محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في دار المصطفى، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 6 ربيع الأول 1439هـ بعنوان: ارتباط حقائق الصلة بالله وتوحيده بالصلة بعبده المصطفى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين مُكرِمنا وإياكم بتوالي مِنَنِهِ الكبيرة، وأياديه الكثيرة، ومِنَحِه الوفيرة، وهو سبحانه لنا خيرُ ذخيرة، اللهم لك الحمدُ يا مَن أرسلتَ إلينا عبدَك المصطفى محمداً بالحقِّ وبالهدى، فجعلتَ لنا به بين جميع الأممِ عزاً وشرفاً ومجداً، اللهم أدِم صلواتِك على منقذِنا من الضلالة، معلِّمنا بعد الجهالة، مُبصِّرنا مِن العماية، فاتح أبواب الرحمة والهداية، عبدك المجتبى ..
محمد المبعوث بالهداية ** والحقِّ والتحقيق والولاية
إنسان عين الكشف والعناية ** وروح معنى جملةِ المظاهر
أدِم صلواتِك عليه وعلى آله وأهلِ بيتِه الطاهر، وعلى أصحابه الغُرِّ النجومِ الزواهِر، وعلى مَن تبعَهم بإحسانٍ في الباطنِ والظاهر، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياءِ والمرسلين أكابرِ الأكابر، وعلى آلهم وصحبِهم والملائكة المقربين، وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا وعلى أهلِ مجمعِنا ومَن يسمعُنا، وعلى المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، يا مجيبَ الدعوات، يا قاضيَ الحاجات، يا مُنيلَ الطلبات، يا مُفرِّجَ الكربات، يا ربَّ الأرض والسموات، يا عالمَ الظواهر والخفيات، يا ذا العطايا السنيّات، والمِنَح العليَّات، يا مجيب يا قريب يا سميع يا كريم يا رحمن.. يا الله.
ولقد جمعكم على حقائقِ الاتصالِ به، مِن البابِ الذي فتحَه، عبده الذي قرَّبه وفضَّله ومنحَه المصطفى محمد، وإن كان للأممِ من قبل شرفُ القربِ من الله والاتصالِ به عبر التبشير بهذا النبي، والإيمانِ به قبل بُروزِه ومجيئه، وأخذِ العهدِ عليهم أن إذا بُعِث أن يؤمنوا به، فإنَّ حظَّ هذه الأمة كبيرٌ ووفير، وشرفَها عزيزٌ ووسيعٌ بالاتصال به، اتصلت به الأممُ مِن قبل قُرباً إلى الحق عز وجل.
وأسرار هذه الاتصالات هي التي يجب أن تأخذَ مأخذَها مِن مداركِنا ومعارفِنا ومشاعرِنا، بحكمِ الإيمان بالله الذي خلق، وأنَّ إليه مرجعَنا ومرجعَ الأولين والآخرين، ومرجعَ كلِّ شيء، كما منه مُبتدأ كلِّ شيء، لم يشاركه تعالى أحدٌ في الخلق والإيجاد؛ فليس له مِن شريكٍ في المرجِع والمعَاد، مرجعُ كل شيء إلى هذا الإله الحق، مَن آمن ومَن كفَر، ومَن أطاع ومَن عصى وفجَر، كلُّهم مرجعهم، مرجِع جميع الكائنات، لكن هذا المكلَّف من جنس الكائنات، الإنسان والجن، الكلام عليهم وإليهم أهم، ونحن منهم، بل ثلةٌ من هذه الأمة التي أُكرِمت بالإيمان بهذا النبي، وتصديقِ هذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
يجب أن ندركَ أسرارَ الصِّلاتِ القلبية والروحية بالله، التي لا ترجمةَ لها إلا في الصِّلةِ بأحبابه، ولكنَّ أولهم وأولاهم، وسيدَهم وأعلاهم، ومقدَّمَهم وأرفعَهم محمد، المرسوم اسمه على قوائمِ عرشِ ربي، وعلى أبوابِ جِنان ربي: محمد، مرفوع الذّكر بأمرِ الرافعِ الخافض، المنادَى مِن الحقِّ تعالى بهذا الخطاب والنِّداء: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ{1} وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ{2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ{3} وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}، ذكرُه مرفوعٌ، رفعه الله، فليتشرَّف كل مَن سوى الله بذكرِ محمد؛ محبةً وشوقاً، تعظيماً وإجلالاً، فليتشرَّف كل مَن دون الله مِن مَلكٍ وإنسٍ وجنٍّ وحيوانات، تشرَّف الجذعُ الذي حَن، والحجَر الذي سلَّم، والظبي الذي تكلم، تشرفت بهذا الحبيب الأعظم.
وبالحرص على خصوصية في الصِّلة به، والشرف الذي ذكرناه مؤبَّد مخلد، بأبديَّة مكانةِ النبي، ونبوة النبي، ورسالة النبي، ومحبة الرحمن للنبي، وتقديمِ ربِّ العرش لهذا النبي، ودوام اصطفاءِ الحيِّ القيومِ لهذا النبي، فما أجلَّها من صِلات، كم بعدَها وقبلَها قامت صلات أفراد وجماعات بأفراد وجماعات، اضمحلت وتلاشت فيما يُذكر مِن صِلة، بقي بعدها سوؤُها وشؤمُها؛ لانقطاعها عن سرِّ الصلة بهذا الجناب دام شؤمُها وعذابُها، والحال بين أصحابها تقطَّعت بهم الأسباب، يلعن بعضُهم بعضاً.
أفراد وجماعات اتصلت بأفراد وجماعات مِن قبل ومن بعد، ما أخبار اتصال هامان وقارون بفرعون؟! وما ذا دام مِن هذا الاتصال؟!، وما نتيجة هذا الاتصال؟!، وشُووِر هامان من قِبل فرعون: ما تقول في موسى؟، الدلائل كلها تدل أنه رسول الله جاء من عندنا، كيف بعد أن كنتَ إلهاً تُعبد تصير عابد؟! لا تؤمن به، قامت هذه الصلات على إدارة هذه الأفكار وإدارة هذه المسالك فما أفادتهم؟!، ما نفعتهم؟!، ما كان نتائجها؟!، هذا هلك، وهذا تجلجلت به الأرض، وهذا غرق في الماء، ويلعن بعضُهم بعضا!، ويوم القيامة: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }غافر46.
لكن موسى كان له صلة بالله، وكان والله لموسى صلة بمحمد، محبةً وتعظيماً وإيماناً وتكريماً، ومدحاً وثناءً، وصل به إلى حدِّ أن قال: اجعلني من أمة محمد، كان لموسى صلة بمحمد فما نتائج صلة الكليم؟!؛ بقيت، عَظُمت، وقيل له: تمَلَّ في ليلة الإسراء والمعراج، وإذا أكرمنا حبيبَنا بالخصوصية الكبرى فأنت أول من يُطالع سنا أنوارِها في طلعتِه الغراء؛ سيتردد بين حضرتِنا وبينك، قال في نص الحديث: ((فلم أزل متردِّداً بين ربي وموسى)) صلوات الله على سيدنا محمد وسيدنا موسى والأنبياء والمرسلين، اتصل به الأنبياء، اتصل به الملائكة.
يا أهل العقول.. يا أهل الإيمان: إن كان في الخبر الصادق عن خير الخلائق أنَّ خالقَ السموات والأرض يجعل العبادةَ لأمين الوحي جبريل بمحبةِ مَن يتجددُ في الأرض ظهورُ محبتِه له تعالى، وإذا أحبَّ عبداً نادى جبريل: ((يا جبريل إني أحب فلاناً ابن فلانٍ فأحبَّه)) هذا الملك الذي وُكّل بالتنزيل، تنزيل الوحي على الأنبياء ((إني أحب فلاناً ابن فلان فأحبه))، فيعقد اللهُ صِلةً بين جبريل وبين كل محبوب.
إذا كانت العبادةُ لله مِن الملأ الأعلى مربوطة بالصّلات بالمحبوبين فرداً فرداً ، فمَن سيد هؤلاء المحبوبين؟!، مَن مقدَّم هؤلاء المحبوبين؟!، ألا تعبدُ الملائكة ربَّها بتعظيم محمد؟!، بمحبة محمد؟!، بالصلة بالنبي محمد؟!، نعم وعزة ربي، بل مِن أجلِه وسرِّ الصلةِ به يستغفرون لمن آمن به، يستغفرون لمن اتبعه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}غافر7، مَن هؤلاء؟؛ أتباع محمد صلى الله عليه وسلم {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم } وتنتشر المحبة إلى ذكر: {وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.
لا يأتي جاهل يُجهلِّنا بقيمةِ الصلة، ولا يقول لنا: أنتم تنسون ذكرَ ربكم وتذكرون محمد!، نقول: اخسأ.. اخسأ، {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}، مَن قال لك أن ذا يتناقض مع ذا؟!، هذا بذا وهذا بذا، ولا يُذكر محمد إلا وُذكر الله، ولا ذُكر الله إلا وذُكِر محمد، على وجه الحقيقة إذا ذُكر الله سبحانه وتعالى، بل جاء في تفسير الآية {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }: أن قال: لا أُذكر إلا وذُكِرتَ معي، قال الله: لا أُذكر إلا ذُكرتَ معي صلى الله عليه وسلم، ولا نقدر نذكره إلا نقول: رسول الله.. نبي الله.. عبد الله، ما ترى اسم ربي قبله أمام عينك؟!؛ ما يذكر إلا وذكر ربنا معه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
وإذا كان الأولياء إذا رؤوا ذُكر الله فمحمد إن رؤي وإن ذُكِر وإن ذكر وصفه ذُكر الله، إن ذُكر بلدُه ذكر الله، إن ذُكر أصحابُه ذُكر الله، إن ذُكر آلُ بيته ذكر الله، محمد مركز ذكر الرحمن، معدن ذكرِ الرب الكريم المنان، أصلُ ذكرِ الحيِّ القيوم، لا ذكر الله أحدٌ قبله ولم يذكر الرحمن من الخلق أحدٌ قبل محمد، محمد ذكر الله قبل أن يُخلق جبريل، محمد ذكر الله قبل أن يُخلق ميكائيل، محمد ذكر الله قبل أن يُخلق إسرافيل، محمد ذكر الله قبل أن يُخلق العرش، محمد ذكر الله قبل أن يُخلق الكرسي، محمد ذكر الله قبل أن تُخلقَ الجنة، ومحمد ذكرَه الله قبلَ خلقِ الكل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فمن ذا يفرِّق؟!، الله عاب الكفار في القرآن التفريقَ بينه وبين رُسلِه، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً}، ويريدون أن يفرِّقوا بين الله ورُسلِه، ما لأحدٍ حق مِن أتباع الأنبياء أن يقول: يا إبراهيم خلاص عرَّفتني ربك ما لي دخل بك، روِّح أنت وحالك وخلنا أنا والرب!، الرب يقول لك: اتبع إبراهيم، الرب يقول لك: عظِّم إبراهيم، الرب يقول لك: اتبع ملة إيراهيم، ولا لأحد حق يجي من أتباع سيدنا موسى يقول: يكفيني دليتني على الله، والآن اتركني مع الله!، الله قال له اتبع موسى، الله قال سِر وراء موسى؛ ولهذا قال لأخيه سيدِنا هارون: ما منعك ألا تتبعني؟! أفعصيت أمري؟!، قال: لا لا ما أنا حول العصيان، أنا ما أعصي الله ولا أعصيك يا موسى، {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}، يعني أنا ألاحظُك وألاحظُ حالَك والمكانةَ عندك حتى وأنت غائب هناك، لا أريد أن تتأثر وتقول شيء { إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ }، فأنا لاحظت عاطفتَك وشأنَك وأنت بعيدٌ مني، { أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي * قَالَ فَمَا خَطْبُكَ ..} إلى آخر القصة.
هذه الشئون إذا علمناها في حقائق الإسلام والإيمان، حتى لا يضحك علينا أحد في معنى التوحيد، ما عرفت الملائكة توحيداً ترفض فيه تكريمَ المقربين لا مِن أهلِ السماء ولا مِن أهل الأرض، هذا توحيد ما عرفته الملائكة ولا عرَفه النبيون، ولا عرفته الصحابة، فمن أين يأتي معنى التوحيد أن تحتقر صالحاً؟!، أو أن تُنْزِل قدرَ عارف أو عالم أو ولي؟!، أو أن لا تتوسل بأحد منهم! مِن أين جاء هذا؟!، الصلةُ بهم صلةٌ بالحي القيوم جل جلاله وتعالى في علاه.
مجالسُهم رياض الجنة والحقُّ جليسُهم، القائل: ((أنا جليس من ذكرني))، ((ولو جئتني بعبادة أهل السموات والأرض، وحبٌّ فيَّ ليس، وبغضٌ فيَّ ليس لم يُغنِك ذلك عندي شيء)) لم يُتقبل ذلك منك حتى تحبَّ في الله وتبغض في الله {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }المائدة55.
ألا إذا علمنا هذه الحقيقة فإن صلةَ الأمة بنبيها أساسٌ في صلاح حالها، وفي صحة إيمانِها وإسلامِها وإحسانِها، وقُربها مِن ربِّها، وعملِها بشريعته، وقيامِها بكتابه، وتطبيقِها لسنةِ محمد، قوة صلتِها بهذا النبي صلى الله عليه وسلم إيماناً، وقد فرض اللهُ الإيمان به على جميعِ الملائكة وعلى جميعِ الأنبياء والمرسلين مِن قبلِه صلى الله عليه وسلم: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} ما هذا العرض القوي!، ما هذه العناية الكبرى من حضرة الربوبية {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }ما هذه العناية بمحمد؟! ما هذه الرفعة لقدرِ محمد؟!، أما هو هذا التوحيد؟! أما هو هذا الإيمان؟! أما هو هذا الإسلام؟!، {قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.
وحُقَّ له أن يقولَ في بيان بعضِ الحقيقة: ((لو كان موسى حياً ما وسعَه إلا اتباعي))، ولو كان موسى حيا على قيد الحياة الدنيا ما وسعه، ماله طريق إلى الله إلا اتباعي، ما له مدخل، ما له تحقيق رضا، ماله فوز بقرب إلى من هذا الباب، ماله طريق، من أين يدخل؟ من أين يصل؟، لو كان موسى كليم الله صلوات الله وسلامه عليهم.. فكيف بمن سواهم؟!.
على الأمة أن تراجع صلتها بهذا النبي في أحوالها وشئونِها كلِّها، إيماناً وطاعةً واتباعاً، استتبعونا لأفكارهم، استتبعونا لخِطَطِهم، استتبعونا لمسالكهم مقابل أن نترك الحبيب؟!!، أن ننقطع عن حُسن تبعيَّته؟!، لمن؟! وإرضاءً لمن؟! ولماذا؟!، ولكنهم أقاموا الأمورَ على الاستتباع السيء ليبسطوا أيديَهم بالسوء، ومن البداية كان الناس يتحدثون عن احتلالات في العالم الإسلامي من قِبل دول الكفر، ما كان لها مدخل ولا وسيلة ولا حقيقةَ سببٍ مباشرٍ ولا أبوابٍ من مخالفة هذا النبي أبداً ، دعاة السفور كانوا هم أبوابَ الاحتلالات، دعاة الانحلال المتأثرين بكلام الكفار، المستهزئين بمظاهر الشريعة هم سببُ تسلُّط الكفار ودخولهم إلى بلاد المسلمين قديماً وحديثاً، أيادي مِن بين المسلمين جاءت إلى بلدان مشهورة في العالم العربي أخذت بحجاب النساء وكشفته أمام الناس بأيديها هكذا، ليحوِّلوا الأحوال وليقيموا تلك الثورات الخبيثة، وعلى يدِها دخل الكفار، ودخلت مناهجُ الكفار، وهكذا ضعف الصلةِ بالجناب الشريف يوجب التلف { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور63 .
أيها المؤمنون: مِن هدايا الحق في مثلِ هذا الشهر أن تهتديَ القلوبُ لمعرفةِ مرتبة صلتِها بالحق ورسوله، وما مكانة هذا الرسول عندها، وما منزلته لديها، مقتداً، مُطاعاً، مُتَّبعاً، مُهتدىً بهديه، محبوباً، مجلًّا، معظماً، مكرماً {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الأعراف157، اللهم اجعلنا منهم، آمين.. أقيمُوا سرَّ هذه الصلة بهذا الجناب الأشرف في ذواتِكم وأهلِكم، وأبنائكم وبناتكم، من خلال ما يدور وما يُقال وما يُحكى وما يُذكر.
وأما مدحُه، فمن العجب ما مِن كتابٍ نزل من السماء إلى ظهر هذه الأرض مِن أيام آدم إلى القرآن إلا وفيه مدح النبي، فيه مدح: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، ابن آمنة بنت وهب بن عبدمناف، صاحب ذكر المولد في هذا الشهر، فيه مدح هذا النبي، كل كتب الله المنزلة صلى الله عليه وصحبه وسلم.
والعجب أن ما أُمرنا به مما يتعلق بتعظيم هذا النبي وجدنا الرحمنَ يسبقنا!؛ أمرنا أن نصلي عليه، بدأ بنفسه قال: {إِنَّ اللَّهَ ..}الأحزاب56، هو الذي صلى قبلنا! الله الله، فماذا نعمل نحن وصلاتنا؟!!، أمرنا أن نحبه أحبه هو قبلنا، أمرنا أن نمدحه هو أثنى عليه قبلنا، فلا محبتنا تصل مكان، ولا مدحنا يصل مكان، ولا صلاتنا عليه تصل مكان، بالنسبة لصلاة الله ولمدح الله ولمحبة الله، ولكننا نتشرف، لكننا نُكرم، لكننا نسعد، لكننا نفوز بذكرِه.. بمحبته.. بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، أحيانا اللهُ متمسِّكين بسنته وطاعته، واستعمل ألستَنا في مدحِه ونُصرته، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ولقد رسم الصحابة معاني هذه الصلات بهذا الجنابِ الأشرف، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ورزقنا حسن المتابعة.
اللهم اجعلنا ساعة عطاء، وغفرٍ للخطأ، وبركة تعودُ عوائدُها على الحاضرين والسامعين والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، يا رب قلتَ: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }، فبِحقِّ تَنزيلِك ومَن أنزلتَ عليه هذا التنزيل اجعلنا والحاضرين والسامعين مِن الذين آمنوا به وعزَّروه ونصرُوه واتبعوا النورَ الذي أنزل معه، يا الله.. حقِّقنا بذلك، وكلُّ متحققٍ منا بالإيمان به زِده إيماناً، وارفع له في الإيمان رتبةً ومكاناً يا الله، وكلُّ مَن عظَّمه منا بقلبِه وعزَّره فزِده مِن هذا النور والتعظيم، والإجلال والتكريم يا الله، كلُّ من وفقتَه منا لنُصرتِه في نفسه أو ماله أو أهله أو حالِه أو عمِله، أو قولِه أو فعله في جميع شئونه فزِده نصرةً لك ولهذا الرسول يا الله، حتى تجعلَنا مِن خواصِّ أنصاره، آمين، ومَن وهبتَه الاتباعَ للنور الذي أُنزل معه فاستضاء بذلك الشعاع، فشهِد عينَ اليقين وحقَّ اليقين فوفِّر اللهم حظَّه مِن هذه المنن والعطايا والمِنح الكبيرة يا حيُّ يا قيوم يا الله.
ومَن كان معنا أو في بيوتنا أو في جوارِنا حُرِم شيئاً مِن هذه الأوصاف فابعِد اللهم هذا الحرمانَ بفائض امتنان تُعطيه وصفَ الإيمان ووصفَ التعزِير والتعظيم، ووصفَ الاتباع للحبيبِ الكريم ووصفَ النصرةِ له.. يا الله، لا حُرم مِن التحقُّق بهذه الأوصاف رجلٌ منا ولا امرأة، ولا أحدٌ مِن أهالينا وقراباتنا، وأبنائنا وبناتنا، وذوي أرحامِنا وجيرانِنا، وطلابِنا وأصحابِنا وأحبابِنا، ومَن يسمَع وأهلهم أجمعين، لا حُرِم واحدٌ مِن حُسنِ الاتصافِ بهذه الأوصاف فيدخلَ مع المفلحين، آمين.
يا الله بحقِّه عليك اجعلنا مِن الذين آمنوا به وعزَّروه ونصروه واتبعوا النورَ الذي أنزل معه، يا الله واحشُرنا جميعاً في زُمرته، يا الله وأورِدنا جميعاً على حوضه، يا الله وأظِلنَّا جميعاً بظلِّ لوائه، يا الله وأرِنا وجهه في دارِ الكرامة مِن غيرِ سابقةِ عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب يا الله.. يا الله.. يا الله.
يا مَن أنتم بين يديه، وهو الناظر إليكم والحال لا يخفَى عليه، سرائرُكم كظواهرِكم بين يديه، ساقَكم إلى رحابِ كرمِه، وأحضركم إلى موائدِ مِننِه، إنه الله، لو شاء لرمى بكم حيث ما أراد، ولجعلكم مع الأعداء والأضداد، فجاء بكم إلى أبوابه، وساحات جودِه وكرمِه وتأمُّل عجيب خطابِه له الحمد، فنادوا هذا الإله، واسألوه بمصطفاه، يُنعم عليكم ويجود، ويسعدكم بأعظم السعود، إنه البر الودود.
يا أحبابي، يا إخواني، يا أصحابي، يا طلابي.. إنه الله.. إنه الله، أقول لكم إنه الله.. إنه الله، أنتم بين يديه، وهو الناظر إليكم، والحال لا يخفى عليه، يا الله خُذ بأيدينا وأيديهم، وقلوبِنا وقلوبِهم، ونواصينا ونواصِيهم إليك.. إليك يا الله.. إليك يا الله.. إليك يا الله، لا لسواك، لا لسواك، كائناً ذلك السوى ما كان يا رب، في أرض ولا في سماء، في دنيا ولا في آخرة، في ظاهر ولا في باطن، في حسٍّ ولا في معنى، إليك يا رب، لا لسواك.. بحقِّك عليك لا ترمِ بنا لغيرك، خذ بأيدينا، انظر إلينا، قرِّبنا إليك، أوصِلنا إليك، أكرِم وفادتَنا عليك .. يا الله.
وفي شهر ربيع هذا أرِنا آثارَ محبتِك لهذا النبي في واقعِ أمته، وفي أحوالِ أمته، وفي شئون أمته يا الله.. يا الله.. يا الله، لك الحمد والمنة فأتمم علينا النعمة، وعامِلنا بما أنت أهله في كل مهمَّة، والحمد لله رب العالمين.
للاستماع إلى المحاضرة