11-2020
07

خطبة مكتوبة بعنوان: ميزان وحقيقة القوة والعزة والذل والضعف

خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان، بعيديد، مدينة تريم، 15 صفر الخير 1442هـ بعنوان:

ميزان وحقيقة القوة والعزة والذل والضعف

الخطبة الأولى

الحمد لله القويِّ الخالق المُبدئ المُعيد، وأشهد أن لَّا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، الملك الحقُّ الحكيم المُبدئ المُعيدُ الفعَّالُ لما يريدُ العزيزُ الحميد، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعيننا ونورَ قلوبَنا محمداً عبدهُ ورسولُه، ونبيُّهُ وصفيُّهُ وحبيبهُ وخليلهُ إمامُ أهلِ حقيقةِ التوحيد، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدِك المجتبى المصطفى المختار سيِّدِنا محمدٍ وعلى آلِه المطهَّرين وأصحابهِ الغرِّ الميامين، وعلى مَن تبعهم بالصدقِ والإخلاصِ واليقين، وعلى آبائهِ وإخوانهِ من الأنبياءِ والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى ملائكتِك المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتِكَ يا أرحم الراحمين.

 أما بعد عبادَ الله؛ فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، فاتّقوا اللهَ عبادَ الله وأحسِنوا يرحمْكم الله، {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، واعلموا أنَّ مَن اتّقى الله عاش قوياً وسار في بلاد الله آمنا.

 ومن ضيَّع التقوى وأهمل أمْرها ** تغشَّتهُ في العقبى فنونُ الندامةِ

 ألا وإنَّ من أعظم الواجباتِ على المؤمنِ أن يتميَّزَ في فِكرهِ ونظرهِ حقائقُ العزَّةِ والذلِّة وحقائق القوَّة والضعف، وأن يعلمَ ما الذي يجب أن يتصوَّره، ثم ما الذي ينبغي أن يفكِّرَ فيه ثم ما الذي يجبُ أن يسلكَهُ وأن يعملَ بهِ في جانبِ طلبِ العزَّةِ والقوَّة والهَربِ من الذلَّةِ والضعف.

 أيها المؤمنون بالله: وهما وصفانِ في القوّة والعزَّة، ووصفان في الذلَّة والضعف، تسري في الخلائق مسرىً صوريّاً ومسرىً حقيقيّاً، والحقيقةُ تقتضي أنَّ الذلَّةَ والضعفَ ملازمٌ للعباد أينما كانوا ويُسْتعار لهم اسم القوةِ كما يُعْطَون وصف العزة بما يَطرأ عليهم وبما يُؤْتَون ويُعْطونَ، فإنَّ العزَّةَ لله جميعا {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}

 فسبحانَ العزيزِ القويِّ، يهدي من يشاءُ إلى المنهجِ القويمِ والصِّراطِ السويِّ، ويُضِلُّ مَن يشاء، ألا وإنّه لِصُورِ العزِّ وصورِ القوة، لُعِبَ بكثيرٍ من الأفكار ولم تستقِم كثيرٌ مِن التصوُّرات عند الخلائقِ على ظهر هذه الأرض، فاعتزَّ مَن اعتزَّ منهم بالباطل، واعتزَّ مَن اعتزَّ منهم بالإثمِ، واعتزَّ مَن اعتزَّ منهم بصورة القوة التي أوتيها وهو في الحقيقة ضعيف {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا}

فكان أصل الخِلْقة والتكوين مِن ضَعفٍ ثم يؤتَى مظهراً مِن مظاهر القوّة أو صورة مِن صُورِها مجازي، فيما قال جلَّ جلاله:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} (الروم:٥٤)

وكلُّ مَن وُصِفَ بالقوَّةِ مِن الخلائق فهو في شيءٍ طارئٍ عليه ليس الأصل وليس الحقُّ والحقيقة ولكنَّها إضافةٌ أُوتِيها، إمَّا أن تكونَ مِن قِبَل القوةِ الصورية فقط، وإما أن تتَّصلَ بحقيقةٍ يديمُ اللهُ لأصحابِها آثارَ تلك القوة وخيرَ تلك القوة وثمرةَ تلك القوة، وذلك لا يكونُ إلا في قوةِ الإيمانِ واليقينِ فحسب، وما سواهما وما لم يتفرَّع عنهما فمَهما سمِّي بقوة فالاسمُ المعطَى إياه مجازيٌ، والقوة التي أُعطيَها صوريَّة تنقطع وتنتهي وتضمحلُّ وتتلاشَى وتفنَى وتذهبُ، ولا يبقى له منها شيء.

 أيها المؤمنون بالله: ما كانَ مِن قوةِ الأجسادِ كما أشارتِ الآيةُ الكريمة، والحقُّ حتى في عالم الحسِّ جعلَ المظهرَ الأولَ لجسدِ الإنسانِ الضعفَ مِن بدايةِ التكوين؛ من نُطفة، وأيَّ قوةٍ في النُطفة؟ ثم في العَلقَة ثم في المُضغة.. أي قوةٍ في ذلك؟ ثم تُخْلق المُضغةُ لحماً ثم تُكْسَى العظامُ لحماً ثم تخرجُ في مظهرِ الضعفِ، لا سنٌّ يقطع ولا يدٌ تبْطِش ولا رجلٌ تمشي.

هكذا كان كلُّ إنسان، فهل أحدٌ من مُدِّعي القوة بأيِّ صورةٍ مِن صُوَرِها في العالمِ لم يكن كذلك؛ مَن هو؟ وأي أحد هو؟ عربي أو عجمي؟ في شرقِ الأرضِ أو غربِها؟ كلُّهم كانوا نُطَفاً وكلُّهم خُلِقوا ضِعافاً خرجوا مِن بطونِ أمهاتِهم، لا أيدي تبطش ولا أرجل تمشي ولا سنٌ يَقطع ولكنَّهم ضِعافٌ تحت رحمةِ الآباء والأمهات يغذُّونهم ويقوُّونهم، فما اكتسبوا بعد ذلك مِن قوةٍ فهي طارئةٌ ليست أصلاً لهم ولا حقَّاً مِن حقوقِهم ولكنَّها اختبار به يُخْتبرون، قوة في بصر أو في سمع أو في شيءٍ مِن قوى الجسد أو في ما يتفرعُ عنها، ومما اغترَّ به الأممُ من قبل فلم يبقَ لهم ولم يبقوا هم، قال سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}(فصلت: ١٥)

  فماذا عَمِلَت بهم قوَّتُهم {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ} (فصلت: ١٦) فذهبوا ولم تبقَ لهم قُوَّة تَقِيهم مِن غضبِ الله سبحانه وسخطِه وشدَّةِ عذابِه، فسبحان القويِّ المتينِ جل جلاله، لا قوةَ أمامَه لأفرادٍ ولا لمجموعاتٍ ولا لشعوب ولا لِدُول، ثُم كلُّ المظاهرِ في قوةِ الإدراك أو الفهمِ أو العقل تضمحلُّ وتَتلاشَى إلا ما اكْتُسِب بهِ إيمان وما اكتُسِبَ به يقين، وما يتفرَّعُ عن الإيمانِ واليقينِ مِن الأعمالِ التي تكون القوةُ فيها إحسانها وإتقانها وأداؤها فذلك يبقى خيرُه وتبقى ثمرتُه الطيِّبة أبداً سرمداً، فنعمَ القوَّةُ المَجَازية، القوة التي أعانَتكَ على دوامِ حُسنِ الثواب وعلى دوامِ حُسنِ المآب وعلى دوام لذيذِ وجميلِ الثمرة، قوَّةُ الإيمانِ واليقينِ قوَّة الصدق مع القويِّ المتين، قوةِ الاتباع للنبيِّ الأمين، قوة الإمتثالِ لأمرِ الله والانتهاءِ عن نَهيهِ، هذه القوةُ العاليةُ العظيمة الشريفةُ التي آثارُها باقية، وخيراتُها دائمة، وما سِوى ذلك فهي قوى صورية لا تفيدُ أصحابَها شيء.

 

 ومِن هنا نعرفُ معنى قولِ نبيِّنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: [المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِن المؤمنِ الضعيف، وفي كُلٍّ خير]، أترى أنه قصدَ بالمؤمنِ القويِّ قويَّ الجسد؟! أو قويَّ الحركة في الحياة؟! أو قصدَ قويَّ الإيمان؟ المؤمنُ القويُّ في إيمانِه خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِن المؤمنِ الضعيف، فإذا أوتي صورةً مِن صورِ القوى أو مِن القوى الصوريَّة فبِقوةِ إيمانِه يُحسنُ التصرَّفَ فيها ويُحسنُ القيامَ بحقِّها ويُحسن صرفَها في مرضاةِ ربه جلَّ جلاله، فحينئذٍ تكون تلك القوة وكيفيَّة استعمالها ثمرةً مِن ثمرةِ قوة الإيمان، ثمرةً مِن ثمرةِ قوّةِ اليقين، وما نزلَ مِن السماءِ إلى الأرض أشرف مِن اليقين، فهل لك نصيبٌ منه أيها المؤمنُ في كلِّ يومٍ وفي كلِّ ليلة؟  قابلَكَ عامٌ هجريٌّ جديدٌ ومضَى الشهرُ الأولُ كاملا والنصفُ الثاني مِن الشهر الثاني، أكنْتَ تزداد إيماناً في كل يومٍ أم لا؟ فإن لم تكن تزدادُ فأنت الذي يُبْكَى عليك في ضياع العمر، وأنت الذي غُبِنْتَ في حالِك وفي عمرِك، فما المهمةُ الكبرى مِن هذا العمر إلا أن تزدادَ به إيماناً ويقوَى به يقينُك، بما أنزلَ الله وبما أرسلَ الله، بالله وملائكته وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخِر وبالقَدَرِ خيرِه وشرِّه مِن الله تبارك وتعالى.

وصاحبُ القوة اليقينيَّة الإيمانيَّة يُمَدُّ في العالَمِ الدنياوي بقوةٍ معنويَّة غيبيَّة لا تستطيعُ أحداثُ الحياةِ ومشاكلُها وآفاتُها وأمراضُها وأسقامُها أن تُضعِف عزمَه ولا أن تُدخِلَ عليه الحزنَ ولا أن تدخلَ عليه التَّضَعضُعَ ولا أن تُدخِلَ عليه الجزعَ ولا أن تُدخِلَ عليه اليأس، ولا تستطيعُ مُتعُ الدُنيا وخيراتُها ومظاهرُها وبهرجتُها أن تُدْخِلَ عليه غطرسةً ولا كِبراً ولا عُجُباً ولا أن يبطُرَ ولا أن يغترَّ لقوةِ إيمانِه وقوةِ يقينِه، فهو يقوَى على التعاملِ مع الأحداثِ بنورانيَّةِ الإيمانِ واليقينِ حتى لا يطغَى إذا استغنى ولا يجزَع إذا افتقرَ ولا يصيرَ جزوعاً ولا منوعاً {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (المعارج: ١٩ – ٢١)، إلا مَن عنده قوةُ إيمان، مظهرُها عملٌ صالح، قال ربُّكم تعالى: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) } (سورة المعارج)

فأهلُ هذه الأوصافِ لا يجزَعون ولا يَمنعون، لا يجزعون إذا مسَّهم الضرُّ، ولا يمنعون إذا أصابَتهم السرَّاء وجاءتهم الخيرات {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا}

اكتسبوا مِن قوةِ الإيمانِ واليقينِ ما أحسنُوا التعاملَ به مع الأحداث، قال جل جلاله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: ١٧٣)

فلَم يكنِ التخويفُ ولم يكنِ الإرجافُ ولم يكنِ الإرهابُ مِن الكفار بمُضْعفٍ لهم ولا بِمُضَعضعٍ لهم ولا بمُزَعزعٍ عزائمَهم ووجهاتِهم ونيَّاتِهم عليهم رضوان الله، بسببِ قوةِ إيمانِهم {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}

وفي هذه المواجهات، قصَّ اللهُ تبارك وتعالى علينا أنَّ ملأً من بني إسرائيل قالوا لنبيٍ ابعُث لنا ملكاً نقاتِل في سبيل الله، أفَقنا مِن غفلتِنا واشتِغالِنا بالدنيا وتَهوينِنا وتَقصيرِنا في القيامِ بأمرِ الله تعالى والآن عزَمنا أن نرجعَ وأن نقوم، فاجعل لنا ملكاً نقومُ بنصرةِ الله ونهتدي إلى ما كان عليه آباؤنا في تبعيَّة الأنبياء مِن قبلِك { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ}

وأخذَ عليهم التنبيهَ أن يكونوا على قوةِ الإيمانِ واليقينِ للقيامِ بهذه المهامِّ التي لا يقومُ بها إلا الأقوياءُ مِن المؤمنين {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} بِعَبَثِ الكفارِ المفسدين المعتدين، اعتدَوا عليهم وأخرَجوهم وفرَّقوا بينهم { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ } (البقرة: ٢٤٦) هم الأقوياء في الإيمان والقليل الذين هم أقوياء في الإيمان، اُختُبِروا فلم يكُن أقوى الأقوياء إلا قليل مِن هذا القليل {قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا}

فجاءت فلسفاتُ الناسِ التي تعترضُ دواماً أمامَ الأوامرِ الربانيَّة وأمامَ الواجباتِ الدينيَّة، يقولون كيف هذا؟ وكيف هذا؟ فلما بَعثَ اللهُ لهم طالوت: {قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا} كيف يكون هذا ملكاً؟ وأنتم تقولون ابعث لنا ملكاً نقاتل! والآن لما عُيِّن وبُعِث قلتم: {أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ}؟! هذه موازينُكم وأنظارُكم ولكن لله حِكمة فيما يُرتِّب ويُدبِّر، فقال لهم نبيُّهم: {قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: ٢٤٧) وأعطاهم الآية برجوعِ التابوت الذي فقدُوه في الحروب وفيهِ البقيَّة مما تركَ آلُ موسى وآلُ هارونَ وهذه أيضاً قوَّةٌ معنويَّة، فيه بقيَّةُ رَضاضٍ مِن الألواح وعمامةٌ وقميصٌ وعصا لسيدِنا موسى ونعلان، بعضُ هذهِ الأمتعةِ لهارون، وبعضها لموسى بن عمران عليهما السلام {وقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ} (البقرة: ٢٤٨)

فخرج طالوتُ بأولئكَ فلمَّا مَضَوا اشتدَّ عليهم العطشُ، ثمَّ أقام الحقُّ سبحانه ميزانَ القوةِ بين هؤلاء الأقوياءِ وقال لهم {قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ} فنَردُ على النهرِ، وأنتم كلكم عطشَى شديدوا العطشِ فلا يشرَب أحدٌ مِن النهر إلا غرفةً واحدةً لمَنِ اغتَرف.

 قال سبحانه وتعالى {فلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ} مختبرُكم بنهر، {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ} فكان القليلُ هم الأقوياء، قال اللهُ بهم وحدَهم اخرج إلى الجهادِ في سبيلي واتركِ الباقين كلَّهم، وهذه كثرةٌ تقوِّي الجيش؟ فَردَّهم وبقي ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر أو خمسة عشر مِن الذين جاوزوا معه النهر وقابلَ بهم القوم، فخرجَ بهم.

يقول الله سبحانه وتعالى في ذكرِ هذه القصة {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} قال أقوِياؤهم: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ} أي يوقنون، أهل قوةِ اليقين { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} {لَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة: ٢٤٩ – ٢٥١)

 اللهم تفضَّل علينا بقوةِ الإيمانِ واليقين وألحِقنا بعبادِك الصالحين، وأصلِح شؤونَنا بما أصلحتَ به شؤونَ الصالحين، واختِم لنا بالحسنى واليقين وأنت راضٍ عنَّا، يا أكرمَ الأكرمين يا قويُّ يا متين.

والله يقولُ وقولُه الحقُّ المبين {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

وقال تبارك وتعالى {فإذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}

أعوذ بالله من الشيطان الرّجِيم {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَاب * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}

{وكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}

{أفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم}

{يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}

  باركَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيهِ مِن الآياتِ والذكرِ الحكيم، وثَبَّتنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا من خِزْيهِ وعذابهِ الأليم، أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ القويِّ المَتينِ الغالب، وأشهد أن لَّا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له يُعِزُّ مَن أطاعَه بعزَّة الحاضرِ والمآب، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبنا أقوى الخلائق محبةً لله ومحبةً مِن الله عبدُ الله ورسولُه، ونبيُّه وحبيبُه وصفيُّه وخليلُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على رسولِك الذي أعززتَه فلا أعزَّ منه في الأرضِ ولا في السماء، وعلى مَن أعززتَهم بذلك العزِّ مِن الأنبياءِ والملائكةِ والمؤمنين، وخُصَّ أصحابَه وآلَه الطاهرين وتابعيهم بإحسانٍ وأصحابِ وأتباعِ الأنبياءِ وملائكتِكَ المقرَّبين وعبادِك الصالحين أجمعين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

أما بعد عبادَ الله: فإنِّي أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله؛ فاتَّقوا اللهَ واطلبوا القوةَ بالعملِ الصالحِ وتنميةِ الإيمانِ واليقين، واطلبوا العزَّةَ بتذلُّلِكم لربِّ العالمين، وخضوعِكم وانكساركِم مِن أجله، فإنه ما أعزَّتِ العبادَ أنفسَها بمثلِ طاعةِ الله، ولا أهانت أنفسَها بمثلِ معصيةِ الله.

يا مَن أرادَ العزةَ باستعمالِ الآلاتِ المحرَّمة أو الراحة، استعجلتَ لنفسك التعب والبلاء في الدنيا قبل الآخرة، فنتيجةُ استعمالِ الآلاتِ المحرَّمة في زواجٍ أو غيرهُ ضيقٌ في الصدر، وشتاتٌ في الأمر، وسوءُ عاقبةٍ تُصيبَكَ وأسرتَك ومَن أعانكَ على ذلك، ثم المخاطبةُ في الدارِ الآخرة، يا مَن طلبَ العزةَ بالثيابِ والصورِ أو استعمالِ موضاتِ مَن كفر، اغتررْتَ وخدعْتَ نفسَك وغرَّك إبليسُك، إنك تكتسبُ الذلَّ في الدنيا بالتبعيَّة للساقطين الفُسَّاق، وتكتسبُ الذلَّة في العُقبى والآخرةِ باسودادِ الوجهِ أمامَ الخلاق جل جلاله، وأن تُحشرَ مع مَن تشبَّهتَ بهم فلا مع النبيِّ تحشر ولا مع الصدِّيقين المقرَّبين، ولكن مع الذين اشتغلتَ بمُوضتِهم ومشابهتِهم، أنت وأولادُك وأسرتُك، فلتُحشَروا معهم، والعياذ بالله وذلك الخِزيُ العظيم.

أيها المؤمن بالله: لا تُطلبُ العزَّةُ بالسلطاتِ ولا تُطلبُ العزَّةُ بالمظاهرِ والجاهات، فكلُّها صُوريَّة لا حقيقةَ تحتَها، ومآلُها شديد، قال صلى الله عليه وسلم: إنكم ستَحرصون على الإمارةِ، وإنها ستكونُ ندامةً يومَ القيامة. يا مَن طلبَ العزَّة بالأغنياتِ والكلامِ الماجنِ والخليعِ والسِّيء، والحركاتِ الغيرِ لائقة بالمؤمن والغير قائمة على مروءة.. غششتَ نفسَك وخدعتَها، ليس في ما عملتَ ولا مِلتَ إليه إلا ذلَّةٌ ومهانةٌ في الدنيا قبلَ الآخرة {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} (الأعراف: ١٥٢)

اطلبوا العِزَّة باتباعِ سنَّةِ محمد، وخُذِ اللَّهوَ المباح بشريعةِ النبي محمد، {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} اصدُقوا مع الله، واطلبوا العزةَ بالإيمانِ واليقينِ وطاعةِ الله {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} سبحانَ العزيزِ القوي.. وما حظُّك أيُّها المخلوق إلا حقيقة في العزة بالذلة وحقيقة في القوة بالإيمان واليقين، وما عدا ذلك ليس لك منه إلا صورٌ ما أسرعَ ما تنهدُّ وتنهدمُ وتذهبُ وتتلاشَى وتضمَحل، ووراءَها الجزاءُ السيِّءُ الذي لا يُطيقُه الناس.

أيها المؤمنون باللهِ ربِّكم القويِّ العزيزِ جل جلاله ولا عزَّةَ إلا بطاعتِه والتذلُّل بين يديهِ والخضوعِ لجلالِه، وكلُّ مَن تذلَّلَ للهِ أعزَّه الله، وكلُّ مَن تكبَّر على أمرِ اللهِ أهانَه الله، ومَن تواضعَ رفعَه الله، ومَن تكبَّرَ وضعَه الله، فاصدُقوا مع اللهِ واطلبوا قوةَ الإيمان، واعملوا على الاعتزازِ بطاعةِ الرحمن، ففيها الشرفُ في الدنيا والآخرة والعذابُ المُهين لمَن اغترَّ بالحياة الدنيا، كما قال ربُّكم جلَّ جلاله وتعالى في علاه في هؤلاءِ الذين كفروا وغرَّتهُم الحياةُ الدنيا {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} (الأنعام: ٩٣)

فلهم عذاب الهُون والمهانَةُ الدائمة والعذابُ المهين، أجارنا اللهُ مِن خزيهِ وعذابهِ الأليم.

 أكثِرُوا الصلاةَ والسلامَ على أعزِّ خلقِ الله وأقوى خلقِ الله إيماناً ومحبةً وقُرْباً مِن الرحمن ومعرفةً به، نبيكم المصطفى محمد، فإنَّ أولاكم به يومَ القيامة أكثرُكم عليه صلاة، ومن صلَّى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشراً.

 فإنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأ به بنفسِه، وثنَّى بملائكتِه وأيَّهَ بالمؤمنين، فقال مخبراً وآمراً لهم تكريما {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (الأحزاب: ٥٦)

اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمةِ المهداة السراجِ المنيرِ عبدِكَ المصطفى سيدِنا محمد، وعلى الخليفةِ مِن بعدِه المختار وصاحبهِ وأنيسهِ بالغار، مُؤازرِ رسولِك في حالِ السِّعةِ والضيق، خليفةِ رسولِ الله سيدِنا أبي بكر الصديق، وعلى الناطقِ بالصواب حليفِ المحراب أميرِ المؤمنين سيدِنا عمر بن الخطاب، وعلى مُحيِي الليالِي بتلاوةِ القرآن، مَنِ استَحْيتْ منه ملائكةُ الرحمن ذي النورين سيدِنا عثمان بن عفان، وعلى أخِ النبيِّ المصطفى وابنِ عمِّهِ ووليِّهِ وبابِ مدينةِ علمهِ، إمام أهل المشارقِ والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب، وعلى الحسن والحسين سيدي شبابِ أهلِ الجنةِ في الجنة، وريحانتَي نبيِّك بنصِّ السُنَّة، وعلى أمِّهِما الحوراءِ فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى خديجةَ الكبرى وعائشةَ الرضا وعلى الحمزةَ والعباس وسائرِ أهلِ بيتِ نبيِّكَ الذين طهَّرتَهم من الدَّنَس والأرجاس، وعلى أهلِ بدرٍ وأهلِ أحدٍ وأهلِ بيعةِ الرضوان، وعلى سائرِ أصحابِ نبيِّكَ الكريم، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلامَ وانصُرِ المسلمين، اللهم أذلَّ الشركَ والمشركين، اللهم أعلِ كلمةَ المؤمنين، اللهم دمِّر أعداءَ الدين، اللهم قوِّ لنا إيمانَنا وقوِّ لنا يقينَنا وارزقنا التمكينَ في علمِ اليقينِ وعينِ اليقين، وألحِقنا بأهلِ حقِّ اليقين يا أكرمَ الأكرمين، وأعزَّنا بطاعتِك ولا تُذلَّنا بمعصيتِك وأدخِلنا في خواصِّ أهلِ الإيمانِ الذين أعززتَهم بعزَّتك وبعزَّةِ رسولك، وقلت: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }

يا مَن له العزَّةُ جميعاً لا يَذِلُّ مَن واليْتَ وأعززْتَ، ولا يُعزُّ مَن عادَيْتَ وأذلَلتَ، لا إلهَ إلا أنت من يُهنِ اللهُ فما له مِن مُكْرِم، فيا مَن يفعلُ ما يشاءُ ولا مُكْرِم لمَن أهان ولا مُهينُ لمن أكْرمَ، أكْرِمنا ولا تُهِنَّا وأعزَّنا ولا تُذلَّنا، وحقِّقنا بحقائقِ الإيمانِ والإخلاصِ في الطاعةِ وأدائها على الوجهِ المحبوب، اللهم وأعِذنا مِن تبعيَّة كلِّ مبعودٍ ومحجوب، وتولَّنا بما تولَّيتَ به مَن صفَّيتَ لهم البواطنَ والقلوب.

يا مقلِّبَ القلوبِ والأبصارِ ثبِّت قلوبَنا على دينِك، يا مُصرِّفَ القلوبِ والأبصار صرِّفْ قلوبَنا على طاعتِك، اللهم اصرِفنا مِن جُمعتِنا هذه بقلوبٍ عليك مُقبِلَة، ولِمَا عندكَ طالبة، ولِعزَّتِكَ مُتذلِّلَة، ومِن عذابِكَ خائفة، ولثَوابِكَ راجية وطامعة، اللهم حقِّقنا بحقائقِ الإيمان وقَوِّنا فيه، وارزقنا الارتقاءَ في مراقِيه واجعلنا عندكَ مِن خواصِّ أهليه، يا أرحمَ الراحمين أعزَّنا بطاعتِك وحقِّقنا بحقائقِ الصدقِ معك وأقبِلْ بوجهِكَ الكريمِ علينا، وفرِّج كروبَ أمةِ النبيِّ محمدٍ وادفعِ البلايا والآفاتِ عنهم، وسُلْطةِ الأعداءِ التي تجعلُ قوَّتَها مِن معصيةِ المؤمنين.

 اللهم فرُدَّ المؤمنين إلى الطاعة فيذلَّ لهم الكافرون والفاسقون والمُجرمون، ورُدَّ كيدَ الفسَّاق والمجرمين والكافرين عنا وعن أهلِ لا إلهَ إلا الله أجمعين برحمتِك يا أرحمَ الراحمين، واغفِر لنا وآبائنا وأمهاتِنا وذوي الحقوقِ علينا والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياءِ منهم والأموات يا مجيبَ الدعوات يا قاضيَ الحاجات يا ربَّ العالمين.

عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاث ونهى عن ثلاث:

 إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُربى، وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغيِ يعظُكم لعلَّكم تذكَّرون.

 فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُركُم واشكروه على نعمِه يَزِدكُم، ولذكرُ اللهِ أكبر.

للاستماع إلى الخطبة