10-2018
23

محاضرة مكتوبة بعنوان: الاجتماع على الوجهة إلى الله وقصدِ رضاه والرحمة بعباد الله

مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في مجلس الذكر والتذكير في مدينة شيربون ، محافظة جاوة الغربية. ليلة الخميس 2 صفر الخير 1440هـ، بعنوان: الاجتماع على الوجهة إلى الله وقصدِ رضاه والرحمة بعباد الله.

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله على  هذه الساعة التي نتهيَّأُ فِيهَا لِنَظرِ الإلهِ الرحمن، ونتعرَّضُ لِنفحَاتِ الكَرِيمِ المنَّان، وقد أكرَمَنا بالخَلقِ من العَدَم وجعَلَنا في خيرِ الأُمم، ورزَقَنا الإيمانَ، ووَصلنا بسيِّدِ الأَكوان.

 ونَشهَدُ أن لَّا إلهَ إلا الله وحدهَ لا شريكَ له، مُجدِّدِين عهدَنَا مَعه، مُستَرضِينَ له سَائلينَ كرَمَه.

 ونشهَدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، نعمتُه الكُبرى علينا، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبَارِك وكرِّم على البَشيرِ النَّذيرِ والسراجِ المنير، سيِّدِنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومَن عَلى مِنهَاجِهِ يَسِير، وَعَلى آبائِه وإِخوَانِه مِن الأنبِيَاء والمُرسَلِين، وآلهم وصحبِهِم أجمعِين، وعلى الملَائكة المقرَّبين، وجميعِ عبادِ الله الصَّالحين، وخصوصاً الشريف (هداية الله) الذي قُبِرَ فيِ هذا البلاد، وبقيَّةُ التسعة الذين انتشرَ بِهِمُ النُّور والهُدى والرَّشاد، ومَن قبلَهُم ومَن بعدَهم مِمَّنِ استقامَ على هذا المنهاجِ بالصدقِ في الخافي والبَاد، وعلينا مَعَهُم وفيهم إنَّه أكرمُ الأكرَمِين وأرحمُ الراحمين.

أما بعدُ، فَيَا إِخوَانَنا فيِ الله، ويا مَن تحابَبْنا وإيَّاهُم مِن أَجلِ الله، أَخلَصَ اللهُ توَاصُلَنا وتحابُبَنَا فيه، وَلَم يجعلْ فِيه شائبةً مِن إرادةِ غيرِه في ظَاهر الأمرِ وخَافِيه، حتَّى يُحقِّقَ لنَا مَا وعَدَنا عَلى لِسَان عبدِه المصطفى سيدِّنا محمَّد، أنَّه تعالى يقولُ في حديثِه القدسي: ((وجبَتْ محبَّتي للمُتَحابِّين فيَّ، والمتَزَاوِرين فيَّ، والمُتَبَاذلين فيَّ))، وقولُهُ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم: ((الـمُتَحابُّون في الله على مَنَابِرِ مِن نُورٍ يومَ القيامة، يَغبِطُهُم الأنْبِيَاء والشُّهَداء))، اللهمَّ اجَعْلَنا منهم.. اللهم اجعلنا مِنْهُم.. اللهمَّ اجعلْنا منهم، في خيرٍ ولطفٍ وعافية، وثبِّتنا على ذلك حتَّى نلقاكَ.

 يا مَعشرَ المُتحابِّينَ في اللهِ: أنتُم بينَ يَدَي مَن مِنْ أجلِه تَحابَبْتُم جلَّ جَلالُه، وَهُوَ النَّاظِرُ إلَيكم لِمَاذَا اجتَمَعتُم، مَن تَقُصُدُون وماذا تَطلُبون؟ أنتُم آثَارٌ مِن آثارِ دعوةِ حبيبِه المصطَفَى محمَّد، علَّمَنَا أن نقصُدَ وجهَ اللهِ، وأَن نَطلُبَ أَعلَى مَا يُحصِّلُهُ خَلقُهُ وَهُوَ رِضَاه، وعَلَّمَنا التَّحابُب في اللهِ مِن أجلِ أن يُحِبَّنا اللهُ، وأَنْتُم أثرٌ مِن آثَار دَعوَةِ هذَا النَّبي، واللهُ لاَ يُفرِّق بينَنا وبينَ هذا النَّبي، يا ربِّ إذا حمَل لِواءَ الحَمدِ فكلُّ واحدٍ مِن أهلِ الجمعِ أَحضِرْهُ تحتَ ذاك اللِّوَاء.. أَحضِرْهُ تحتَ ذَلك اللِّواء.. أَحضِره تحتَ ذلك اللواء، وأهلَهُم وأولادَهُم، وأصحابَهُم وإخوَانَهُم.

هذِه الجموعُ الّتِي تُعقدُ على ظهرِ الأرض يُقصدُ به وجهُ ربِّ الأرض والسماء هي الحِصنُ للأمَّة مِن أنواعِ البلايا، وسببُ نزُولِ الرَّحمات والمنَنِ والعطايا، فأحسِنُوا استِمْطَار رحمَاتِ ربِّ العَالَمِين، وابدأوا بصدقِ التَّوبة مِن كلِّ ما كان مِن كُل واحدٍ منا مِن الذنوبِ الصغيرةِ والكبيرة، وقد تكون في صحيفةِ الواحد سيئةٌ لو أُوخِذَ بِها اسودَّ وجهُهُ يومَ القِيَامة، وتعرَّضَ للخُسران عند الميزانِ في يومِ القيامة، وإذَا مُحِيتْ عَنهُ كُفِيَ شرَّها، فكيفَ إذا جَاد الجَوَاد وبدَّلَها إلى حَسَنة، (إنَّ اللهَ يُحبُّ التَّوَّابِين ويُحِبُّ المُتَطهِّرِين).

 لَولَا ما علَّمْتَنا يا ربِّ مِن عَظمتِك وقُدرتِك وكرَمِك ما سألْنَاكَ غُفرَانَ ذنبي وذُنُوبِ جميعِ الحاضِرِين، ولكِن علِمنا أنها يسيرةٌ في جَنبِ عَفوِكَ وأنت عليها قدير، وأيقنَّا أنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلا أنت، (وَمَنْ يغْفِرُ الذُّنُوب إلاَّ الله)، فنَسْتَغْفِرُكَ يا ربَّنا، متوجِّهِين بحبيبِك نبيِّنا، فبِحقِّك عليكَ وحقِّ حبيبِك لا تَدَعْ في صحيفةِ أحدٍ مِن الحاضرين والسامعين ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا إلا ومحوتَه وبدَّلتَه إلى حسنات، آمينَ يَا ربَّ العالمين، قُولوا له آمين يا الله.. آمين يا الله.. آمينَ يَا اللهُ.. آمين يا الله، أيقنَّا أنَّه ليسَ عَسِير عليك، وإن كانت ذنوبُنا ثقيلة، ومعاصينا كبيرة، ولا يغفرُ الذَّنبَ العَظِيم إلَّا العَظِيم.

 يا مَن أنتُم بين يديِ العظيمِ الكريم أَرُوه مِن قُلُوبكم ما بِهِ يرضى، ولا بُدَّ أن يُذكرَ هذا المجلسُ وهذه الساعةُ يومَ تَقُوم السَّاعة، ولا بُدَّ أن تُذكَرَ تحتَ لِواءِ سيِّدِنا محمَّد، ولا بد أن تُذكرَ على الحوضِ المَورُود، ولا بُدَّ أن تُذكرَ في جنَّاتِ الخلود، لَكِن عِند ذكرِها في هذه المواطِن أين أكون أنا و أين يكونُ كلُّ واحدٍ منكم؟

يا مَن جمعتَنَا هُنَا لا تفرِّقْنَا هناك.. فاصدُقوا في توجُّهِكم إلى الله، وامتلِئُوا رحمةً لعباد الله، يرحمكم الله تعالى؛ فإن الرَّاحمين يرحمُهُم الرحمنُ تبارك وتعالى، وتحابوا في الله يحبُّكُم الله تعالى، ((وما تحابَّ اثنَانِ فيِ اللهِ إلاَّ كان أحبُّهُمَا إلى الله أشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبه))، تعلَّمُوا الرَّحمة مِن أجلِ الله تبارك وتعالى، ارحمُوا خلقَه مِن أجل أن يرحَمَكُم هُو، وعلِّمُوا الرَّحمةَ أهلَكُم وأولادَكُم، وأصحَابَكُم وإِخوَانَكُم.

وقُولُوا لكلِّ مَن حَوَاليكم إنَّ الذين  اتبعُوا مَن أُرسِلَ رحمةً للعالمين وآمَنُوا بِه لَا يَصلُح بينهم إلا الرحمة، ما كان لهم أن يستجيبُوا لما يَطرحُ أعداؤه عليهم فيُغرُوا بعضَهم بِبَعضٍ، لا يَحِقُّ ولا يصحُّ ولا يجوزُ لأَتباعِ هذا النَّبيِّ الذي أُرسِل بالرحمةِ أن يَستَمِعُوا نداءَ أعدائه فيَتَضَاربُون أو يتَقَاتَلُون على انتِخَابَاتٍ أو على أيِّ مَقصِدٍ من مقاصدِ الدنيا، إنَّ الَّذِي أوحى إلينا بالتَّباغض مِن أجلِ الأصوات في الانتخابات أو من أجلِ التجارات أو من أجل أيِّ غرضٍ في الدُّنيا لَا اللهُ ولاَ رسولُه ولاَ الصَّالِحُون ولَكِنه وحيُ الأَنفس والشيطان وجُندُ إبليس.

من رغِبَ في سُلطةٍ أو في الدنيا فليَطلُبْها مِن حيثُ أحلَّ الله، بلا إيذاء، بلا ضرر، بلا شرٍّ، اطُلُبِ المالَ لَكن لا مِنَ الربا، اطلب المالَ لكن لا مِنَ الغِشِّ والخِدَاع، اطلبِ المالَ لكن لا مِن المعَامَلات المحرَّمَة الفَاسِدة في الشريعة، وإن طلبتَ السُّلطة ولا خيرَ في طلبِها فاطلُبها بما أباح اللهُ لا بما حرَّم عليك، لا تطلبْها بسبِّ ذا وذَا وذاك، ونبيُّك يقولُ لك: ((سبابُ المسلمِ فُسُوق))، أترضَى أن تكونَ فاسقًا لأجل أن تكون رئيساً أو وزيراً!؟ بل أترضى أن تكون فاسقاً لأجلِ غيرِك أن يكونَ رئيساً أو وزيراً لا أنت بنفسِك؟ مَن علَّمَكَ هذا؟ مَن أغْرَاك بهذا؟ نصيحةُ محمَّدٍ خيرٌ لكَ، النُّفوس وإبليس وجندُه قالوا من أجلِ الحصولِ على ذلك الغَرض اكذبوا واخدعُوا وتسابُّوا وتضاربُوا، لكن النبي قال: ((مَن كَان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فَليَقُلْ خيرًا أو لِيَصْمُت))، أتترك نصيحةَ النبي وتسمعُ كلام هؤلاء الأعداءِ؟!.

 ولقد قال صلى الله عليه سلم: ((إنَّ اللهَ حرَّمَ عليكم دماءَكم وأعراضَكم وأموالَكُم))، اسمَع بقلبِكَ لِحَدِيثه الصحيح، ولَا تجدُ مثلَه نَصِيح، وهو مأمون من اللهِ ليدُلَّك على ما ينفعك، يقول لك: ((إنَّ اللهَ حرَّمَ مِنَ المسلِم دَمَهُ وَمَالَهُ وَعِرْضَهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ الظَّنَّ السُّوء)) حتى الظن بقلبِكَ ونفسِكَ بالسُّوء فيه حرامٌ عليك، فلنَتْبَعْ محمَّدًا، نبيَّ الهُدَى، ولنتُركْ هذه الأخبار التي جاءتنا مِن بلاد الكفار.

قالوا لنا دِيمُقْراطية وما عَلِمْنَا ظاهِرَهَا ولا الخفيَّة، وحوَّلْنَاها منازعات ومنافسات نفسانيَّة شيطانيَّة، لَكِن محمَّدا قال ((إنَّكُم ستَحرِصُون عَلى الإمَارَة وإنَّهَا ستكونُ نَدَامة))، وأشهدُ باللهِ الَّذِي خَلَق أنَّ محمداً هو الصادق ومَن خالفَه هم الذين الكذَّابون، وستأتي القيامةُ عَن قريب، وكلُّنَا سنَحضُرُ فيها، ولن يُقال لحكومة ولا لحزب "قل يُسمَعْ لِقَوْلِكَ"، لكن حاكم القيامة اللهُ يقول لمحمَّد: ((قل يُسمَع لقولِك))، فلا تضيِّعُوا المرافقةَ مع محمَّدٍ والارتباطَ به، واتركوا السَّكرَةَ وراءَ المال أو وراء السُّلطة والجَاه، ومَن اُبْتُلِيَ بطلبِ شيءٍ مِن ذلك فلا يجعلْه بالمعصِيَة ولا بالمُخَالَفَة للشِّريعة.

((إن الشيطان قد أَيِسَ أن يَعبُدَه المصلُّون))، ولكن طمَعُه كلُّه أن يُحرِّش وأن يفرِّق بيننا ويُباغِض بيننا ويُبَعِّد بيننا، من قال هذا الكلام؟ ومَن أخبرَنا هذا الخبر؟ إنه الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحَى،  إنه سيِّدُنا مُحمَّدٌ، إنه حبيبُ الله أحمد، لنَ يطمعَ الشيطان في أن نَعْبُدَ غيرَ اللهِ تبارك وتعالى، فليسَ فِيما يقومُ به أهلُ السنة من التَّوسل بأنبياء الله أو أولياء الله أو التبرك بآثارِهم عبادةً لغيِر الله ولا شركاً مع الله، حاشا الله، هُمُ اقتَدَوْا بِرسُولِ الله والأنْبِيَاء، والصحابةِ والأولياءِ، وهذا نبيُّ الله يوسف يقول لإخوتِه: (اذهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجهِ أَبِي)، قميصي هذا، في الدنيا قمصان كثير، لكن قميصي هذا، يقول بعضهم: إن عَرَقَ الإنسان مفيدٌ لمرض العين قلنا العرق في الدنيا كثير  لكن "قميصي هذا"، (فألقُوهُ عَلَى وجهِ أَبي)، أبوه كريم بن كريم بن كريم، رسول بن رسول بن رسول، ويأمرُهُم أن يأخذوا هذه الخِرقَة قميصَه فيضَعُونه على وجهه؟ أليس هذا التبرُّك؟ أليس هذه التوسل؟ وهؤلاء أنبياء الله، فمَن حوَّل التبرَّكَ والتوسَّلَ إلى شركٍ وبدعة؟!، واللهُ في القرآن يذكر نتيجةَ هذا التوسُّل والتبرُّك، (فلمَّا أَنْ جَاء البشيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجهِهِ فارتدَّ بَصِيرًا)، (أَلْقَاهُ عَلَى وَجهِهِ) يتمسَّح، هذا صوفي؟!، فـ(أَلْقَاهُ عَلَى وَجهِهِ فارتدَّ بَصِيرًا) رجع إليه بصرُه ونظرُه كما كان.

وهذا الرحمن يقول لنا عن ملأ مِن بني إسرائيل قالوا لنبي: (ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله)، قال لهم، إن الله قد اختار لكم طالوتَ ملكاً، وهناك آيةٌ مِن الله علامةٌ على أنه يريدُه أن يكون ملكاً عليكم، (أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ)، ما هو التَّابُوت؟ صندوق من الخشب، ماذا وسط التابوت؟ (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وآلُ هَارُونَ)، ما هي البقيّة التي تركها آل موسى وآل هارون؟: قميصُ النبي موسى، عمامة سيدنا هارون، نعل سيدنا موسى، رَضَاضٌ من الألواح التي تكسَّرَت، خَرِق وجِلد نِعَال، هذه البقية وَسَطَ التابوت، وهذا نبيٌّ مِنَ الأنبياء الله يذكره في القرآن يقول: يرجع هذا التابوتُ إليكم علامة على أن هذا مَلِك، (وقَالَ لَهُم نَبِيُّهُم إِنَّ آيَةَ مُلكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوت)، وكان قد فُقِد عليهم مِن زَمَان، وكانُوا يُحضِرُونَه عند الجِهَاد في سبيلِ الله يَستَنْصِرُون اللهَ ببركَةِ بقيَّةِ موسى وهارون، قال تعالى: (فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ)، واسمع كلامَ الله في القرآن، الأنبياء والملائكة معهم يعظِّمون هذه البركات: (تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ)، يحملون هذا التابوت ويعظِّمونه!، هل في الملائكة مبتدع؟، هل في الملائك مشرك؟ حاشا الله.

(أيِسَ الشيطانُ أَنْ يَعبُدَهُ الـمُصَلُّونَ، ولكن يطمعُ في التَّحريشِ بينهم)، فلا يتجنَّد أحدٌ منكم مع إبليس فيحرِّش بين الناس، وتجنَّدُوا مع النبيِّ محمد، انشرُوا المحبة، انشُرُوا الرحمة، انشروا الأخلاق؛ فقد عُرِفتُم يا أهل إندونيسيا بطيبِ وكرمِ الأخلاق، مِن آثار ِالإسلامِ فيكم، لما حملَه إليكم الأولياءُ مِن عِترةِ النَّبيِّ محمدٍ مثل الشريف (هداية الله)، وجاؤوكم بفهمٍ صحيح، وسندٍ متَّصل قوي، فانتشرَت بينكم كريمُ الأخلاق، وكان في أجدادِكم قلوبٌ صالحةٌ قابلةٌ لأنوارِ الله ورسولِهِ، ظَهَرَتْ آثارُ الدَّعوةِ فيها؛ ألا فأَحسِنُوا التَّوَاصُل مع الصغير والكبير.

ويُقَال لأصحابِ الأحزاب: إنِ ادَّعيتم ثقافةً أو تقدُّمًا فَحَسِّنوا معاملتَكم وأخلاقَكم، وليتَّصِلْ شبابُنا بشِيبَانِنا، وأهل المعاهد بالأكادِيمِيِّين وأهل المدارس، وليتَّصِل الشَّعب ببعضِهم البعض، وليتعاوَن أهلُ المِهَن وأهلُ الحِرَف وأهلُ التجارة وأهلُ الصناعة وأهلُ الزراعة؛ فإنَّ ربَّنا يقول: (إنَّا خَلقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وجعَلْنَاكُم شُعُوبًا وقَبَائل لتعارفُوا)، لم يقُل لتخالفُوا، ولا لتباغضُوا، ولا لتباعدُوا بينكم البَين، لكن لتعارفُوا.

والقرآن يكلِّمُنا في حقِّ الكُفَّار فضلاً عن المسلمين، يقول: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً)، لا تؤذُوهُم ولا تُوصِلُوا السُّوءَ إليهم، بل  عليكم بالبرِّ والقِسطِ، أمَّا عن المؤمنين يقول لنا (إنَّمَا الـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَينَ أَخَوَيْكُم)، هذا قولُ الله، فَمَن فرَّقَ بينَنا؟!، مَن خالفَ بينَنا؟!، مَن دعانا لأن نتباغضَ؟!.

ملأ الله قلوبَكُم بالرحمة، ووفَّرَ حظَّنَا من الرَّحمة، وجعل مِن قَبُوله لنا في هذا المجلس أن يدفعَ اللهُ البَلاَيا الظاهرةَ والباطنةَ، اصرِف الزلاَزِل عن أهلِ جاوى الغربية وعن أهلِ إندونيسيا، وادفَعها وامنَعها واقطَعها، فإنه لا يقدِر عليه غيرُك، لا الشعوب ولا الدول في الشَّرقِ ولا في الغَرب، لَكِن أنتَ وحدَك يا ربَّ الأرضِ والسماء قادرٌ على صرفِها، فاصرِفها، قادرٌ على دفعِها، فادفَعها، واجعل في قلوبِ هؤلاءِ توبةً صادقةً، ومحبَّةً ورَحمةً مقبولةً عِندك، تُوجِب لنَا بها الرحمة، وتقبل الدعاء، وتدفع البلاء، اللهمَّ يا كافيَ البلاء، اكفِنا البلاءَ قبلَ نزولِه مِن السماء، يا الله يا لله، يا الله يا الله، يا الله يا الله، يا الله، اللهمَّ يا كافيَ البلاء، اكفِنا البلاءَ قبلَ نُزولِه من السماء، يا الله يا لله، يا الله يا الله، يا الله يا الله، يا الله، اللهمَّ يا كافيَ البلاءَ، اكفِنا البلاءَ قبلَ نُزولِه مِن السماء، يا الله يا لله، يا الله يا الله، يا الله يا الله، يا الله.

دعوتُم مَن؟ سألتم مَن؟ طلبتُم مَن؟ رجوتُم مَن؟ هل ترونَهُ يُخيِّبُكُم؟، هو الحَيِيُّ الكَرِيم، يستَحِي إذا مدَّ عبدُه يدَيه إليه أن يردَّهُمَا صِفراً، يا أرحمَ الراحمين، يا أرحمَ الراحمين، يا أرحمَ الراحمين، اقبَلْ دُعَانا وفرِّج على المسلمين.

ضَاعِف البركةَ للسيد قريش بن قاسم باهارون، وضَاعِفْ لَهُ الخَيرَات مِن عندِك، وكما جعلتَهُ مِن أسبابِ هذا المجلسِ المُبَارك، فَزِدهُ مِن جُودِكَ وكَرمِك، وضَاعفِ الجزاءَ للمُعَاوِنين والقائمين، واشكر لأهلِ السُّلطَة في المكان نِيَّتَهُم في الخير وترحيبَهم في هذا الخير، واجعلْ للذي جاء وتكلم بالنيابة عنهم توفيقًا مِن عندِك، وخُذ بأيدِيهم إلى كلِّ خير، وجنِّبْنَا وإيَّاهم والمسلمين كلَّ بُؤسٍ وضَير، وأهل الجمعِ أجمعين اُربُطْهم بالنبي، صِلْهُم بحبيبِك، ثبِّتْ عَلَاقتَهُم بخيرِ خلقِك، اقبَلِ التَّوبة منا ومنهم.

وها نحن نجدِّدُ العهدَ معك، أن نؤمنَ بِكَ،\ ولا نكفرَك، وأن نطيعَك ولا نعصيَك، وأنْ نشكُرَك ولا نَكْفُرَك، وأن نَذْكُرَك ولا نغفَلَ عنك، فثبِّتْنَا على الوفاءِ بالعهد، نجدِّدُ إيمانَنَا ونجدِّدُ عهدَنا، ونقولُ جَمِيعًا: لا إله إلا الله، قال بعض الصحابة: "مَن مدها تعظيما لله غفر الله له ثمانين ذنباً"، فنقولها تعظيماً وهيبةً وإِجلاَلا، ومحبَّةً ورجاءً: لا إلَهَ إلاَّ الله، مُحمَّدٌ رَسُول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كلِّ لحظةٍ أبدًا، عدد خلقِهِ، ورضا نفسِهِ، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

أنتم كثير قلتمُوها هنا، وكَم قَالها معكم مِنَ الملائكة؟ وكم قَالها مَعَنَا مِنَ الأرواحِ الطاهرة؟، بل كَم قالها معنا في نفسِ قولِنا لها مِن أهلِ السماء؟، فما أقربَ السَّمَاءَ مِنَ الأرض في هذه المجالسِ، وما أعظم  وَحْدَةَ أهلِ لا إله إلا الله في مثلِ هذه المجالس، مِن آدمَ والنبيين والملائكة أجمعين ومَن يَقُولُها في زَمَاننا، اللهم اجعلنا مِن خواصِّ أهلِها، واجعلها آخرَ كلامنِا من هذهِ الحياة الدنيا، قال نبيُّك: ((ليس على أهلِ لا إلهَ إلا الله وحشةٌ في قُبورِهم)).

ونختمُ بهذه الذكرى بحديثٍ يَتعلَّقُ بلا إله إلا الله: ((لا تَزَالُ لاَ إلَهَ إلا الله تدفَعُ عَن أَهلِهَا سَخَطَ اللهِ ما لَم يُؤثِرُوا صَفْقَةَ دُنياهم على دينِهم))؛ فمن فعل ذلك ثم قالها قال الله: كذبتُم لستُم بها بصَادقين، اللهم اجعلنا بها صادقين، كُلُّ واحدٍ من الحاضرين، ومَن في دِيارهم، وأهلِيهِم وقراباتِهم، اجعلنا بها صَادقين.. اجعلنا بها صادقين.. اجعلْنَا بها صادقين، اللهم اجعَلنا عندك مِن خواصِّ أهلِها، واجمع لنا بها خيرَ الدنيا والآخرة، وادفع بها عنَّا شرَّ الدُّنيا والآخرة، يا الله، يا الله.

واختموا جلسَتِكُم بهذه التَّوجُّهِ إلى الله، واعلمُوا أنه يسمعُكم، وينظرُ ما في قلوبِكم، فقولُوا جميعاً: يا الله يا الله، يا الله يا الله، يا الله يا الله ... نِعمَ مَن رجوتمُوه، ونِعمَ من دعوتمُوه، ونِعْمَ من طلبتمُوه، ويُبلِّغُكُم أعظمَ مِمَّا تَرجُونَه، لا إله إلا هو، عليه توكَّلنا، وإليهِ أنَبنا وإليهِ المصير.. و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..          

للاستماع إلى المحاضرة: