خسوف القمر ليلة 15 ذي القعدة
الخطبة الأولى
الحمد للهِ الخالقِ المُكوِّن، البارىء المبدىء الفاطر، السَّميعِ البصيرِ، العليِّ العظيمِ الواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ العَليمِ القدير، وأشهد أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، منه المُبتدأ وإليه المَصير (رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) وما فيها أحاط علماً بها، وهو القادرُ المُتصرِّفُ فيها، والخالقُ البارىءُ لها (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
ونشهد أنَّ سيَّدَنا ونبيَّنا وقرَّةَ أعيُنِنا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُه ورسولُه، وحبيبُه وصفيُّهُ وخليلُه، أَعْرَفُ الخلقِ بالحقِّ الرحمنِ، مَن أُنزِلَ عليه القرآن، فبيَّنَ أحسنَ البيان، ودعانا إلى حقائقِ الإسلامِ والإيمان، وشرحَ اللهُ به الصُّدور، وأشرقَ به النُّور، وأزالَ به ظلمةَ الأفكارِ وظُلماتِ المقاصدِ والمعاملات في البُطونِ والظُّهور.
اللهم صَلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على أعرفِ عبدٍ عرَّفتَه بحقائقِ الكَونِ وما فيه، وأَجلِّ عبدٍ اِصْطَفَيْتَهُ فجعلتَه فوقَ كلَّ مَن رَقَّيْتَهُ في ظاهرِ الأمرِ وخَافِيه. اللهَّم أدِم صلواتِكَ على عبدِك الذي قال لنا: { إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ من آيات الله لا ينخسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه، فإذا رأيتُم ذلك فافزعُوا إلى الصلاة، وإذا رأيتم ذلك فاستغفروا اللهَ وكبَّروه }. اللهم أدِم صلواتِك عليه وعلى آله وأصحابِه، نجومُ الكونِ مَن ظهرَت بهم حقائقُ الهدى لكلِّ مَن صدقَ في طلبِ الحقِّ والهدى وأتاه مِن أبوابِه. اللهمَّ وصَلِّ على مَن اتبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ وضعِ الميزان، وعلى أنبيائك والمُرسلين، وملائكتِك المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد .. عبادَ الله: فإني أوصيكُم وإيايَ بتقوى الله.
تقوى الذي بَسَطَ لكم الأرضَ ومهَّدَها، وجعل الشمسَ والقمرَ آيتَين وبثَّ الآياتِ فيما بين السماوات والأرض في عُرْضِها وطُولِها، وكلُّ شيءٍ فيها يُنادي بعظمتِهِ وجلالِهِ وعلوِّهِ وكِبريائه، ويُخاطِبُ العقلَ مِن كلِّ عاقل: أتعرفُ ضعفَك؟ أتعرف عجزَك؟ أتعرف فقرَك؟ أتعلم أنكَ على كوكبٍ مِن جملةِ ملايينِ الكواكب؛ مَن يحمِلُها؟ ومَن يَتصرَّف فيها؟ ومَن الذي يتحكَّمُ في دَوْرَاتِها؟ ومَن الذي يُعَيِّن ويُحَدِّد مساراتِها؟
إذا رأيتم مِن آياتِه ما تعلمُون به أنه سيجعلُ الأرضَ في هذه الساعاتِ حائلةً بين ضوءِ الشمسِ وبين القمر .. فهل تملكُون أن تُقَدِّمُوا شيئاً مِن ذلك أو تُؤخِّروه؟ أو تتصرَّفوا في مَسِيرِ شيءٍ من هذه الكواكبِ الثلاثة، ومِن هذا النَّجم نجم الشمس وكوكب القمر وكوكب الأرض أو تحرفوه؟! أَتُقَلِبُونَه عن مكانِه أم تُقَدِّمُونه أو تُؤخِّرُونه ؟ بكلِّ ما ادَّعيتُم، وبكلِّ ما انتهيتُم إليه، ووصلتُم مِن قُوَى وقُدرات، أفيكُم مَن يتحكَّمُ في هذه الدَّورات؟ أو يملكُ فيها تقديماتٍ أو تأخيراتٍ؟
فأنتم إذاً في كواكبِ مَن؟ وبين كواكبِ مَن؟ وتحت قُدرةِ مَن؟ أفلا ينكشفُ عنكم حجابُ الظلمةِ الذي لَعِبَ بصغارٍ وكِبَارٍ مِن هذه الأمة؛ ونسُوا قوةَ الله، وعظمةَ الله، وأعرضُوا عن هذه الآياتِ الواضحةِ الدلالاتِ على عظمةِ الله وجلال الله وكبرياء الله ( لا الشمسُ يَنبغِي لها أن تُدركَ القَمرَ ولا اللَّيلُ سابقُ النَّهارِ وكلٌّ في فَلَكٍ يَسبَحُون ) (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا).
أيها المؤمنون بالله: ما أكثرَ القلوبَ الغافلةَ على ظهرِ الأرض مِن المكلَّفِين مِن الإنسِ والجن، ولو أحسنُوا استعمالَ العُقول لعَلِمُوا ما في طُلوعِ الشمسِ والقَمرِ والأُفول مِن آياتٍ تدلُّ على أنَّ مُحَوِّلَها جل جلاله لا يَحُولُ، وأنَّ مُلْكَهُ لا يزول، وأنَّ كلَّ ما حواليهم قابلٌ للأفُول بل للزوال بِقُدرةِ الكبيرِ المُتعَال. ماذا تساوي أمامَ كَوكبِ الأرض؟ وماذا تساوي أمامَ كوكَبِ القمر؟ أترى الذي يُسيّرها (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ) هذا الكوكبُ بِعِظَمِهِ وأنت بكُلِّ مقدارِ جسمِك وتركيبِك ما تُساوي عشرَ العُشرِ منه، ألا تخافُ هذا القويَّ القاهرَ المُتَصَرِّف الحكيمَ المُدبِّرَ ؟!
ولقد كان في هذا القمرِ آيةٌ عُظمى لخَيرِ البشر، حينما قال أهلُ العناد ائتنا بآية؛ فأراهم القمرَ قد انشقَّ فِلقَتَين، فنادى: "ألا فاشهدُوا ". حتى كانوا بالأعيُن يرونَ فِلْقَةَ القمرِ في هذا الجانب، والفِلْقَةُ الأخرى في الجانب الآخر، وجبل حراء بينهما. ويرون جبلَ حراء بينهما وهذه الفِلْقَة في هذه الناحية وهذه الفِلْقَة في هذه الناحية. مَن فَلَقَ القمرَ؟ مَن شَقَّ القمرَ؟ ولأجلِ مَن؟ ألا ما أعظمَ خيرَ البشر، ما انشقَّ القمرُ لأحدٍ قبلَه، ولن ينشقَّ لأحدٍ بعده.
يا مَن يرى الشمسَ والقمرَ.. ألا تُدرِكُ مَن خلقَهما؟ ألا تُدرِكُ مَن كَوَّنَهما؟ ألا تدرك مَن صوَّرَهُما؟!إنَّه الخَبَلُ في استعمالِ العقلِ باعوجاج، الخَبَلُ في استِعمالِ العقلِ هو الذي يَمضِي فيه هؤلاءِ الذين يشاهدونَ هذه الآياتِ ثم لا يؤمنُون بربِّ البريات؛ خَبِلَت عقولُهم فما أحسنُوا استعمالَها. وإنَّ كُلَّ مفكِّرٍ منهم بحكمِ العقِل المُعطَى مِن اللهِ يقول لا يمكنُ أن تمشيَ هذه الأمورُ بدون قُدرة وقوةٍ حكمة تُصَرِفُها!! قد دُعيتَ وقد نُوديتَ، والحكيمُ المُصرِّف أرسلَ إليك أفضلَ مَن برَا، خيرَ الورى، وناداك لتؤمِنَ بالله.. فمالَك؟ ما يؤخرُك؟ ما يقطعُك؟ ما يمنعُك؟ أيها المُخَبَّلُ في استعمالِ العقل: أحسِنِ استعمالَ عقلِك سيهديك إلى ربِّك ومَن أرسله إليك ربُّك وما أنزل عليك ربك. ألا إنَّ نعمةَ الإيمان أعلى النِّعَم، ألا إنَّ نعمةَ الإسلام أعظمُ المِنَن.
أيها المؤمنون بالله: فلتزدادُوا إيمانا. وعندما حدث مثلُ هذا في زمنِ نبيِّكم صَلَّى بصحابتِه، وفي الصلاةِ شاهدَ المصيرَ والمآلَ والجَنَّةَ والنار، ورأى في الجنةِ فلاناً وفلانا، ورأى في النار فلاناً وفلانا. وصَوَّرَ له الحقُّ ما يكون، وصوَّرَ له الحقُّ ما هو قائمٌ في الجنة، حتى قال: " لقد هممتُ أن أقطفَ منها قِطْفَ عِنَبٍ، ولو أخذتُه لأكلتُم منه إلى يوم القيامة" حقيقةٌ رآها خيرُ البشر في أمرِ المستقبل الأكبَر؛ فيما خوَّفَ اللهُ به وأنذر، ورجَّى وبشَّر من الجنةِ والنار. عُرِضَت عليه في عَرضِ ذلك الحائط في مثل هذه الحادثة التي قد سبقَ أن انشقَّ له هذا القمر وهو بمكة المكرمة، وأنزل الله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ). ما أفسدَ خِطَّةَ ومسلكَ وعقولَ أولئك الذين كذَّبُوا واتبعوا أهواءهم، وخلفاؤهم في زمانِنا كذلك؛ ما أقلَّ عقولَهم في دعاويهِم الكبيرة، لم يعرفوا خالقَهم ولم يعرفوا لِمَ خلقَهم.
ألا فاحمدُوا اللهَ على نعمة الإسلام (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ).
إنَّ في هذا التَّسييرِ والتقدير، وجَعلِ القمرِ بهذه المَثابةِ في ليالٍ مُعيَّنةٍ مِن الأوقات يُعيّنُها العليمُ الخبيرُ تذكرة لكلِّ متذكِّر؛ أنَّ مِن وراءِ هذه الأكوان مُكوِّنٌ يحكُمُها ويتصرَّفُ فيها؛ فلا تغترَّ بِرتَابةِ الترتيبِ الإلهيِّ والسنَّةِ النبوية في طُلوعِ الشمسِ عليكَ ومَغربِها، وضياءِ القمرِ في أماكنِها، ولا تظنّ أنها بنفسِها فعَّالة ولا بنفسها قائمة (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ) جل جلاله وتعالى في علاه، (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ).
ألا إنَّ هذا الخَسفَ يُذكِّرنا بمعاني مِن الخسوف؛ إنَّ من الخَسفِ ما يحصل على ظهرِ الأرض، وقد خُسِفَ بأقوامٍ كثيرين. والخسوفُ يُذكَر ويتزايدُ في زمانِكم، زلازلُ مِن مكانٍ إلى مكان تمضي بتقدير مكوِّن الأرض عدداً وكميةً ومقداراً ووقتاً لا يزيدُ منها شيء ولا ينقص؛ حتى يأتي الوقتُ لزلزلةِ الأرضِ كلِّها (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا).
ولكَم من خُسِف به على ظهرِ هذه الأرض، مِن مُغتَرٍّ بمظهرِه ومَلبسِه وما أوتيَ مِن مُلْكٍ ومال، يمشي وهو ينظرُ في أعطافه مُتكبراً فخُسِف به؛ فهو يتجلجل وسط هذه الكرة الأرضية إلى يوم القيامة. وقد خُسِفَ بقَارونَ ومُلكِه (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ).
أيها المؤمنون بالله: مَن أدرك هذه الحقائقِ اشتاقَ إلى مُلكٍ لا يزول، وحالٍ عظيمٍ فيه مِن النَّعيم مالا يُعبَّر عنه المَقُول، وعَشِقَ المُلكَ الكبير وصار زاهداً في هذا الأمرِ الحقير (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) والذين يريدونَ العُلوَّ في الأرضِ والفسادِ عليهم اللعنة ولهم سوءُ الدار، ولا يُعلَون (وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ، (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ). مَن كان متواضِعاً متذلِّلاً لله فهو الأعلى على الحقيقة، ومَن أرادِ العُلوَّ في الأرض فلا علوَّ في الأرضِ ولا في السماء، ولا علوَّ إلا ما كان مما يُبتلى به الناسُ صورةً مِن صُورِ المجازاتِ الآنِيَّة الوقتيَّة المُضمَحِلَّة عما قريب (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ).
اللهم نَوِّر قلوبَ المؤمنين وارزقهم حُسْنَ الهداية، والوعيَ والرعاية، لآياتِك وما في كونِك وفي أنفسِهم لعلهم يُبصرون. اللهم بَصِّرْنَا والمؤمنين، وارزُقنا الصِّدقَ يا قويُّ يا متين، وألهمنا رشدَنا في كلِّ حركة وسكون.
والله يقول وقولُه الحقُّ المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ *سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ * وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ *وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ * وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ).
بارَكَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيه مِن الآياتِ والذِّكرِ الحكيم، وثبَّتَنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خِزيِه وعذابِه الأليم.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولوالدِينا ولجميعِ المسلمين، فاستغفرُوه إنه هو الغَفورُ الرَّحيم.
الخطبة الثانية
الحمد للهِ القادرِ المُصَوِّرِ البارىء الحكيمِ، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، الإله الحقٌّ العليّ العظيم، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُنِنا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُه ورسولُه، وحبيبُه الهادي إلى الصراط المستقيم. اللهم صَلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدِك المصطفى سيدِنا محمدٍ خيرِ البشر، مَنِ انشقَّ له القمر، وعلى آلِه وصحبِه الغُرَر، وعلى مَن اتبعَهم واقتفى الأثر، فلم يُخدعْ ولم يَغتَر، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمرسلين الكُبَر، وعلى آلِهم وصحبِهم، وعلى ملائكتِك المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم يا عالِماً بما بطنَ وما ظَهَر.
أما بعد.. عباد الله: فإني أوصيكم وإيايَ بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبلُ غيرها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يثيبُ إلا عليها.
يا مَن أبدعَ الرحمن لهم بدائعَ الآيات مِن جميع الجهات، أمَا تسلكوا مسلكَ الإنابةِ والإخبات؟ أمَا تغتنمُوا محدودَ الساعات وقصيرَ الأعمارِ والأوقات ؟!
وما هي إلا ليلةٌ بعد ليلةٍ ** ويومٌ إلى يومٍ وشهرٌ إلى شهرِ
مراحلَ يُدْنِينَ الجديدَ إلى البِلَاء ** ويُوصِلْنَ أعضاءَ الأنامِ إلى القبرِ
ويتركنَ أزواجَ الغَيُورِ لغَيرِه ** ويَسْلُبْنَ ما يَحوي الشَّحيحُ مِن الوَفْرِ
(فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ).
أيها المؤمنون بالله: وإذا ذكَرنا هذا الخسوفَ أبكى قلوبَنا خسوفُ قلوبِ أقوامٍ انصرفَت عن ربِّها، وغَفِلت عن إلهها، وارتضت بِتُرَّهَات الحياة الدنيا. ألا وإنَّ مِن مساوىء مظاهرِ الخسفِ المُردِي المُضِر: إهمالُ الصلواتِ عند كثيرٍ من المسلمين والمسلمات، وإضاعتُها وإخراجُها عن الأوقات، بل التَّهاونُ بالجماعاتِ خَسْفٌ فكيفَ بتركِ الصلاةِ مِن أصلها!
أيها المؤمنون: إنّ الإصرارَ على عُقوقِ الوالدين خَسْفٌ تُخسَفُ به القلوب.
أيها المؤمنون: إنَّ الإصرارَ على نَظرِ الصُّورِ المُحرَّمِ النَّظرُ إليها خَسْفٌ تُخْسَفُ به القلوب.
أيها المؤمنون: إنَّ إهمالَ الأُسَرِ والأولادِ لِتُرَّهَات بل لسِبَاعِ المناظر الخبيثةِ والكلماتِ السيئة وبرامجِ الأشرارِ لخَسْفٌ تُخسَفُ به البيوتُ وأهلها، والعياذ بالله.
ألا وإنه يتمادى هذا الخسفُ بأقوام، حتى يكونَ في أقوامٍ في الأمةِ يبيتُونَ في اللَّهوِ والخُمورِ وإساءةِ الأدبِ مع الله فيُخسَف بهم ويُمسَخُ؛ منهم مَن يُحوَّلُ إلى قِرَدَة وخنازير، والعياذ بالله تعالى. وإنما يكون هذا في أفرادٍ من الأمة إظهاراً للقدرةِ، ورحمةً من الله بأمةِ محمد لا يعمُّهم خسفٌ ولا مسخ. ولَيكوننَّ في الأمة خسفٌ، وليكوننَّ في الأمة مَسْخٌ في أجزاءَ منهم، في أبعاضٍ منهم، في أعدادٍ منهم؛ ولا يعمُّهم شيءٌ من ذلك لمكانةِ محمدٍ عند ربِّ الأرض والسماء صلى الله عليه وسلم.
ألا فانصرفُوا بعد هذه الآية: مُدَّكِرينَ ما قال لكم رسولُ الله مِن التكبير والاستغفارِ والتوبة إلى الملك الغفَّار في السِّرِّ والاجهار، والصدقةِ، للعَوْدِ على المحتاجِين منكم، والاغتسال للتَّطهُّر، ولتَجديدِ التوبةِ مع عالمِ الجهرِ والسِّر.
أيها المؤمنون بالله: فلتكُن ليلةَ صِدْقٍ مع الله في تضرُّعٍ والتجاء إليه، واستغفارٍ لما كان منا. تتذكرُ قوةً وعظمةً لا يقفُ أمامَها شيءٌ بهذه الآيات؛ إن كانت لآيةٌ في مطلعِها كلَّ ليلة، فكيف في ما يَنْدُرُ مِن شأن الخُسوف، والذي يكثرُ بالنسبةِ لما قبلَه في آخرِ الزمان حتى يتوالى ويتَّصلَ بعلامات الساعة الكبرى المُقبلةِ على العِباد.
أيها المؤمنون بالله: تذكَّرُوا، وادَّكِروا، واعتبرُوا، واخشعُوا، واخضعُوا لإلهٍ جبَّارٍ قهَّار يرحمُ مَن استكانَ لِعظمتَه، ويلطفُ بمن تذلَّل لكبريائه، ويعفُو عمن أقرَّ بذنبِه واستغفرَ إليه (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) ، استغفروه، اطلبُوا منه الغفران بذلَّتكم، وأدبِكم، وعزمِكم الصادقِ أن لا تعودُوا إلى ما حرَّمَ عليكم في قلوبكم وأعضائكم وجوارحِكم؛ فإنه خالقُها، فلا تُسَخِّرُوها في مخالفتِه ولا في معصيتِه، واستعدُّوا للقائه بطهارةِ القلوب، ونقاءِ الجوارح عن جميع الذنوب.
اللهم ارزقنا الاعتبارَ والادِّكَار، وأفِض علينا فائضاتِ الإيمانِ واليَقينِ والأسرار، وأدخِلنا دائرةَ نبيِّك المختار. اللهم تداركِ الأمةَ التي حَلَّ الخَسْفُ بقلوبِها وعقولِها؛ فخُسِفَت كم مِن قلوب وكم مِن عقول، أنقذهم مِن هذا الخَسْفِ يا حيُّ يا قيوم، ورُدَّهم إلى إدراكِ الحقيقة، والاستِمساكِ بالعُروةِ الوثيقة، واتِّباع خيرِ الخليقة. إليكَ نشكُو ما حَلَّ بنا والأمة فاكشِفِ الغُمَّة يا كاشفَ الغُمَّة، وأَجْلِ عنا الظُّلمة، وادفع عنا النِّقمَة، وعامِل بمحضِ الجُودِ والرحمة، وأتمَّ علينا النِّعمة يا حيُّ يا قيومُ، يا أكرمَ الأكرمين يا أرحمَ الراحمين. يا الله اجعل حياتَنا على ظهرِ الأرض حياةَ المُعتبرين المدَّكرِين المُنِيبِين الخاشعِين الخاضعين.
أيها المؤمنون: صَحَّ عن ابن عمر أنه رآه بعضُهم وهو في السجودِ يبكي عند الكعبة، ولما ارتفع ورأى الأعرابيَّ ينظر إليه قال: "أتعجبُ مِن بكائي لربي، وهذا القمرُ يبكي مِن خشيةِ ربِّه ؟!" وأشار إلى القمر وقت مَغيبه قال: "إنه يبكي من خشية ربِّه" إنَّ السماواتِ والأرضَ لخاشعةٌ لربِّ السماوات والأرض، وهو الذي قال: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ). فأطِع هذا الإله، وانتهِ عن المَناهي إن كنتَ تعلم عظمةَ عُلاه؛ فإنَّ إليه مرجعَك، وحكمُه نافذٌ فيك يومَ وقوفِك بين يديه.
اللهمَّ اجعل حياتَنا على ظهرِ الأرض حياةَ مَن عَظَّمك وأخلصَ لوجهِك وصَدَق معك، فاجعل اللهم حَشْرَنا منها يوم نُحشر في زمرةِ حبيبِك الأطهر، وفي خَير الزُّمَر، اللهم وإلى ظِلِّ عرشِك، وإلى ظِّل لواءِ الحمدِ المَعقود، وإلى الحَوضِ المورود. اللهم وارحَم وقوفَنا بين يديك، وأسكنَّا في جناتِ الخلود، مِن غيرِ سابقةِ عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب، يا برُّ يا ودودُ يا أكرمَ الأكرمين.
وأكثِرُوا الصلاةَ والسلامَ على مَن به عرفتُم الله، ومَن به علمتُم عظمةَ الله، ومَن به عرفتُم أحكامَ الله، ومَن به دُعيتُم إلى الله، ومَن دلَّكم على الله، وعلى شفيعِكم عند الله؛ الشفيعِ الأعظم يومَ لقاه. صلُّوا وسلِّموا على هذا الحبيبِ الأكرمِ، الحبيب الأعظم والنبيِّ الأفخم صلى الله عليه وسلم، فإنَّ صلاتَكم عليه نورٌ لكم يوم القيامة، وإنَّ أولاكم بهِ يوم القيامة أكثرُكم عليه صلاة.
وإنَّ الله الرحمنَ أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكته، وأيَّهَ بالمؤمنين من عبادِه تعميما؛ فقال مُخْبِرَاً وآمِرَاً لهم تكريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك المجتبى المصطفَى المختارِ، مُحدِّثِنا عن الغُيوبِ التي أمرتَنا بالإيمانِ بها، ولا أصدقَ منه لهجةً في جميعِ عبادِك الأخيار. اللهم فاجعَلنا ممَّن يُوقِنُ بما أخبرتَنا وحدَّثنا نبيُّك، وبما أنبأتَنا وبيَّنَ لنا صفيُّك، واجعلنا مُرتقِين في ذلك مِن عِلْمِ اليقين إلى عينِ اليقين إلى حقِّ اليقين ما دُمنا في هذه الحياةِ يا أرحمَ الراحمين. نوِّر قلوبَنا بذلك، وارزُقنا شهودَ عظمتِك في جميعِ المسالك، وأعِذنا مِن جميعِ الزَّيغِ والمَهالك، يا حيُّ يا قيومُ يا مالك.
يا ملكَ الممالك، الهواء بيدك، والشمس والقمرُ بيدك، والنجومُ بيدك، والسماواتُ بيدك، وحملةُ العرش بيدِك، والإنسُ والجنُّ بيدك، وكل شيء في حكمك، وأنت الحكم العليم القادر القوي المتين.
اللهم صل على حبيبِك المحبوب، طِبِّ الأجسام والقلوب صلاةً تغفر لنا بها جميعَ الذنوب، وتكشف بها عنا جميعَ الكروب، وتُصلح لنا بها القوالبَ والقلوب. وصَلِّ معه على صاحبِه في الغار، أنيسِهِ ومُؤازِرِه خيرَ مؤازرةٍ في السِّرِّ والإجهار، القائمِ معَه في حالَيِ السَّعَةِ والضيق؛ خليفتِهِ سيِّدِنا أبي بكرٍ الصديق.
وعلى القائمِ بالعدلِ والإحسان، والمُتَرَقِّي ذُرَى الحقائقِ في الإيمانِ والإيقان، مَن يَفِرُّ مِن ظِلُّه الشيطان ويَفْرَق، الذي جمَعَ مِن الخيرِ ما تَفَرَّق، عبدك سيِّدِنا العادِلِ المنيب الأوَّاب، سيدنا أمير المؤمنين عمرِ بن الخطاب. وعلى مَن شَهِدت له الشواهدُ بالجِنان، المُنفقِ في رضوانِك في السرِّ والإعلان، مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن؛ ذي النُّورَين أمير المؤمنين سيِّدِنا عثمانَ بن عفَّان. وعلى أخِي نبيِّك المصطفى وابنِ عمِّه، ووليِّه وبابِ مدينةِ عِلمِه، إمامِ أهلِ المشارقِ والمغارب، أمير المؤمنين سيدِنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحَسَنِ والحُسِينِ سيِّدَي شبابِ أهلِ الجنة في الجنة، وريحانتي نبيِّك بنَصِّ السُّنة، وعلى أمِّهما الحوراءِ فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى بنات المصطفى، وخديجةَ الكبرى وعائشةَ الرِّضى وأمهاتِ المؤمنين، وعلى أهل بيعةِ العقبة وأهلِ بدرٍ وأهلِ أُحُدٍ وأهلِ بيعةِ الرضوان، وعلى سائرِ أصحابِ نبيِّك الكريم، وعلى الحَمزةِ والعباس، وسائرِ أهل بيتِ نبيِّك المطهَّرِين مِن الدَّنَسِ والأرجاس. وعلى جميعِ المؤمنينَ والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وعلينا معهم وفيهم يا مجيبَ الدعوات.
اللهم أريتَنا الآيات فارزُقنا أعظمَ الاستفادات، وما وهبتَ أهلَ المراتبَ الرَّفيعات مِن الإيمانِ واليقينِ والإنابةِ والإخباتِ فخُصَّنا به يا مُجيبَ الدعوات. يا جامعَنا في دارِ عبدِك المصطفى، على الاتباعِ والاقتفاء أصلِح مِنَّا الظاهرَ والخفاء، وتولَّنا بما أنت أهلُه يا عالمَ السر وأخفى. اللهمَّ وامنُن علينا وعلى مرضانا بكمالِ العافيةِ والشِّفاء، اللهم امنُن علينا وعلى المسلمين بِدَفعِ البلايا والآفاتِ والضُرِّ والجَفاء، اللهمَّ تدارَكِ الأمةَ بغِياثٍ عاجلٍ يكشفُ كلَّ غُمَّة.
اللهم ارحمهُم في تفرُّقِهم واجمعهُم، اللهمَّ ارحمهُم في شتاتِهم وألِّف ذاتَ بينهم، اللهمَّ ارحمهم في ظلماتِهم وأخرِجهم مِن الظلماتِ إلى النور، اللهم ارحمهُم في ورطاتِهم وادفع عنهم جميعَ الشرور. اللهم ارزقهم متابعةَ نبيك في البطون والظهور. اللهم اغفِر للأحياء ومَن في القبور مغفرتَك الواسعة يا عزيزُ يا غفور، يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين.
واصرِفنا بقُلوبٍ مدَّكرة مُعتبِرة، منوَّرة مطهَّرة، مُقبِلة بالكليةِ عليك، متذلِّلة لِعَظمتِك، مُوفية بِعَهدِك، نادمة على ما كان مِنها، عازمة على الصدقِ معك فيما بقيَ مِن أعمارِها. وأحسنِ الخاتمةَ لكلٍّ منَّا عند خروجِ روحِه مِن هذا الجسدِ، ومُقابَلتِك ولقائك الخاصِّ يا واحِد يا أحد، واجعل قبورَنا رياضاً مِن رياضِ الجنة، واجعَل خيرَ أيامِنا يوم لقائك؛ نلقاك وأنت راضٍ عنا يا أكرمَ الأكرمِين. اللهم واغفِر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أحياهم والأموات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
اللهم إنا نسألكَ لنا وللأمةِ مِن خيرِ ما سألك منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مِن شرِّ ما استعاذَك منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنت المستعانُ وعليك البلاغُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاث، ونهى عن ثلاث: ( إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكم، واَشْتَغِلُوا بالاستغفارِ والتكبيرِ حتى يُجليَ اللهُ هذه الآية التي يُبرزها لكم، واشكرُوه على نعمهِ يزِدْكم.. ولذكرُ الله أكبر.
للاستماعِ إلى الخطبة
لمشاهدة الخطبة