محاضرة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 22 صفر 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: رُكنا الفوز: الإيمان والتعظيم وما يترتب عليهما.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي دعانا إلى فضلِه وإلى إحسانِه، وإلى رحمته، وإلى كرمه، وكانت دعوتُه إيانا بفضلِه وإحسانه، وبجوده وبكرمه، ثم ابتدأ فأحسنَ وتكرَّمَ وتفضلَ بالتوفيق للإجابة، فحرَّكَ الدواعي في القلوب والأرواح، ما أمد بالتوفيق فسارت الأشباح، حتى حضرت حيث يُدار الراح وحيث يفتح الفتّاح.
وجاءت مقتديةً بإمامٍ ارتضاه الرب لها إماماً، وجعله سبحانه وتعالى مقتدىً لخلقه في كل خير مِقداما، وكل مَن تابعَه قضت إرادةُ ذات الإله العلية بأن يدخلَه في دائرة المحبوبية (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) يحببكم الله.. أتَقْدر قدرها؟ (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) الذين لا يطيعون الله ولا يطيعون الرسول، الذين زاغت بهم القلوب، وزاغت العقول، زاغوا فزاغت قلوبُهم وعقولُهم والعياذ بالله تبارك وتعالى، فلا يطيعون الله ولا يطيعون الرسول.. أهواء.. نفوس.. تُطاع، شهوات تقودهم اليوم.. العقول إذا فكرت فهي تلك المُسخَّرة لخنازير الشهوات وكلاب الغضب.. غضبُ الإنسان لنفسه وشهوته البهيمية.. مسخَّرة فليست بالعقول النورانية، ولكن تلك العقول التي تعود خادمةً للسفاسف وأتفه شيء وللشهوات، وخادمة للغضب، خادمة للهوى.. بهذا الحال هم يُقادون على ظهر هذه الأرض، لا يطيعون الله ولا يطيعون الرسول (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)
فبالإيمان يُطاع اللهُ ورسوله، وبالكفر يُعصى الله ورسوله، الله لا يحب الكافرين الذين ليس لهم حقيقة طاعة لله ولا طاعة للرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في أفرادهم وفي مجموعاتهم. وإذا اجتمعوا بمختلف جمعياتهم وهيئاتهم يصدرون القرارات على أساس طاعة الهوى، طاعة الشهوة، طاعة الغضب، طاعة الخنازير والكلاب.. هم هكذا..، فغضبُ الإنسان ككلب عقور وشهواته كخنزير ساقط يحب القمامات يحب الأوساخ والقاذورات.. إلا من تصفى، إلا من تزكى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) عبد الهوى والشهوة ساقط يستحق النار (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) اللهم اجعلنا ممن آمن وعمل الصالحات (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) يعني صدَّقوا وعملوا بمقتضى التصديق.. الصالحات وهو منهاج الله، ما أحب منهم ما شرع لهم سبحانه وتعالى.. هذه الصالحات، فالصالحات ما شرع الله لنا، ما رغّبنا الله فيه، ما أحب الله منا هو الصالحات، وما كرهه وما نهانا عنه فهو السيئات وهو الخبائث، فلا طيبات إلا ما شرع الله ولا خبائث إلا ما حرم الله.
وقد بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ووصفه بهذا الوصف فقال: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ) مكتوب وصفه.. مكتوب حالُه.. مكتوب خبرُه.. مكتوب هيئته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. مكتوب فضله.. مكتوب الإشادة به في التوراة والإنجيل (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ) فليس في ما أحلَّ غير طيب (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) فليس في ما حرَّم غير خبيث، كل ما حرم فهو الخبيث.
واحذر بعد ذلك أن تنازعَ حقيقةَ الإيمان بالله ورسوله فتُصَدِّق نسبةَ خباثةٍ إلى شيء أحلّه الله ورسوله أو نسبة طيبة إلى شيء حرّمه الله ورسوله، أو تُصدِّق هيئة، تصدق مؤسسة، تصدق شركة، تصدق جماعة من هنا ولاَّ من هناك.. الطيبات ما أحل الله ورسوله، الخبائث ما حرم الله ورسوله، قولاً وفعلاً وخلقاً معاملة، الطيب ما أحل الله ورسوله، الخبيث ما حرم الله ورسوله (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) اللهم اجعلنا منهم واجعلنا فيهم يا الله (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ) عظّموه وأجلّوه (وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فالذين آمنوا به يا رب ما آتيتنا من إيمان بهذا النبي في قلب كل منا وممن يسمعنا ثبِّته وزدنا إيمان وقوه يا الله لا ينتهي المجلس إلا ودرجتنا في الإيمان أقوى مما دخلنا وأقوى من عند حين ما سألنا يا الله.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ) إلهنا ابتليتَ هذه القلوبَ واختبرتها وأنت مقلبها فإذا أحببتَ أحدا من عبادك قذفتَ في قلبه عظمتَك فعظّم بتعظيمك مَن عظّمت وما عظّمت فسلمَ مِن أن ينحرف ويزيغ ويزل أو يتعرض للندامة والحسرة على شيء مما عظّم، فيجد نتائجَ كلِّ ما عظّم عظمةً من فضلك تنهال عليه، وعظمةً من جزائك يلقاها عند لقائك، وإذا لم تُرد عبداً من عبادك سلَّطتَ على قلبه تعظيمَ الحقير.. تعظيم الصغير.. تعظيم الفاني، تعظيم الساقط، تعظيم الهابط، فتعرَّض بكل تعظيم لذلك إلى خزيٍ ونَدامة في الدنيا ويوم القيامة.
هكذا يفعل مقلب القلوب بالقلوب ونحن نسأله ونتوجه إليه يا رب هذه قلوبنا بين يديك ما أكرمتها من تعظيم هذا النبي لك ومن أجلك وهو أحق مَن عُظّم مِن أجلك في الأولين والآخرين، في الظاهر والباطن أعظم مَن عُظّم من أجلك وأكرم وأحق من عُظّم من أجلك هذا الحبيب، نسألُك ما آتيتَ هذه القلوب من تعظيمه أن تزيدَها يا الله في المجلس قبلَ أن ينفضَّ تعظيماً لك ولهذا النبي. يا الله.
إن كسبت شيئا من هذا الكسب ولو ذرة منه فهي العملة النافقة في محكمة القيامة، وما محكمة القيامة..؟ يوم يصيح أكثرُ حكام الأرض مُلقَين على الأرض تدوسهم الأقدام.. يُحشر المتكبرون على صور الذر يطؤهم الناس بأقدامهم.. في ذاك الحُكم تمشي هذه العملة، فإن رزقك الله الآن ذرة من هذا التعظيم كانت سببَ نجاتك يوم الهول العظيم.. هذه العملة النافقة النافذة في ذاك اليوم.. يا رب انظر إلى قلوبنا، وما قد آتيتها وتكرمتَ عليها من تعظيم هذا النبي فزِدنا يا ربنا في مجمعنا هذا ومن يسمعنا تعظيماً لك ولرسولك، وكل من سيسمع كلامنا هذا زد قلوبَهم تعظيما لك ولرسولك.. يا الله.
وبعد ذلك (وَنَصَرُوهُ) وما بعد الإيمان والتعظيم إلا الانطلاق في النصرة.. ومن يقدر يتأخر عن النصرة بعد أن يؤمن ويعظم، فإذا آمن وعظم انطلق يريد رضاه.. خُذ من أموالنا ما شئت واترك ما شئت والذي تأخذ أحب إلينا.. واصل حبالَ من شئت، اقطع حبال من شئت.. حارب من شئت سالم من شئت.. نحن حربٌ لمن حاربت وسلمٌ لمن سالمت، إنما أمرنا تبعٌ لأمرك.. إنما أمرنا تبعٌ لأمرك هذا لسان الإيمان والتعظيم.. آمن وعظّم قال رسول الله: لا تقف عند حدود اتفاقية كانت يوم البيعة أننا بُرَآء من عهدك حتى تأتي بلدنا وننصرك في بلدنا.. انتهى.. آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئتَ به هو الحق، أي بلغتَ مِن قلوبنا مبلغ التعظيم فما بقي من خلق الله أكرم منك ولا أعظم خلاص وإذا كان الأمر هكذا فامضِ لما أمرك الله، إنما أمرنا تبع لأمرك، معاهدات الدنيا، أنظمة الدنيا، مسارات الدنيا على جنب، أنت المقصود، يقولون ما يقولون نحن حرب لمن حاربت سلم لمن سالمت، ما نعرف أعراف ولا أنظمة ولا قوانين ولا هيئات ولا مجموعات ولا أحزاب ولا قبائل في الأرض كلها.. نعرفك أنت.
هذا مقتضى الإيمان، هذا مقتضى التعظيم، قال.. من شئتَ حارب، ومن شئتَ سالم، ونحن حربٌ لمن حاربت سلمٌ لمن سالمت، رسول الله وهذه المنَّة ما هو عندنا وحدنا، في أقوام هناك أيضا عندهم هذا، قد تخلف عنك أقوامٌ ما علموا أنك تلقى حربا ولو علموا أنك تلقى حربا ما تخلف منهم أحد، ما نحن بأشد حبا لك منهم، اللهم ارضَ عن هؤلاء الأكرمين الصادقين المخلصين المُنصفين المعترفين المتواضعين المتذللين المنيبين، أحَبُّوا وعظَّموا فوجب على كل مؤمن أن يحبَّهم ويعظِّمهم، ومن لا يحبهم ولا يعظمهم فليس بمؤمن والعياذ بالله تبارك وتعالى، "آية الإيمان حبُّ الأنصار آية النفاق بغض الأنصار" يقول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. من أحبهم يحبه الله ومن يبغضهم يبغضه الله "يا علي لا يحبك إلا مؤمن لا يبغضك إلا منافق" فما يبغض هؤلاء القوم إلا منافق، اللهم ارزقنا محبتَهم وتعظيمَهم.
أحَبوا وعظَّموا فأحبَّهم الله، وعظَّمهم وعظَّم جزاءهم تعالى في علاه، وخصوص أهل بدر منهم، قال سيدنا جبريل للنبي: ما تعدُّون من حضر بدر فيكم؟ قال هم خيرُنا، قال: كذلك من حضر بدر معك من الملائكة هم خير أهل السماء. أعظم من في السماء الذين كانوا معك ذاك اليوم، يوم العطاء، يوم النظر، يوم الصدق، يوم البذل، يوم التضحية، يوم المقابلة لقوى أرضية كافرة بِعُدد وعُدَّة ظاهرة من غير موازنة ولا مكافأة في الموازين.. إقبال بالإيمان، إقبال بالصدق. حتى قال لك كبار صحابك: نبني لك عريشا هنا وتكون فيه وتُحرس، فإن انتصرنا كان ما أحببنا، وإن كانت الأخرى ركائبك حولك تركب عليها وترجع إلى أقوام ما نحن بأشد حباً لك منهم، ينصرونك ويقوم الدين على أيديهم.. الله يرضى عن هؤلاء الصحابة.
ودعا لسيدنا سعد، ورضي الله عن سعد، في مقتبل عمره، رجل في الثلاثينات يتكلم هذا الكلام، ما بلغ الأربعين، مات قبل أن يبلغ الأربعين من عمره عليه رضوان الله تبارك وتعالى، وكان ما كان من أولئك الذين أدركوا الشأن في حقائق الإيمان وتعظيم الحق سبحانه وتعالى وحبيبه المصطفى من عدنان.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) يا رب كلٌّ منا منحته نصرة في شيء من أعضائنا نصرناه بما اتقيناك فيها، وبعض الخذلان فيما كان منا مما عصينا وخالفنا، وفي أسرنا ووضعها ومناسباتنا، أعطيتنا نصيب من النصرة وأهملنا وضعُفنا في كثير من الأشياء فبرز بيننا ما لا يرضيك ولا يرضيه ولا تحبه ولا يحبه، يا الله فاكشف هذا البلاء عنا وارزقنا كمالَ نصرته، يا الله زِدنا نصرةً لهذا الحبيب حتى تكمل النصرة منا لك وله بالأقوال والأفعال والنيات والمقاصد والأموال والأنفس والأرواح وبكل ما آتيتَنا فتجعلنا ممن نصرك ونصره يا الله.
وفِّق مَن يسمعنا ومَن في بيوتنا لزيادة أنوارِ نصرتِك ونصرته، لا تخذلنا نعيش في نصرة نفوس عليك وعلى رسولك، في نصرة أهواء عليك وعلى رسولك، في نصرة أعراف عليك وعلى رسولك، في نصرة أنظمة عليك وعلى رسولك، في نصرة مَن عليك وعلى رسولك، لا تخذلنا يا رب، لا تُهِنَّا يا رب، لا تسقطنا إلى هذا الحضيض يا رب، أنتجرأ فننصر هوى أو شهوة أو عدو عليك وعلى رسولك.. على منهاجه.. على سنته.. ننصر أي شيء في هذا الوجود.. رُحماك يا رب، حنانَك يا رب، مسامحتَك يا رب.
لا ترمِ بنا ننصر شيئا من الكائنات عليك وعلى رسولك فمن نكون إذاً..!؟ ارزقنا نصرتك ارزقنا نصرة رسولك، في نصرتك ونصرة رسولك نقهر أنفسَنا، نقهر أهواءنا نقهر شياطين الإنس والجن، صغارا وكبارا، أفرادا وجماعات حتى لا نحب إلا ما أحببت، ولا نرغب إلا فيما له رغَّبت، ولا نعمل إلا ما شرعت يا الله.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ) إذا قطعوا هذه المسافات فالنور متلألئ في قلوبِهم مِن عطاء الحق، النور الذي أنزل مع محمد إن با تفَسّرُهُ بالقرآن فسِّر، با تفسّره بالسنة فسِّر، با تفسّره بالذات فسِّر، نور معه، نور أنزل معه، فلا يحويه إلا باريه، نور أنزل معه لا أنا ولا أهل التفسير من الأولين والآخرين نحيط بعُشر معشاره، نور أنزل مع محمد، لكن طريقته تؤمن به، تعظمه تعزره تنصره انفتح لك النور (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) هذه شهادة من الله.. كما أي شهادة!؟ هذه شهادة رب العرش رب العزة (أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
قال الله لحبيبه بَيِّن لهم وصَرِّح: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أنا ما جئت من عند هيئة ولا جماعة ولا حكومة ولا قبيلة، أنا جئتكم مِن عند ملك السموات والأرض. (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) اللهم اهدنا بهذا الهدى. (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فكيف للمسلمين أن يُخدعوا بشيء من الأنظمة، أو يُغروا بشيء من الترتيبات المالية أو الاجتماعية أو الصحية أو السياسية تخرج عن منهج محمد..!؟ (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) لماذا وضع الله هذه الكلمة.. يقول اتَّبَعُوا عبدي ونبيي موسى كليمي فجعلتهم بهذه الصورة وأبرزت لكم هذا، أفترون إذا اتبعتموه وقمتم معه ما أعطيكم كما أعطيت هؤلاء!؟ ( مِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) فاتبعوا أنتم هذا حبيبي صفوة أنبيائي، أجعل فيكم من يهدون بالحق وبه يعدلون، عليهم رضوان الله تعالى، وقد أبرزهم الله في كلِّ القرون على مدى القرون فهم هم محلُّ نظر الحق الحي القيوم الذي يقول للشيء كن فيكون، وهم في الجنان خالدون، اللهم ألحِقنا بهم يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) إلهَنا قلتَ له ينادينا فنادانا وقد سمعنا وتكرر السماعُ منا حتى اجتمعنا متوجِّهين إليك نتلوا ما أنزلت عليه (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) آمنا به وصدقناه وشهدنا أن ما جاء به الحق، وبدعوته اجتمعنا هذا الاجتماع على ذكرك، على شكرك، على دعائك، على التضرع إليك، على التواصي بالحق والصبر، على الاستعداد للقائك، على القيام بالعمل بشريعته، فلك الحمد ولك الشكر.
وكُنّا عَدَماً مَحضاً فخلقتَنا، ثم دعوتنا ثم أكرمتنا بالتوفيق وأحضرتَنا وأسمعتَنا، بعد هذا أتمم نعمتك علينا أتمم نعمتك علينا ووفقنا للإتباع، وفقنا للعمل، ارزقنا الزيادة من الإيمان به، ومِن تعزيره ومِن نُصرته صلى الله عليه وسلم، ومن إتّباع النور الذي أنزل معه في من كل يوم من أيام أعمارنا الباقية، وكل ليلة من ليالي أعمارنا، وأكرِمنا بزيادة في كل ساعة مما بقي من ساعات أعمارنا حتى تأتي لكل واحد منا آخرُ ساعة وهو على حال جميل، طيِّب بينك وبينه يحب لقاءك وتحب لقاءه، أول ما يبدو له من الوجوه وجه هاديه، ووجه داعيه، الدال عليك يا الله يا الله يا الله أكرمنا بذلك وأتمم علينا النعمة يا الله يا الله, هؤلاء اجتمعوا وسعَوا، وهؤلاء توجهوا واستمعوا فلا تحرم أحداً، ولا تقطع أحداً، ومن في ديارهم ومن حواليهم وأقاربهم عُمَّ بخيراتك ومبراتك ورحماتك يا واسع الرحمة يا الله، أبوابك الواسعة نستفتحها، وقد رأينا سرَّ استفتاحها قائماً من سرِّ إرادتك الأزلية وتخصصيك لصاحب الحضرة العظيمة المحمدية، وأسرار من وقف بسرِّ إتباعه على تلك الأبواب فاستفتحوها ففتحت فما جئنا إلا ومعاني الاستفتاح من جميعِ النواح تُطرب الأرواح، واستفتحنا أبوابَ منَّتك يا فتاح، يا الله فلا تحرمنا العطاءَ والأرباح، وروِّح بذلك منا القلوب والعقول والأرواح، وزكِّنا تزكية وامنحنا يا منَّاح، واسقِنا من شريف الأقداح، وأحلى الراح ما وهبته الصُّلاح وأهلَ الفلاح، يا مَن هو ليس بالعطايا شاح، يا حي يا قيوم يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين، على بابك وقفنا، وبفنائك أنخنا، وبحبيبك وأهل حضرته توسلنا، ورحمتَك أمَّلنا، وجودَك رجونا، وفيما عندك طمعنا، وإلى وجهك الكريم قصدنا فارحمانا وانظر إلينا وقرِّبنا وافتح الأبواب لنا يا فتاح يا فتاح يا فتاح، افتح لنا بابَك واجعلنا مِن جملة أحبابِك.
يا فتاح ليلة إصلاح، وليلة فلاح، وليلة سُقيا من كريم الراح يا الله ، إن غشَّ الأرواح سقيا مما لا يساوي شيء فارحمها واسقِها من شريف هذا الراح يا الله، استسقه يَسقِكْ، يا الله "يا عبادي كلُّكم ضالٌّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم" اللهم اهدنا فيمن هديت، يا الله نستسقيك لقلوبنا وأرواحنا، وما غشَّها من الشراب المُر الذي توهمت حَلاه فغُشّت به خلِّصها من شرِّه وأذاه وبلاياه واسقنا كأسَ محبتك، وأدخِلنا في أحبَّتك وتفضَّل علينا بمنَّتك.. يا الله.
عَقَدَ لواء المجالس إلى يوم القيامة من كل صافٍ منها حبيبُك فبعاقدِ اللواء بارك في مجمعنا واسق الحاضرين واسق السامعين واسق المُوالين سُقيا الإيمان سُقيا اليقين.. سُقيا المحبة، سقيا المحبة سقيا المحبة، يا رب مع الأحبة يا رب مع الأحبة يا رب مع الأحبة يا الله.. قلبُ سعد بن معاذ مَن سقاه.. لولا فضلك ما عرف سعد محمدا ولا سَعِد سَعد بمحمد ولا قال قولته، ولا سار سيرتَه، ولا كانت تلك خاتمه.. أنت تفضلت عليه.. فيا متفضل على المهاجرين. يا متفضل على الأنصار.. يا متفضل على أهل بيعة العقبة.. يا متفضل على أهل بدر.. يا متفضل على أهل أحد.. يا متفضل على أهل بيعة الرضوان.. أيدي الفقراء تسألك أن تُلحق الآخرين بالأولين وأن تُدخلنا في دوائر أولئك المُكرمين، فلا تحرم عيناً من عيوننا النظرَ إلى وجوههم يوم الدين، والورود في مواردهم يا أكرم الأكرمين، حتى نشرب من حوض الأمين، ونمر معه على الصراط في أول المارِّين، وندخل معه الجنة في الداخلين، وأنت عنا راض يا الله، وموجبات القطع عن ذاك نسألك أن تكفيَنا شرَّها كلَّها يا الله، ما لم يجرِ منها فأبعده عنه إبعاداً وزحزحه زحزحةً واطرده عنا طرداً.
وما قد كان منا فأنت المعالج وأنت الطبيب وأنت المُداوي (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) وأين يذهب عبادُك المذنبون؟ وإلى من يلجأ عبادك العاصون؟ أَلَهُم ربٌ غيرك فيدعونه.. أم إلهٌ سواك فيرتجونه، وعزتك جلالك وبأسمائك وصفاتك ليس لنا ولهم إلا أنت وحدك فإنه لا إله غيرك، ولا ربَّ سواك ولا من يقدر على المغفرة دونك أبداً أبداً أبداً أبدا.. فيا من تفرّد بالجلال والعظمة والكبرياء وكان هو الرب لكل شيء.. المالك لكل شيء.. الخالق لكل شيء.. اغفر لنا كلَّ شيء، وسامِحنا في كلِّ شيء، واعفُ عنا في كل شيء، وأصلِح لنا كلَّ شيء، ولا تسألنا عن شيء، ولا تعذِّبنا على شيء يا الله، لا خاب من يرجوك، ولا رُدَّ من يدعوك، يا ملك الملوك يا حي يا قيوم يا الله، أين نذهب، ما لنا غيرك مذهب، ولا لسواك مهرب، يا من لا ملجأ ولا منجأ منه إلا إليه، انطرحنا عليك، وقمنا بين يديك فاقبلنا على ما فينا، وأقبل بوجهك الكريم علينا، اجعلنا في خواص (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آمين يا الله آمين يا الله آمين يا الله.. برحمتك يا أرحم الراحمين..
الله الله يا الله لنا بالقبول.
للاستماع إلى المحاضرة
http://www.alhabibomar.com/Lecture.aspx?SectionID=8&RefID=6781
لمشاهدة المحاضرة
https://www.youtube.com/watch?v=AW_aGbdvegY