محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 15 رجب الأصب 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: آثار الوجهة والمحبة في الدارين بكل مرتبة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمةِ التوجُّه الى الله، وهي النعمةُ التي لا تحصلُ ولا تصدرُ ولا تكونُ في العالم الخَلقي إلا بعد مِنّةٍ مِن الله سبحانه وتعالى، فهو الذي توجَّهَ بإفضاله علينا قبل أن تتوجَّه قلوبُنا وعقولُنا وأرواحُنا إليه، فهو الأول، وهو المتفضِّل، وهو المتطوِّل، وبين يديه تجتمعون، وإلى التذكير بعظمته وجلاله وكبريائه ومنّته وبحبيبه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ورحمته ورأفته ونورانيته وتفضُّلُ الله عليكم تستمعون وبذلك إلى الله تتوجهون، (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا).
فاستبقوا الخيرات في مختلف الحالات في التوجُّه إلى رب البريات جل جلاله، فإنَّ أكثرَ وعامَّة الحكومات والشعوب الموجودة على ظهرِ الأرض مُستخدَمون في توجُّهاتهم كلِّها للفانيات وراءهها يلهفُون ويلهثون، ويبذلُون لها مِن أعمارهم الغالية ومِن قلوبهم النويرة، القلوب التي تستطيع أن تحملَ نورَ المعرفةِ لله، فيوجِّهونها للتعرُّف على المقاصد الفانيات مُنقطعين إليها، محبوسين إليها، وعلى ذلك يجري أكثرُ أحوالهم هنا وهناك جرياً في خلال كل أسبوع وكل شهر لتحصيل ما يتمكن به من سكنه وأداء أجرة سكنه وملبسه ومشربه ومأكله، وإن تمكَّن مِن شيء فمِن حظوظ شهواتِه ونفسِه فقط، هذه حياة ساقطة هابطة ناقصة، ما خلقنا الله لنكون كذلك، ولا أوجدَ الأرضَ لنكون كذلك، ولكن أرسل الرسلَ وأنزل الكتبَ لنرتفعَ فوق ذلك، ولنكونَ أسمى في وجهاتنا ونياتنا ومقاصدنا، في أنحاء إراداتنا، في توجُّه قلوبنا، لنكونَ أرفع، لنكونَ أعلى، لنعيشَ في الحياة القصيرة على عمارةِ الحياة الطويلة، على حسن الاستعداد بالتزوُّد بأشرف زاد للقاءِ ربِّ العباد وجوارِه في نعيمٍ ما له مِن نفاذ، في ذلك الجوار تجاوِر أهلَ حضرته، تجاوِر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، تجاوِر بينهم كبارَهم، تجاور بينهم سيدَهم صلوات ربي وسلامه عليه محمدَ بن عبد الله، اللهم اجعلنا في ذلك الجوار مع حبيبك المختار والأنبياء الأطهار، والأولياء والأخيار، والشهداء والصالحين الأبرار.. يا عزيز يا غفار يا الله.
ولقد توجهَت طلباتُ المقربين مِن عبادك بل وأنبيائك أن ترافقَهم بأولئك، ومضى على ظهر الأرض قومٌ ممَّن بلغتهُم الدعوة ولم تنبعث قلوبُهم لطلبِ ذلك ولا أهمَّتهم قلوبُهم ونفوسُهم لأن يسلكوا ما يقرب إلى ذلك من شريف المسالك، وإنا نطلبك مع الطالبين، ونسألك مع السائلين يا ملك الممالك أن تنيلَنا ذلك الطلبَ بقُربِ الحبيب الأقرب والمقرَّبين من عبادك، في دار كرامتِك وجوارِك وجوارِ أنبيائك وأوليائك، فحقِّق لنا ما نطلب وزِدنا مما فيه نرغب ما أنت أهلُه يا رب .. يا رب .. يا رب .. يا الله .. يا الله .. ومَن سمع هذا الطلبَ والرغبَ مِن الحاضرين معنا ومَن يسمعنا مِن إنسك وجنِّك فحقِّق لكل منهم نيل ذلك، وحرِّك قلوبَهم وقلوبَ مَن في ديارهم ليطلبوا هذا الطلب ويرغبوا هذا الرغب، فإن حبيبَك الأقربَ الطيّبَ قد وقف يسألك يا رب، ويقول: أسألكَ الأمنَ يوم الوعيد، والجنةَ يومَ الخلود، مع المقريبن الشهود، والرُّكَّع السجود، الموفين لك بالعهود، إنك رحيمٌ ودود، وأنت تفعل ما تريد.
وكان هو سيد المقربين الشهود، وإمام الراكعين السجود، وسيد إمام أهل الوفاء بالعهود، ولكن هذا طلبُه مِن البَر الودود، فلتَعلم يا أيها المؤمن ولتُدرك أيها المسلم عسى أن تحظى بنصيبِك من المحبة حتى تلحقَ بالأحبة ..
يا الله بذرة من محبة لله ** نفنى بها عن كل ما سوى الله
ولا نرى مِن بعدها سوى الله ** الواحد المعبود رب الأرباب
على بساط العلم والعبادة ** والغيب عندي صار كالشهادة
هذا لعمري منتهى السعادة ** سبحان ربي من رجاه ما خاب
سبحان ربي من رجاه .. ونحن نرجوك يا رب ومَن لم يصدق منا في الرجاء فألحِقنا بالصادقين يا أكرم الأكرمين.
سبحان ربي مَن رجاه ما خاب، ولكن مِن حيث ما جعل مِن الأسباب والأبواب فالأمرُ كما قال الإمام الأواب عبد الله بن علوي الحداد:
فما أرجي اليوم كشف كربة ** إلا إن صفى لي مشرب المحبة
ونلت من ربي رضا وقربة ** يكون فيها قطع كل الأسباب
فصفِّ لنا مشربَ المحبة. يا معطي يا وهاب، يا من يُعطي بغير حساب.
انتصف رجب وبقي النصف الأخير فاجعل لنا فيه من عطائك الكبير ما أنت أهلُه يا نِعم المولى ونِعم النصير، انصرنا على نفوسنا التي قطعَت، انصرنا على أهوائنا التي تسلَّطت، انصرنا على شياطين الإنس والجن، انصرنا على الضالين والمفسدين، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) كثيرٌ من الناس يظن أن النصرةَ على القوم الكافرين يقتلهم ويذبحهم ويؤذيهم .. النصرة على القوم الكافرين أن لا تقبل ضرهم، ولا ترضى بشرهم، ولا يصلك مكرهم، النصرة على القوم الكافرين بأن تبذلَ الوسعَ في بيان الحق لهم رجاءَ أن يفيق من يفيق، ويستفيق من يستفيق، النصرة على الكافرين أن تقيم الحجة لله عليهم، (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) النصرة على الكافرين أن لا تستحسِنَ ما عندهم مِن القصيرِ الحقيرِ الزائلِ الذاهب، النصرة على الكافرين أن لا تدع لهم عذراً في إقامةِ الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.
(إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ) سيدنا موسى (بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى) يستعمل الوسائل والأسباب كلَّها لهدايتِه، هذه النصرة، فما كان غرقه في البحر بعد ذلك إلا نتيجةَ هذا وإلا حقيقة هذا لمَّا عاند وكابَر وأصر، (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ) قال أنا الذي أرسل الحسنات والسيئات، وأنا الذي أختبر، (وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) وفي أوقات إصرارهم قالوا: ( مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ) فكانت النتيجة: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ) بماذا؟ أين أُسُس النصر حقهم؟ (بِمَا صَبَرُوا) فكانت النتيجة: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ).
انظر العظمة، يقول الله: إذا آمنتُم بي، وصدَّقتُم برُسُلي، وقمتُم بالواجب، وبذلتُم وُسعَكم فيما أمرتُكم، ورحمتُم عبادي مِن أجلي وأقمتُم الحجة، وغالَبَكم المُغالب، وناكَركُم المُناكر، وكذَّبكم المكذِّب، وناحَركم المُناحِر، وقمتُم بما يرضيني مِن أمرِ الجهاد الذي فرضتُه عليكم، لا تنتقِمُوا لأنفسِكم ولا تندفِعُوا بأهوائكم، ومِن أجلِي لا تقتُلوا امرأةً ولا تقتلوا صبياً ولا تقتلوا مُدْبِراً ولا تُمثِّلوا بكافر، وإذا مَثَّل بكم ومَثَّل فلا تتجاوزوا الحد.. (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ) لتكونوا لي، لا لأنفسِكم لا لشيء، فإذا كان ذلك فأنا النصير، أنا الغالب الذي لا يُغلب، أنا الذي أؤيدكم وأدمِّر ما كان يصنع عدوُّكم، فما وكَل ما يصنع عدونا إلينا، (وَدَمَّرْنَا) قال الله، ما قال دمرنا موسى ولا قوم موسى.. (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) دمرنا.. (وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) دمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه، فإن كان جماعة يخوِّفون الناس بأسلحة الدمار الشامل كما يقولون نقول إذا جاء الجبّار قال دمرنا راحت أسلحتكم وغيرها وجاءكم دمار لا تتصورونه بعقولكم، فلتهابوا ربكم خير لكم ولتتركوا غرورَكم بمادِّياتكم وغروركم بقواكم القاصرة (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ).
وهكذا (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا) فكانت بدايات النصر تلك، لا اليوم الذي غرق فيه فرعون بدأ النصر لموسى، لكن يوم قال له: (هَل لَّكَ إلى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فَتَخْشَى) بدأ النصر، هناك النصرة بدأت، ولما حاوره وراجعَه وكلَّمه وحاول معه هناك النصرة، وهذه خاتمتها، وهذه عاقبتها، فبدايتُها مِن هناك، وأولها من هناك. وهكذا كانت بداية النصرة لنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، لا يوم أن دخل مكة عليه السلام فاتحاً، ولكن أيام كان بمكة يُرمى بالحجر ويُوضع السَّلى فوق ظهره وهو يصبر كانت النصرة، كان تأسيس النصرة، كانت حقائق النصرة له عليه الصلاة والسلام. وهكذا ولذلك لما أنزل الله عليه ملكَ الجبال وأمرَه أن يكون طوعَ أمره .. عظمة .. عظمة نادرة تكون أن يجعل اللهُ تعالى في أصلِ التكوين الخلقي ..الآن يتعجب ناس يشقوا طريقاً في الجبل، ينحتوا جبل، يصلحوا فيه نفق، يهدُّوا بعض الجبال الصغيرة وما إلى ذلك، لكن قال لك الجبال تتقلَّع من أساسها وترجع إلى غير محلها تنزل هنا تحت أمرك يا محمد .. ما هذه العظمة .. فإن شئت أن أطبق الأخشبين عليهم .. قال لا، فهو يعلم معنى النصرة، ما يموتون يروحون، قال: بل أرجو أن يُخرِج الله مِن أصلابهم مَن يتولى هذا الأمر. وحقق الله رجاءه وجاءَ من أصلابهم مَن نصر ومن قام بحق الدين والشريعة، فصلى الله على محمد.
وهكذا كررنا على أسماعنا بكاء الصديق عندما رأى سهيل بن عمرو يتدافع ويُنازِع من أجل يحصل شعرة من شعرات رسول الله في الحج، حتى تمكن مِن وضعِ شعرة في يده فقبَّلها ووضعَها على عينيه، يرقبه سيدنا أبو بكر الصديق، فبكى، قيل ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال هذا في عام الحديبية كتبنا بسم الله الرحمن الرحيم، ما ارتضى، قال: اكتبوا باسمك اللهم، كتبنا محمد رسول الله، قال امحوها، لا نقر أنه رسول الله، لو نعلمُ أنكَ رسولُ الله ما قاتلناك، قال ما رضي أن نكتب محمد رسول الله ومحاها النبي بيده، لو قتلناه في ذاك اليوم دخل النار، قال لكن رسول الله بخُلقه وملاطفته قَبِل منه ومحاها بيده، قال له سيدنا علي والله لا أمحاك، قال إني رسول الله وإن كذبوني، أرني إياها، أين محلُّها، قال هذا، وضع إصبعه الشريف في الماء، ومسحها، قال اكتب محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. وبعد ثلاث سنوات مضت وإذا بسهيل بن عمرو يسابق، يريد شعرة من شعرات الحبيب، فبكى سيدنا الصديق قال رجع بهذ الصورة من أرباب الإيمان والمحبة واليقين.
فكانت هكذا رحمةُ محمد، الحمد لله الذي جمعكم على هذه الرحمة وهذا الخير وهذه النعمة، ونصف رجب الآخر اجعله يا رب لنا وللأمة خير من رجب الذي مضى آمين يا رب، فضلاً وكرماً ومَنّاً وهداية ونوراً وتوفيقاً وصلاحاً وبثاً لأنوار المحبة لك ولرسولك في القلوب يا ربي، حتى لا يخرج النصف الثاني إلا وقلوب كثيرة أنت ورسولك أحب إليها مما سواكما آمين، وقلوبنا منها.. وقلوبنا اجعلها منها.. وقلوبنا كلها يا رب اجعلها منها .. فتكون أنت ورسولُك أحب إلينا مما سواكُما .. فحينئذ لا يوصف الحد وإنما بدعوتنا للغافلين والعُصاة وللكفار أيضاً نستثير ما استكنَّ في الأرواح مِن محبة الخالق، فإذا انفتح لهم في ذلك باب أجابوا مع مَن أجاب، ولبُّوا، ولكن ما كتمهم مِن هذه الظلمات والحُجُب أنساهم ما في بواطنهم مِن محبةِ الرب جل جلاله وتعالى في علاه مما جُبِلت عليه الأرواح والقلوب.
ويا مقلِّب القلوب والأبصار لا تُزغ قلوبنا عن محبتِك الصادقة الخالصة، وعن محبةِ رسولِك ظاهراً وباطناً برحمتِك يا أرحم الراحمين، وثبِّت قلوبنا على دينِك يا الله، وأذَن لأهل الجمع ومَن يسمع بنظرة مِن عندك تبثُّ فيها في قلوبهم أنوارَ محبتك يا الله، مهما كتبت لأحد من رجب هذا إلا وانصرف وأنت ورسولك أحب إليه في قلبه مما سواكما، فاجعلنا فيهم وأعطنا ما سألناك يا من يعطيهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا الله، ومن الليلة اسقِ مِن هذا الكأس مِن شئتَ منا يا ربَّ الناس، يا دافعَ شرِّ الوسواس الخناس، يا مزيلَ كلِّ علَّةٍ وبأس، يا حي يا قيوم يا الله، نِعم الرجاء فيك ونِعم المرجُو أنت..
تحت باب الرجاء وقفت بِذلِّي ** فأغثني بالقصد قبل المنيَّة
والرسول الكريم باب رجائي ** فهو غَوثي وغَوثُ كلِّ البرية
فأغثني به وبلغ فؤادي ** كل ما يرتجيه مِن أمنية
فأغثنا به، وبلغ كل فؤاد منا ما يرتجيه وفوق ما يرتجيه من أمنية
واجمع الشمل في سرور ونور** وابتهاجٍ بالطلعةِ الهاشمية
وأنت راضِ عنا وهو راضِ عنا
مع صدقِ الإقبال في كلِّ أمرٍ ** قصَدنا والصدقُ في كل نية
رب فاسلُك بنا سبيلَ رجالٍ ** سلكوا في التُّقى طريقاً سَويَّة
واهدِنا ربَّنا لما قد هديتَ السادة ** العارفين أهلَ المزيِّة
واجعل العلم مُقتدانا بحُكمِ الذوق ** في فهمِ سرِّ معنى المعيَّة
واحفظ القلبَ أن يُلمَّ به الشيطان ** والنفسُ والهوى والدنيّة
صُن كلَّ قلبٍ مِن هذه القلوب مِن أن يُلِمَّ به الشيطان والنفس والهوى والدنيَّة، واحرُس هذه القلوب يا حارسَ القلوب مِن أن يُلمَّ بها الشيطان والنفس والهوى والدنيَّة.. يا الله، حسبُك أن تستلذَّ نِداءه وتناديه وتناجيه وتخاطبه وتسأله وتدعوه وتقول يا الله، مَن ناداك بهذا الاسم في مجمعِنا ومَن يسمعُنا فحقِّقه بالعبوديةِ لك يا الله، وارفَعه أعلى مراتبِ التحقُّق بالعبودية حتى تتولاها الربوبية فتتلاشَى العبودية في الربوبية يا الله .. وندرك سرَّ ما أوحيتَ إلى نبيك (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ).
اللهم حقِّقنا بالعبودية لك، وارزقنا الإقبالَ بكلياتِنا عليك يا الله .. يا الله .. يا الله .. قد أعطيتَهم الإيمان ووفَّقتَهم أن ينادُوك باسمك بعد أن أذِنت لهم بذلك، فقالوا وقلنا معهم يا الله، وإنما نادايناك باسمِك وقلنا ذلك بتعليم حبيبِك محمد بن عبد الله خيرِ من ناداك ومن سألك ودعاك، وأفضل من نطق بيا الله، فصلِّ عليه صلاةً تجعل نطقنا باسمِك مِن سرِّ نُطقهِ عليه الصلاة والسلام يا الله، تشرَّف بها تسعَد بها غداً إن شاء الله، فقل يا الله واستشعر اسمَ مَن هذا يا أيها الحاضر، يا أيها المنادي، اسم مَن هذا .. قل لي اسم مَن هذا .. قل بربِّك اسم مَن هذا .. فمَن هذا الذي تناديه .. ومَن هذا الذي تناجيه .. إنه الله .. فقُل رغبةً ورهبةً ومحبةً وإجلالاً وإكباراً وتعظيماً وفناءً يا الله، إذا قُبلت أصداؤها في السماء أكبر وأكبر مما يظهر، يا مَن أكرمتَهم بِندائك أجِب لنا ولهم الدعاء، واملأ بالسرِّ الوعاء واجعلنا ممن فقِه ووعَى، وتولنا بما أنت أهلُه في الحاضر والرجعى، واجمعنا في حضرة حبيبِك جمعاً، وأورِدنا حوضه المورود، وأظلَّنا بظلِّ لوائه المعقود، واسكنَّا معه في جنات الخلود وأنت راضٍ عنا يا برُّ يا ودود يا الله، والحمد لله رب العالمين.
للاستماع إلى هذه المحاضرة