محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، في دار المصطفى بتريم، ليلة الجمعة 2 جمادى الآخرة 1442هـ بعنوان:
عظمة الإله الحق وسمو المؤمنين بأسرار صلتهم واستنادهم إليه
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم
الحمدُ لله الحيِّ القيومِ الذي بيدِه الأمرُّ كلُّه، وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه، وله سبحانه وتعالى بثُّ عناياتٍ ورعاياتٍ ورحماتٍ في البريَّة، وَفَّر منها حظَّ الأمةِ المحمدية إذ قد اصطفَى واجتبى واختارَ عبدَه وحبيبَه ونبيَّه، وأكرمَ خلقِه عليه صفيَّه ونجيَّه، أدِم اللهم منك الصلواتِ على هذا العبدِ الكريم عنا وعن والدينا وأهلينا وأحبابنا وعن المؤمنين والمؤمنات في زمنِنا ومَن مضى ومَن يأتي إلى يوم الميقات، عددَ ما علمتَ وزِنةَ ما علمتَ وملءَ ما علمتَ، وعلى آلِه وأصحابه خِيار هذه الأمة وأفاضلِها وعلى مَن والاهم فيكَ وتابعَهم بإحسانٍ يوالي نبيَّكَ ويُواليك الى يومِ الوقوفِ بين يديك، وعلى آبائه وإخوانِه مِن أنبيائك ورسلِك؛ صفوتِك مِن هؤلاء الخلائق الذين بعثتَهم الى الخلق لإنقاذِهم مِن الآفات والعاهات والبوائق، وعلى آلِهم وصحبِهم وأتباعهم، وعلى ملائكتِك المقرَّبين وعلى جميعِ عبادك الصالحين، وعلينا وأهل مَجمعِنا ومَن يسمَعنا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين وجودِك يا أجود الأجودين.
والحمد لله الذي أبقَى في هذه الأمة التَّوجَّهَ إليه، ووِجهات التذلُّل بين يديه، ووِجهات طلبِ ما عنده، ووِجهاتِ الإصغاء والاستماعِ الى خِطابِه ووَحْيهِ وتنزيلِه وبلاغِ عبدِه ورسولِه صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلم، كما وعد وجعل لها مآلاتٍ في الحياةِ الدنيا أن يُحفظَ فيها سرُّ عظمةِ هذا الشَّرع والدِّين المَصون ( هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ) وجعل في مآلاتِها في الأولى في الحياة الأولى في الحياة الدنيا قبل الآخرةِ صلاتٍ بما وعدَ به خير البريّات مِن ظهورِ خلافتِه في آخرِ الزمان، واستعدادات قلوبٍ لنصرةِ عيسى بن مريم النّاصرِ لمحمَّدِ بن عبد الله، وشريعتِه ومنهاجِه الذي جاء به مِن عندِ الله في آخرِ الزمان "وليجدنَّ ابنُ مريمَ في أمَّتي قوماً مثل حواريِّيه" صلوات الله على نبيِّنا المصطفى والنَّبي عيسى وجميع الأنبياء والمرسلين، حتى يعُمَّ في زمنٍ منَ الأزمان ظهورَ هذا الدِّين في كلِّ بيتٍ يوجد على ظهرِ الأرض شرقِها وغربِها، فلا يخلو بيتٌ مِن وجودِ مَن يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكنَّه بحكمتِه جعل الأسبابَ لقيامِ ذلك ولظهورِ هذا المرادِ في الخلائق مُرادٍ في قلوبٍ تصدقُ معه، وتبذلُ مِن أجله، وتؤثرُه سبحانه وتعالى على ما سواه، وتحبُّه بعد أن أحبَّها هو جلَّ جلاله وتعالى في علاه، فَضَحَّت وبَذلَت وصَدقَت.
كان رأسُهم وإمامُهم خاتمَ الرسالة القائل: " ولقد أوذيتُ في اللهِ ما لم يُؤذَ أحد، ولقد أُخِفت في الله ما لم يُخَف أحد" ونحن الفداءُ لبطنٍ عُصِب عليهِ الحجرُ من الجوع، ونحن الفداء لدموعٍ خرجت مِن عينِ سيدِ أهل الخشوع صلوات الله وسلامه عليه، وبكيات بكاها للربِّ يسألُ فيها ربَّه لأمَّته ولحالِ أمَّته ولشؤونِ أمته، وما بقيَت هذه الاجتماعاتُ بما فيها مِن انتفاعاتٍ إلا مِن أسرارِ هذه التّوجُّهات والدعوات، وأسرار هذه الإرادات الربّانيات في قلبِ محمدٍ خيرِ البريات، خيرِ مَن توجَّه وأعظم مَن دَعا وسأل، فكم بكَى مِن أجل أُمَّته في لياليه! وبشَّرهُ إلهُه وباريه؛ أنه سيُرضيهِ في أمَّته ولا يسوؤه فيهم، اللهم لك الحمد شكرا، ولك المن فضلاً واجعل مرادَك فينا وفيما يَجري لنا ويَجري على أيدينا رضاهُ صلى الله عليه وسلم، اجعَلنا ممَّن تُرضيه بهم، ممَّن تجعل رضاه فيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين. "إنا سنُرضيكَ في أمَّتك"، وفي كلِّ زمن يختارُ اللهُ من الأمةِ مَن يُرضي نبيَّه فيهم، ويرضي نبيَّه بهم ويقرُّ عينَه بهم,، فالله يُدخلنا فيهم.
وما شيء على ظهرِ الارض انتخابات أشرف من هذه.. لا تصدق ! لا انتخابات أمريكا ولا روسيا والله العظيم! ولا الصغار ولا الكبار، هذه انتخاباتٌ ينتخبُ اللهُ فيها مَن يشاء فيدخلُهم في مَن يُرضِي بهم سيدَ أهلِ الارض والسماء، فلهم الراياتُ ولهم المراتبُ الرفيعاتُ ولهم الألوِيةُ في يوم الميقات، ولهم الدرجاتُ العُلى في الجنات، فأي انتخاباتٍ مثل انتخاباتِهم!؟ فالله يجعلنا ممن ينتخبُهم لهذا العطاءِ ولهذا الإفضالِ الأكبر يا كريم يا برُّ يا الله.. يا الله.. يا الله.
ونسترحمُك لقلوبٍ لوَت، وانصرفَت، فانحرفَت عن ندائك ونداءِ رسولِك، فاستحسنَت باطلاً واستحسنَت سوءاً، واستحسنَت شرًّا واستحسنَت فسادًا، واستحسنت عنادًا واستحسنت جحودًا، واستحسنَت تبعيَّةَ الفسَّاق والفجار، وانصرفَت عن تبعيَّة الأنبياء والمختار وانصرفَت عن الأخيار، اللهم ارحم هذه القلوبَ ورُدَّها إليك مردًّا جميلاً، إنَّ عدوَّك ووُكلاءَه مِن الإنسِ والجنِّ يريدونَهم مَدخلاً لتَفتيتِ هذا الدِّين وتشتيتِ شملِ أهلِه، ولإفسادِهم في قِيَمهم ومسارِهم وأخلاقِهم، اللهم فبإرادتِك الغالبةِ حوِّل الأحوالَ الى أحسنِها ورُدَّ القلوبَ إليك يا مقلِّبَ القلوبِ والابصارِ يا الله.. يا الله.
نستغيثُك يا مغيث.. ولا مُغيث سواك.. فعجِّل بالغياثِ الحثيث، واكفنا شرَّ كلِّ عدوٍّ وخبيث، يا الله.. يا الله.
يا سريعَ الغوثِ غوثاً منك يدركنا سريعاً ** يهزمُ العسرَ ويأتي بالذي نرجو جميعاً
يا قريباً يا مجيباً يا عليماً يا سميعاً ** قد تحقَّقنا بعجزٍ وخضوعٍ وانكسارِ
قد كفاني علمُ ربِّي من سؤالي واختياري
فإليه نُوجِّهُ آمالَنا وهو الذي تتوجَّه إليه الآمالُ فتعودُ ظافرة، وعلى باب عِزَّتِهِ تُحطُّ الرِّحالُ فتغشاها منه الفيوضاتُ الغامرة، مُتوسِّلين بأشرفِ الوسائل، جامعِ الفضائل، خاتِم الرسائل، سيِّد الأواخر والأوائل، محمد المحمود، صاحبِ الحوض المورود واللواءِ المعقود، يا رب فليُظلنا لواؤه وجميع الحاضرين والسامعين، يا ربِّ ومَن في ديارِهم، ومَن في جوارِهم، وقراباتِهم ومَن في أصلابِهم، ليُظلَّنا هذا اللواء المعقود لزينِ الوجود في اليوم الموعود، يا برُّ يا ودود يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا خيرَ مَن يُدعى يا أكرمَ من يُرجى، يا مَن هو الملجأ يا مَن إليه المشتكَى، يا مَن لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، يا الله.. يا الله.
بَدِّلِ الأخبارَ التي تُحزِن قلوبَ صالحِي زمانِنا فيحزن لها قلوبُ الماضين إلى القلبِ الأطهرِ الأشرف، بَدِّلها بأخبارٍ تُسرُّ القلوبَ يا الله.. أخبار الانحطاط في هِممِ النّاس وفي قِيَم النّاس، وفي وِجهاتِ النّاس مِن المسلمين بَدِّلها الى ارتقاء واعتلاء وارتفاع، بحسنِ الاتباع يا الله.. يا الله.. يا الله.
ذَكِّر الغافلين، عَلِّم الجاهلين، أرشد الضالين، تُب على العاصِين، اِقبل التوبةَ مِن التائبين، يا رب ونحن وأهل المجمع ومَن يسمع نتوبُ إليكَ مِن جميع ما كان منّا فَتُب يا خيرَ التَّوابين توبة نصوحا، ونستغفرك، والتَّوبة إليك عنَّا وعن أهلينا وأولادنا وطلابنا وأحبابنا وأصحابنا ومَن في ديارِنا ومَن والانا فيك، وعن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، واستغفارنا إياك نستغفرُك لنا ولهم أجمعين يا خيرَ الغافرين يا الله.
فَرُدَّ كيدَ عدوِّك ومَن والاه في نُحورِهم، واكفِ المسلمين جميعَ شرورِهم، ولا تستخدم طاقةً مِن طاقات أحدٍ من الحاضرين والسامعين ظاهرة ولا باطنة إلا في محبوباتِك، وفيما يُرضيك ويُرضي خيرَ بريَّاتك، ونشكو إليك طاقاتٍ للأُمة استخدمَها أعداؤك فيما يُسخِطك فَرُدَّ كيدَ الأعداء في نحورِهم، وخَلِّص إخوانَنا المسلمين هؤلاء مِن غرورِهم ومِن زورِهم ومن فجورِهم ومِن كَذبِهم ومِن مغالطاتهم لأنفسهم ومِن تسلُّط أعدائك عليهم، يا محوِّلَ الأحوال حَوِّل حالَنا والمسلمين إلى أحسنِ حال.
يا الله.. يا الله.. يا الله.. عبادُك بين يديكَ يسألون خيرَك ويطلبون رِفدَك، وعزَّتك وجلالك لولا فضلُك ونوالُك وإحسانُك ما اجتمعوا ولا طلبوا ولا عرفوا شيئاً مِن ذلك، فيا من مَنَنتَ علينا بهذه المِنَن أتمِم علينا النعمةَ في السِّرِّ والعلَن، واكشف جميعَ الضُّرِ والحَزَن، وحَوِّلِ الحالَ إلى خيرِ حال وأحسَن، يا أرحمَ الراحمين.. يا أرحمَ الراحمين... يا أرحم الراحمين.
حقِّق ما رجوناه واستجِب ما دعوناه، وأنِلنا فوق ما رُمناه ممَّا أنت أهلُه مِن خيرات الدُّنيا والآخرة يا الله.. يا غوثاه.. يا رباه.. اجعل كلَّ فردٍ منا مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، لا يُستعمَل لعدوِّك ولا لأولياء عدوِّك، في نفسِه ولا في أُسرتِه ولا في زيِّه ولا في مَنطقِه ولا في عقلِه ولا في فكرِه ولا في مالِه ولا في أخذِه ولا في عطائه، يا خيرَ وهَّاب يا ربَّ الأرباب، يا ذا العطاء المُنساب والجود السكَّاب، يا رافعَ الحجاب يا كاشفَ الأوصاب، يا مَن يقبل مَن تاب، يا حيُّ يا قيّوم يا الله.. يا الله.
عجِّل بِنَيلِ ما رُمناه، وزِدنا ما أنت أهلُه في ظاهرِ الأمر وخفاه برحمتِك يا أرحمَ الراحمين، يا إلَهنا وكلٌّ مِنّا سبقَ مِن قلبِه ومِن جوارحه ما لا يُرضيك فطهِّرنا مِن تلك الأدناسِ بفضلك، وبدِّل اللهم انقطاعَنا بوصلِك، وقَرِّبنا إليك زُلفى واجعَلنا مِن أهل الصدقِ وأهلِ الوفاء، وأهل الاتِّباع للحبيبِ المصطفى يا الله.. يا الله.. ونور الإيمان الذي بثَثتَه في القلوبِ وما أجريتَه مِن أنوارٍ جرَت من حضرةِ مِنَّتك على قلوبِ أهلِ حضرتك فقامت بها مجامعُ قراءة أوراد أو أحزابٍ أو حلقات قرآنٍ متّصلة بسلسلة سرِّ الاتّصال بحبيبِك والأخذِ عنه، بارك لنا في ذلك في المشارق والمغارب واشرق أنوارَها حتى تُدفع بها المصائب والمتاعب والمشاغب، ونُكفى بها هذه النوائب يا حيُّ يا قيوم.
ولِكُلٍّ مِن الكفار ومَن انحرف مِن المسلمين استناداتٌ يستندون بها إلى خلائقَ مثلِهم وإلى أسباب يا حيٌّ يا قيوم، وإن كُنَّا لا نُهملُ الأسبابَ عبوديّةً لك فَوَعِزَّتك وجلالِك استنادُنا ليس إلا إليك، وتعويلُنا ليس إلا عليك، اللهم فلا تغلِبْ أسبابُهم استنادَنا إليك وأنتَ المسبِّب، ولا تغلِبِ اللهمَّ وسائلُهم تَوَسُّلَنا إليكَ وأنت الخالق، اللهم إن استندوا إلى مخلوقِين مِن الإنسِ والجنِّ في بقاعِ الأرضِ شرقِها وغربها فإنا نستندُ إليك يا خالقَ المشارقِ والمغارب ويا ربَّ الأرضِ والسماء، فلا يغلبِ استنادُهم للمخلوقين استنادَنا إليكَ يا خالقَ كلِّ شيء، يا مالكَ كلِّ شيء يا منشِئ كلِّ شيء يا مبدعَ كلِّ شيء، يا قادراً على كلِّ شيء يا عالماً بكلِّ شيء يا الله.. يا الله.. يا الله.
وفي الناسِ مَن أشرتَ إليهم في كتابك ( أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ ) ولكنك قُلتَ لنا وَنِعمَ ما قلتَ لنا وأنت الحقُّ وقولُك الحق ( وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَآئِكُمْ ) آمنّا وصَدَّقنا وبِكَ وَثِقنا، وعليك توكَّلنا وعليكَ اعتمَدنا، أنت أعلم بأعدائنا في الظاهر والباطن والحسِّ والمعنى، ومَن ظهر ومَن بطن منهم، ومَن وضَّح ومَن غالطَ ومكرَ أنت أعلمُ بهم، وماذا بعد علمِك بهم؟ ( وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيرًا ) صدق الله.
فلا تجعل ولاءَنا إلا لَك وتوَلَّنا بما أنتَ أهله، وانصُرنا يا خيرَ الناصرين على أنفسِنا وعلى أهوائنا وعلى دُنيانا وعلى شياطين الإنسِ والجنِّ يا خيرَ ناصرٍ بك استنصَرنا ( وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيرًا ) وفيهم طوائفُ من الذين أوتوا الكتاب قلتَ عنهم ( يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍۢ وَرَٰعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِى ٱلدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ ) وجميعُ مَن على ظهرِ الارض رعاةُ الفسقِ والدعاة إلى الدعارة، والدعاة إلى التبرُّج والدعاة الى اختلاطِ الرجالِ بالنساء عندهم مبادئُ في بعضِ البلدان المحافظةِ يقولون رتبوا وراءَ الستارة رجلاً يضرب وامرأة تُغنّي، وبعدها رتبوا وراء الستارة امرأة تضرب ورجل يُغنّي، وهو يغني من وراء الستارة وبعدها تزول السِّتارة.. مبادئ لدخول الشر!!
رُدَّ كيدَهم في نحورِهم واكفِ المسلمين جميعَ شرورهم يا رب.. ولا تبقى عقول المسلمين للخدائع يُخدعون، نَوِّر قلوبَهم بنورِ الإيمان واليقينِ وارزقهم اليقظةَ والانتباه.
وهؤلاء الذين ( يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا ) لو كل هؤلاء دعاة الشر ودعاة الضرّ والفسوق والكفر ورؤساؤه، وفئات نشرِ الفساد في الارض.. لو آمنوا كان خيراً لهم ( وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ) ولكن سابق سوابق يهدي مَن يشاء ويُضلُّ مَن يشاء ويرحمُ من يشاء ويُعذِّب مَن يشاء، ( وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً ) منهم الذين يهتدون ويؤمنون وهُم من سبقت لهم سابقة السعادة مِنَ الله، اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وما جعلتَ مِن الهداية في زمنٍ فاجعل زمننَا مِن أوسعِ الأزمانِ في الهدايات، وما جعلتَ يا مولانا مِن الهدايات في قرنٍ فاجعَل في قرنِنا أعظمَ انتشارٍ للهدايات، يا هادي يا حيُّ يا قيوم لا هادي إلا أنت.
( فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً ) (يـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم ) قُل يا مَن قد سمعتُم آياتٍ تلاها موسى وعيسى مِن قبل ويوم جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم ارجعوا ( ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰٓ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولًا ) تلاها على بعضِ اليهود كانوا عنده، فخرجوا وفزعوا من أنَّ وجهَه ينقلب وراءَه لمَّا سمعَها من لسان الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وقد عمل كذلك في بعض أولئك المُدبِرين في الأممِ السابقة ( أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولًا ) ثم قال: فَكِّروا يا معشرَ مَن آمن ويا معشرَ مَن كفر؛ كيف أتعاملُ معكم ( إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ ) وتودُّون أحسنَ مِن هذه المعاملة؟ تريدون أكرمَ مِن هذا التَّنزُّل مِن الله القويِّ القادر الذي لو أراد أن يهلِكَكم يهلِككم! مع ذلك قال: لا تُشركوا بي، أخرجوا مِن الشرك، وكلِّ ذنبٍ غير الشرك أغفره، توبوا إليَّ وأغفِر لكم، حتى الشرك اذا تبت منه غفرَ لك لكن اذا متَّ على الشركِ لا غفران ( إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰٓ إِثْمًا عَظِيمًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم )
وهذا مِن فئات التي ضَلَّت من المسلمين ومن اليهود ومن النصارى ومِن فئات شيء سياسية وشيء اجتماعية وشي تجارية.. نحن عندنا الخطة، عندنا الترتيب، سنرفع الناس، سننفع الناس، سنُطلّع سنُنزّل.. الخطط.. لا تُزكّوا أنفسكم، كلٌّ يمدح نفسَه، وكلُّ واحد مدح نفسَه وصدَّقه جماعةٌ من الناس ولفّوا لفيف شويه ونزل عليهم تمزيق وبلايا وجاءت مشاكل أكبر! قالوا سنُبعد الظلم جاءت ثلاثة أظلام.. ظُلم واحد جاءت أربع.. خمسة.. كان واحد ظُلم صارت خمسة.. ستة.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قالوا سنحقن الدماء، بدل موت عشرة مات مائة! ما هذه البلية! وكلٌّ يزكي نفسَه.. لا تُزكّوا أنفسكم ( بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ) الذي يصدق معه ويخلص له وجهه هو الذي يُزكِّيه وهو الذي يرتضيه، وهو الذي يصطفيه وهو الذي ينتخبه، ما هو شعارات.. وكلام وإعلام.. إعلام.. إعلام بلا معنى بلا حقيقة، بلا واقع بلا أساس بلا ثوابت.
( بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) كلُّ مَن صدق وأخلص ولا مقدارَ فتيل لا يظلمه.. بل يعطيهِ الله جزاءَه عليه خير أو شر ( وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * ٱنظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِۦٓ إِثْمًا مُّبِينًا ) هؤلاء لا يؤمنون بالله، وهؤلاء يَدَّعون على الله ادِّعاءات، وهؤلاء يحصرون الجنةَ في أنفسهم، وهؤلاء يُكفِّرون خلقَ الله، وهؤلاء يؤذون العباد، وهؤلاء يستحلون الدماء ( ٱنظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِۦ إِثْمًا مُّبِينًا ) والعياذ بالله تبارك وتعالى.
ومنهم مَن يوالي الكُفَّار ويقول هذا أحسنُ مِن الطائفة الفلانية من المسلمين، وهؤلاء أحسنُ مِن الطائفة الأخرى.. لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العَظيم، هذا يقول اليهود أحسن هذا! يقول النصارى أحسن! هذا يقول المجوس أحسن! هذا يقول الملحدين أحسن، يا هؤلاء! ( أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰٓؤُلَآءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ) والذي يمشي بهذه الطريقة يحسب نفسه يغالط من؟ يغالط الحقيقة الكبرى؟ يغالط عالم السر والجهر؟ ما يقدر على ذلك!
يقول جلَّ جلاله وتعالى في علاه ( وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ نَصِيرًا ) لتجري الأمور بعناية ربانيَّة في الوجود وإلا لو كان الأمر لهم وتحت يدهم ( أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَٰهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ بِهِۦ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ) الذين صدُّوا يا ويلهم، والله أعطينا النَّبيَّ إبراهيمَ وأعطينا الأنبياءَ وأعطينا محمدا أعظم وأكبر.. تحسدون على هذا؟ أعطاه في نفسه، أعطاه في آل بيته، أعطاه في أصحابه، أعطاه في أمَّته عطايا كبيرة ومُلك عظيم وشأن فخيم.. فَلِمَ الحسد؟!
( وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا* إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ) وكم مقدار جلودهم! لو كان بجلودهم التي عاشوا عليها هم الآن يحسُّون بالعذاب بالجلود هذه، لكن الجلود ستكبر وستعظم وستُحرق بالنار وكُلَّما نضجت بُدِّلَت بجلود أخرى، ضرسُ الكافر في النار كجبل أحد، وإنَّ غِلظَ جلدَه مسيرةُ ثلاثة أيام! هذا الجلد حق الكافر وبعده اللحم وبعده العظم.. وملآن عصب وعروق كُلّها تشتعل نارا! هذا الكِبَر لأن النَّار الموقدة الشديدة لو دخلها بجسمِه هذا لاحترق بسرعةن ولم يشعر بالعذاب، فيحيا ويموت.. ويحيا ويموت.. لكن يكبر الله أجسادهم وينشئهم نشأة أخرى، ليدخلَ أهلُ النّارِ النارَ مطابقةً أجسادُهم لحرِّ النار ولِشدَّة عذابِها، ويدخلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ مطابقةً أجسادُهم لصافِي نعيمِ الجنَّة وعظيمِ ما فيها، فيدخلُهم الجنَّة إذا جاوزوا الصِّراطَ على صورةِ أبيهم آدم في طولِ ستِّين ذراع وعرض سبعة أذرع في غايةٍ مِن البهاء والجمال، ليتنعَّموا بما هناك مِن أنواعِ النعيم.. هذا للأجساد، وأما نعيمُ الأرواح.. وأما نعيمُ الأسرار.. فقد يذوقونه وهم في الدنيا فيكون ألذَّ مِن كلِّ شيء حتَّى ينسوا في جنبِه نعيمَ الأجساد في الجنَّة، ولا يعدُّونَه شيئا، فكيف إذا وصلوا هناك؟ هنا بكشف حُجُب نالوا هذا الذوق، وقالوا إن كان أهلُ الجنَّة في الجنَّة على ما نحن فيه في الليل إنَّهم لفي عيشٍ طيِّب، أما هناك فبقيَّة الحُجُب يرفعها، وعطايا كبيرة منه سبحانه وتعالى فما هي اللذة التي يدركونها! مَن يقدر يتصوَّر لذَّتَهم حينما يقول الجبَّارُ يخاطب أهلَ الجنة كَشَفَ الحُجبَ بينه وبينهم "أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخطُ عليكم بعده أبداً" أسمِعنا ذاك النِّداء يا رب.. وأحضِرنا مع أهلِ ذلك اللِّقاء يا رب..، واجعل هذه العقولَ والقلوبَ مُتذكِّرةً بآياتك ووحيِك إلى خيرِ بريَّاتك، وثَبِّتها على الاستقامةِ بأكملِ تثبيتِك للمحبوبين حتَّى تحشرَنا مع المُقَرَّبين، وتُلحقنا بِرَكبِهم يا أرحمَ الراحمين، يا الله.
طلباتٌ عظيمةٌ لولا ما علَّمنا ربُّ العرشِ وربُّ الأرضِ والسماءِ مِن عظمةِ جودِه ما قدر مثلُنا أن يسألَها منه ولكنَّه ( الله )، أحبابَنا ولكنه ( الله ) الرَّبُّ الكريم الإلهُ العظيم الرَّحمن الرَّحيم الذي جمعَكم هو الذي أسمعَكم هو الذي نفعَكم، نسألُه أن يرفعَكم وفي الآخرةِ يجمعكم في زمرةِ حبيبه تحتَ اللواء المعقود وعلى الحوضِ المورود في جناتِ الخلود، في ساحةِ النظرِ لوجهه الكريم يا رب.. يا رب.. يا رب.
سألناكَ، أمَّلناك، رجوناك، طلبناك، رُمنا ما عندكَ يا إلهي يا حيُّ يا قيوم، انقطعت الآمالُ إلا فيك وخاب الرجاءُ إلا فيك يا حيُّ يا قيُّوم،
إن أبطأت غارةُ الأرحام وابتعدت عنّا فأقرب شيء غارة الله، يا غارة الله حثِّي السَّير مُسرِعةً في حُلِّ عُقدتِنا يا غارةَ الله..
عَدَت العادون وجارُوا ورجَونا الله مُجيراً وكفى بالله وليّاً وكفى بالله نصيراً.
يا نِعمَ المولى ويا نعم النصير؛ تولَّى مَن تولَّى وأنتَ قلتَ لنا: (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَىٰكُمْ ۚ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ) يا نِعمَ المولى ويا نِعمَ النصير ثَبِّتنا على الاستقامةِ في كُلِّ مَسِير واجعل اللهمَّ مصيرَنا إلى أكرمِ مَصير يا الله.
سُئِلَ ربُّكَ وأنتَ في المحضرِ الكريم على ألسُنِ مَن في المَحضر مِن الملائكة والُمقَرَّبين والصَّالحين، سُئِل ربُك لك هذه العطايا فنادِه أن يستجيبَ وقل يا أقربَ قريب يا ذا العطاء الرَّحيب، حَقِّق ما رجونا وأجِب ما دعونا وهَب لنا فوقَ ما رُمنا يا الله.. قل له يا الله.. ألا توقِن أنه يسمعُك؟! هو يسمعك! فقل يا الله.. ما أعظمَ هذا الإله قَبِلني وقَبِل مَن في المجمعِ أن يدعوه.. أن يدعوَه.. أن يرجوه.. أن يطلبوه.. قَبِل ذلك ووفَّقهم لذلك، لك الحمد فتقبَّل الدعاءَ ولا تُخيِّب الرّجاء، واسلك بنا في سبيلِ النجاة وبلِّغنا فوقَ المُنى يا مُلتجى يا الله.
قل للذي يسمعُك يا الله.. يسمعك وينظر إليك ويُجيبك وإذا شاء أعطاك، هو الذي ليس كمثله شيء، أنت بين يديه وهو أعلمُ بك مِن نفسِك وإذا أمدَّك بالتوجُّه إليهِ أقبلَ بوجهِه عليك، فقل يا الله بالصدقِ، بالصدق قل يا الله.. بالخضوعِ والخشوعِ قل يا الله.. بالإنابةِ والرُّجوع والتَّوبة النصوح قل يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله.
اجعلنا مِن أنصارِك وأنصارِ رسولِك فيما بقيَ مِن أعمارنا بجميعِ قُوانا وجميعِ ما أعطيتَنا وآتيتَنا، وثَبِّتنا على ذلك، وتَوَفَّنا مؤمِنين مسلمين صادقين مخلِصين نُحِبُّ لقاك وأنت تحبُّ لقاءَنا.. نلقاكَ يا ربَّنا وأنت تُحِبُّ لقاءنا، نحن نُحِبُّ لقاءَك وأنت يا ربِّ تحبُّ لقاءَنا، اللهم اجعلنا كذلك، واسلكنا في أهلِ تلك المسالك يا ملكِ الممالك يا حيُّ يا قيُّوم، يا الله يا أرحمَ الرَّاحمين.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
للاستماع إلى هذه المحاضرة
لمشاهدة هذه المحاضرة