خطبة الجمعة في جامع معدن الكبير في ولاية كيرلا ، الهند 21 ربيع الثاني 1440هـ بعنوان:
حسن الاصغاء للنداء الرباني وعلامة المؤمن الصادق
الخطبة الأولى:
الحمد للهِ الحيِّ القيوم، الواحدِ الأحد، الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}الشورى11، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ يحيي ويميتُ، وهو حيٌّ لا يموت، بيدِه الخيرُ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، ابتدأَنا بالنِّعم، ودفعَ عنا أصنافَ النِّقم، وعامَلَنا بالفضلِ والكرم، وجعلنا خيرَ أمةٍ أُخرِجت للناسِ مِن بينِ الأمم.
ونشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدالله ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك المصطفى سيدِنا محمدٍ ، مَن أحسنَ البلاغَ للرسالةِ والأداءَ للأمانة، ونصحَ الأمَّة، وكشفَ الغمَّة، وجاهدَ في الله حقَّ جهادِه حتى أتاه اليقين، وختمتَ به النبيين، وجعلتَه سيدَ المرسلين، وإمامَ المتقيين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك ومصطفاك سيدِنا محمد، وعلى آل سيدِنا محمد، وأزواجِه، وذريَّته، كما صليتَ على سيدِنا إبراهيم، وعلى آلِ سيدِنا إبراهيم، وبارِك على عبدِك ومصطفاك سيدِنا ومولانا محمدِ النبيِّ الأمي، وعلى آلِ سيدنا محمد، وأزواجِه، وذريِّته، كما باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى آل سيدِنا إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد، وعلى أصحابِه الأخيار، ومَن على منهاجِهم سار، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين معدنِ الأنوار، وعلى آلهم وصحبِهم أجمعين، والملائكةِ المقرَّبين، وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد: فيا مَن أصغَت قلوبُهم لنداء الله، واستمعَت لمنادِي الله تعالى في علاه، فآمنَت بما جاء به المنادي الهادي محمدُ بنُ عبدالله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إنَّ لهذا الإصغاءِ والاستماع والإيمانِ ونورِه في قلوبِكم، لشأنٌ وأيُّ شأن، ومعنى وأيُّ معنى، وحالٌ وأيُّ حال، إنَّ له شأناً يرفعُكم إلى صفوفِ أهلِ الصدقِ مع الإلهِ الذي آمنتُم به، وإن له لمعنىً يجعلُكم في الخلواتِ في أحسنِ المراقبةِ منكم في الجلوات، وإنَّ له لحقيقةً، ترفعُكم إلى مراتبِ خيارِ الخليقة، مِن أنفعِ الناسِ للناس، فاصغُوا بقلوبِكم إلى ما يتَّصلُ بسرِّ النداء من قِبَل الحقِّ الحيِّ القيوم، الذي بلَّغه إلينا عبدُه وحبيبُه السيدُ المعصومُ سيدُنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ فإنَّ العُقلاءَ مِن الناس هم الذين لبَّوا هذا النداءَ، واهتدَوا إلى عظمةِ الإلهِ الذي خلق الكونَ وفطرَ وأبدَى، وشُغلُهم: ذكرٌ يربطُهم بالمذكور، وفكرُ مستنيرٌ يهديهم إلى العملِ والقولِ المبرور.
أيها العباد: قال الله جل جلاله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ }آل عمران190، جعلنا وإياكم من أولي الألباب، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}آل عمران191، فهو أولُ سِيماهم وأولُ علاماتِهم: تولُّعُ قلوبِهم بذكرِ إلههِم محبوبِهم، ربهم ومقصودِهم ومعبودِهم، ومشهودِهم جل جلاله وتعالى، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} وكان مقتداهم الهادي خيرُ منادي يذكرُ اللهَ على كلِّ أحيانه، كما ذكرت السيدةُ عائشةُ أم المؤمنين رضي الله عنها عن هذا النبيِّ المصطفى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أنه كان يذكرُ اللهَ في كلِّ أحيانه، وفي مختلفِ أحوالِه، صلوات ربي وسلامه عليه، ويُسمَع منه الذكر، حتى إنه ليُعَدُّ له في المجلسِ الواحدِ مائة مرة من قول (ربِّ اغفر لي وتُب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم).
وإنه ليَسمَعُ الذكرَ، ويسمعُ الدعاءَ مِن المصلِّين في صلواتِهم وبعد صلواتِهم، وهو في المسجد، وهو في خارجِ المسجد يسمعهُم رافعين أصواتَهم بالذكرِ وبالدعاء، فيُثنِي عليهم صلى الله عليه وسلم، ويبشِّرُهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ولقد مرَّ وسيدُنا ذو البِجادَين عليه رحمةُ الله ورضوانُه وسطَ مسجدِه يلهجُ بذكرِ الله، والتضرُّعِ إلى الله، ومعه بعضُ الصحابة يسمعونَه مِن خارجِ المسجد، فقال بعضُهم: إني أخشى أن يكون هذا مرائياً يا رسولَ الله! فقال رسولُ الله: ((لا؛ ولكنه أوَّاه))؛ أي رجَّاعٌ إلى الله، متعلِّقٌ بعظمةِ ربِّه، متمسِّكٌ بشوقِه إليه، كما قال الله في وصفِ الخليلِ إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ }هود75.
ثم إنه حضرَ مع النبيِّ صلى الله عليه وصحبه وسلم في غزوةِ خيبر، وعنده رجوعِهم مِن الغزوةِ ماتَ الصحابيُّ ذو البجادين، وأمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يحفرُوا له القبرَ، فكان فيمن حفر له وباشرَ غُسلَه وتكفينَه ساداتُنا: أبوبكر، وعمر، وعليُّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، وحفروا قبرَه، وخرج النبيُّ إلى قبره، وسوَّى له الترابَ بيديه، وقال: ((ناولوني الرجلَ))، فألحدَه في قبرِه، ثم رفعَ يديه فقال: ((اللهم ارضَ عنه؛ فإني أمسيتُ عنه راض))، وظَفِر ذو البِجادَين برضوانِ الرب، ورضوانِ سيدِ الكونين سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}، فهو سِيمَا أولي الألباب، كثرةُ ذكرِ ربِّ الأرباب جل جلاله وتعالى في عُلاه، قال: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، الفِكرُ المستنيرُ المستقيم، كلُّ مَن طال تفكيرُه في السمواتِ والأرضِ ولم يهتدِ إلى خالق السماوات والأرض، ولم يأخذْ مِن دِقَّةِ الصنعةِ والتكوينِ فيها أنَّ المكوِّنَ لم يخلُقها باطلاً، ولم يخلقها عبثاً، وأنَّ المرجعَ إليه، مَن لم يهتدِ إلى ذلك فطولُ تفكيرِه وإن صنع ما صنع، واخترعَ ما اخترع، وابتكرَ ما ابتكر، ليس بعقلٍ ولا بِلُبٍّ، إنه جهلٌ في جهلٍ، مهما زين به ما زيَّن مِن أمتعةِ الدنيا؛ إذ لم يهتدِ إلى الخالق الذي خلق، والصانعِ الذي صنع، فهو مع الصنعةِ محبوسٌ فيها، أنى يكون عالماً وقد جَهِلَ الإله؟!، أنى يكون واعياً ولم يدرِ مَن خلقَه وأبداه؟!، ولا لماذا خُلق على ظهرِ الكون، ومهما جرى منه مِن مصالحِ الدنيا فإنه جاهلٌ، يقولُ يومَ القيامة: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }الملك10.
فأولُ العقلِ الإسلامُ والإيمان، ولا عقلَ بدونِ إسلام، ولا عقلَ بدونِ إيمان، إنما هو التمييزُ الذي يشاركُ الإنسان فيه الحيوان، والحيوانُ أفضلُ مِن إنسانٍ أساءَ الاستخدامَ للمؤهلاتِ التي خُصَّ بها مِن دونِ هذا الحيوان، والحيواناتُ مُسَبِّحةٌ بحمدِ ربِّها، اهتدَت إليه، واهتدَت إلى مصالحِها بهدايتِه، وما قَدْرُ الإنسانِ الذي يهتدِي إلى مصالحِه في الحياة الدنيا دونَ أن يهتديَ إلى هذا الإلهِ الذي خلق إلا دونَ هذا الحيوان، وأقل مِن هذا الحيوان؛ لقد نظَّم الحيوانُ حياتَه وما نسي الذي أحياه وخلَق الحياةَ جل جلاله، وهذا ذهب وراءَ تنظيمِ حياتِه، ونسي الذي أحياه، ونسي الذي خلقَ الحياةَ جل جلاله وتعالى في علاه، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}الملك1-2.
الفكرُ المستنير يهتدي به المتفكِّر إلى المكوِّن، وإلى الموجِد، وإلى الإله البارئ الخالق، {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً}، لم تخلقْه عبثاً، ولا لعباً، ولا هزواً، يا صاحبَ الإتقانِ في الصنعَة، يا صاحب الترتيب في الخلقِ والإيجاد، {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }يس40، أكُلُّ هذا لعب؟!، أم كل هذا هزوء، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}ص27، {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }، إنهم يعتنون بأنفسهم وصلاحها، وحمايتها من نار جهنم، {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}التحريم6.
وهذه علامةُ الصدقِ في الإيمان: أن يعتنيَ المؤمنُ بحمايةِ نفسِه مِن نار جهنم، فتجده مُشمئزّاً مِن كلِّ قولٍ يخاف أن يُدخِله النار، ومن كل منظرٍ يخاف أن يُدخِلَه النار، ومِن كلِّ نيةٍ يخافُ أن تُدخِلَه النار، ومن كلِّ معاملة يخاف أن تُدخِلَه النار، فهو بذلك يشمئزُّ مِن كلِّ ما يخافُ منه دخولَ النار، فيخشى اللهَ ويتَّقيه، هم أولوا الألباب، والله العظيم، { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }؛ وذلك أنَّنا لا نعتقدُ أنَّ أيَّ إنسان في العالم كلِّه يتعرَّض لِخزْيٍ أو مَذَلَّةٍ أو شِدَّةٍ أو تعبٍ أكبرُ مِن دخولِ النار، وأنَّ أخزى الخزيِ دخولُ النار، {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }آل عمران192، ولا خيرَ في خيرٍ بعدَه النار، كما لا شرَّ في شرٍّ بعده الجنة، فمَن كان غايتُه النار فأيُّ خيرٍ عنده؟!، وأي شيء أفاده؟!.
{رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}، وإن كوَّنُوا لهم جهاتٍ تُواطِئهُم على مراداتِهم، أو تقومُ معهم في أغراضِهم في الدنيا، وكوَّنوا لهم علاقات، وبنَوا لهم معسكرات، وأخذوا يستخرجون مِن القواتِ المادية ما يحمِيهم، فما لهم مِن أنصار، مَن ينصرهُم مِن الله؟!، إنهم بكلِّ ما يأخذون مِن قوةٍ يعيشون في الدنيا في أنواعٍ مِن الأسواءِ والهمومِ والغمومِ والضيق!، لا ينفكُّ عنهم ولا يجدون الطمأنينة، ومَن يحميهِم من ذلك؟!، ثم إذا ماتوا على ذلك الكفر تَخَلَّدوا في النار، فمَن ينصرُهم؟!، إنَّ صورةَ الـمُناصرةِ الحقيرةِ في هذا العالم الدنياوي لا تساوي شيئاً في ميزانِ الجبارِ الخالق، وعند المؤمنِ العاقلِ البصير، {هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ الله عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}النساء109، فمَن؟!.. فمَن؟!، أي طائفة؟!، أي جماعة؟!، أي حزب؟!، أي دولة؟!، أي رئاسة؟!، أي مؤسسة؟!، {فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }النساء109، {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}البقرة270، فمَن المنصورون يا رب؟ ومَن لهم الأنصار؟ {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }غافر51-52.
ملأ الله قلوبنا إيماناً ويقيناً، وجنَّبنا ما يوصلنا إلى عذابٍ أو هون، عندما يُجزى الذين كفروا عذابَ الهُون في يوم القيامة أكرِمنا يا مولى الكرمة، واربطنا بالمظلَّلِ بالغمامة، واملأ قلوبَنا بمحبتِه، وارزقنا حسنَ متابعته، وأحيِ فينا سنَّته يا كريم.
والله يقول وقوله الحق المبين: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الأعراف204، وقال تبارك وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }النحل98، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} محمد1-2، {ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}محمد11-12.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وتدبَّروا: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ}، استغفروا ربكم وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله مولانا الذي استوى عنده السرُّ والعلانية، فهو الأعلمُ بكل كائنٍ مِن نفسِ ذلك الكائن بنفسِه، لا إله إلا هو تعالى في علوِّ قُدْسِه، نشهدُ أنه الله الذي لا إلهَ إلا هو وحدَه لا شريكَ له، ونشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا ونورَ قلوبنا وقرةَ أعيننا محمداً عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم، وبارِك وكرِّم، على عبدِك المصطفى سيدِنا محمد، وعلى آلِه الأطهار، وأصحابِه الأخيار، ومَن على منهاجِهم سار، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبِهم، والملائكة المقربين، وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين،
أما بعد، عبادَ الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا اللهَ عبادَ الله، وأحسنُوا يرحمْكُم الله، إن رحمة الله قريبٌ مِن المحسنين.
أيها المؤمنون بالله جل جلاله: أصغيتُم لنداء الرب، وطابَ لكم ذكرُه، وصفا لكم الفكرُ في آياته، وأيقنتُم أنه لم يخلقكم ولا ما حولكم عبثاً، وأنه من يُدْخِلِ النارَ فقد أخزاه، وما للظالمين مِن أنصار، ألا وإنَّ في دعاءِ أولي الألباب قولهم: {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً} ، كلُّ ذي لُبٍّ يسمعُ هذا النداء، سواءً كنتَ في حياتِه صلى الله عليه وسلم، أو جئتَ في القرن الثاني، أو الثالث، أو الرابع، إلى القرن الخامس عشر الذي أنت فيه، إن كان لك عقلٌ وقلبٌ وروحٌ تسمع هذا النداء، {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً}، أين سمعتَ هذا المنادي؟ في الوحي الذي أوحاه الله إليه، بالعلماء الذين خلَفوه وخلَفُوا أصحابَه بين يديك، بهذه العلائم في الشرقِ والغربِ التي تدلُّ على صدقِه صلى الله عليه وسلم، حتى حدَّثَ عن الأرض، وتحدَّثَ عن الكونِ في السموات، وعن النباتات والأشجار، وعن الأجِنَّة في بطونِ الأمهات، وأخذَ الناسُ يستكشفون بما يُؤتَون من اختراعاتٍ واستكشافات، فلا يكتشفون شيئاً إلا ووجدُوا السنةَ الشريفةَ بلسانِ محمدٍ قد أشارت إلى ذلك الشيء، ولا يجدون أمراً مخالفاً لما قال قط.. قط.. قط، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }النجم3-4.
إنه ينادِيك فاستمع، {إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا}، فيهتمُّون بأنفسِهم، وعلامةُ المؤمن الصادق: يعتني بقلبِه، يعتني بحالِ نفسِه وتزكيتِها، لا يكتفي في إسلامه وإيمانه بما يظهرُ أمامَ الناس، ولا ما يقوم به في المجامع، يتفقَّد حالَه وسط نفسه، يتفقَّد حالَه وسطَ خلوته، يتفقَّد حالَه مع زوجتِه مع أولادِه في أسرته، حينما يغيب ُعن أنظارِ الناسِ، في نفسِه ينتبَّه مِن نفسِه، ويقيمُ نفسَه على تقوى الحق جل جلاله وتعالى في علاه، {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ }آل عمران193، يهتم بذنوبه لـتُمحَى، وعلى قدرِ اهتمامِ المؤمن بذنوبِه يغفرها اللهُ له، وإن مَن دقَّقَ الحساب على نفسِه في الدنيا رفع عنه الحسابَ يوم القيامة، ومَن لم يحاسبْ نفسَه في الدنيا اشتدَّ عليه الحساب يوم القيامة، ومَن كان مُعاتباً لنفسِه في الدنيا أُطلِق من عتاب يوم القيامة، وأُعتِق من عتاب يوم القيامة؛ فإنَّ اللهَ بفضلِه لا يجمعُ على عبدِه عتابَين ولا حسابَين، ولكن إن لم يُحاسِب نفسَه حوسِبَ فاشتدَّ الأمرُ عليه، وإن لم يُعاتِب نفسَه عُوتِب، والعتابُ في الآخرةِ له ألمٌ شديدٌ على الروح، أشدُّ مِن كلِّ ألم، هذا ألمُ العِتابِ فكيف بالعَذاب؟!، اللهم أجِرنا مِن العذاب، وأجِرنا مِن العِتاب.
فعلامةُ المؤمنِ الصادق: اهتمامُه بنفسِه، ملاحظتُه لشأنه في الخلوات، وقوةُ محبتِه لله ورسوله، وتعظيمُه لشعائرِ الله {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج32 ، ذلكمُ التوحيدُ الخالصُ لله جل جلاله، بالتوحيدِ الخالصِ استقبَلنا الكعبةَ المشرفةَ، نتوجَّه إليها في الصلواتِ الخمس، لا والله متشبِّهين بِعُبَّاد حجَرٍ ولا أصنام، لا متعلِّقين بموادَّ مِن دون الله، ولكن توحيدنا لله اقتضى أن نعظِّمَ الكعبةَ التي عظَّمَها، وأن نتوجَّهَ بالصلاة إليها، فكان ذلك مِن خالصِ التوحيد، وبتوحيد الله تبارك وتعالى حرص الرعيلُ الأول من هذه الأمة على ما يخرجُ مِن فمِ نبيِّهم، وعلى الماءِ الذي يتوضأ به، فيكادُون أن يقتتلوا على وَضوئه، ومن لم يجد منهم شيئاً كما جاء في صحيح الإمام البخاري أخذ مِن بَللِ صاحبِه فتَمَسَّح به، بخالص التوحيد كان ذلك، إننا لا نخلطُ الأوراق، ولا نُخرِجُ عن التوحيدِ مُتحقِّقاً بحقائقِه من الصادقين المقتدين بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
إنَّ مِن خالصِ التوحيد ما قال سيدُنا يوسف، الكريمُ ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم، نبيٌ ابن نبي ابن نبي ابن نبي، ورسولٌ ابن رسول ابن رسول ابن رسول، إنَّ مِن خالصِ التوحيد ما قال: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرا}يوسف93، إنه توحيدٌ خالص، لا والله ما في قلبِ يوسفَ شيءٌ من الشكِّ ولا الشركِ ولا اعتمادٌ على غير الله؛ لكن مِن عينِ توحيدِه لله تعالى، عَلِم أين يضعَ الله البركة، وأين يُظهر ثمارها، فاستقام لأمر الله كما أمَر، واستقام لحكمة الله كما حكم جل جلاله، {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي}، ضعُوه فوق وجهِ أبي، غَشُّوا به وجه أبي، امسحُوا به وجه أبي {فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ}، ما كان الأنبياءُ ليعبدُوا خِرقاً، ولا ليرَوا أن شيئاً مِن النَّفعِ والضرُِّ يخرجُ عن إرادةِ النافعِ الضارِّ وحدَه جل جلاله، ولكنَّ اللهَ الضارَّ النافعَ أقام هذه الأسبابَ، وأقام هذه البركاتِ، { فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً}، كيف يفعلُ الأنبياءُ هذا؟!، وكيف يقصُّ الله علينا هذه القصةَ؟!، لنتَّهم مَن يتبرَّكَ أو يتمسَّح أنه مشركٌ وخارجُ من الملَّة؟، لا والله، ما قصها الله إلا لنعلمَ حقيقةَ التوحيد، وما الذي يناقضُه وما الذي لا يناقضُه، إنَّ تطوافَنا بالبيتِ العتيقِ ليس شركاً ولكن ركنٌ مِن أركان الإسلام، ركنٌ مِن أركان دينِ الله نتقرَّبُ بهِ إلى الله، وتقبيلُ الحجرِ الأسودِ سنَّةٌ من سننِ محمد، واتخاذِ مقامِ إبراهيم مصلى توجيهٌ مِن توجيهاتِ القرآن.
لو كان شيءٌ من ذلك يمسُّ الشركَ في أدنى أدنى معانيهِ ما جاء القرآنُ به، ولا جاء محمدٌ به، صلى الله عليه وسلم، وكان سبقَ رأيُ سيدنا عمرِ رضي الله عنه، يقول للنبي محمد: ألا نتَّخذُ مِن مقامِ إبراهيمَ مصلى؟، وأنزل اللهُ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}البقرة125، وهل المقام غير حجرةٍ كان يقومُ عليها؟!، أليستِ الأرضُ ملآنةً بالأحجار؟!، فما تُقصد الأحجار لحَجريَّتِها ولا لما فيها، لكن حجراً قام عليه خليلُ الله تشرَّف مِن بين الحجر، وتميَّز مِن بين بقيةِ الحجر، ومَن ذا ينكرُ حرمةَ المسجد، وتميُّزَه عن مكانِ السوق وعن مكانِ الغفلة؟ مَن ذا الذي ينكر ذلك؟! إنَّ تعظيمَ ما عظَّمَ اللهُ مِن دين الله، ومِن شعائر الله، ومَن يعظِّم شعائرَ مِن تقوى القلوب، إنَّ الله جعلَ جبلَين يُطاف بينهما مِن الشعائر: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ الله}البقرة158، لما اتصل بالدين وأُمِرنا بالسعي بينهما جُعلا مِن شعائر الله، إنَّ الدنيا ملآنةٌ بما كان يُهدى مِن جنسِه للحرم، وهو الجِمالُ أو البقرُ أو الغنمُ، تُهدى إلى الحرم المبارك فتُذبح فيه هناك، فبمجرد أن تُنوى للحرم وتُهدَى إليه تتحوَّل إلى شعيرةٍ مِن شعائرِ الله جل جلاله، والدنيا ملآنة بمثيلِها من الحيوانات! ليست مِن شعائر الله، {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ}الحج36-37، اللهم حقِّقنا بحقائقِ التقوى.
أيها المؤمنون بالله: تعظيمٌ ومحبةٌ، ومراجعةٌ للنفس ومخاطبةٌ، وحرصٌ على نفعِ الناس، وجمعِ قلوبِهم، والتأليفِ بينهم، بل عندنا منهاجٌ رباني نعرفُ به كيف نتعاملُ مع مَن يخالفُنا من الكفار، وكيف نتعاملُ به مع مَن لم يحارب، لا.. بل كيف نتعاملُ مع مَن يحاربُنا مِن الكفار، شريعةٌ حرَّمت علينا أن نُمثِّلَ بكافر محارب، ما أعجبها!، شريعةٌ حرَّمت علينا أن نقتلَ امرأةً، شريعةٌ حرَّمت علينا أن نقتلَ طفلاً لكفارٍ محاربِين، ما أعجبَها والله من شريعة وما أعظمها!، علَّمَتنا هذا مع الكفار المحاربين، وعلَّمَتنا كيف نكونُ مع غير المحاربين: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ}الممتحنة8-9، فلا ولاء إلا لله ولرسوله وللمؤمنين: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }المائدة55، ثم علَّمتنا كيف نتعاملُ مع المسلم، ومع إخوانِنا المسلمين، وجعلت الأخوَّةَ بينهم عقداً في القرآن معقود: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}الحجرات10، ما أعظمَها مِن شريعة.
وبارك الله في هذه المساجدِ والقائمين عليها، وفي العلمِ النافع، والعملِ الصالح، وفي هذه الوجهاتِ الطيبة في هذه البلاد. اللهمَّ وفَّق أصحابَها وثبِّت أقدامَهم، وخُذ بأيديهم، وارحمنا وإياهم، وموتانا وموتاهم، وأحيانا وأحياهم، يا رب العالمين.
وأكثِرُوا الصلاةَ والسلامَ على نبيِّكم المصطفى محمد؛ فإنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكتِه، وأيَّهَ بالمؤمنين مِن عبادِه تعميماً، فقال مخبراً وآمراً لهم تكريماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56، اللهم صلِّ وسلِّم، وبارِك وكرِّم على عبدِك ومصطفاك سيدِنا محمد، القائل: ((إنَّ أولى الناسِ بي يومَ القيامة أكثرُهم عليَّ صلاة))، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك ورسولِك ومصطفاك سيدِنا محمد، وعلى الخليفةِ مِن بعدِه المختار، وصاحبِه وأنيسهِ في الغار، مُؤازرِ رسولِ الله في حاليِ السَّعةِ والضِّيق، خليفةِ رسولِ الله سيدُنا أبو بكر الصديق، وعلى الناطقِ بالصواب، حليفِ المحراب، الذي نشرَ العدلَ في الآفاقِ فاشتهَر، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، وعلى مَن استحيَت منه ملائكةُ الرحمن، محيِي الليالي بتلاوةِ القرآن، أمير المؤمنين ذي النورَين سيدنا عثمان بن عفان، وعلى أخِ النبيِّ المصطفى وابنِ عمِّه، ووليِّه وبابِ مدينةِ علمِه، إمامِ أهلِ المشارقِ والمغارب، أمير المؤمنين سيدِنا عليِّ بن أبي طالب، وعلى الحسنِ والحسين سيدَي شبابِ أهل الجنة في الجنة، وريحانتَي نبيِّك بنصِّ السنة، وعلى أمِّهما الحوراءِ فاطمةِ البتولِ الزهراء، وعلى خديجةَ الكبرى، وعائشةَ الرضى، وأمهات المؤمنين، وعلى الحمزةِ والعباس، وسائرِ أهلِ بيتِ نبيِّك الذين طهَّرتَهم مِن الدَّنسِ والأرجاس، وعلى أهل بدر، وأهل أحُد، وأهل بيعةِ الرضوان، وعلى سائرِ الصحبِ الأكرمين، وأهلِ البيتِ الطاهرين، وعلى من تبعَهم بإحسان، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: توجَّهوا إلى الرحمن، اللهم اغفِر لنا، وانظر إلينا، واغفِر لآبائنا وأمهاتِنا، واغفِر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، بخيرِ المغفرةِ يا خيرَ الغافرين، اللهم مغفرتُك أوسعُ مِن ذنوبِنا، ورحمتُك أرجى عندَنا مِن أعمالنا، لبَّينا نداءَك وجئنا إلى الجمعةِ، فاجعلِ القلوبَ مُصغيةً لندائك الأعلى، على لسان نبيِّك الأصفَى الأجلى، الذي هو بالمؤمنين مِن أنفسِهم أولى، اللهم أسمِع القلوبَ عظمةَ هذا النداء، وارزقها الإصغاءَ إلى هذا المنادي، والاهتداءَ بهديِ هذا الهادي، ثبِّتنا على محبَّته، ثبِّتنا على سنَّته، ثبِّتنا على متابعتِه، ثبِّتنا على نُصرتِه، ثبِّتنا على نصرةِ صحابتِه وأهل بيتِه، ثبِّتنا على نُصرةِ دينِه وشريعتِه وملَّتِه، ثبِّتنا على نصرِ أمَّتِه، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم زِد هذه المساجدَ أنواراً، وهَب لأهلِها عطايا كباراً، اللهم ثبِّتنا وإياهم على الاستقامةِ، وأتحِفنا بالمِنَنِ والمزايا والكرامة، يا ربَّ العالمين، اللهم انظر إلى المؤمنين نظرةَ رحمة، واكشف عنهم كلَّ غمَّة، وأجلِ عنهم كلَّ ظلمة، وكن لهم في كلِّ مهمَّة، اللهم حوِّل أحوالَ المسلمين إلى أحسنِ حال، واجمَع شملَهم وألِّف بينهم يا ذا الكرمِ والنوال، واكفهم شرَّ أهلِ الضلال والزيغِ والفساد، وأصلِح لنا ولهم كلَّ قلبٍ وفؤاد وجسمٍ وظاهر وخافٍ يا ربَّ العباد.
اللهم اختِم لنا بالحسنى، وتولَّنا بما أنت أهلُه سرّاً وعلناً، واختِم لنا بـ(لا إله إلا الله)، وحقِّقنا بحقائق: (لا إله إلا الله)، واجعل آخرَ كلامِنا مِن الدنيا: لا إله إلا الله.
نسألكَ لنا وللأمة مِن خير ما سألكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مِن شرِّ ما استعاذكَ عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنتَ المستعانُ وعليكَ البلاغ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العلي العظيم.
عبادَ الله: إنَّ الله أمرَ بثلاث، ونهى عن ثلاث:
{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُركم، واشكرُوه على نعمِه يزِدْكُم، ولذكرُ اللهِ أكبر.
لمشاهدة الخطبة
للاستماع إلى الخطبة