بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ وباركَ وكرَّمَ على عبدِه المجتبى المصطفى الأمين، سيدِنا محمد، وعلى آله وأصحابِه والتابعين، وعلى جميعِ الأنبياء والمرسلين، وآلهم وأصحابِهم، والملائكةِ المقرَّبين، وجميعِ عبادِ الله الصالحين، وبعد:
إلى إخوانِنا وأحبابِنا في الله تعالى مِن متابعي هذا المجلس المبارك للسيد إبراهيم خليل البخاري، والذين تحوَّلَ اجتماعُهم من لقاءٍ بالأجسادِ في مكانٍ واحد إلى تلاقٍ بالقلوب والأرواحِ في أماكنَ متعددةٍ عبر هذه الأجهزة، وإلى جميعِ أحبابِنا في الله تباركَ وتعالى وإخواننا المؤمنين:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
ويجبُ أن نكونَ على قدمٍ قويمٍ صحيحٍ في الإيمان بالله تعالى، والعمل بمُقتضاه في الرِّضا والتسليم بقضاءِ الله وقدَره، والرجاءِ فيه، والطمعِ فيما عنده، وفي التَّسبُّبِ في إنزالِه كَشفَ الضرِّ، وفي دفعِ البلاء، وفي ظهورِ الخيرِ ونُصرةِ الحق؛ بتَحقيقِ التوبات، وكثرةِ التضرعِ والابتهال، وبالإحسانِ إلى مَن حوالَينا عامة، وإلى ذوي الرَّحمِ والجِوارِ والقرابةِ خاصة، وبتفقُّد مهمَّتَنا وواجبَنا الكبير في تَزكيةِ نفوسِنا وتربيةِ أهالينا وأسرنا، وإعطائهم حقَّهم مِنَ التَّذكيرِ والتوجيهِ والتَّنبيهِ، واستِبيانِ المسلَكِ القَويم.
ولنتذكَّر بكلِّ ما هو حاصل واجبَ حُسنَ الانقيادِ لأمرِ الله وسوله؛ بل أن لا يكونَ المصدرُ الوحيدُ الذي نحبُّ ونعشقُ ونحرصُ على تطبيقِه والعملِ به إلا وحيُ الله وبلاغُ رسولِه صلى الله عليه وسلم ما أمرَنا به، ولنُعدْ إلى تَصحيحِ وضعِنا في هذا الجانبِ والمجال؛ فإننا مأخوذون في الحياةِ بالانصياعِ والاستسلامِ لما تَفرِضُه أنواعُ الأنظمةِ والحكوماتِ في شَرقِ الأرضِ وغَربِها، وضَعُفَ عند كثيرٍ مِن المسلمين في أحاسيسِهم ومشاعرِهم منزلةُ توجيهِ الحق، وتعليمُ رسولِه صلى الله عليه وسلم، وإنزالُه منزلتَه مِن حُسنِ التطبيق والتنفيذ.
ولنعلَم أننا بِحُكمِ هذا التوجيهِ الإلهي نقومُ بتنفيذِ كلِّ الأوامر التي تأتي مِن وُلاة الأمورِ وغيرهم في حدودِ الشَّرعِ المصون، وفيما لا يتناقضُ ولا يتخالفُ مع منهجِ الحقِّ جل جلاله وتعالى في علاه؛ فنحن في ضرورة وأمرٍ أيضاً ربانيٍ لتنفيذِ الأمور التي لا تَتعارضُ مع الشريعةِ المطهرة، ولكنَّنا في أصلٍ وإلزامٍ وواجبٍ وحَتمٍ أن ننفِّذَ ونطبِّقَ أوامرَ الرحمن وأوامرَ رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تكونَ هي الأصلُ في انطلاقِنا في الحياة بكلِّ المعاني، ولا يبقى شئونُ ما نضطرُّ إليه بعد ذلك مِن تَسييرِ أنواعِ الأنظمة والمفروضات في المدارسِ وفي الحاراتِ، وفي المجتمعات، وفي الحكومات، وفي شئونِ الحياة، لا تكونُ هذه الضرورةُ هي الغالبة على تَسييرنا في الحياة ومُضيِّنا فيها {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.
ولنتذكَّر أنَّ مِن أعظم فوائدِ حصولِ هذه الأزمات وهذه الشدائد في العالم: أن نعودَ إلى إقامةِ الأصل، وندركَ ما هو الفَضل، ونَنطلقَ انطلاقاً صحيحاً في عُبوديةٍ لربٍّ واحدٍ جل جلاله، اختارَ لنا أنبياءَ ورسلاً ختمَهم بسيِّدِهم وإمامِهم نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعلَينا أن نعودَ إلى حُسنِ الاقتداءِ والتعظيمِ لأمرِ هذا المصطفى عليه الصلاة والسلام {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}.
ونعلم أنَّنا بذلك نطرقُ أبوابَ الفَرجِ وكَشفَ الشدائد، وصلاحَ أحوالِ العالم، بامتثالِ أمرِ ربِّ العالم، ومَن اختارَه مُرسَلاً للعالمين رحمةً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فباركَ الله في اجتماعاتِكم ولقاءاتكم هذه، وإنه لتَتضاعفُ في السنواتِ المقبلة أعدادُ الحاضرين في هذه الجموع، وأعدادُ المتابعين لها كذلك في مختلف الجهات، بفضلٍ من الرحمن، وسُنَّةٍ عرفناها مِن تَسييرِه الشئون في الحياة، وتلقَّينا إشارتَها ودلالاتَها مِن أسرارِ الوَحيِ المصون، وإشاراتِ بلاغِ الأمينِ المأمون.
فاصدُقوا مع الرحمن، وانتظروا فضلاً واسعاً، وعطاءً كبيراً، يمنُّ به على عبادِه، ونصراً لعبدِه محمد؛ الذي قال له: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً * وَيَنصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً}، وقال: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
واختمُوا رمضانَ بحقِّ هذه النصرة، ولا يبقَ في البيتِ قاطعُ رحم، ولا عاقّ والدين، ولا مُشاحن لمسلم، ولا مَن يتعلَّق بالمسكرات؛ فهذه الأربعُ الصفات التي تحرمُ الإنسانَ مِن المغفرة ولو في رمضان، ولو في آخرِ ليلة من رمضان، ولنَخرُج مِن رمضانَ بنُصرةِ الرحمنِ ورسولِه والصدقِ في ذلك، فتأتينا مِن نُصرتِه ما لا يخطر على بال، ولا يُتخيَّل بخَيال، ذلك فضلُ الله وجزيلُ النوال.
اللهم بارِك في هذه الاجتماعات واللقاءات والتواصلات عبرَ هذه الأجهزة، وطوِّل عُمْرَ السيد إبراهيم خليل، ومَن بقيَ مِن أهلِ النورِ والعلمِ والهدى في هذه الأراضي مِن أرضِ الهندِ المباركة، ومِن جميعِ بِقاعِ الأرض في طولها الأرض، اللهم نظرَك لأهلِ الإخلاص ولأهلِ الصدقِ والوِجهة، وعُمَّ بخيراتِهم وبركاتِهم، ونظرتَك للغافلين والجاهلين مِن المسلمين، والمؤثِرِين للحَقيرِ والفاني، ردَّهم إليكَ مَردّاً جميلاً، وأصلِح قلوبَهم، وألهِمهُم رُشدَهم، وارزُقهم إيثارَك على ما سواك؛ حتى تؤثرَهم بِعطاياك، وسعادةِ الدنيا والآخرة.
اللهم وبارِك لنا في خواتيمِ رمضان، وما بقيَ مِن ساعاته وليالِيه وأيامه، واجعلها خيراً لنا مما مضى، وأعِدنا إلى أمثالِه في صلاحٍ وفلاحٍ ونشرٍ للهدى والحق، وسلامةٍ مِن كلِّ ردىً، كما أنتَ أهلُه يا عالمَ ما خَفِيَ وما بدَا، ونسألكَ لنا وللأمَّةِ مِن خَيرِ ما سألكَ عبدُكَ ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مما استعاذَكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنتَ المستعان، وعليكَ البلاغ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بِك، ونستغفرُك ونتوبُ إليك، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا أنتَ وحدكَ لا شريكَ لك، وأن محمداً عبدُك ورسولُك، فاغفِر لنا وارحَمنا وانظُر إلينا، سبحانكَ اللهمَّ ربَّنا وبِحَمدِك، نشهدُ أن لا إلهَ إلا أنت، نستغفرُكَ ونتوبُ إليك، فتقبَّل بسرِّ الفاتحة إلى حضرةِ النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم.
لمشاهدة الكلمة