، ودُوموا على ذلك، مُوفِين بعهده، فإن سرَّ هذه المجامع وبركتَها يظهر أكبر يوم المحشر (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا).
اللي أقبلوا واللي أدبروا كلهم سيحضرون، واللي يصدقون كلامنا هذا واللي يكذبونه كلهم سيحضرون، وسيروا هذا الكلام، ولن يحقَّ إلا هذا الكلام، وكل ما خالفه سيذهب باطلا، ويُقال لكل من خالف المنهاج هذا (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا * أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا) اللهم اجعلنا مِن أصحاب الجنة، أصحاب الجنة أصحاب محبة محمد، أصحاب ولائه ومتابعته هم أصحاب الجنة، والجنة إيمان به محبة له متابعة له، هذه هي، صاحِبها وأنت من أصحاب الجنة، إذا صاحبتها فأنت من أصحاب الجنة، وإن ما يتكوّن في هذا العالم، وفي أيام هذه الدنيا الشريحة، وتُنشر في العُقبى، هذه الآن تتكون الشريحة الجنة والنار كلها هنا عندك، كلها هنا، والنبي لما يبين لنا ذلك يقول (الجنة أقربُ إلى أحدكم مِن شراكِ نعلِه)، والنار مثل ذلك، ثم يرفع البيان يقول (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)، ادخلوا وسطها، لأن هنا نعدي بها يا رسول الله، ما رياض الجنة؟ (حلق الذكر)، فالداعي إلى مثل هذا المجمع هو، هو الداعي إلى مثل هذا المجمع وما نحن إلا في تبعيته، وهل لنا مِن كبارنا إلى صغارنا، مِن أولنا شرف إلا بتبعيته؟ إن كانوا صحابة وإن كانوا أهل بيت وإن كانوا تابعين، وإن كانوا تابعي تابعين، وإن كانوا علماء وإن كانوا أولياء وإن كانوا صدِّيقين وإن كانوا عموم الأمة، ما لواحد منهم شرف إلا بتبعيته، إلا بمتابعته، كل شرفهم جاؤوا به من متابعته، صلوات ربي وسلامه عليه، فهو الداعي إلى هذه المجامع، وكان إذا حضر في مثلها شيخنا الحبيب عبدالقادر يقول عاقد اللواء لهذه المجامع محمد، اللي عقد اللواء لهذه المجامع، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمدلله الذي جعلنا في صفِّه، جعلنا في دائرته، الله يثبتنا على محبته، الله يثبتنا على مودته، الله يثبتنا على متابعته، يكرمنا الكرامة الكبيرة، بمرافقته، يشرفنا بمرافقته، ياربي، والذنوب التي تحُول بيننا وبين ذلك ادفعها عنا، اغفر لنا ما مضى، واحفظنا في ما بقي، فثبِّتهم يا ربي، لا تزل قدمُ أحد منهم هنا فتزل هناك، ثبات يارب إلى الممات، وموت على أحسن الحالات، ومرافقة لخير الكائنات، هذه السؤالات، هذه الحاجات، هذه الطلبات، هذه المرادات، بأيدي الخضوع والإخبات رفعناها إليك، يا بارئ الأرضين والسماوات، يا مجيب الدعوات، يا معطي الطلبات، يا قاضي الحاجات..
حاجة في النفس يارب فاقضها يا خير قاضي** في سرور وحبور وإذا ما كنت راضي
فالهنا والبسط حالي وشعاري ودثاري ** قد كفاني علم ربي من سؤالي واختياري
فلا بات أحد منا الليلةَ ياربنا إلا وأنت عنه راض، ولقد ذكَّرنا دعاؤك بلحظةٍ نُشر فيها رايةُ الرضوان على فرد من أصحاب نبيك، لقب بذي البجادين في طلب القرب والمحبة ترك كلَّ ما يملك حتى ثيابه وبقي بالبجادين قدِم بهما إلى المدينة ثوبين خلقين، قبرَه نبيُّنا عند رجوعهم من خيبر، ونزل في قبره، ورفع يديه وقال (اللهم ارضَ عنه فإني أمسيتُ عنه راض)، بسر تلك الدعوة، والداعي الذي دعا بها، والمدعو الذي دُعِي له بها انظر إلى هذا الجمع، وارحم هذا الجمع، ومن يسمعُنا ليصلنا سنا هذه الدعوة، وسرَّ هذه الدعوة، وبركةَ هذه الدعوة، تثبُت معنا أبدا، نسألك الرضى..
يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى ** يا الله رضى يا الله رضى يا الله بتوبة والقبول
ولا نزال نلحّ عليه، اليوم في جمعنا في هذا المولد وهذا الجمع المبارك، والقابلة نجتمع لختام هذه الدورة مترقِّبين النظرة، ولابد من نظرة، ببابِ مَن نزلنا؟ على فناء مَن أنَخنا رواحلَ إقبالنا ووجهتنا؟ لله الحمد، عسى تمام النعمة، وإن شاء الله تنفتح أبواب الفرج لنا ولكم وللمسلمين.
نشكر الله ونحمده، مرَّت بنا الأيام كلها، في صلواتنا في قراءتنا في ختومنا في عاداتنا في عواداتنا، ما كدّر علينا مكدِّر ما شوش علينا مشوش ما خوَّفنا أحد، من جميع أهل الأرض، إنسهم ولا جنهم، في حماية من؟ في رعاية من؟ بفضل من؟ تعيشون لو كنا نعيش وقدها أيام المهدي أو غيره لكنا في هذه الطمأنينة والسكينة وهذا الخير كما هي، زيادة من فضل الله تبارك وتعالى من أين جاء هذا؟ شي من الدول تقدر تعطينا إياه؟ لا دول ولا شعوب، لكن رب الأرباب، لكن الكريم الوهاب، والواسطة سيد الأحباب، وأهل حضرة الاقتراب، والله يتم النعمة علينا وعليكم.
مرة قال حبيبنا الواحد يقول له (أسألك تمام النعمة)، قال (أتدري ما تمام النعمة؟)، قال (ما تمام النعمة يا رسول الله؟)، قال (دخول الجنة) والاجتماع هناك وسط الجنة، والله يتمّ النعمة، والله يتم النعمة علينا وعليكم، ويعجِّل بكشف الشدائد والبلايا، عن عدن، عن تعز، عن صنعاء، عن اليمن كله، وعن الشام وعن الشرق والغرب، يا الله، وما آتانا وآتى الصالحين على ظهر الأرض والمتعلقين بهم من أمن وطمأنينة وتيسير يضاعفه ويبارك فيه ويقويه ويزيده، وينشره في بقية البقاع، وبقية الجهات، وخطط أعدائه أعداء الدين والمُرجفين والمرعبين والمؤذين للمسلمين يرد اللهُ كيدَهم في نحورهم، ويصرف الله جميعَ شرورهم، يا مَن عليه المعتمد يا مَن إليه المستند، يا ربنا واحد أحد، انظر إلينا بالنبي، انظر إلينا بالنبي، وأصلح الشان كله يا قوي، وادفع عنا شر كل غوِي، يا أرحم الراحمين، فرِّج على المسلمين، وأصلح شؤونَنا وشؤونَهم أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلِّ وسلم على المصطفى وآله وصحبه ومن سار في دربه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
للاستماع إلى المحاضرة
لمشاهدة المحاضرة