08-2015
27

محاضرة مكتوبة بعنوان: وجهة المؤمن وسلوكه هما أساس خلافة الحق وسعادة الدارين

محاضرة مكتوبة للحبيب عمر بن حفيظ في  دار المصطفى ليلة الجمعة 6 ذو القعدة 1436هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: وجهة المؤمن وسلوكه هما أساس خلافة الحق وسعادة الدارين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، جامعِنا على وحيِه وتنزيلِه، وعلى ما بعثَ به خاتمَ رسلِه، نسأله أن يوفِّرَ حظَّنا من الصِّلة به جل وعلا، ومِن الاقتداء بحبيبِه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم نيةً وعقيدةً وقولاً وعملا، وأن يجعلَ لنا سبحانه وتعالى في هذا العالم الذي نعيش فيه صلةً شريفةً بالملأ الأعلى، مِن حيث أن ربَّ الكائنات واحد، إذا صدق معه عبدٌ من العباد على ظهر الأرض اتصل بهِ الملأُ الأعلى واتصل بهم، وكانوا في وِجهتهم إلى هذا الإله الواحد ما ذكر اللهُ عن خاصةِ عباده، من أمثال النبيين الذين شطحَ فيهم بعضُ مَن ادعى تبعيَّتهم وادعوا لهم الألوهية، كما عملوا في سيدنا عيسى بن مريم، أو في سيدنا عُزير، وغيرهم من الأنبياء.

قال الله عن حالِ أولئك الأنبياء (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) أي هم يطلبون مَن هو أقرب مِن الله ليكون لهم وسيلةً عند الله جل جلاله، (يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ)، فشأن هذا القرب الذي ضمَّ العبادَ المقربين، وربط آخرَهم بأولهم مراتب ودرجات إلى كبار كبار المقرَّبين وهم الأنبياء والمرسلون، قال تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، وقال ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)، ولكن ربطتهم الرابطة التي نسمع عنها في كلام ربنا، جل جلاله، (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) الذين على ظهر الأرض، (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )، ويذكرون آباءهم، ويذكرون ذريَّتهم، ويذكرون أزواجهم في دعائهم.. من؟ حملة العرش، الذين يحملون العرش ومَن حوله، رابطتهم بهؤلاء جمعَهم صلةُ القرب والتقرُّب إلى الله تبارك وتعالى، وتقرَّبوا إلى الله بالدعاء لهؤلاء وذكرِ فضلِهم ومجدِهم، وذكرِ آبائهم وأزواجِهم وذرياتهم، يذكرون آباءهم وأزواجهم وذرياتهم، وهذا يعطينا إدراكُ واجبِ كيف ينبغي أن يكون بعضُنا لبعض، كيف ينبغي أن ينظرَ بعضُنا إلى بعض؟ إذا كان هؤلاء حملة العرش مع هؤلاء، وهؤلاء الذين تابوا واتبعوا السبيل ربما ما سلِموا من غيبتِك، ولا سلِموا من سوء ظنك، ولا سلِموا مِن أذاك، ولا سلموا من التقصير في حقوقهم وربما.. وربما، قطعتَ هذا وآذيتَ هذا أو أضللتَ هذا، والعياذ بالله تعالى، وكان واجبُك أن تبذل الوسعَ في نفعِهم بما تستطيع وفي خدمتِهم بما تقدر عليه، فالخلقُ كلهم عيال الله، وأحبُّهم إلى الله أنفعُهم لعياله.

 مسالك جاءتنا بها النبوةُ والرسالة، شغلت أفكارَنا عن إدراكها وتطبيقها ما يرسل إلينا قُطَّاع الطريق مِن فكرٍ غير مستنير، فكرٍ غير صالح، فكرٍ غير حق، ما أرسلوا إلينا مِن تلك الأفكار انبهرنا بها، أنزلناها غير منزلتِها، وضعناها غير موضعها، وحالَت بيننا وبين إدراك توجيهاتِ الإله الخلّاق، وتعليمات حبيبِه عظيمِ الأخلاق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. الذي ليس حاجة البشر إلا إلى اتباعه، وإلا إلى الاقتداء به، فأسعدُهم في الدنيا والآخرة أقربُهم إليه، وأحسنُهم اقتداءً به، والبيان الإلهي يقول لنا فيه ربنا (قُل) قل لهم وبلِّغهم، (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي) والجزاء (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وما ترى في طيِّ هذا حل مشكلاتِك؟ إذا أحبك وغفر لك ذنوبك، ما تنطوي جميع حلول مشكلاتك في هذا؟ إذا أحبك الجبارُ القهارُ القادرُ القويُّ الغني الذي بيده ملكوتُ كل شيء.

 ما مشكلتك في الدنيا والآخرة إلا أن يُعرِض عنك، إلا أن يبغضَك، إلا أن يُسلِمك لغيره، أو يُسلِمك لعذابه والعياذ بالله هذه مشكلتك في الحقيقة، وما سوى ذلك شيء من المشاكل إنما تتفرع عن هذه المعاني أو عن هذه الحقائق، فنوِّر عقلك، طهِّر قلبك، تدرك سنة ربِّك مكوّن الكون، غرّك الكونُ والمخلوقون في الكون، ونسيت المكوِّن؟ هو أعلم بخلقِه (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)، (مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) أقم هذا التحدي لهذه العقليات لتستنير (قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، (بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) تأويل هذا الكتاب مِن كلِّ الوعد والوعيد الذي فيه مقبل على الناس، (لَمَّا) أمر قريب سيأتي (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)، وسيأتي تأويله.

 فنرى مَن عاش معنا على ظهر الأرض بمختلف الأفكار، ومَن قبلهم ومَن بعدهم مِن المكلفين (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) لا رابع بها (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)، (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) وتشوية بالجحيم، بالنار.. كان عنده رصيد في البنك وبعدين، كان عنده رصيد في البنك، كان وزير وبعدين، كان رئيس وبعدين، كان رئيس دولة كبرى، وبعدين؟ (فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) هذا مصيرُه.

 قل لكل من أعرض عن الله، تلقَّب بما شئتَ من ألقاب الدنيا وحِلَّ ما شئت في مناصب الدنيا ومظاهرها، هذا مستقبلُك وهذه نهايتُك وهذه غايتُك وعزَّةِ ربي، لن يعفيَك منها وظيفة، ولن يعفيَك منها دولة، ولن يعفيَك منها أحدٌ ممن في الأرض أجمعين (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) وما لهم في الأرض من نصير، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).

 يا أهل الجمع المبارك: اصغوا بقلوبِكم لنداءِ الحق تعالى وتبارك، تدركوا المُلك الأكبر، وتمر حياتُكم بألطاف مِن واسع الألطاف في الظاهر وفي الخاف حتى تلقَوه، في خلال هذه المدة يُغرى الناس ويُغوَون، حاجات جعلها في سنته يحتاجها الإنسان، مطعم ومشرب ومسكن وملبس، ويحتاج فوقها إلى أمن واستقرار، كل هذا إذا أخذه مِن غير وجهه، ومن غير حلِّه أو تصرَّف فيه بمخالفة منهج خالقه فلن يغنيَه شيءٌ مِن تلك الأشياء مهما حصَّل فيها، ومهما نقص عليه فيها، ولكن الغاية الكبرى منتظرة لنا، والحياة الدنيا أصفى النفوس فيها الصادقة مع الله، التي باعت فقُبِلت فربح بيعها، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سمعها الصحابة فنادوا كلمتهم المشهورة "ربح البيع فلا نقيل ولا نستقيل، ربح البيع فلا نقيل ولا نستقيل"، لكن ما وصفهم؟ (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ)، هؤلاء أهل الوفاء بالعهود، (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ، اللهم اجعلنا منهم، وزدنا إيماناً وزدنا يقيناً يا أكرم الأكرمين.

مِن أعظم مقاصد هذه المجالس أن يزداد إيمانُك، وإذا ازداد إيمانُك قمتَ بواجبك في الحياة، إن استقبلك زواج وجاء وقت عقدك أو جاء وقت مناسبات الزواج، أو حملت بعد ذلك أهلُك، أو جاءك المولود أو اضطربت أحوالٌ مِن حواليك، أو تبدَّلت أو تغيَّرت، أو كنتَ في سفر أو في طريق أو في حبس.. إلى غير ذلك. إذا ازداد إيمانُك عرفتَ كيف تتصرف في هذه المواطن كلِّها، وصرتَ خليفةً لله في أرضه حيثُما كنت، تحت أي حال من الأحوال.

 ولمّا بدأت في فترة من الفترات بعضُ هذه الظروف التي يبتلى الخلق بها، جاء هذا الحكم الشيوعي إلينا في المنطقة، ومِن أول مَن حبسوه الحبيب محمد الهدار عليه رحمة الله، وطلعوا به من داخل حضرموت هنا من تريم سيؤون إلى المكلا، وفي سجن في المكلا كلما وقفوا السيارة في مكان خرج وفرش رداءه يصلي، ويخاطب المسؤولين الذين كانت لهم مراتب في الحزب، يقول صل.. فيقول ثوبي نجس، يقول خذ ثوبي وصلِّ، وهم: منهم مَن يفصح بالإنكار للحق كله، وللدار الآخرة.. وهو يؤدي واجبَه في دين الله تعالى معه صغُر أو كَبُر يعمل ما يعمل، يحثهم على أن يتصلوا بربهم، قم صل للمولى جل جلاله. ودخل في السجن وعمرَه بالأذكار والطاعة والعبادة والعلم والتعليم، والمساجين اللي معه نسوا الهمَّ حقهم، وجلسوا يتعلمون ويذكرون حتى قضى مدة.. ولما خرج كيف ستخرج وتتركنا!؟

وكان يقول للوالد وبعض علمائنا: عسى حبسِي هذا يكون فداء لكم، ويبعد السوءَ عنكم، ثم لما التقينا به قال لا أدري أن هذه الأشياء ستأتي، وفي خروجه إلى ناحية اليمن توبع وسلمه الله تبارك وتعالى وجاء بعده ما جاء في البلدة.. وما إلى ذلك.

 ولكن نقرأ من هذه الحوادث وهذه الظروف المارة بالناس أن الفائزين هم من صدقوا مع الرحمن، مَن قويَ إيمانُهم، من طبّقوا شرعَ الله، والمأسورون لمختلف الأفكار والاتجاهات، والمذاهب والأحزاب والحكومات المنقطعين عن الله خاسرون خاسرون خاسرون! ومَن مات منهم على ذلك الحال في الخسار يُخشى عليه الخلود في النار، نكلِّمكم عن مستقبل أكبر، الخلق كلهم قادمون عليه، آمنوا أو كفروا، صدقوا أو كذبوا، قال صاحب الرسالة (إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، والله لتموتنَّ كما تنامون ولتبعثنَّ كما تستيقظون، وإنها الجنةُ أبدا أو النار أبدا)، (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) ولا تضحك عليكم هذه التيارات التي لعبت بأكثر الناس قديماً وحديثاً، وستلعب بمن أراد الله أن ينحرف، وسيأتي مظهرُها الأكبر إن كان الآن مقدمات الدجال يرسلها في مظاهر هنا وهناك، تغري وتغوي ومنها ما يتنكّر للدين ومنها ما يتشدق باسم الدين، والعياذ بالله تبارك وتعالى.. على غير بصيرة وبيّنة، مهما كان من ذلك فستأتي الفتنةُ الكبرى في وقتها، فتنة الدجال، بعد أن تكون فتنة سماها النبي دهيماء، أي تعم العامة، لا تترك أحداً إلا لطمَته، ولا تترك مكان إلا جات اللطمة منها.

 واحمدوا اللهَ على اللطف الذي فينا وفي كثير من عباده، والله يدفع عنا شرَّ لطماتها وآفاتها، ولكنها تنتهي هذه بأن يصير الناسُ بعد ذلك إلى فسطاطين، فسطاط كفر ونفاق لا إيمان فيه، وفسطاط إيمان لا نفاق فيه، بعدها أوشكت الساعات الكبرى أن تظهر ويأتي سيدنا المهدي، ويبعث المسيح الدجال أكبر الفتن، والإغراءات نفسها بالماديات، وبالأموال، ودعاوي من طريق الدين يدَّعي أنه رسول، ثم يدَّعي أنه رب، وأنه إله العالم وأن عنده جنة ونار، والذي يسميه جنة نار والذي يسميه نار جنة، وهم اليوم يعرضون عليه، اللي يسمونه لك جنة نار، والذي يسمونه نار هو الجنة، انتبه لنفسك، هذه الارشادات من فوق جاءت، فأما الذي يرونه الناس ناراً فنهرٌ بارد، وأما الذي يرونه الناس نهراً بارداً فنارٌ تلهب، وكثير من أتباعه، يتبعونه يدخلهم إلى جنته إلى النار فيحترقون، وخسروا الدنيا والآخرة (ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).

 كن على بصيرة وقم بحقِّ الله تبارك وتعالى، حكّم شرع الله تعالى، هذا كان في سجن يقيم أمرَ الله وحُكمَ الله، قال أصحاب سيدنا يوسف لما دخل عندهم، ورأوا الوجه، قامت الدعوة إلى الله بالنظر، قامت الدعوة إلى الله بالخطاب، قامت الدعوة إلى الله بالسلوك وسط السجن، فكان منهج الله مطبّقاً وسط السجن على يد الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وقالوا (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وتحدث معهم، وقال الأمر قائم في الحياة على طريقين هدى وضلال، وخير وشر، (لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)، ما القضية؟ (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) هذا الصنف الذي يكفر بالآخرة ولا يؤمن بالله، أهل عمَه، (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ)، يعمهون، فهم يعمهون ما يبصرون بالبصائر شيء، مثل العميان بالبصر، عمَه بالبصير، فهم يعمهون، يقول هذا الصنف، انا ما اتبعتهم (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي) رحت دورت للصالحين والأخيار، (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ)، وبسط بساط الدعوة (يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ودعاهم إلى دعوة الله وأنبأهم عن خبرهم، فكان مقيماً لشريعة الله تعالى وسط السجن، خليفةً مِن خلفاء الله في ذلك المكان الذي هو فيه، عليه السلام، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، بعد مقدمهم خاتم النبيين محمد، صلى الله عليه وسلم. وربطنا وإياكم به ربطاً لا ينحل.

 بارك الله في اجتماعاتنا وما يدور بيننا، وما نتعرَّض فيه مِن رحماته، وما يقوم من هذه العقود وهذه المناسبات، الله يرزقنا التحرُّر مِن أن يتسلطَ علينا قاطعٌ عن الله، مِن نفس أو هوى أو شياطين الإنس والجن، قد داهموا ديارَنا وغيَّروا حسناتِنا إلى سيئات، طيباتنا إلى خبيثات، زيَّنوا لنا الأزياء الخبيثة والكلمات الخبيثة، والاختلاط والحركات المزريات البعيدة عن المروءات، وزيَّنوا الأغاني الماجنات، واستبدلوا الكلام الطيب الذي يشرح الصدر والخاطر، ويفرح القلب ويرتعش عليه صاحبه ويضرب عليه الدفّ، وكل طاعة لله تعالى والرحمة تنزل بدلوها قال هات لك كلمات ماجنة، لتبعد ملائكة الرحمن، لتكثر الشياطين عندك وهات لك حركات خبيثة لتخرجك من المروءة، حتى لا يبقى ملَكٌ من ملائكة الرحمة، وحتى تظهر الكلمات النابية وتظهر الحركات غير الموزونة، من الذي دعانا إلى هذا؟ ولماذا صارت عاداتنا هكذا؟ ومَن قلّدنا؟ ومن اتبعنا؟ وبهدي مَن اهتدينا؟ فاحرسوا الديار واحرسوا المناسبات، يحرسكم الله ويحرس دياركم ومنازلكم، ولا يسلِّط عليكم من يؤذيكم ولا من يستعمل قوة بعضكم على بعض، ولكن أساسها الصدق مع هذا الإله جل جلاله وتعالى في علاه، والله ينظر إلينا وإلى الأمة نظرة يدفع بها البلايا، يكشف بها الرَّزايا، يؤمِّن بها يمننا وشامنا، ويبارك لنا في يمننا وشامنا، يفتح لنا خزائنَ البركة التي كانت في دعوةِ رسوله ليمننا وشامنا، يا رب العالمين، يا مَن أنطقتَ حبيبَك الأمين فسألك البركة لليمن والشام، وقال (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا)، صل عليه وافتح لنا من كنوز دعوته في زمننا، في يمننا وشامنا وشرقنا وغربنا، وتدارك أهل لا إله إلا الله، حيثما كانوا وأينما كانوا، وانصرهم على مَن عاداك، واجعلنا في الهداة المهتدين، الصادقين المخلصين، وبارك في زواجاتنا وبارك في مناسباتنا، وبارك في لقاءاتنا، وبارك في نياتنا، وبارك في وجهاتنا، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به هذا الحبيب الأمين، ولا تصرِفنا من المجمع إلا وقد قبلتَنا يا خيرَ قابل، وقد محوتَ عنك الرذائل وفتحتَ لنا التحلِّي بالفضائل، فإنك أقمت الشريعةَ لذلك.

 ومن مناهجها العظيمة مسالك الحج والمناسك، في هذه الأيام وقلت في مقاصدها جل جلالك وتعاليتَ في علاك (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) الكف عن الأذايا وحسن الخدمة، (برُّ الحج إطعام الطعام ولينُ الكلام)، أخلاق حسنة هي مقاصد الحج، وهي مقاصد الصلاة، وهي مقاصد الصوم وهي مقاصد العبادات، اللهم ثبتها فينا وقوِّنا عليها، واجعل هذا الموسم من المواسم المباركة على هذه الأمة، وائذن بكشف الغمم وانجلاء الظلم ودفع النقم وبسط بساط الجود والكرم يا عزيز يا أكرم، يا مولي النعم، يا من بيده الأمر يا من لا يخيب من له رجاء وله قصد وأمّ، لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين، ففرِّج عنا الغمَّ وعن جميع المؤمنين، وأصلح شؤونَنا بما أصلحتَ به شؤونَ الصالحين، ولا تصرف من مجمعنا أحداً ولا ممن يسمعنا إلا وكتبتَ له الاجتماعَ في ظل عرشك، وعلى حوض نبيك في زمرته المباركة يا الله، يا الله، يا سامع من دعاه، يا مَن لا يخيب من رجاه، مالنا غيرك فانظر إلينا، مالنا سواك فأقبِل بوجهِك الكريم علينا، طهِّر قلوبَنا، اغفر ذنوبَنا، اكشف كروبَنا، تحمّل عنا تبعاتِنا، اعفُ عن سيئاتنا، تجاوز عن خطيئاتنا، يا حي يا قيوم يا الله، أسعِدنا بنداك، وأسعِدنا بدعاك وأسعِدنا بالقبول، وأنلنا بفضلك غاية السول يا بر يا وصول، يا الله، أيدي الفقراء إليك امتدت وأنت الغني، أيدي الضعفاء إليك ارتفعت وأنت القوي، أيدي العبيد إليك ارتفعت وأنت الإله، يا حي يا قيوم يا الله، يا الله، يا الله، يا كاشف المحن، يا دافع الفتن يا صارف شرور الزمن يا عالم السر والعلن، يا حي يا قيوم يا الله، يا الله، نشكوا إليك ما حل بنا وبالأمة، اللهم فاكشفِ الغمة، اللهم عجِّل الجودَ والرحمة، اللهم حوِّل الأحوال إلى أحسنِها، يا محوِّل الأحوال يا حي يا قيوم يا الله.

 وقلوب الحاضرين والسامعين لا تجعل فيها سبباً لبليّة، ولا لفتنة على الأمة المحمدية، يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبّت هذه القلوب على دينك، واجعل لنا عزمات ونيات، مفاتيح للرحمات والخيرات والبركات، والفرج العاجل واللطف الشامل، يا مُنيل المسائل يا دافع النوازل والبلايا والشواغل، يا حي يا قيوم يا الله، وحاشا مَن وفقكم وجمعكُم على الوجهة إليه، أن يردكم خائبين أو عن بابِه مطرودين، هو أرحم الراحمين وأنتم عبادُه ومن أمةِ حبيبه سيدِ أهل ودادِه، فبمحمد ارحمنا، وانظر إلينا واعف عنا، وقربنا إليك زلفى واجعلنا من أهل الصدق والوفاء. والحمد لله رب العالمين.

للاستماع إلى المحاضرة كاملة

لمشاهدة المحاضرة