خطبة كسوف الشمس
للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن سالم بن حفيظ
لتحميل الخطبة بصيغةPDF
للاستماع إلى الخطبة
الخطبة الأولى
الحَمدُ للهِ الغَفُورِ الرَّحِيم ﴿ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾
وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَرِيكَ له، خَلقَ السَّماواتِ والأرضَ وما بَينَهما في سِتَّةِ أيَّامٍ، وقدَّرَ لِكُلِّ شَيءٍ حَجمَهُ وحَركتَهُ، ومكانَهُ ومَنزِلَتَهُ، وثُبوتَ الثَّابتِ، وحَركةَ المُتحرِّكِ.
لا إلهَ إلا هُو بِيَدِه الأمرُ، منهُ المبتَدأُ وإليهِ المصِير، له الملكُ وله الحمدُ، يُحيِي ويُميتُ وهو حيٌّ لا يَموتُ، بِيَدِهِ الخَيرُ وهو على كلِّ شَيءٍ قَديرٌ.
وأشهدُ أنَّ سَيِّدَنا ونبيَّنا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُه، وحبيبُه وصفيُّه وأمينُه وخَليلُه، أعظمُ الخَلقِ مَعرِفَةً بالخاَلِق، فهو أشَدُّهُم لهُ خشيةً وأعظمُهُم له رجاءً، القُدوةُ العُظمَى في كلِّ قَولٍ وفِعلٍ ونيَّةٍ ومَقصِدٍ في الظَّاهِرِ والخفَاءِ.
اللهُمَّ صَلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عَبدِك ونبيِّكَ المجتَبَى المصطفى، سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه وصَحبهِ الشُّرَفَاء، وعلى آبائه وإخوانِهِ مِنَ الأنبياءِ والمرسلينَ الحُنفاء، وآلهِم وصَحبِهم وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين، ويومَ الوُقوفِ بينَ يَديكَ يا عالمَ السِّرِّ وأخفَى.
أما بعدُ، عبادَ الله.. فإني أوصيكُم ونفسيَ بتقوَى الله.
ولقَد قالَ لنا المصطفَى سيدُنا محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم: ( إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتَانِ مِن آياتِ الله، لا يَخسِفَانِ لمَوتِ أحدٍ ولا لحياتِه، فإذا رأيتُم ذلكَ فافزَعُوا إلى الصلاةِ ).
ألا إنَّها آياتٌ مِن آياتِ اللهِ المُكوِّن، الصَّانِعِ البارِيء المُدبِّر، لا يَملكُ أحَدٌ مِن جَميعِ مَن على ظَهرِ الأرضِ في شَرقِها وغَربِها، فَرداً ولا جَماعاتٍ، ولا شُعوباً ولا حُكوماتٍ، أن يَـتصـرَّفُوا في حَركَةِ الأرضِ التي هُم علَيها، ولا حَركةَ الشَّمسِ، ولا حَركةَ القمَر، ولا حَركاتِ النُّجُومِ والكَواكِب، وما هُم فيها إلا كَمِثلِها مَقهُورُون تحتَ قُدرَةِ قادِر، وتحتَ خَلْقِ فاطِر، وتحتَ إرَادَةِ مُريدٍ حَكيمٍ عَلِيمٍ لَطيفٍ خَبِير. لا يَملِكونَ لأنفُسِهِم ولا لمَا حَوالَيهم نَفعاً ولا ضرّاً، ولا مَوتاً ولا حَياةً ولا نُشوراً.
وإذا جَرى سَيرُ الكَواكبِ بِأمرِ مُسيِّرِها جلَّ جلاله ، ثمَّ كانَ القمرُ بينَ الأرضِ وبينَ الشَّمسِ مِن حيثُ ينظرُ أهلُ تلكَ الجهةِ مِنَ الجُزءِ الأرضيِّ الذي هُم فيه.. رَأوا الأثرَ في تَغيُّرِ ضَوءِ الشَّمسِ بحَيلُولةِ القَمرِ بينَ الأرضِ والشَّمسِ.
وإذا توسَّطَتِ الأرضُ بين الشَّمسِ والقَمَرِ اختفَى نُورُ الشَّمسِ عَنِ القَمرِ فحَصلَ الخُسوفُ في القَمَر، ولكنْ مَن مِنهم يَقدِرُ على أن يُقدِّمَ أو يؤخِّرَ شيئاً مِن ذلك، أو أن يَصرِفَ أو يَحرِفَ تلكَ الحَركةَ على ما بَرأَ مُكوِّنُ الأكوانِ الحكيمُ الخَبيرُ جلَّ جلالُه.
ألَا فَإنَّهما آيَتَانِ مِن آياتِ اللهِ، تُوقِفُ كُلَّ ذِي عَقلٍ على ظَهرِ الأرضِ أنَّه وما انتَهَى إليهِ مِن مَعرِفَةٍ وعِلْمٍ وقُدُرَاتٍ في العَجْزِ وَاقِف، وفي حَقيقةِ الذُّلِّ عَاكِف. وإنْ غالَطَ نفسَه، وإن رأى أنَّه استَغنَى.. فيَطغَى بِذلك.
ومَا مِن ذرَّةٍ مِن ذرَّاتِ العَرشِ، ولا الكُرسيِّ، ولا الجنَّةِ ولا النَّارِ، ولا السَّماواتِ السَّبعِ، ولا البَيتِ المَعمُورِ، ولا سِدرَةِ المنتَهَى، ولا الشَّمسِ ولا القَمرِ، ولا النُّجومِ ولا الكَواكبِ، ولا جَميعِ المَجرَّاتِ، ولا الأرضِ، ولا جَميعِ ما فيها.. إلَّا في حَاجةٍ إلى ربِّها، إلَّا وهو المتَصرِّفُ فيها، إلَّا وهِيَ الشَّاهدةُ بِعَظَمَتِه، إلَّا وهي عاجزةٌ عن أن تُقدِّمَ أو تُؤخرَ، أو تُسعِدَ أو تُشقِيَ، أو تنفَعَ أو تَضُرَّ. ألا إنَّ المَملَكةَ لِـمَلِكٍ واحدٍ، ألا إنَّ الكَونَ لمكَوِّنٍ واحدٍ.
وقد اختارَ من جُملةِ مَلايينِ الكَواكِبِ أنْ يكونَ هذا الكَوكَبُ مَسْكَنَنَا، لِنَقومَ بالخِلافةِ فيهِ عنهُ لِحِكَمٍ يعلَمُهَا. ثم جعلَ مِن هذهِ الأرضِ مُبتدأَ أجسَامِنا، والتُّرابَ الذي تكوَّنَت منهُ هذهِ الأجسادُ، ثمَّ إليها مَرَدُّنا، ثم نُخرَجُ منها في يَومِ الحَشرِ والمعَاد، قال تعالى ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ﴾ ثمَّ يكونُ علَيهَا الحَشرُ، ويقومُ عَليهَا الحِسَابُ، ثمَّ يَنتَقلُ كلٌّ مِن المُكلَّفينَ إمَّا إلى الجنَّةِ وإمَّا إلى النَّارِ، ويَبقَى غيرُ المكلَّفينَ مِن أنواعِ الحيواناتِ فيَجْعلُهَا الحقُّ تُراباً ﴿ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ﴾.
ألا فَلنتذَكَّرْ، ولنَتَبَصَّرْ، ولْنَأخُذْ ما شَرعَ لنا نَبِيُّنا مِن الصَّلاةِ التي قد صلَّينَاها في هذهِ السَّاعةِ، ومِنَ الذِّكرِ ومِنَ الاستِغفارِ، وتَجدِيدِ التَّوبَةِ إلى المَلكِ الغفَّارِ جلَّ جلالُه، والتَّنَزُّهِ عَنِ الذُّنوبِ والأوزَارِ صَغيرِها وكَبيرِها، سِرِّهَا وعَلانِيَّتِها ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴾.
وليَتَصدَّقِ المتَصدِّقُ بما تيسَّرَ له، ولْيُقَوِّ في مثِلِ ظُهورِ هذهِ الآيَةِ تذكُّرَهُ لِعَجزِهِ وضَعفِهِ وحَاجَتِهِ إلى ذلكَ المُكوِّنِ المُسيِّرِ للسَّماواتِ والأرضِ ومَا فيها ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
فيَا مَن أحكمَ الصُّنعَ بقُدرَتهِ البالغَة، وأسبَغَ علَينا واسِعَ نِعَمِهِ السَّابِغَة، صلِّ وسلِّم على عبدِكَ المصطفى، وأَصلِح به شُؤونَنا في الدنيا والآخرة، واجعَلنا مِن أهلِ الوُجوهِ النَّاضِرَةِ الَّتِي هيَ إليكَ نَاظِرَة، ولا تُعرِّضْنَا لِعَذابٍ ولا فِتنَة، وادفَع عنَّا كلَّ أَذِيَّةٍ وبَلِيَّةٍ ومِحنَة، واجعَلنا عِندَكَ في أهلِ النُّفوسِ المطمئنَّة، بِرَحمَتِك يَا أرحَمَ الرَّاحمِين.
واللهُ يقولُ وقولُهُ الحقُّ المبين ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
وقال تبارك وتعالى ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴿5﴾ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴿6﴾ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴿7﴾ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴿8﴾ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴿9﴾ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴿10﴾ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ﴿11﴾ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ﴿12﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿13﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴿14﴾ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴿15﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿16﴾ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ﴿17﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿18﴾ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ﴿19﴾ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴿20﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿21﴾ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴿22﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿23﴾ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ﴿24﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿25﴾ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴿26﴾ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴿27﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾
باركَ اللهُ لي ولَكُم في القُرآنِ العَظيم، ونَفَعَنا بما فيهِ مِنَ الآياتِ والذِّكرِ الحكيم، وثَبَّتَنا على الصّـِراطِ المستَقيم, وأجارَنا من خِزيِه وعذابِهِ الأليم.
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولوالِدِينا ولِـجَميعِ المسلمينَ. فاستَغفرُوهُ، إنَّه هُو الغَفورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ مُكوِّنِ الأكوانِ وفَاطِرِهِا، والمتَصرِّفِ في أوَّلِها وآخرِها، المُحِيطِ عِلماً بحَقائقِ جَميعِ ما في باطنِها وظاهرِها.
وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ له، القَادِرُ المقتَدِرُ المُكوِّنُ الفَاطرُ البَدِيعُ الصَّانِع. وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ المجتَبى المصطفى المختَار، نُورِ الأنوارِ، وسِرِّ الأسرار.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عَبدِك المصطفَى سَيِّدِنا محمَّدٍ ذِي القَلبِ الخَاشِع، والقَدْرِ الرَّافِع، والفُؤادِ المُتواضِع، وعلى آلِه وصَحبهِ أهلِ الصِّدقِ مَعكَ في كلِّ قَريبٍ وشَاسِع، وعلى آبَائِهِ وإخْوانِه مِنَ الأنبِياءِ والمُرسَلِين وآلِهِم وصَحبِهم، وكلِّ مَن كان لهُم على الحَقِّ مُتابِع، وعلينَا معهُم وفيهِم بِرَحمتِكَ يا مُبدِعَ البَدائع.
أما بعد، عبادَ الله: فإنِّي أوصيكُم وإيَّايَ بِتَقوَى الله.
فاتَّقُوا اللهَ تباركَ وتعالى في آياتهِ الَّتِي مِن إِلْفِهَا خَفَّ عَليكُم شَأنُها، وقَلَّ نَظَرُكُم إلَيها، واعتبارُكُم بها؛ فاقتَضَت حِكمَتُه تعالى أن يُغيِّرَ المجرَى الذي تألفونَه وتَعتَادُونَه، لِتعلَمُوا أنَّ مَا ألِفتُموهُ ليسَ قائماً بِنَفسِه، وليسَ ثابِتاً بِذَاتِه، وأنَّ مِن وَرائهِ جَليلاً حَكيماً قَديراً بَدِيعاً، لا يُمسِكُ السَّماواتِ إلا هُو، ولا يُمسِكُ الأرضَ إلا هُو، قال تعالى: ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾
وإنَّ هذهِ الآياتِ مُذكِّرةٌ بِسَاعَةٍ سَتأتي لا تَثْبُتُ فيهَا أرضٌ ولا سَمَاء، قالَ تعالى: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴿1﴾ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴿2﴾ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴿3﴾ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾
وقال تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴿1﴾ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ﴿2﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴿3﴾ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ﴿4﴾ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾
إنَّ الكَائناتِ بما فيهَا تَدعُو ما عِندَكُم مِن عَقلٍ وإدرَاكٍ ومَعرِفَةٍ، أن تُعظِّمُوا الحقَّ وتُقَدِّسُوهُ، وأن تُؤمِنُوا بهِ وتُسَبِّحُوه. فأَكثِرُوا التَّسبِيحَ والاستِغفَارَ، آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهار ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾. وقُومُوا بِوَاجِبِكُم في إرضاءِ إلهِكُم الَّذي خلَقَكُم مِن عَدمٍ وإليهِ مَرجِعُكُم، لِتَرجِعُوا إليهِ وهُو رَاضٍ عنكُم. اللهُمَّ إنَّا نَسألُكَ رِضَاكَ والجنَّة، ونَعُوذُ بِكَ مِن سَخَطِك والنَّار.
واقْتَدُوا بِمَن جَعلَهُ اللهُ بِكُم رَؤُوفاً رَحِيما، وعَبداً عَلَيهِ جَلِيلاً كَرِيما، محمدٌ الذي قالَ في حَقِّهِ تَـشرِيفاً وتَعظِيما: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهُمَّ صَلِّ وَسلِّم على الرَّحمَةِ المُهداةِ والنِّعمَةِ المُسْدَاةِ سَيِّدِنا محمَّد، سَيِّدِ المُتذكِّرِين والمُذَكِّرِين، وسَيِّدِ المُعتَبِرِين، وسَيِّدِ الخَاضِعِينَ الخَاشِعِين.
وصَلِّ معَه على صاحِبهِ في الغَار، ومُؤَازِرِهِ في مختَلَفِ الأطوَار؛ الخَليفَةِ الشَّفِيق؛ خَليفةِ رَسُولِ الله سَيِّدِنا أبي بَكرٍ الصِّدِّيق.
وعلى مَن سَبَقَت الدَّعوَةُ بإسلامِه، وآذَنَ اللهُ بِتَفضِيلهِ وإكْرَامهِ، مَن نَشرَ العَدلَ في الآفَاقِ فاشتَهَر؛ أميرِ المؤمنين سيدِنا الخَليفةِ العَادلِ عُمَر.
وعلى مَنِ استَحيَت مِنهُ مَلائكَةُ الرَّحمَن، مُحيِي اللَّيالي بِتَلاوَةِ القُرآن؛ أميرِ المؤمنينَ ذِي النُّورَين، سَيِّدِنا عثمانِ بنِ عفَّان.
وعلى أخِ النَّبِيِّ المُصطفَى وابنِ عمِّه، وَوَلِيِّه وبَابِ مَدينةِ عِلمِه، إمامِ أهلِ المشَارقِ والمغَارِب؛ أميرِ المؤمنينَ سيَّدِنا عليِّ بنِ أبي طالِب.
وعلى الحَسنِ والحُسَين سَيِّدَي شَبابِ أهلِ الجنَّةِ في الجنَّة، ورَيحانَتَي نَبِيِّك بِنَصِّ السُّنَّة، وعلى أمِّهِما الحَورَاء فاطمةَ البَتُولِ الزَّهرَاء، وعلى خَديجةَ الكُبرَى، وعَائشَةَ الرِّضا، وأمَّهاتِ المؤمنِين. وعلى الحَمزَةِ والعبَّاس، وسَائرِ أهلِ بَيتِ نَبيِّكَ الذِينَ طهَّرتَهم مِنَ الدَّنَسِ والأرجَاس. وعلى أهلِ بَيعَةِ العَقَبةِ، وأهلِ بَدر، وأهلِ أُحُد، وأهلِ بَيعةِ الرِّضوان. وعلى سَائرِ الصَّحبِ الأكرَمِين، ومَن تَبِعَهُم بإحْسَانٍ إلى يَومِ الدِّين، وعلَينا معَهُم وفيهم بِرَحمَتِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهُمَّ إنا نَستَغفِرُكَ إنَّكَ كُنتَ غَفَّارا، يَا مَن بِيَدِه أمرُ الأرضِ والسَّماء، والكَواكِبِ والنُّجُوم، والشَّمسِ والقَمَر، وبِيَدِه الأمرُ كلُّه، وإليهِ يَرجِعُ الأمرُ كلُّه، ارحَمنا في ضَعفِنا، وارحَمنا في عَجزِنا، وارحَمنا في فَاقَتِنا إلَيكَ، فنحنُ المُضطَرُّونَ إليكَ، وأنتَ تُجِيبُ المُضطرَّ إذا دعَاك ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّه ﴾ لا إلَهَ إلا أنتَ وحدَكَ لا شَريكَ لك، نحنُ المُضطرُّونَ إلى رَحمتِكَ فارحَمنا، المُضطرُّونَ إلى عَفوِكَ فَاعفُ عنَّا، المُضطرُّونَ إلى مَغفِرَتِكَ فَاغْفِر لَنا. يا خَيرَ الغَافِرِين نَجِّنَا في الدُّنيَا ويَومَ الدِّين، واجمَعنَا بِسَيِّدِ المُرسَلِين، وأَصلِحْ شُؤونَنَا بِمَا أصلَحتَ به شُؤُونَ الصَّالحِين.
اللَّهُمَّ انظُر إلَينَا وإلى المسلِمينَ، نَظرَة تُزيلُ العَنَا عنَّا، وتُدنِي المُنَى مِنَّا، وكلَّ الهَنَا نُعطاهُ في كلِّ حِين، مُقِيمِينَ لِلشَّريعَةِ الغرَّاءِ وسُنَنِ سَيِّدِ المُرسَلِين. اللَّهُمَّ ارزُقنَا حُسنَ مُتابَعَتِه، وأكرِمْـنَا يَومَ القِـيامَـةِ بالحَـشرِ في زُمْرتِه، وأَسْعِدنَا وشَرِّفنَا بِكَرِيمِ مُرَافَقَتِه، بِرَحمَتِك يا أرحمَ الرَّاحمِين. وافعَل كَذَلكَ بِوَالدِينَا ومَولُودِينا، واغفِر لَنا مَا كانَ منَّا، في ظَواهِرِنَا وخَوافِينَا، واختِم لنَا بِأكمَلِ الحُسنَى، وأنتَ رَاضٍ عنَّا يا أرحمَ الرَّاحمِين.
﴿ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ اللهُمَّ ارزُقْنَا بِغَيرِ حِسَاب، وافتَحْ في الخَيرِ لنَا كُلَّ باب، وادفَع عنَّا جميعَ البَلايا والأوصَاب، واجمَع شَملَ أمَّةِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ سَيِّدِ الأحباب، بعدَ هَذا التَّفرُّقِ والشَّتَات، ثبِّتْنَا وإيَّاهُم أكمَلَ الثَّبَات، وادفَع جَمِيعَ الآفات، وأَحسِن لنَا الخاتمَات.. يا مُجِيبَ الدَّعوَات.
﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
ربَّنا تَقبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وتُبْ علَينا إنَّكَ أنتَ التَّوابُ الرَّحِيم.
عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بِثَلاث، ونَهى عَن ثَلاث:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾
فَاذكرُوا اللهَ العَظيمَ يذكُرْكُم.. واشكُروهُ عَلى نِعَمِهِ يَزِدْكُم, ولَذِكرُ اللهِ أكبَر.