خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة، بعيديد، تريم، 3 شعبان 1441هـ، بعنوان:
حكمة ظهور الأدواء والشدائد ومسلك المؤمنين بالإله الواحد
الخطبة الأولى
الحمدُ للَّـهِ القَوِيِّ الفاطِر، العزيزِ القادِر، الأوَّلِ الآخِر، الباطِن الظَّاهِر، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلَّا الله وحدهُ لا شريكَ له، بِيَدهِ الأمرُ كلُّهُ، وإليهِ يرجعُ الأمرُ كلُّه، فازَ المقْبِلُونَ عليهِ، وخابَ المُعْرِضونَ عنهُ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعيُنِنا ونُورَ قلوبِنا محمداً عبدهُ ورسولُه، ونبيُّه وحبيبُهُ وصفيُّهُ وخَلِيلُه، أرسلَهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كلِّهِ ولَوْ كَرِهَ المشركُون.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على الأمينِ المأمون، عبدِكَ المصطفى خاتِم النُّبُوَّةِ سيِّدنا محمَّد، وعلى آلهِ المطهَّرِين، وأصحابهِ الغُرِّ الميَامِين، ومَن والاهُ ووالاهُم فيكَ فاتَّبعَ نَهْجَهُم إلى يومِ الدِّين، وعلى آبائهِ وإخوانهِ مِنَ الأنبياءِ والمرسلين، وآلهِم وصَحبِهم والتَّابعين، وعلى مَلائكتِكَ المقرَّبِين، وجَميعِ عبادِكَ الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين، صلواتٍ وتسليماتٍ تدفعُ بها عنَّا وعنِ المؤمنينَ الأدْوَاءَ والبَلوَى وجميعَ الشَّرِّ في السِّرِّ والنَّجْوَى، وتُصلِحُ بها أحوالَنا لنَستقيمَ على مَنهجِ التَّقوى، اللهمَّ نسألكَ بِسِرِّ الصلاةِ عليه أنْ تجعلَ مِن سِرِّ صلوَاتِكَ عليهِ وصَلاةِ المُصلِّينَ عليهِ دفعاً للشَّرِّ والضُّر، وصلاحاً للجهْرِ والسِّر.
أما بعدُ عبادَ الله: فإنِّي أوصيكم وإيَّايَ بتقوى الله، تقوى اللهِ التي لا يَقْبَلُ غيْرَها، ولا يرحمُ إلا أهْلَها، ولا يُثِيبُ إلا علَيها، وهي التي تُقِيمُ المؤمنَ على سَواءِ السَّبيلِ في مُختلَفِ الأحوالِ والشُّئونِ، في الظُّهورِ وفي البُطونِ، وبها يَتعاملُ التَّعامُلَ الزَّكِيَّ السَّامِيَ الرَّفِيعَ في السِّرِّ والنَّجْوَى، في الشِّدَّةِ والرَّخاءِ، في البَلايَا والنَّوازِل، وفي أيَّامِ الانبِساطِ وتَوالي الفَوَاضِل.
أيُّها المؤمنونَ بالله: تَقْوَى اللهِ تَعْصِمُ القلوبَ عن الانحرافِ إلى خَوفِ غيرِ الله، أو الرَّجاءِ في غيرِ اللهِ تعالى في عُلاه، وهو سبيلٌ يتعاملُ بهِ المؤمنونَ مع الشِّدَّةِ والرَّخاء، وفي مُختلفِ النَّوازِل، ويُقيمونَ به حقَّ اللهِ تباركَ وتعالى في شُئونِ قلوبِهم التي تُوقِنُ أنَّ ما أخطأهُم لم يكُن لِيُصيبَهُم، وما أصابَهُم لم يكُن لِيُخطِئَهُم، وأنَّهم مُكلَّفونَ في هذهِ الحياةِ بالقيامِ بأسبابٍ لِنَيْلِ الرَّحمةِ والمغفرةِ والعافيةِ والشِّفاءِ والرَّخاءِ والخَيرِ ظاهرةٍ وباطِنَة، والبُعدِ عن أسبابٍ جعلها اللهُ تعالى الخالقُ سُبحانَهُ مَجْلَبةً لِلضُّرِّ والشَّرِّ والسَّقَمِ والمرضِ والآفاتِ والعاهاتِ والشقاءِ والبُعدِ والوصولِ إلى جهنَّم.
تِلْكُمُ الأسبابُ التي أقامَها الخلَّاقُ بِقُدرتِه، وجعلَ لهذا سبباً ولهذا سبباً، وحرَّمَ على مَن آمنَ به وبرُسِلهِ مُزَاوَلَةَ أسبابِ الوقوعِ في الهلاكِ بأنواعهِ وأصنافهِ؛ ديناً وهو الأعْلى، ونَفْساً وهو الأغلى بعدَ الدِّين، وجَسداً ومالاً وعِرْضاً، ومُوجِبَ نارٍ وسُخْطٍ للجبَّارِ وغَضَب، هذه الأسباب أوْجَبَ الحقُّ اجتِنابَها، والبُعدَ عنها لكلِّ مَن آمنَ بهِ وبرسولِه، وجعلَ الدَّائِرةَ تدورُ على مَن تعدَّى تلكَ الحدود، وتَعُمُّ مَن قَصَّرَ في أداءِ الواجبِ في تلك الحدودِ إذا تُعُدِّيَت ثم لم يَنْهَ بما يَقْدِرُ مِن النَّهي، ولم يَزْجُر بما يَقْدِرُ مِن الزَّجْرِ، قال تبارك وتعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.
أيها المؤمنون: وأنواعُ الابْتلاءاتِ والاختباراتِ مُذَكِّرات، وأنواعُ المصائبِ والنَّوَائِبِ مُنَبِّهات، {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فالغايةُ مِن ذلك: نَيْلُ الرُّجوعِ للمؤمِنينَ بتصحيحِ التَّوبةِ، والتَّدَارُكُ بتَلافِي التَّقصيرِ في الواجباتِ لفِعلِها، والمندوباتِ للحِرْصِ علَيها، والمكروهاتِ للتَّباعُدِ عنها، والمُحرَّماتِ لاجتنابِها، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فكانت الحكمةُ الكبيرةُ فيما يْظَهرُ مِن زلازِلَ وخَسْف، وأوْبِئَةٍ تَنْتَشِر، وما كان مشهوراً في القرونِ الأولى بـ(الطَّاعون) وأمثال ذلك، ترجعُ الغايةُ في الحكمة إلى رَجْعةٍ صادقةٍ إلى الحقِّ الذي بِيَدهِ الأمر.
اللهمَّ أيْقِظ قلوبَنا والمسلمين، وأعِذْنا مِن شرورِ أنْفُسِنا وسيِّئاتِ أعمالِنا، ولا تؤاخذْنا بما فعلَ السفهاءُ مِنَّا، وارْزُقنا الإنابةَ وحُسنَ الرُّجوعِ إليكَ ظاهِراً وباطِناً يا ربَّ العالمين.
واللهُ يقولُ وقولهُ الحقُّ المبين: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }، وقال تبارك وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }، أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرَّجيم، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }، {وَإِذَا أَرَادَ الله بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ * لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ}.
بارك اللهُ لي ولَكُم في القرآنِ العظيم، ونَفعَنا بما فيه مِن الآياتِ والذِّكر الحكيم، وثبَّتنا على الصِّراطِ المستقيم، وأجارنا مِن خِزْيِهِ وعذابهِ الأليم، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولوالدينا ولجميعِ المسلمينَ فاستَغفِروهُ إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ القويِّ المتين، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وليُّ الصالحين، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمداً عبدهُ ورسولُه، وحبيبهُ المصطفى الأمين، اللهمَّ صلِّ وسلِّم على خاتِم النبيِّين وسيِّدِ المرسلِين، هادينا إلى الحقِّ المبين سيِّدِنا محمد، وعلى آلهِ وأصحابهِ وأهلِ حَضرةِ اقترابهِ مِن أحبابهِ، وآبائهِ وإخوانهِ مِن أنْبِيَائِكَ ورُسُلِكَ، وآلهِم وصَحبهِم وتابعيهِم، وعلى مَلائكتِكَ المقرَّبين، وجَميعِ عبادِكَ الصَّالحين، وعلَينا معهم وفيهم برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد: عبادَ الله: فإنِّي أوصيكُم ونَفْسِيَ بتَقوى الله، فاتَّقُوا اللهَ تقوىً تَعْلَمونَ بها واجِبَكُم في الحياةِ، ومُهِمَّتكُم في التَّذَكُّرِ والانْتِبَاه، ما نازلَ الأُمَّةَ مِن هذا الدَّاءِ العُضَالِ الذي أعْجَزَ دُوَلهمُ الكُبرى، وأقْلَقَ قلوباً كثيراً في الدُّولِ الموْسُومَةِ بـ(الصُّغرى) وتعالَت وتَسَامَت قلوبُ مؤمنينَ عنِ الهَلَعِ والجَزَعِ، وعنِ الرُّجوعِ إلى غيرِ مَن بيَدهِ الأمرُ. ألا إنَّ ما يُذكَرُ في هذا الشأنِ مِن تَرَاشُقِ بعضِ أربابِ السِّياساتِ في بعضِهم البَعض، والنِّسْبَةِ إلى التَّسَبُّبِ في أمثالِ ذلك، يَرْقَى المؤمنونَ ويَعَتْلُونَ عن أنْ يكونُوا فيها أطرافاً، أو أنْ يخوضوا فيها، أو يَلْتَفِتُوا إليها.
وما يُجْعَلُ مِن الاعتمادِ الكُلِّيِّ على الأسبابِ الظَّاهرةِ وحْدَها يتعالى عنه المؤمنون، فلا هُم بالذِين يتركونَ الأسبابَ الظَّاهِرة، ولا هم الذين يَسْتَخِفُّونَ بالأسبابِ الباطِنَة، ولا هم الذين يعتمدونَ على سَبَبٍ ظاهرٍ ولا سببٍ باطن؛ بل يتَّقُونَ ربَّ الأسبابِ ومُسَبِّبَها، ويُؤدُّونَ واجبَهم فيما يتعلَّقُ مِن احْتِرازٍ أو بُعْدٍ عن الأسبابِ الحِسِّيَّةِ في حدودِهَا، ومع ذلك لا يُغفِلونَ الأصلَ مِن أسبابِ الرُّجوعِ إلى الحقِّ، وتَدارُكِ ما فاتَ، والبُعْدِ عن المحرَّماتِ والسَّيِّئاتِ، التي لا يُصِيبُ النَّاسَ البلاءُ إلا بها؛ كما جاء في النَّصِّ الصَّريحِ في القرآن.
أيها المؤمنون بالله: ويبذلونَ التَّعاونَ منهم بكلِّ ما استطاعوا مِن الأسبابِ الظاهرةِ والباطنةِ لمن يعيشُ معهُم على ظَهْرِ الأرض، مِن المؤمنينَ خاصَّة وسائرِ بني آدمَ عامَّة، تَبَعاً للأنبياء، ومَسْلَكَ الأصفياء؛ الذين اتَّبعُوا ما أوحى اللهُ إليهم رحمةً لعبادهِ، وخَتَم أنبياءَهُ بالرَّحمةِ المُهداةِ، وقال له: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }.
ولا الجزَعُ ولا الهلَعُ وصفُ المؤمنين، وذلك وصْفٌ يَلْزَمُ عامَّةَ الكفارِ لأنَّهم لا يؤمنونَ بغيرِ هذهِ الحياةِ، ولا يُصَدِّقونَ بالبَرزخِ ولا اليومِ الآخِر، وما عندَ اللهِ تباركَ وتعالى. ولمَّا قيل لسيِّدِنا معاذ: ها هو الأثرُ قد بدأ بإصبعِكَ مِن الطَّاعون!، قال: (إنه أحبُّ إليَّ مِن كذا وكذا مِن الإبِل؛ إن اختارَني الحقُّ جلَّ جلاله وأماتَني شهيداً بهذا الطاعون)، فكان مِن الشُّهداءِ، عليه رضوانُ الرَّبِّ جلَّ جلاله، وجاءَ في السُّنَّةِ: ((إذا وَقَعَ الطَّاعُونُ في بَلَدٍ فلا تَدْخُلُوهَا، وَمَنْ كانَ بِهَا فلا يَخْرُجْ منْهَا فِراراً منه))، منهجُ تَقْوَى، وَوَسَطٌ عليٌّ، ومسلكٌ سَوِيٌّ، علَّمنا إياه سيدُنا النبي، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ألا يا مَعْشَرَ المؤمنين: إنهُ تذكيرٌ وتَخْوِيف، يُنَبِّهُ إلى عَظَمَةِ التَّكليف، وأنْ يَنالَ المؤمنُ نصيبَهُ مِن الاستقامةِ التي تُوجِبُ التَّشريف؛ فليَتذكَّرْ أهلُ الإيمان تَسَاهُلَهُم بأوامرِ الرَّحمن ورسولِه، ووقوعَهُم في المَنْهِيَّات، وتعظيمَهُم لأربابِ الدُّنيا والمظَاهِر، الذين يَعْظُم الفَتْكُ فيهم في هذه الأيامِ بمِثلِ هذا الدَّاء، وهذا المرضِ والفَيروسِ الذي حيَّرَهُم، ولم يزالُوا في مُحارَبةٍ معه، ولا إلهَ إلا الله القويُّ القادِر، ولا إلهَ إلا الله العزيزُ الفاطِر، ولا إلهَ إلا الله، يُسَلِّمُ مَن يشاء، ويُصِيبُ مَن يشاء، وبِيَدهِ الأمرُ كُلُّه، وإليهِ يرجعُ الأمرُ كُلُّه، فَثِقُوا به، وتوكَّلوا عليه، وعَاوِدُوا حِساباتِكُم، وانْظُروا فيها وراجِعُوها فيما يتعلَّقُ بالواجبات.
ألا إنَّهُ ما فَشَتِ الفاحِشةُ في قَومٍ إلا فَشَت فيهمُ الأوجاعُ التي لم تكُن في أسلافهِم، ألا فلتأخذُوا بالأسبابِ ظاهِرةً وباطِنَة، ولا تعتمِدُوا إلَّا على المُسَبِّبِ وحدَهُ جلَّ جلاله {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}.
اللهُمَّ، وما سَلَّمْتَ مِن بقاعِ الأرضِ مِن انتشارِ ذلِكَ الفَيروسِ والدَّاءِ فأدِمِ السلامةَ لهم، وأدِمِ الأمْنَ لهم، وأدِم حِفظَهُم مِن ذلك، وما أصابَ البلادَ والبِقاعَ مِن ذلك الدَّاءِ فَعَجِّلِ اللهمَّ بدَفعِهِ ورَفعهِ، وعجِّلِ اللهمَّ بكفِّهِ عن المؤمنيَن والمؤمناتِ خاصَّة، وعنِ العالمينَ عامَّة، يا مَن أرسلتَ محمداً رحمةً للعالمين.
اللهم وارزُقنا حُسْنَ التَّذَكُّرِ والاعْتِبار، والرَّجْعةِ والاستغفار، وكَفِّر عنا الذُّنوبَ الأوْزار، يا كريمُ يا غفَّار.
ألا وإنَّ مِن أعلى أسبابِ كشفِ البلايا ودفْعِ الرَّزايا: صلاتُكم على خيرِ البرايا، فإنَّ اللهَ يُصَلِّي على مَن صلَّى عليهِ مرَّةً واحدةً عشرَ صلواتٍ، وهل غيرُ رحمةِ اللهِ تدفعُ الفيروسات؟! وهل غيرُ رحمةِ اللهِ تدفعُ البَلِيَّات والنَّكبَات؟! فأكْثِرُوا الصَّلواتِ والتَّسليماتِ على مَن في مِثْلِ هذا الشَّهرِ أَنْزلَ عليهِ ربُّ السموات، مُبْتَدِئاً بنفسهِ ومُثَنِّياً بالملائكة، ومُوَجِّهاً للمؤمنين تعميماً، فقالَ مُخبراً وآمِراً تكريماً: {إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على الرَّحمةِ المُهداةِ والنِّعمةِ المُسداةِ سيِّدنا محمَّد، وعلى صَديقهِ في الغارِ، مُؤازِرهِ في حالَيِ السِّعَةِ والضِّيق، خليفتِه سيِّدِنا أبي بكرٍ الصِّديق. وعلى مَن نشرَ العدلَ في الآفاقِ فاشتهر، أميرِ المؤمنينَ سيِّدنا الفاروقِ عُمَر. وعلى مَن اسْتَحْيَت منهُ ملائكةُ الرَّحمن، أميرِ المؤمنين ذي النُّورَينِ سيِّدِنا عثمانَ بن عفان، وعلى لَيْثِكَ الغالِب، سيِّدِنا أخِي المصطفى ووليِّهِ أميرِ المؤمنين عليِّ بنِ أبي طالب، وعلى الحسَنِ والحُسين سيِّدَيْ شبابِ أهلِ الجنةِ في الجنةِ، وريْحَانَتي نبيِّك بِنصِّ السُّنَّة، وأمِّهِما الحَوْرَاءِ فاطمةَ البَتولِ الزَّهراء، وبناتِ المصطفى، وأمَّهات المؤمنين، وعلى أهلِ بدرٍ، وأهلِ أُحدٍ، وأهلِ بيعةِ الرِّضوانِ، وأهلِ بيعةِ العقبَةِ، والصَّحبِ الأكرمين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
اللهم إنَّهُ لم يَنْزِل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولم يرتفِع إلا بتوبة، اللهم اعتَرفْنا بالذُّنوب فاغفِر لنا، فإنا نَستغفِرُكَ لذنوبِنا وذنوبِ أهلِ المِلَّةِ ما عَلِمنا منها وما لم نعلَم، فاغفِر يا خيرَ الغافرين، وأْذَن بدفعِ هذا البلاء، ولا تُوصِل شيئاً منه إلى هذهِ البقاعِ والدِّيار، ولا شيئاً مما له مِن الآثار، يا كريمُ يا غفَّار، يا عزيزُ يا قهَّار، يا مُكَوِّرَ النَّهارَ في الليلِ والليل في النَّهار، واملأ القلوبِ بالاعتمادِ عليكَ والاستنادِ إليكَ والخوفِ منكَ.
اللهمَّ ذكَّرْتَهم ضَعْفَهُم بفَيروسٍ ما طاقوهُ فكيف يُطيقُ أحدُهم عذابَ القبر؟! وكيف يُطيقُ أحدُهم عذابَ يومِ القيامةِ؟!، اللهم فاكشِف عنَّا البلاء، وأجِرْنا مِن خِزْيِ الدُّنيا وعذابِ الآخِرة، وبارِك للأمَّةِ في شعبانَ هذا، وفي رمضانَ، واجعلهُما شَهْرَي فرَجٍ للمُسلمين، وغياثٍ للمُسلمين، ودَفعٍ للبَلاءِ عنِ المؤمنين، وجمعٍ لِشَمْلِهِم يا أكرمَ الأكرمين.
اللهمَّ واغفِر للمؤمنينَ والمؤمناتِ، والمسلمينَ والمسلماتِ، أحيائِهم والأمواتِ، اللهم واخْتِم لنا بأكْمَل حُسنِ الخاتمات، وارْزُقنا كمالَ الثَّباتِ، وعامِلنا بالفضلِ وما أنتَ لهُ أهلٌ يا مُجيبَ الدَّعواتِ، ويا قاضِيَ الحاجاتِ، يا كاشفَ الشدائدِ والبَلِيَّاتِ، يا حيُّ يا قيُّومُ يا الله.
نسألُكَ لنا وللأمَّةِ مِن خيرِ ما سألكَ منه عبدُكَ ونبيُّكَ سيدُنا محمَّد، ونعوذُ بكَ مما استعاذكَ منه عبدُكَ ونبيُّكَ سيِّدُنا محمَّد، وأنتَ المستعانُ وعليكَ البلاغُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.
عبادَ اللهِ: إنَّ الله أمرَ بثلاثٍ ونهى عن ثلاث: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذْكُركُم، واشكروهُ على نِعَمهِ يَزِدكُم، ولَذِكْرُ اللهِ أكبر.
للاستماع إلى الخطبة