محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، بدار المصطفى ليلة الجمعة 1 صفر الخير 1442هـ ، بعنوان:
شرف القرب من الرحمن ومعرفته ورضوانه ومهانة الانحصار في الزائلات المنقطعة.
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرِّحيم
الحمد لله على ما يبسطُ من بُسُطِ الجودِ، ويأذن به مِن الفضلِ والسعود، ويُلحقُ كم مِن شقيٍّ بكلِّ مسعود، فضلاً مِن البَرِّ الودود، مُنزِلِ القرآن، مُرسِلِ سَيدِ الأكوان، جاعلِنا خيرَ أمةٍ أُخرِجت بين جميعِ بني الإنسان، ذلكم فضلُ الواحدِ المنانِ الرحيمِ الرحمن، الذي خصَّنا بمحمدٍ الذي أنزلَ عليه الفرقان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وما تسمعون عن تعشُّقاتِ القلوب والفِطَر بِحُكمِ فِطرتِها مِن الكريم الذي خلقَ لها وفَطَر جلَّ جلاله، إنّما هي مداركُ حقٍّ وسطَ هذه الفِطَرِ والأرواح، تتعشَّق جمالَ القربِ مِن الكريمِ الفتاح، تتعشَّقُ كريمَ القُربِ مِن حضرتِه والرِّضا منه جلَّ جلاله، وتتلفَّت إلى المحبَّةِ منه والمحبةِ له سبحانه وتعالى، وهذا الذي أشار إليهِ عليه الصلاةُ والسلامُ بقوله: (كل مولودٍ يُولَدُ على الفِطرة) وأشار إلى العواملِ المؤثِّرات مِن حواليه (فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه)، وشؤون ما يكون في الأُسرِ ثم ما يكون في المجتمعات مِن خلال المدارسِ والأماكنِ وأماكنِ الأعمالِ والأسواقِ وما إلى ذلك، تحصل تأثيراتٌ على هذا الإنسان تقطَعُه عن كثيرٍ مِن حقيقةِ فِطرتِه، وعن هذا الشَّوقِ الذي يرفعُه إلى فوق، شوقُ القربِ مِن الخلاَّق جلَّ جلاله، ومرافقةِ مِن أحَبَّهم جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
هذه شؤونٌ تتجاوزُ الفكرَ القصيرَ الذي يُحجزُ فيه أكثرُ الناس على وجهِ الأرض، الفكرُ القصير: فكرُ المادة، فِكرُ الدنيا، فِكرُ العمرِ القصير، فِكرُ ما يَفنى، الفِكرُ فيما يزول، الفِكرُ فيما يفنى، الفكر فيما ينتهي، الفكر فيما ينقطع، هذا فكرٌ قصير، والله إنه قصير، والله إنه حقير، لا يلِيقُ بكرامةِ الآدمي، لا يلِيقُ بكرامةِ الجنِّي فضلاً عن الآدمي أن يكونَ وهو مُكلَّف مُعطَى السمع والبصر وآلة الإدراك لعظمةِ ملكِ الأملاك جل جلاله، لا يليقُ بأن ينحصرَ في هذا الفكر، لا يليقُ بأن ينحصرَ في ديارٍ ولا منازلَ ولا طُرقٍ ولا أشجارٍ ولا سيارات ولا مُتَع دنيا بأصنافها، ينحصرُ فيها؟ هذا انحطاط، هذا سقوطٌ مِن مقامِ الكرامة، ألهذا خُلِقت؟ إن كنت خُلِقتَ لهذا فما أتفهَكَ وما أحقركَ، قال الرحمن في فضلِه وهو واسع الإمتنان: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) تعرف معنى يعبدون؟ يتحرَّرون مِن الرِّقِ لغيري ويُكرَمون بالعبوديَّة لي؛ فيخضعون لجلالي ويمتثلون أوامري ويجتنبون ما نهيتهم عنه؛ فيكونون في حِراستي وعنايتي، فأُعدُّ لهم ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سَمِعَت ولا خَطَرَ على قلبِ بشر، هكذا حدَّثَنا خيرُ البشر صفوةُ مُضَر عن الإلهِ الأكبر وقال: (إن الله يقول أعدَدتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر) وكان زينُ الوجود إذا حدَّث بالموعودِ الكريم في جنةِ الله فذكر كثيراً مِن شؤونها وأحوالِها يقف ويقول: (وفيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر)، اقرأوا إن شئتم قوله تعالى: ((فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)).
أيها الآدمي، أيها الإنسان: يليقُ بكرامتِك أن ترتقيَ إلى الفكرِ في هذا النعيمِ الذي لا نهايةَ له، لا انقطاعَ له، لا فناءَ له، لا زوالَ له، فهل يَعرضون لك شيئاً يُقارِب هذا؟ يُماثلُ هذا؟ يُشابِه هذا؟ ما رأت عينُك نتائجَ الثَّراء والغِنى ما عمِلت بأصحابِها؟! وفيهم مَن انتحر، وفيهم مَن قُتِل، وفيهم من جُنَّ وهو في الدنيا! وفيهم من حُبِس، وفيهم من نُهِبَ ماله! وفيهم.. وفيهم.. وفيهم.. والذي لم تظهر عليه شيءٌ مِن هذه الأعراض، عنده أنواعٌ مِن الأمراض، غنيٌّ كبير لكنه لا يستطيعُ أن يتناولَ السُكَّر كما يريد، لا يستطيع أن يتناولَ كثيراً مِن المطعومات الشهيَّة، كان الشيخ محفوظ بن عثمان عليه رحمة الله يقول: حجرُوا عليه وهو بِعقلِه حيٌّ في حياتِه وقد حجروا عليه، كأنه محجور عليه، ممنوع يأكل ذا وممنوع يشرب ذا، وهو غني كبير يقدر يجيبها ويجيب كل ما تشتهيه نفسه، لكن ممنوع.. من أجل صحة الجسد كم؟ مئة سنة؟ نادر أن يصلَ أحد منهم مئة، أو تسعين أو ثمانين ، أما ترى أصحابَ الأموال قدَّامك؟ كم عدد الذين وصلوا للثمانين سنة؟ وكم عدد الذين ماتوا قبلَها؟ نسبة كبيرة هم الذين ماتوا قبل أن يصلوا الثمانين، أكثر من تسعين في المئة من أغنياء الأرض يموتون قبل ما يصلون الثمانين، ولأجل هذه الصحة لهذه السنين كلها، ممنوع من هذا، وممنوع من هذا، وممنوع من هذا، وفوق هذا همومٌ وغموم ولم يذُق لذَّةَ الصفاءِ مع الرحمن، وهو أعلى شيءٍ في الدنيا، ثم يقابلُ الرحمنَ بوجهٍ أسودَ وقلبٍ مقطوعٍ قاسٍ غافل والعياذ بالله تعالى، إلا مَن برَّ وصَدَقَ، إلا مَن قال هكذا وهكذا مِن الأثرياء والتجار..
كذلك أصحاب الرئاسات وأصحاب الملوك أيضاً، كم الذين يبلغون الثمانين منهم؟ وكم الذين يموتون قبل الثمانين، فَكِّر قليلا.. راجع حسابَك، أنت مغرور وتمشي في زور، راجِع حسابَك قليلا تجد الأكثرَ منهم قبل هذا السن يخرجون من هذا العالم، فيهم من انقُلِب عليه، وفيهم من حُبِس، وفيهم مَن حُوكِم.. يا هذا اعقِل! هذه الدنيا، هذه سُلطتُها، هذه ثَروتُها، مُغشَّاةٌ بهذه الغُصَص والنُّغَص والآفات والأكدار، والأكبر من ذلك أنَّ الأكثرَ منهم يسوَدُّ قلبُه، الأكثرُ منهم يتعرَّضُ للخِزيِ يومَ اللِّقاء، يخالفُ أمرَ خالقِه الذي خلقَه فيسوءُ حالُه عند لقائه، هذا أشدُّ وأشنعُ وأكبر.
يا مؤمن، بل يا عاقل، يا آدمي، لا يليقُ بك الانحصارُ في هذا الفكر، لا يليقُ بك الحَبسُ في هذا القِصَر، في هذا الفَناء، في هذا الانقطاع، في هذا الزوال، في هذا المُنتهِي عما قريب، ارتفِع، اعبُده، اقصدُه، وحِّده، اِشهدُه، وخذ بِرَّه وعطاءَه ورحمتَه ومغفرتَه تلقاه يومَ تلقَاه بقلبٍ أبيض ووجهٍ أبيض، ويُقال لك عند خروجِ الروح ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي))، مَن مِن أهل الحضارات يدعونا لِنَيلِ هذه السعادات؟ مَن مِنهم؟ ماذا عندهم؟ ماذا يُقدِّمون لنا؟ يقولون لبعض أبنائنا الغُفَّل، لبعض أبنائنا القُصَّر، لبعض أبنائنا الذين لم يُحْظَوا بسطوعِ النورِ في الأفئدة والقلوب، لا جالَسوا أهلَ النور ولا استفادَوا مِن نورِ الكتابِ العزيز وهو بينَ أظهرِهِم؛ لِحُجُبٍ في قلوبِهم وغَفَلاتٍ انطوَت عليهم بمَنظوراتٍ حرام وكلامٍ فاسق وتعلُّق وشهواتٍ محرَّمة وجُلساء فُسَّاق، حتى إنَّ بعضَهم يتحفَّظُ القرآنَ في بعضِ حلقاتِ التحفيظ ولكنَّه في هذا الإنخفاض في قلبٍ لا يُعظِّم القرآنَ ولا مَن أُنزلَ عليه القرآن، يأتونَ إلى أمثالِ هؤلاء، يقولون لهم: تعالوا إلى بلداننا المفتوحة، ثم يقولون نحن قدَّمنا للبشريةِ مشاريعَ وعندنا خطط، فيضحكون على هؤلاء، وهم قدَّموا للبشريَّةِ هذه الحروبَ القائمة، قدَّموا للبشريَّة هذا الظُلم الذي يعُم، قدَّموا للبشريَّة هذا التعبَ الذي في نفوسِ شعوبِهم، هذا الذي قدَّموه للبشرية، يقولون ما عندكم أنتم، وما عند الإسلام والمسلمين، ماذا تقدِّمون وأيّ مشاريع عندكم، مرَرنا في خارج عاصمتِهم في أمريكا في واشنطن وإذا بجسر كبير من الجسور هذه أُسر وأُسر وأسر تحتَه، سألناهم ما بالُ هؤلاء الناس؟ يقولون هذا مسكنُهم تحت الجسر، لماذا؟ لا يملكون سكنا والحكومة لم تحرِّرهم، وهذا نظامُهم الرأسمالي الذي يقولون أنهم يقوِّمون العالمَ به ما قدروا يسدُّون حاجتَهم.
ثم مرَرنا في مدينةٍ أخرى بديارٍ جديدة مبنيَّة ولكنَّها مقفلة، سألنا: لماذا هذه البيوت مهجورة؟ قالوا: اشتراها أصحابُها من البنوك بالطريقة الربوية ولم يقدروا على تسديد قيمتِها فقفلُّوها عليهم، وصار بعضُ أفراد العصابات الذين يَفتعلون المشاكلَ في البلاد يتسوَّرون عليها ويسكنون فيها..
هل هذا الذي قدموه للعالم؟ دول لم تعرف أن تحلَّ مشكلةَ أبيض وأسود إلى الآن.. ما هذا الظلم، ما هذه الغفلة، ما هذه الضآلة في الفكر والإدراك، ما هذا القِصَر في النظر.. ولكن حولها ندندن.. المادة، الشهوات، الدنيا الفانية المنقطعة هي كل شيء، كذبتم، أنا حقير إن قلتُ إنَّها كلُّ شيء، أنا تافِه إن حصرتُ نفسي فيها، عُرِض لي فردوس أعلى وحياة أبد في رضاً مِن الملك الأعلى، تُباع بماذا؟
قلوب سَحَرة فرعون، كانوا سَحَرة دخل الإيمان في قلوبهم وآمنوا، وقاموا أمام سلطة الكفر بما عندها من عسكر ومادة ومال وزُخرُف، وقالوا له: ((لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا))، يعني عرفنا مقدارَ مُلكك، عرفنا مقدارَ سُلطتِك وبَهرجتِك إلى أيِّ حد، وأدرَكنا وراءَها ما هو أعظم، لن نُؤثرَك على ما جاءنا من البينات والذي فطرَنا، بعد إصدارِ دولةِ الكفر للتهديد، ((إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ)) هذا هو المنطق نفسُه أم شيء انقلبَ فيه، هذا منطِقُهم في عهدِ موسى ومنطِقُهم في عهدِ عيسى ومنطِقُهم في عهدِ محمد، ومنطِقُهم في القرن الخامس عشر الهجري، هكذا يقولون؛ أجاب المؤمنون قالوا: ((لَنْ نُؤْثِرَكَ)) أصلاً عرفناك، أول قبل الإسلام، قبل يوم واحد: ((قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ)) يتزلَّفون إلى فرعون ويريدونَ شيئا مما عنده، بعد قليل: ((لَنْ نُؤْثِرَكَ)) الطلبات التي قدَّمناها سابقاً، لا نريدها، والآن قدَّمنا طلباتٍ أطول، الله أكبر ((لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) وسنعطيك تحليلاً لحقيقتك، ((إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا))، مدة بقائك القصير في الدنيا هذا تقضيه فيه فقط ((إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ)) تريد جوابنا أمام قولك ((وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ)) ؟ الله أشد وأبقى ((وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)) قالوا وجدنا الذي هو خَير منك ((وَأَبْقَىٰ)) هو الذي سيدوم وليس أنت، وهكذا منطق المؤمنين في كل زمان وفي كل ظرف وأمام لسان كل كُفْر إلى أن تقوم الساعة ((لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِى هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَآ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا واللهُ خَيْرٌ وأبقى))
فاغفِر لنا يا خيرَ الغافرين واجعل كلَّ قلبٍ من الحاضرين والسامعين مُلبِّياً لندائك، مُستجيباً لخاتمِ أنبيائك، موقِناً بخبرِك وأنبائك، مستعدّاً للقائك، يا الله يا الله.. لا خاب قلبٌ من هذه القلوب في يومٍ تُقلَّب فيه القلوبُ والأبصار، ولا تُخزِنا يوم يُبعثون، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، اِجعل كلَّ قلبٍ مِن حاضرين وسامعين قلباً سليماً، تَهَبَه منك خيراً عظيما ونعيماً مُقيماً، ولا تُخزِنا يومَ الهَول الأكبر ويومَ الحَسْرةِ ويومَ الآزفة ((إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ))، يا مَن يعلم خائنةَ الأعيُن وما تُخفِي الصدور ويقضي بالحقِّ وكلُّ مَن يُدعى مِن دونك كائناً ما كان لا يقضون بشيء، إنَّ الله هو السميع البصير.
إلهَنا، وأشياعنا قد مضوا وأمثالنا قد مضوا على ظهرِ الأرض وتكرَّروا مراراً كثيرات وكلُّهم ذهبوا فسبحانك يا مَن يبقى ولا يبقى غيُرك، ويدومُ ولا يدومُ سِواك، ثم كتبتَ بعد هذه الحياة دواماً وبقاءاً للجنةِ مخلوقتك وللنار مخلوقتك، وكتبت لهؤلاء أهلاً يخلدون فيها ولهذه أهلاً يخلدون فيها، فاجعلنا مِن أهل الجنة واجعلنا مِن أهل فِردَوسِها الأعلى، وارزقنا النظرَ إلى وجهِك الكريم، يا الله يا الله..
ذلك الجمال الذي يُعشَق لكلِّ الأرواحِ التي صَفَت وطَهُرت، وما يتعشَّقُ إخوانُكم لنيلِ هذه الصفاتِ الحميدة إنما تتعشقُ القلوبُ والأرواحُ جمالَ ربِّها وكرمِ القُربِ منه وشرفِ المحبةِ له ورِفعةِ المعرفةِ به جلّ جلاله، هذا الذي يُعشَق، هذا الذي يُرادُ لكلِّ قلبٍ ولكلِّ روح، والحُجُب التي تقطعُ مَن تقطع عن هذه الطلبات وعن إدراكِ هذه التعَشُّقاتِ وتحصرُهم في هذا الأمرِ الذي يدعو الدجالُ والدجاجِلةُ ومن قبلَه ومَن بعده لأن ننحصر معهم فيه ونقول لهم لن نُؤثِرَكَ، حقيرٌ مَن حُصِرتُم فيه، زائلٌ ما تمحَّضتم له وبِعتُم أنفسَكم له وكل الناس يغدوا، فبائعٌ نفسَه فمُعتِقها أو موبِقها، ونحن نريد العِتْقَ، وإن رضيتُم الهلاكَ فلكم، ولا نتمنى لكم ولا لغيرِكم هلاكاً لأنَّ ملكَ الأملاك تعبَّدَنا بأن نتمنَّى النجاةَ للخلقِ كلِّهم، ولهُ الأمرُ يفعلُ ما يشاءُ في عبادِه، وأن نُقيمَ لذلك دُعاءَنا له ودعوتَنا لعبادِه إليه، والأمر له، يهدي مَن يشاء ويُضِلُّ مَن يشاء، لا نملك هدايةَ قلوبنا، ولكنه شرعَ وبيَّن وسبَّب لنا الأشياء وقال في مركزِ الهداية مُشيراً إلى حبيبِه: ((وإنْ تُطيعوهُ تَهتَدوا)) والهداية في طاعةِ محمد صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى قدرِ الطاعة نصيبُك من الهداية، وكلُّ ما أطعتَ أكثَر نور أشرق الهدايةِ في باطنِك وفي قلبِك، ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا))، خذوا مِن الهداية أكبر وخذوا مِن الهداية أعظم.
قال سبحانه وتعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ)) سيدخلُهم ربُّهم في رحمةٍ منه وفضل، ويهديهم، نتأمَّل ((وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ)) قال إليه، وتجاوزت العقبات والشؤون، قال أنت مَهدِيٌ أهديكَ إليَّ، وما قَدرُ الجنة وما قدرُ المراتب، قال إليَّ أهديك، ((وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا))، نعم تتجلَّى الهدايةُ إليه في طاعتِه وعبادتِه ومنازلاتِ وأذواق وأحوال تُنازلُ الناسَ ومعارف ولطائف، ولكن سر ((وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ)) فوق ذلك كلِّه وأكبر من ذلك وأبعد مِن ذلك كلِّه، ولذا قال: ((فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ)) مَن يعرض هذا العرض؟ أي حضارة؟ لا والله، في غير سوقِ الأنبياء ومعارضُهم وأتباعهم، ما توجد عرضٌ لهذا، ولا يتمكَّنون مِن هذا، وفيهم مَن لا يؤمن بهذا أصلاً حتى يعرضَه، فماذا إذاً عندهم؟ ((فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)) والعياذ بالله تبارك وتعالى ((لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ)) خذ تحليل الملِك لهم كيف حلَّل: ((مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)) وأين الفوز إذاً وحقائق السعادة عند مَن؟ ((لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ)) ضيافة ونِعمَ الضيافة لكن قال لك مِن عند مَن، مِن عند الله، الآن ارفع تصوُّرَك، ما الضيافة ؟ على قَدَر المُضَيّف! ((فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم)) ((نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ)) فيا فوز المؤمنين الصادقين.
قال اللهُ عن بعضِ أهلِ الكتابِ مِن اليهود والنصارى، بعض اليهود والنصارى اهتدوا وعَلِموا الحقَّ وكان ما وصلَ إليهم مِن الآثار مِن النبيِّ موسى والنبيِّ عيسى سائقاً لهم أن يؤمنوا بالنبي محمد ((وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا)) ما صاروا مُستَعبَدين للدينار والدرهم ((أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ))، ومفاد هذه الأنباء والأخبار والحقائق كلها ما هو؟ قال خذوا الوصيةَ مِن ربِّكم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)) تُفْلِحُون ، تسعدون سعادة الأبد، تفوزون فوزاً سرمديا، لعلكم تفلحون، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)).
قبِلنا وصيةَ ربِّنا، ونسألُه أن يُعينَنا وأن يوفِّقَنا وأن يأخذَ بأيدينا وأن يلطفَ بنا وبالمسلمين في جميعِ ما تجري به المقادير، يا لطيف يا خبير يا سميع يا بصير يا عليم يا قدير يا علي يا كبير يا حي يا قيوم يا الله، اُلطف بأمَّةِ النبيِّ محمد، وارحم أمَّةَ نبيِّك محمد، واستر أمَّةَ نبيِّك محمد، واغفر لأمَّةِ نبيِّك محمد، واجمَع شملَ أمَّةِ نبيِّك محمد، واجعل الحاضرين والسامعين مِن خواصِّ خِيار أمةِ نبيِّك محمد، وفي أنفعِ الأمةِ للأمة، وفي أبركِ الأمَّةِ على الأمَّة، اجعلنا وإياهم مفاتيحَ خيرٍ ومغاليقَ شرٍّ يا حيُّ يا قيومُ يا كريمُ يا بَرْ يا خالقَنا الأكبر، يا موجِدَنا يا بارِئنا يا مَن بيدِه أمرُنا يا من إليه مرجعُنا، كما كان منه مُبتدأنا، آمنا بك وما جاء منك على مُرادك، وآمنا برسولِك وما جاء عن رسولِك على مرادِ رسولِك، فحقِّقنا بحقائقِ الإيمان وارفعنا في ذُرى علمِ اليقين وعينِ اليقين وألحِقنا بأهلِ حقِّ اليقين، يا أكرمَ الأكرمين يا الله يا الله..
اجتمعتُم عليه وتوجَّهتم إليه وتنادونَه وتدعونَه، فمِن خيرِ مجامعِ الأرض مجامعُكم، خيرُ مجامعِ الأرض مجامعُ يُباهَى بها أهلُ السماء، خيرُ مجامِع الأرض مجامعُ يطربُ لها الملأ الأعلى، خيرُ مجامعِ الأرض مجامعُ حملةُ العرشِ يرقبونَها وينظرونَ إلى مَن فيها ويعنُونَهم بدعواتِهم التي يدعونَ بها ربَّهم، فاغفر للذين تابوا، هذا مِن دعاءِ حملةِ العرشِ ومَن حولَه يُسبِّحون ويستغفرونَ للذين آمنوا ((رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)) ويكون ممَّن على ظهرِ الأرض أهل مثل هذه المجامع مِن كلِّ القلوب المُقبلةِ على اللهِ الصادقة مع اللهِ في جميعِ أقطار الأرض مِمَّن تعنيهم الملائكةُ بهذا الدعاء ((فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ)) ما السيئات؟ اسوِدادُ الوجهِ سيِّئة، استلامُ الكتابِ بالشمال سيِّئة، خِفَّةُ الميزان عند الوزنِ سيِّئة، السقوط عند المرورِ على الصراط سيئة، ((وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ)) ظهور الفضائح والقبائح سيئة، ((وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) فاجعلنا مِن أهلِ الفوزِ العظيم، يا عليُّ يا عظيمُ يا الله يا كريمُ يا رحمنُ يا رحيمُ يا الله.
أنتم تدعونَه وترجونَه وتُؤمِّلونَه في مجالسَ مِن خيرِ مجالسِ الأرض، يرقبُها حمَلةُ العرشِ ومَن حولِه، ويُباهى بها أهلُ السماء بالشواهدِ في السُّنة الكريمة والأحاديث العظيمة فإذا وجدوا قوماً يذكرون اللهَ تنادَوا هَلُمُّوا إلى طليبتكم، هَلُمُّو إلى بُغيتِكم، فيحفُّونهم بأجنحتِهم إلى السماء الدنيا، فإذا انفضَّ المجلس ناداهم ربُّهم مِن أين أتيتم؟ مِن عند عبادٍ لك يسبِّحونك، يمجِّدونك، يكبِّرونك، كلُّنا في المجلس قلنا سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر، يقول الرحمن: هل رأوني؟ يقولون: ربَّنا سبحانك ما رأوك، يقول: كيف لو رأوني؟ يقولون: ربنا لو رأوك كانوا أكثرَ لك ذكراً وأشدَّ تمجيداً وتحميدا، يقول: فما يسألونني؟ يقولون: يسألونكَ الجنة، يقول: هل رأوها؟ يقولون: سبحانَّك ربَّنا ما رأوها، كيف لو رأوها؟ يقولون: لو رأوها لكانوا أشدَّ لها طلباً وأعظمَ فيها رغبة، أنتم عندكم طلب ورغبة لكن لو رأيتموها لكنتم أشد، يقول وممَّ يستعيذون بي؟ يقولون مِن نارِك، اللهم إنا نسألكَ رضاكَ والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، يقول: هل رأوها؟ يقولون: ربنا ما رأوها، يقول: وكيف لو رأوها؟ يقولون: ربنا لو رأوها لكانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة، حتى جاء في بعض الألفاظ يقول للملائكة: لو رأوها لطارَ النوم من عيونهم، فقال: فيقول الله: أُشهِدكم يا ملائكتي أنِّي قد غفرتُ لهم، في صحيح مسلم: قالوا: وأعطيتُهم ما سألوا وأعذتُهم مما استعاذوا، قال فيقول مَلَك يارب إلا فلان، عبدٌ خطَّاء، ما جاء للذكر إنما جاء لحاجة وجلس بينهم، يقول الله: وله قد غفرتُ، هم القومُ لا يشقَى بهم جليسُهم. صَدَقَ محمد وصَدَقَ الله وصَدَقَ رسولُه وصَدَقَ رُسُله، والحمد لله على هذه النعمة، والله يُتمُّها علينا وعليكم بهِمَمٍ صادقةٍ تتوجَّهُ في إقامةِ أمره.
فترة من الفترات مرّت علينا ليست بقليلة، احتلَّوا قلوبَنا واحتلَّوا عاداتِنا واحتلّوا ديارَنا بعاداتِهم وأخلاقهم، احتلّوا قِيَمنا.. انفضوا أيديَكم مِن الكفرة والفجرة، كفاكم محمد، كفاكم هَدْيُه وما جاء به، اُعمروا به ديارَكم ومنازلَكم ومناسباتِكم وزواجاتِكم وقدوم المسافرِ منكم، وأبنِيَة دياركم ومزارعكم ومصانعكم، نَوِّروها بسُنَنه، نَوِّروها بذكر ربِّكم، ولا تُلهِكم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذِكر الله، ويكفي من تَبَعِيّة أعداء الرحمن، لعبوا علينا، رجالنا ونساءنا، هذا يُشبّههم في صورة وهذا في تمشيطة، وهذا في لباس وزِي، وذا في أغنية، وذا في آلة يستعملها، تتبع مَن، تقتدي بمَن، ألكَ عقل أم لك عقل، كُرِّمت، بني آدم وأُعطيتَ السمع والبصر وأُنزِل لك كتاب وأُرسِل لك رسول ثم تنصرف وتَتّبع هؤلاء، وتقتدي بهؤلاء! اِرجع إلى شرفك، اِرجع إلى كرامتك، اِقبل عِزَّ الله الذي أعزك به، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، الله يعزُّنا بطاعتِه ويرزقنا صدقَ الإقبال عليه، ياربَّنا اجعلها ساعةَ إجابة، واجعلِ الدعواتِ مستجابة، وكل ساحةِ قلبٍ فينا اُمطُر مِن صَيِّب الإفضالِ عليها سحابة تملؤها بالخشية والرجعة والإنابة يا الله، حتى نُدرك سرَّ المحبة وندخل مع الأحبَّة وترتفع لنا الرُّتبة يا الله، وتنجلي عنا وعن المؤمنين كلُّ كُربة يا الله يا الله يا الله.
وترون عنايةَ الله تبارك وتعالى، ربما أحسَّت بعضُ القلوب في العالمِ المسلمِ والعالمِ العربي بشيءٍ مِن التَّخويفاتِ وأمورٍ مُقبِلة وأنه ربَّما، ورُبَّما، وقد صادفَت فيضانات جاءت حتى وصلت إلى حدِّ الضررِ عند بعضِ إخوانِنا في السودان وغيرهم، الله يرفعُ الكربَ عنهم ويلطُف بهم، ولكن مُرسِل المياه هذه يقول لكم الأمر بيدي، لا تملكُه مجالسُ ولا دُوَل ولا أحزاب، أنا الذي سأسقِي وأنا الذي سأمنَع السَّقي، وأنا الذي سأُكثِّر المطر وأنا الذي سأقلِّلها، وأنا الذي سأُنبتُ الزرعَ وأنا الذي سأمنعُه، فاصدقُوا معي، ولن يضيرَكم ذا ولا ذاك، وأنا ما وكَّلتُ رزقَ دابَّة مِن دوابِّي لأحدٍ مِن الخلق، أنا تولَّيتُ وكفَلتُ رزقَ كلِّ دابة، ((وَما مِنْ دابَةٍ))، وقسَّمَ حتى أرزاقَ النمل وأرزاقَ السِّباع والوحوش وأرزاقَ الصيد وسطَ البحر، قسَّمها ورتَّبها، ((وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَم مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)) لا إله إلا الله.
فيا ربِّ ارزقنا الثِّقةَ والإيمانَ، ووسِّع أرزاقَنا، والإشارة إلى أنَّ الله يُقبِل بخيراتٍ كثيرة إلى عالمِ المسلمين وعالمِ الأعراب، ولكن ما يفوزُ به إلا مَن صَدَق مع هذا الرب، وإلا مَن ارتبطَ بحبيبِه المُقرَّب، وإلا مَن أخرجَ مِن قلبِه تمجيدَ مَن كفرَ وتمجيدَ مَن عصى العليَّ الأكبر، وعَلِمَ أنَّ الخيرَ في الدنيا والبرزخ ويومَ المحشر في طاعةِ الذي يملكُ الدنيا والبرزخ والمحشَر، الله جلَّ جلاله، قُلِ اللَّهمَّ مالِكَ المُلْك، وبيدِه ملكوتُ كلِّ شيء، قوله الحقُّ وله المُلْكُ يومَ يُنفخُ في الصُّور عالِمُ الْغَيبِ والشَّهادة وهو الحكيمُ الخبير.
اللهم اقبلَ دعاءَنا وإياهم، واقبَل توجَّهَُنا إليك، قلوبُهم تقول لك يا لله فارحَمها يا الله، أُنظر إليها يا الله وطهِّرها يا الله، وكلنا نُلِحُّ عليك ونَلُظُّ ونلجُّ ونقول يا الله.. بالقلوبِ والأرواحِ والسرائر والألسن نقول لك مؤمنين بك، متوجِّهين إليك، متذلّلين بين يديك، موقنين أنَّ الأمرَ بيدِك نقول يا الله.. لا تُسلِّط علينا الكفارَ ولا الفُجَّار ولا أعداءَك أعداءَ الدين، وانظر إلى اليمنِ والشام والشرقِ والغربِ نظرة تكشف بها الكربَ عن أمَّةِ النبيِّ محمد تجمعُ بها شملَهم وتُصلحُ بها شأنَهم يا مجيب، يا خيرَ مُستجيب يا قريب يا حيُّ يا قيومُ يا الله.
سترى نتيجةَ إلحاحِك عليه بهذهِ الكلمة ونداءَك إياه باسمِه " الله"، يا الله يا الله يا الله إن توجهتِ القلوبُ لِسواك فبِمنَّتِك وجَّهتَ قلوبَنا إليك فنحن إليكَ مُتوجِّهون نُناديك ونخاطبُك وندعوك ونقول يا الله، وأنت تسمعُنا وتُبصِرنا وتُحيطُ بنا وأعلمُ بنا منا، وأقربُ إلى أحدِنا مِن حبلِ الوريد ونقول لك يا الله أنت أعلمُ بحاجاتِنا فاقضِها، أنت أعلم بذنوبِنا منا فاغفِرها، أنت أعلم بالمصائبِ والبلايا في الدارين فاصرِفها عنا، يا الله.. نسألكَ مِن خيرِك بخيرِك الذي لا يملكُه أحدٌ غيرُك، ما أحاطَ به علمُك مِن الخيرات، ونعوذُ بك مما أحاط به عِلمُك مِن الأسواء والشرورِ والسيئات، فَقِنا السيئات في الحياةِ وعند الممات، وقِنا السيئاتِ يومئذ، يومَ العَرضِ عليك، يومَ الوقوفِ بين يديك، يوم نُعرَض لا تَخفى منّا خائفة، يوم يُنصَب الميزان، يوم يوضع الصراط، يوم يُتِمُّ العرض عليك، يوم تُنشر الصحائف والكتب، قِنا السيئات، قِنا السيئات، قِنا السيئات، ((وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))، فاجعلنا مِن أهلِ الفوزِ العظيم يا عظيم، يا مولانا يا كريم يا الله، اقبلها منا ومنهم، وأثبِتها في صحائفِنا واجعَلها تقابلُنا عند الغرغرة، اجعل نورَها يقابلُنا عند الوضعِ في القبور وعندَ الحَشر والنشور، وعند القيامِ على الميزان، وعندَ المرورِ على الصراط يا الله، أنت عُدّتُنا لكلِّ ذلك، وفي ساعةِ العرض عليك إذا ظهرَ اسمُ كلٍّ منّا ونودِيَ (لِيَقم فلان ابن فلان للعرضِ على الله)، يا الله أنت عُدَتُنا لتلكَ الساعة وذلكَ الموقفِ العظيم يا الله، فاجمَعنا في جناتِ النعيم، وثبِّتنا على الصراطِ المستقيم، واختِم لنا بالحُسنى وأنتَ راضٍ عنا يا خيرَ مُجيب وأكرمَ مُستجيب بوجاهةِ صاحبِ الجاه الرَّحيب عبدِك المصطفَى محمد وأهل حضرتِه يا أكرمَ الأكرمين، والحمدُ لله رب العالمين.
للاستماع إلى المحاضرة: