محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، في دار المصطفى ليلة الجمعة 11 ربيع الثاني 1439هـ بعنوان: عجائب رحمة الله في الإذن بدعائه ورجائه والأمر والتوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله على نعمِه التي تتوالى، وخيرِه الذي لم يزَل يُعطيه سبحانه وتعالى، مِنناً ومِنحاً جِزالاً، لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لهُ تبارك وتعالى، له الملكُ وله الحمدُ يُحيي ويميتُ وهو حيٌّ لا يموتُ بيدِه الخير، وهو على كل شيء قدير، لا يعزُّ مَن عادى ولا يذلُّ مَن والى، ولقد أرسل إلينا عبدَه المجتبى المصطفى محمداً النور الأسنى الذي يتلالا، وكان أعظمَ الناس قدراً ومنزلةً وأحسنَهم خَلقاً خُلقاً وقولاً وفعالاً، اللهم أدِم صلواتِك على عبدِك المجتبى سيدِنا محمد، الذي أكرمتَنا بإبرازِه وبتنشئتِه وببعثتِه وبرسالتِه وبرحمتِه وبعطفِه وبحنانِه وبجهادِه وباجتهاده وبدعائِه وبتضرُّعه وبسؤالِكَ فينا وبدعائكَ منه فينا وبتوجُّهِه إليك في شأنِنا، وأكرمتَنا بصبرِه، وأكرمتَنا بحِلمِه، وأكرمتَنا بنورِه، وأكرمتَنا بحُسنِ أدائه الأمانة، وحسنِ بيانِه وكمالِ إرشاده، وعظيمِ تعاليمه، وجعلتَنا به خيرَ أمة، صلِّ عليه يا ربّ أفضل الصلوات، وسلِّم عليه أزكى التسليمات، وعلى آله الطاهرين، وأصحابِه الغرِّ الميامين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلى الأنبياءِ والمرسلين، والملائكة المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا ومعهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.. يا الله.
فلقد جمعتَنا بفضلك، ووفقتَنا بطَولِك، وأحضرتَنا بجودِك، وأشهدتَنا محاضرَ إحسانِك وواسع امتنانِك، حيث تُعطي ولا تُبالي، وتقرِّب ولا تُبالي، وتُسعِد ولا تُبالي، وترحم ولا تُبالي، وأنت أرحمُ الراحمين، لك الحمدُ شكراً، ولك المنُّ فضلاً، فانظر إلى قلوب الحاضرين والسامعين نظرة الرحمة يا رحمن، نظرة اللطف يا لطيف، نظرة الرضا..
يا الله رضا يا الله رضا ** والعفو عما قد مضى
ياالله رضا يا الله بتوبة والقبول
مَن أسعدُ مِن كل مَن على ظهر الأرض ممن يبيتُ الليلةَ وربُّ العالمين عنه راض؟ إنه الذي يشبه مآلُه مآلَ ما قال زينُ الوجود عند دفنِه لذي البِجادين وهو يخاطبُ الربَّ في شأنه يومَ لقاءِ ذلك العبدِ الصادقِ المخلص لربه، يقول زين الوجود: ( اللهم ارضَ عنه، فإني أمسيتُ عنه راض ).. وما معنى فإني أمست عنه راض؟ معناه أنك لا تقذفُ في قلبي رضاً إلا مِن رضاك، وأن رضائي أقوى سببٍ ووسيلةٍ لنيلِ رضاك، وأن رضائي مِن رضاك؛ فما أسعدَ ذلك الرجلَ، وما أقلَّ ما بذل وإن كثُر.. تركَ الوطن، فارقَ العشيرةَ والقوم، أخذوا مالَه فتركه كلَّه لهم إلا ثوبين خَلِقين سمّوه بهما ولقَّبوه ذا البجادين، دخل بهما المدينة لا يملك غيرهما، ما في شنطة، ما في دولاب، ما في مركوب، ما في زاد، ما في نقود، ما في شيء، ثوبين خَلِقِين، وإيمان ومحبة ورابطة وتقوى وإقبال وذوق وشوق، فعاش كريماً ومات كريماً، ما أسعده تلك الليلة، حبيب الرحمن يقول: اللهم ارضَ عنه فإني أمسيت عنه راض، وفازَ وسعد؛ بإسعِادك لذلك العبد الصالح يا رب بسر الخبر الذي بلغنا من هذه الحوادث والشؤون التي حصلت على ظهر الأرض كيف نمسي ليلتَنا نحن يا رب؟ أنُمسي وحبيبُك هذا راضٍ عنا؟ أم.. - نعوذ بوجهك- لا، نعوذُ بوجهِك الكريم، فإن أمسينا وهو راضٍ أمسينا وأنت راض، ومَن أسعدُ ممن يبيتُ الليلةَ وربُّ العالمين عنه راض، ربُّ كل شيء، ملكُ كلِّ شيء، خالقُ كلِّ شيء، مَن بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء رضيَ عنك؟ ما أسعدك إن رضي عنك هذا الإله..
يا الله رضا يا الله رضا ** والعفو عما قد مضى
يا الله رضا يا الله رضا ** يا الله بتوبة والقبول
أتدرون ما تطلبون وما تسألون؟ لولا ما عُلِّمنا مِن عظمةِ هذا الإله ما قدرنا أن نسأله هذا السؤال، إنكم تسألون أعلى ما يعطي الربُّ الرحمنُ الرحيم، وأعلى ما يبشر به أهلَ جنة النعيم، ويقول ألا أعطيكم أفضلَ مِن ذلك؟ يقولون: يا ربنا وما أفضل من ذلك؟ يقول أحلُّ عليكم رضواني، فلا أسخطُ عليكم بعده أبداً، وكلُّ مَن قبِل –سبحانه- فيه هذه الدعوةَ هذه الليلةَ سمعَ ذلك النداء، وحضر عند أهل ذلك النداء، وظفر بذلك الخير الذي لا غايةَ لما له مِن امتدادٍ ومدى، ذلكم جودُ الله على مَن يشاء..
فكم مِن القلوب على ظهرِ الأرض مِن المكلفين مِن الإنس والجن تؤمنُ بالله إيماناً صحيحاً، وكم مِن تلك القلوب المؤمنة تهتمُّ بطلبِ الرضوان وتلحُّ على الرحمن في طلب رضاه في هذه الليلة؟ أليس مِن عظيم جودِه أن ربطَنا وإياكم بهم وألحقَنا بركبِهم، ونحن نسألُه ونطلبُه ونلحُّ عليه في المسألة أن يكرمَنا برضوانِه عنا؟ يا إلهنا علمنا عظمةَ هذا المطلوبِ وهذا السؤال، ولولا ما علمنا مِن عظمةِ كرمِك وعظيمِ إحسانِك ما قدرنا أن نسألَك، فنحن نسألك لِما علمنا مِن عظيمِ جودك وإحسانك وكرمك ورحمتك وامتنانك مع ما علِمنا من عظيم جُرمِنا وعظيم ذنبِنا وعظيمِ إساءَتِنا وعظيمِ تقصيرنا، نحن الذين مِن النُّطفِ كونت هذه الأجسام وأجريت فيها هذه الأرواح وجعلتهم في أمة خير الأنام، فكم نسُوك وكم غفلوا عنك وكم بارزوكَ بما لا يليقُ بمملوكٍ أمام مالك، وعبدٍ أمام إله، ومع ذلك كلِّه ما علَّمتَنا مِن عظيمِ ما عندك يفوقُ ما عندنا مهما عظُم، اللهم مغفرتُك أوسعُ مِن ذنوبِنا ورحمتُك أرجى عندنا مِن أعمالِنا فنسألك رضاكَ ولقاكَ ومحبتَك وشهودَك والجنةَ، ونعوذُ بِك مِن غضبِك وسخطِك وإعراضِك وطردِك والنار، اللهم فأجِرنا مِن النار.. يا الله يا الله.
وما حلَّ في هذه الذوات مِن موجبات النار، من الذنب والمعصية والالتفات إلى الغير فنسألك بكرمِك أن تعجِّل بتنزيهِها عن كل ذلك، وتطهيرِها من ذلك الأذى، والظلمة والكدر يا حي يا قيوم يا برَ يا الله..
إننا نطلبُ ونسألُ ونتوجه في شؤون وأشياء لا يمكنُ أن توجدَ في خزائنِ مُلوكِ الأرض ولا الشعوب ولا الدول ولا الأثرياء ولا مَن سواهم ممن على ظهر الأرض، ولا يوجد ذرةٌ منها في شيء مما في أيديهم ولا خزائنهم، ولا توجد إلا في خزائن ربِّ العرش العظيم، في خزائن ملك الملوك الكريم، في خزائن الواحد الأحد، في خزائنِ الفردِ الصمد، في خزائنِ الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وهذا مِن أعظمِ ميزات المؤمنين عمَّن سواهم..
ويا ربَّنا كثيرةٌ تلك القلوب التي قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكن غفلت وأعرضت وخُدِعت وتولَّت، فمالها همة أن تسألَ الرضا ولا التفات ولا مبالاة، مرضت قلوبُهم، يا ربنا فمَن يداويها؟ اعتلَّت وجهاتُهم ونياتُهم وأفئدتُهم فيمن يصفِّيها؟ يا الله .. رحمةً لأمة حبيبك.. يا الله
خُدعت هذه القلوب بما بثَّ أعداؤك تحت راية عدوِّك الخبيث إبليس، اللهم فخلِّص إخوانَنا المسلمين مِن هذه الظلمات المُردِية، مِن هذه الظلمات المتكاثرة التي مَن مات عليها خُشي أن تسلبَ ما بقي عنده مِن أثرِ الإيمان فيُخلَّد في النيران، اللهم تدارك أهلَ الإسلام، اللهم تدارك أهلَ لا إله إلا الله، وكلُّ مَن أكرمتَه بقولِها فأكرِمه بنورِها يشرق في قلبه وقلوب الحاضرين والسامعين، خُصَّها بواسعٍ وساطعٍ ولامعٍ مِن ذلك النور المضيء المتلألئ، يا والي يا مولى الموالي يا كريم يا رحيم يا الله..
ربَّنا؛ مهما بلغ عند شعورِ وعقلِ وأحاسيس أحدٍ على ظهر الأرض مِن آمالٍ ومطامع وطموحاتٍ وأمنيات ما تصل إلى هذا، ولا تنتهي إلى هذا، كلُّ مطامحِهم دون هذا، إلا الخاصة الخلاصة مِن أصفيائك على ظهرِ الأرض، هم يسألونك هذا، لك الحمد ربطتنا بهم، فينا من لم يعرفُهم ولا خصوصياتهم وحضر وهو في ثوب العموم ولكن مددتَ حبلاً ليتصل بسرٍّ من نور الخصوص، فلك الحمد، ألا لك الحمدُ كما أنت أهلُه بما أنت أهلُه، وليس مجرد مَن يحضر من الإنس والجن، بعضهم في أماكن بعيدة يستمعون ويلتفتون ويمتد إليهم النور كان في مغربِ الليلة لا نصيبَ له مِن نصيبِ الخصوص والوجهة إلى هذا السؤال المخصوص، ثم يبيتُ الليلةَ وقد دخل في الاتصالِ بأهل الخصوصية، مَن فعل بنا هذا؟ مِن أين جئنا بهذا؟ أشيءٌ في أيدينا المجردة؟ أم شيءٌ موجودٌ في خزائننا أو خزائن أحد مِن المخلوقين؟ لا.. الله الله الله فتح هذا الباب، وسكبَ هذا السحاب، وأعطى هذا الوهب وهو نِعم الوهاب، بمفتاحِ اسمه محمد، ونِعم المفتاح لرحمةِ الفتاح سيدِ أهلِ الصلاح، إمام أهل الفلاح..
اللهُ برسوله فتح لنا هذا وأعطانا هذا، يعطي مثلَ هذه العطايا الكبيرة أوقاتَ الفتنُ فيها كبيرة، والإعراضات فيها كبيرة، والانتكاسات فيها كبيرة، وأنتم تُعطَون مِن هذه العطايا العلوية الكبيرة.. رب العرش كيف عاملَنا!؟ خالقُ السماءِ والأرضِ.. كيف بدأنا بهذا العطاء؟ أترونَه كيف يتعامل؟ أترونه كيف يتفضل؟ مَن مِنا يستحق هذا؟ مَن منا هو أهل لهذا؟ (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ) فيا الله اجعلنا ممَّن سبقَ لهم في قضائك وأزلِك وعلمِك وإرادتك أن تزكيَهم تامة خاصة وعامة، يا مَن لا يتعاظمُه سؤال، ولا يعجزه نوال، يا جزيل الإفضال يا الله يا الله.
أنتم بين يديه، متوجهون إليه، ومقبلون بالقلوب عليه، إلهي وسيدي بالقلوبِ مِن أهل الغيب والشهادة المُقبِلة ارحمَ القلوب التي ما أحسنت الإقبال، واجعلها تُقبل في هذه الساعات إقبالاً لا إدبارَ بعده يا مجيب الدعوات.. يا الله، أترون كيف يعود برحمتِه وكيف يجود بمنَّته ويُدخلُ هذا في بركة هذا، ولولا بركةُ صاحبِ الرسالة ما سمعنا شيئاً من هذا القول قط ولا كلمة ولا حرف، ولا أدركنا ساعةً ولا دقيقةً ولا ثانيةً مِن هذه الثواني وهذه الساعات التي فيها الثُّمر دانِي..
بين يدَي من أنتم؟ على رحاب مَن أنتم؟ على أبواب مَن أنتم؟ بِمَ أدركتُم هذا؟ كيف حصل لكم هذا؟ إنه الله.. يا الله أنت القائل: يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه فاستهدوني أهدكم، اللهم إنا نستهديك لوجهاتِنا ولنياتِنا ولخواطِرنا ولمقاصدنا ولأعضائنا ولقلوبنا ولمسارنا في الحياة بظاهرنا وباطننا ولخواتينما، ونستهديك للسؤال في القبور ويومَ البعث والنشور، فاهدِنا يا هادي فاهدِنا يا هادي، وابسط لنا مِن بُسطِ الهداية، مالا نهاية له ولا غاية، يا الله، أنت القائل: ( يهدي الله لنوره من يشاء ) وفي الحديث القدسي: فاستهدوني اهدكم.
(اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) يا الله وبسرِّ الفاتحة والسبعِ المثاني والقرآن العظيم اجعلنا وكلَّ مَن يحضر معنا ومَن يسمعنا في الذين أنعمتَ عليهم، وبحقِّك عليك لا تجعل فينا ولا في أولادنا ولا في إخواننا ولا أصحابنا ولا في أهل بيوتنا ولا في جيراننا أحداً مع المغضوب عليهم ولا الضالين يا الله، لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة، اجعلنا جميعاً في دائرة الذين أنعمتَ عليهم .. يا الله.
لا تتأخر عن عطاءٍ كبيرٍ أنت معرِضٌ عنه بقطيعةِ رحم، لا تتأخر، لا تؤخر نفسَك عن هذا العطاء بعقوق والدين، لا تتأخر، لا تعقّ أبا ولا أما، لا تتأخر عن هذا العطاء بإيذاء مسلم، لا تتأخر عن هذا العطاء بإصرارٍ على معصية.. إن كنتَ تعرف قدرَ البضائع التي ثمنُها غالي، وقدرُها عند الله عالي، ( ألا إنَّ سلعةَ الله غالية، ألا إن سلعةَ الله الجنة )، اجعلنا اللهم مِن أهلِ الجنة، وأسمِعنا نداءَك لأهل الجنة: ( أحلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً)، أسمِعنا ذلك يا رب، شرِّفنا بذاك السماع، أنعِم علينا بذاك السماع، في أعلى مراتبِ السماع.
وعزَّتِك وجلالِك إنه المُلكُ الكبير، إنه العزُّ العظيم، إنه الشرفُ الأفخم الأضخم، لا تحرِمنا إياه يا رب، ولا تحُل بيننا وبينه يا رب، ثِقلُ ذنوبِ الحاضرين والسامعين زَحزِحه وأبعِده عنهم، احمله وارفعه عنا وعنهم يا رب ، أنت القائل: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) تأمل.. من أين هذا الكلام.. لوجدوا الله.. لوجدوا الله.. لوجدوا الله.. لوجدوا الله تواباً رحيماً.. وهل تظنُّ أن المجمعَ سينقضي ولا فيه مَن وجد اللهَ تواباً رحيماً؟ سيجد مَن يجد الله، في أي صفاتِ تجلِّيه؟ في أي معاني مشاهدِ عبدِه التي يهيئها.. له تواباً رحيماً..
ما أجدُ لك لا في الدنيا ولا في الآخرة ألذَّ مِن رحمته، يا فوز مَن رحمَه، يعذب مَن يشاء ويرحم مَن يشاء، ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذِّبنا فإنك علينا قادر، يا الله، عبدُك عيسى بن مريم قال عن قومه: (إن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وعبدك سيدنا الخليل إبراهيم قال: (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وأقوالُهما حرَّكت لنا قلبَ حبيبك ليُناجيَك فينا، ودعاك فينا، وأنت قلتَ له: إنا سنرضيك في أمَّتك ولن نسوءَك فيهم، فبوعدِك الحق يا حقُّ أرضِه في مجمعِنا ومَن يسمعُنا، أرضِه في دعائنا هذا، أَرضِ هذا الحبيب في وجهتِنا هذه، أرضِ هذا الحبيب في ساعتِنا هذه، ارضِ هذا الحبيب في طلبنا هذا، ارضِ هذا الحبيب في مرغوبِنا هذا، ارضِ هذا الحبيب، يا قريب يا مجيب، ارضِه بنظرِك إلى هذه القلوب، يا رب أرضِه بنظرِك إلى قلوبِنا يا مقلبَ القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك..
قصدوك وطلبوك وجاءوا إليك ما الذي أحضرهم يا رب؟ وأنت.. ما في مصلى أهل كساء نبيك أحزاب دنيوية ولا أغراض فانية ولا إرادات منتهية، يا رب إليك جاؤوا، ما عندك قصدوا، وما في خزائنك أمَّلوا، وإليكَ توجهوا، يا رب إنا لا ندعو أحجاراً ولا أشجاراً ولا أصناماً، إنا ندعوك قريباً، إنا ندعوك سميعاً، إنا ندعوك إلهاً حقاًّ، إنا ندعوك رباً صدقاً، إنا ندعوك وأنت الأعظم وأنت الأكرم، السميع البصير اللطيف الخبير العليم القدير، يا فوزَنا بدعائك، وهل يمكن لمثلِنا أن ندعوَك؟ فهل فوق هذا فتحتَ لنا البابَ أن ندعوَك؟ فهل فوق هذا أمرتَنا أن ندعوك، لينجبرَ ما كان من تقصيرنا في سر أمرك لنا؟ فإن قيل ما جاء بكم؟ قلنا: هو دعانا، فهل دعوناك إلا بعد ما دعوتَنا؟ فلكَ الفضل، لك الفضلُ أولاً وآخراً، لك الحمدُ أولاً وآخراً..
والله لولا الله ما اهتدينا ** وما تصدقنا وما صلينا
فأنزلن سكينة علينا ** وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأولى قد بغوا علينا ** وإن أرادوا فتنة أبينا
فاكفناهم بما شئتَ، وعجِّل بهدايةِ كلِّ مَن لم تسبق عليه الشقاوة يا هادي يا الله.
نعم دعوناك، لكن بعد ما دعوَتنا، ولو لم تدعُنا ما دعوناك، أمرتَنا، سمحتَ لنا، أذنتَ لنا، فتحتَ الباب لنا، أمرتَنا وفَّقتنا، فنحن ودعاؤنا منك وإليك، فصلِّ على حبيبِك الذي علَّمنا هذه المعاني، وذبح أضحيتَه ثم قال قولته: اللهم منك وإليك، ما بقي شيء غيره، منك وإليك، لا أنا ولا أضحيتي، منك وإليك، ومجلُسنا منك وإليك، ودعاؤنا منك وإليك، وتوجُّهنا منك وإليك، لك الحمد، صاحب هذا التعليم اربطنا به بحقِّه عليك، بمنزلتِه لديك، ربطاً يقوى يا رب، في كل لمحة في كل لحظة في كل طرفة، يقوى قوة بالغة يا الله، حتى تأتي لحظةُ انتقالِ كلِّ واحدٍ منا من هذه الحياة وهو يحب لقاءَك ولقاءَ حبيبك، وأنت تحب لقاه، وحبيبُك يحب لقاه، آمين يا رب العالمين.
يا وفوداً إلى باب الله، يا حضوراً إلى ساحة كرمِ الله، احمدوا الذي وفَّقكم، واحمدوا الذي أحضركم، واحمدوا الذي وجهكم، وبه إليه أتوجَّه أن يقبلَنا وإياكم ويكرمنا وإياكم، ابتدأتَ الكرامةَ بالإذن والرخصة والتوفيق فأتمِم علينا كرامتَك ونعمتَك بالقبول والرضى والمعرفة بك والمحبة منك، والمحبة لك، والمحبة من حبيبك، والمحبة لحبيبك، يا رب في خواصِّ الأحبة اجعلنا، ومداخلهم أدخِلنا ومسامراتهم أشهِدنا، ومذاقاتهم أذِقنا يا الله ، أتمِم علينا النعمةَ وعلى الحاضرين والسامعين يا مُنعم، اجعلنا في الذين أنعمتَ عليهم، ولا تجعل فينا فرداً لا ذكراً ولا أنثى في المغضوب عليهم ولا الضالين، آمين يا رب العالمين يا أكرم الأكرمين، ورحمتَك بالأمة يا كاشفَ الغمَّة يا جاليَ الظلمة، يا دافع النقمة.
ويا أهلَ الصدقِ ويا أهلَ الإخلاص مِن الجنِّ والإنسِ في كلِّ مكانٍ في هذا العالم مِن أمةِ حبيبِ الله محمد، مهما اشتدتِ الفتنُ والكروبُ والخطوب فوالله ما وراءها وما في طيِّها إلا أمرٌ عظيمٌ مِن جودِ الله، ومِن نصرِ الله، ومِن ظهورِ راياتِ محمد بن عبد الله، ومَن طال له عمرٌ منكم سيرى ذِكرَه ودينَه في بيوتِ الأرض كلِّها، وإن رغمَت أنوف المُعادين، وإن رغمَت أنوفُ الكافرين ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)
اللهم لك الحمدُ يا مرسلَ هذا الرسول، اربطنا به ربطاً يقوى ولا ينحلُّ أبداً، يا مَن مُلكُه لا يزول، يا مَن يحوِّل الأحوال ولا يتحول، يا مَن يبدِّل الشئون ولا يتبدل، يا حيُّ يا قيوم يا قوي يا متين يا واحد يا أحد، تداركِ اليمنَ وأهلَه، تداركِ الشام وأهلَه، تدارك العراقَ وأهلَه، تدارك ليبيا وأهلَها، تدارَك مصرَ وأهلها، تدارَك بلادَنا وبلادَ الحاضرين والسامعين وتدارك قلوبَ المسلمين وأرواحَ المسلمين وعقولَ المسلمين وعلومَ المسلمين، أدرِكها يا رب، أغِثها يا رب أنقِذها يا رب، فرِّج عنها يا رب، ادفعِ البلاءَ عنها يا رب..
استطالَ عدوُّك ولعبَ بالعقول، ولعب بالأفكار، وضحك على صغار، وضحك على كبار، وضحك على رجال، وضحك على نساء.. واليومَ نستنصرك، ونلجأ إليك موقنين أن لا ملجأ ولا ملجأ منك إلا إليك..
إليك يا رب يا عالم بذات الصدور** إليك يا رب يا من له تصير الأمور
إليك يا ربنا أنت العزيز الغفور ** إليك بأهل الكساء المختار بدر البدور
محمد الطهر اللي نوره طمس كل نور ** وبالرضي الذي يسقي الشراب الطهور
غداً من الحوض يوم البعث يوم النشور ** وبابنة المصطفى الزهراء البتول الصبور
وبالحسن اللي زهد في ملك دار الغرور ** وبالحسين الذي غدروا به أهل الفجور
نسألك بأهل الكساء يا رب تكفي الشرور ** وأنزلِ لنا الغيث يسقي النخل يسقي الذبور
وأصلِح لنا البطون والظهور، واجزِ نبيَّك عنا خيراً، وصحابته خصوصاً السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وخصوصاً الخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعلي خير الجزاء، وأفضل الجزاء، وأهلَ بيته، وجميعَ صحابته، وورثتَه وأهلَ العلم وأربابَ الصلاح من الذين أشرق النورُ فيهم في مختلف النواح على مدى العصور، فلم تُخلِ هذه الأمة من إشراق هذا النور يبتثُّ مِن قلوب اصطفيتَها فظهر النور وحُفظ بها الدين في الشرق والغرب حتى ورثنا هذا الخيرَ الكثيرَ والمنَّ العظيم فلك الحمد، وأتمِم النعم علينا، ربنا أتمم لنا نورنا.
وكل ما وهبتَ الواحد مِن حاضرين وسامعين مِن نورٍ في قلبِه أو في سمعِه أو في بصرِه أو في علمِه فزِده نوراً، واحفظ عليه ذلك وزِده زيادة، أسعِدنا بأعظم السعادة يا عالم الغيب والشهادة يا الله، تستحليها الأرواح هنا، وتتنعم وتستلذ بها هناك، فقولوها تذوقوا مِن حلاوتِها الآن، ويُخبَّأ لكم نعيمُها في الجِنان يا الله..
ناديتَه ..؟ وتركتَ كلَّ مَن سواه، ولا قلت يا ذا ولا ذاك إلا ملك الأملاك، وقلت يا الله، بأعظمِ أسمائه ناديتَه، يا ما أعجبَ فضلَه عليك، تقول له يا الله، والله يسمعك، تقول له يا الله، والله يراك، تقول له يا الله، والله يرحمك، تقول له يا الله، والله يعفو عنك، تقول له يا الله والله يقرِّبك، تقول له يا الله، والله يرضى عنك، تقول له يا الله، والله محيطٌ بك.. ما أسعدَنا بالله.. ما أسعدنا بهذا الإله..
ما قُربُ جسدِي مني؟ ما قُرب حبلِ وريدي مني؟ ما قُرب هذا الجدار مني؟ لا شيء، ربي أقرب، ربي أقرب، ربي أقرب، وعزتِه وجلاله أقربُ منها كلها، أقرب إلى نفسي مِن نفسي، أقرب إلى قلبي مِن قلبي، أنى يكون قلبي وقربُه عند قربِ ربي جل الله، نعم القريب، نعم المجيب، لا تجعل فينا أحداً يخيب، وهب لنا مِن عطائك الرحيب، ما أنت أهلُه يا الله، حالية يُخبَّأ نعيمها، قلها.. يا الله، تستشعر مَن تنادي؟ مَن تسأل؟ مَن تدعو؟ يا الله ما أحلاها، بقلبِك قُلها، بروحِك قُلها، بسرِّك قُلها، بكلِّك قُلها، بكلِّيتك قُلها، بجمعيَّتِك قُلها.. يا الله صدى معناها وقدرها.. ماذا تسمعون منه وماذا يُنقل في هذه الأجهزة بالنسبة لصداها في السماء، بالنسبة لصداها عند العرش..
يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله.