01-2022
17

خطبة مكتوبة بعنوان: مقاصد الجمعة وشرف المؤمنين بتاج الوحي في حركتهم في الحياة

خطبة جمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في افتتاح إقامة الجمعة في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في شِعبِ أحمد، في منطقة حوطة الإمام أحمد بن زين الحبشي، 27 جمادى الأولى 1443هـ بعنوان:

مقاصد الجمعة وشرف المؤمنين بتاج الوحي في حركتهم في الحياة

 

الخطبة الأولى:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الحمد للهِ جامعِ شملِ المؤمنين على صدقِ الوِجهةِ إليه، والقصدِ لوجهِه وفائقِ عهدِه والإقبالِ عليه، وأشهد أن لَّا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له منه مبتدأ كلِّ شيء ويعودُ إليه، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا وقرة أعيننا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُه ورسوله، وحبيبُه الداعي إليه، أكرمُ الخلق عليه وأعظمُ مَن تذلَّلَ بين يديه.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك الجامعِ للشملِ بعد الشتات، والذي ختمتَ به النبوَّةَ والرسالات، وعلى آله وصحبِه القادات، وعلى مَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الميقات، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين رفيعِي الدرجات، وعلى آلهِم وصحبِهم وتابعيهم وملائكتِكَ المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين والصالحات.

أما بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم وإيَّايَ بتقوى الله.. تقوى الله التي لا يقبلُ غيرَها {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يُثِيبُ إلا عليها.

ومن أجلِ تشييدِ مَبناها شُرِعَتِ الصلواتُ الخمسُ وسُنَّت فيها الجماعة، وفُرِضَت الجمعة ووجبَت فيها الجماعة. وكان لفرضِها حِكَمَاً كبيرةً وأسراراً كثيرةً، مِن قِبَلِ رَبِّ العرش -جَلَّ جلاله- الذي يتشرَّف المؤمنون على ظهر الأرض بأخذِ أوامرِه، وأن تكون حركتُهم على ظهرِ الأرض وأعمالُهم متوَّجةً بتاجِ الأخذِ عن الله، وتاجِ الشرعِ مِن الله، وتاجِ الإرشادِ مِن حضرة الخلَّاقِ تعالى في علاه؛ فما أعجبَها مِن ميزةٍ وشرفٍ وعِزَّةٍ يتميَّزُ بها المؤمنُ عن الذين يمشُون على ظهرِ الأرض وحركتُهم على ظهرِ الأرض منبعثةٌ مِن أهوائهم وعقولِهم وأفكارِهم ومجرَّدِ مصالحِهم المنقضيةِ الزائلة؛ لكنَّ المؤمنَ حركتُه في الحياة مُتَوَّجَةٌ بتاجِ الأدب مع الله، بتاجِ الامتثالِ لأمرِ الله، بتاجِ السلوكِ فيما ارتضاه الله، بتاجِ العملِ بالوحيِ المُنَزَّل على خاتمِ النبيين والمرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وكان مِن جملةِ ذلكم يومَ الجمعة التي هي عيدٌ للمؤمنين ومكرُمةٌ أكرم اللهُ بها الأمة؛ إذ صرف عنها الأممَ قبلَنا فضلُّوا عنها، وأُخبِروا على ألسنِ أنبيائهم أنَّ يوماً في الأسبوع عند الله هو مُفَضَّلٌ على بقيَّةِ أيام الأسبوع، ولم يؤذَن للأنبياءِ أن يُعيِّنوا لأمَمِهم ما هو اليوم، فاجتهدَ اليهودُ وقالوا هو السبت وضلوُّا، واجتهدَت النصارى وقالوا هو الأحد وضلُّوا، وهُدينا إليه بإذنِ الله لنبيِّنا محمد أن يُعيِّنَ لنا اليومَ وأن يُحَدِّدَهُ ويذكرَه لنا فبيَّنَه أنه يومُ الجمعة. هدانا اللهُ إليه وأضلَّهم عنه. فالناسُ لنا فيه تبَع، اليهودُ غداً والنصارى بعد غدٍ؛ ولكنَّنا عَلِمنا عينَ اليوم كما هو عند الله تبارك وتعالى، بإذنِ الله لعبدِه وحبيبِه محمدٍ أن يُبيِّنَه لأمَّتِه وأن يُخبِرَ به أمَّتَه.

ثم يبيِّن لنا أن المِيزةَ لهذا اليومِ أبديَّة، وأنَّ نظيرَه ومثلَه فيما خلقَ الله مِن زمن إذ اجتمعَ أهلُ الجنةِ في الجنةِ فلهم في مقدارِ كُلِّ يومِ جمعة عيد، ولهم مزيد، ولهم سوقٌ كما روى الإمامُ مسلم في صحيحِه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن للمؤمنين في الجنةِ عيداً يومَ الجمعة، أسواقاً يأتونها ثم تُهَبُّ عليهم ريحٌ فتحثو في وجوهِهم وفي ثيابِهم المسكَ فيعودون إلى أهالِيهم أجملَ وأحسنَ، فيقولون ازددتُم بعدَنا حُسنَاً وجمالا! فيقولون لهم وأنتم ازددتُم بعدَنا حُسناً وجمالا).

وانظر إلى هذه العظمة في الشريعةِ، شؤونُنا وأعيادنا.. لا أعياد ثورات، ولا أعياد مرور، ولا أعياد عُمَّال، ولا أعياد تأتي من الغرب أو من الشرق يبتكرونها مِن عندهم؛ ولكنَّ أعيادَنا لها شأنٌ في الملأ الأعلى، ولها شأنٌ في الدوامِ والبقاء، ولها شأنٌ في الجنة..

ما أعظم شأنَ المؤمنين! ليسوا بذوِي فكرٍ بشري، ليسوا بذوي قصور في هذا النظر في أمور هذه الحياة؛ لكنه الشرف الأفخر أنهم يتلقّون أوامرَ مِن "الله"؛ فتتصل شؤونُهم بالبقاءِ وبالدوامِ وبالخلود، ويكون لما عظَّموا في الدنيا عظمةً في البرزخ، وعظمةً يوم القيامة، وعظمةً في دار الكرامة.

فما يُعظِّمون بأهوائهم ولا يعظِّمون بما تُملِي عليهم أنفسُهم وما تُمليه أنفسُ غيرِهم وأهواءُ غيرِهم، كحالِ الذين يعيشون على ظهرِ الأرض وفيهم الذين يدَّعون التقدُّمَ والتطوُّر والانفتاحَ على شؤونِ الحياة.. يخضعون لأهواءِ حزبٍ أو هيئةٍ أو جماعةٍ أو حكومةٍ شرقية أو غربية، وعلى ضوئها يقيمونَ المِيزةَ في الأيامِ وفي الليالي! وعلى ضوئها يتحرَّكون في الحياة؛ فهم محبوسين في أهواءِ غيرهم؛ والإنسان مذمومٌ لمَّا ينحبسُ في هواه فكيف بهوى غيره! فينحبسون في أهواءِ غيرِهم مدَّعين الانفتاحَ والتقدُّمَ في الحياة! -والعياذ بالله تبارك وتعالى- ويخسرون التبعيَّةَ الشريفةَ التي فيها عِزُّ الإنسان وهي التبعيَّةُ للإلهِ الحقِّ ومَن أمرَ باتِّباعِهم مِن رسلِه وأنبيائه صلواتُ الله وسلامه عليهم..

فإذا جاء وقتُ جمعِ الخلق يومَ القيامة وخرج الناسُ مِن قبورِهم بعدَ النفخةِ الأولى في الصور يُصعَقون جميعا، ثم في النفخة الثانية يقومون -فيُسَمُّون ما بين النفختَين مرقد إذ صعِقوا فيه وانقطعَ عنهم الشعورُ بالعذاب بالنسبة للكفار- فإذا خرجوا من القبور {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا..} فتقول الملائكة لهم {هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} الكلام كلامُ الرسل هذا اليوم.. هاتوا مقدارَ كلامِ أحزابِكم؟ هاتوا مقدارُ كلامِ سياساتِكم؟ هاتوا مقدارَ كلامِ حكوماتِكم؟ {هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}

الكلام كلام الرُّسُل، والصدقُ ما قالَه المرسلون صلوات الله وسلامه عليهم.. لا ما أملَته الأحزابُ ولا الحكوماتُ ولا الحضارات {هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}.

أيها المؤمنون بالله: فشرَعَ اللهُ الجمعةَ لحِكَمٍ كبيرةٍ كثيرة، منها ما جاءنا في السنَّةِ النبوية مِن أنه يومُ مغفرةٍ للذنوب، يتعرَّضُ به المؤمنُ لتكفيرِ سيئاتِه وغَفرِ خطيئاته وزلَّاته؛ فتَتنقَّى الصحفُ ويتنقَّى ويتطهَّرُ بها القلب، تتنقَّى الصحف من الذنوب ويتنقَّى بذلك ويتطهَّر القلبُ لهذا الإنسان ؛ فلا يتراكمُ عليه الصدأ، ولا يأتيه الرَّانُ مِن توالي ظُلمةِ الذنوب والمعاصي، فجعل الصلاةَ إلى الصلاة مكفِّراتٍ لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة مكفِّرات لما بينهما، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنَّ إذا اجتُنِبَت الكبائر.

-هذا في حقِّ مَن يجتنبُ الكبائر- فإنَّ تغسيلَ الصحفِ والقلبِ بالجمعةِ وبالصلواتِ الخمسِ وبرمضانَ يكفي هذا المؤمنَ في أن يُطهِّر صحُفَه وقلبَه مِن الذنوب الصغائر، أمَّا الكبار مِن زنا أو لواط أو شرب خمر أو قطيعة رحم أو عقوق والدين أو أخذِ مالِ الغير بغيرِ حقٍّ فلا تكفِّرها جمعةٌ ولا صلاة ولا رمضان إلا التوبة إلى عالمِ السِّرِّ والإعلان، والندامةِ على ما كان، وإعطاءِ الحقوقِ إلى أهلِها؛ فهذا الذي يُكَفِّرها.

وأمَّا صغائرُ الذنوب التي لا ينفكُّ عنها عامَّةُ المسلمين فقد جعل اللهُ هذه المُنَظِّفَات والمُغَسِّلات مِن الصلوات الخمس والجمعة ورمضان وما يتخلَّلُ ذلك مِن اجتماعاتٍ على الذكرِ أو الخير أو صدقات ونحو ذلك.. مُغَسِّلَات منظفِّات مصفِّيات لِمَا يعترضُ المؤمنَ مِن عينَيه أو أذنيه أو لسانه أو شيء مِن أعضائه مِن صغائر الذنوب، قال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}

فهو يكفِّر عنك السيئاتِ الصغائر ثم يُدخلكَ المُدخَلَ الكريم، وإذا بك في درجةِ التكريمِ ودرجةِ الإجلالِ والرِّفعَةِ مِن العزيزِ العليم {وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}.

ونِعمَ الجزاءُ جزاءُ ربِّ العالمين -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- (مَن اغتسلَ يومَ الجمعةِ أو توضأ ومَسَّ ما عندَه مِن طِيبٍ ومشَى واستمعَ إلى الخطبةِ ولم يُفَرِّق بين اثنين غُفِرَ له ما بينَه وبين الجمعةِ الأخرى وزيادةِ ثلاثةِ أيام)

(وزيادة ثلاث أيام) فتصير عشرةَ أيام مُكَفَّرة بحضورِ الجمعة على هذا الوصفِ مِن الأدب، وهذا الوصف مِن حسنِ المعاملةِ للرَّبِّ، منِ اغتسالٍ ومِن تنظيفٍ ومِن استعمالِ طيبٍ ورائحةٍ حسَنَةٍ تحبُّها الملائكةُ والأرواحُ الطاهرةُ ويسُرُّ بها قلوبَ المؤمنين، ويُعَظِّم بها الصلاة، ويُعَظِّم بها موضعَ الصلاة {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، واستماع إلى الخطبة غير متشاغلٍ عنها بظاهرِه ولا باطنِه، لا بلسانِه ولا بقلبِه..

حتى بيَّنَ صلى الله عليه وسلم في هذا الأدب في الجمعة أنه إذا قال لأخيه "أنصِت" نطق بهذه الكلمة الواحدة حُرِمَ بركةَ الجمعة (مَن قال لأخيه أنصِت والإمامُ يخطب فقد لغا، ومَن لغا فلا جمعةَ له) يُحرَم بركةَ الجمعة بهذه الفَلتة مِن ضياعِ هذا الأدب؛ فإذا أنصَت أنصتَ بسمعِه وأنصَت بقلبِه، وعَلِمَ سِرَّ الجمعة، فإنها اجتماعٌ للقلوب في وجهةٍ إلى علَّام الغيوب، وتعرُّضٌ لغَفرِ الزَّلَلِ والذنوب، وتسبُّبٌ لكشفِ البلايا والكروب، ومواصلةٌ بين القلوبِ لتتآلفَ ولتتآخَى في الله، وتزداد أخوَّتُها التي أوجبَها الإيمانُ وقولُ الرحمن: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وجمعيةٌ للقلبِ على اللهِ بذكرِ الله سبحانه، والإنصاتُ إلى الخطبةِ وما يكون فيها مِن وعظٍ للعملِ به، فلا تُقامُ خُطَبُ الجمعةِ للتَّشَهِّي ولا التَّفَكُّه ولا لمجردِ السَّماعِ ولا لثَلْبِ الأعراضِ ولا لإيغارِ الصدورِ ولا لتفريقِ شملِ الأمَّة؛ وإنما تُقام الخُطَبُ للتطهير، وللتنوير، وللتَّنقيةِ للضمير، وللتَّقريب إلى العليِّ الكبير، وللتبصير بالهدي المستنير، ولزيادةِ الإيمان، ولطُهرِ الجَنَان، وللقُربِ مِن الرحمن. هذه مقاصدُ الجمعةِ ومقاصدُ الخطبةِ في يومِ الجمعة.

وإنَّ مِن علامات الساعة أن تتحوَّل الجُمَع إلى تفرقةٍ للقلوب وإيغارٍ للصدور، وبعثٍ للفتنة، وبعثٍ للتفريق بين المؤمنين، وسبٍّ للأحياء أو للأموات -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، ويُخرَج بها عن مقصدِها الذي شرعَه الله والذي جعلها اللهُ مِن أجله؛ يومٌ يصفو فيه الحالُ بين المؤمنِ وبين ربِّه يُحاسب نفسَه على ما مَرَّ في الأسبوع، ويتذكَّر، وينزجر، ويتوب، ويُنيب، ويخشع، ويخضع، ويُدرك بذلك بركةَ الجمعة ويومَ الجمعة والاجتماعَ للجمعة.

فهذه المقاصد للجمعة المباركة، وجب على المؤمنين في جميعِ أعمالهم عامة، وفي الجمعة خاصة أن يراعوا هذه المقاصدَ الربانيةَ النبويةَ في التطهير، وتنقيةِ الضمير، وجمعِ الشمل والتأليفِ بين عبادِ الله -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-؛ فقد بُعِثَ نبيُّنا جامعاً بعد الفُرقَة، ولامَّاً للشملِ بعد الشَّتات، وقال سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.

وإنَّ المقاصدَ لمؤثِّرة، ولقد ذكرها الرحمنُ لنا عن مسجدٍ بُنِيَ في حياةِ النبي مِن قومٍ يدَّعون الإيمانَ ويدَّعونَ التبعيَّة للنبيِّ، وقلوبهم نابِئَةُ مستكبرةٌ عن ذلك، كان مِن علاماتهم ما ذكر الرحمن {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} قال الله هذا الصنف الذين ما عرفوا عظمتي ولا عرفوا قدرَكَ عندي لا ينفعُهم الاستغفار{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} والعياذ بالله تبارك وتعالى

بُنِيَ مسجدٌ على أيدي هذا الصنفِ في حياة نبيِّنا عليه الصلاة والسلام، وتظاهَروا بأنَّهم في تبعيَّةِ النبيِّ محمد، وقالوا تعال إلى مسجدِنا تصلي فيه نتبرَّك بصلاتِك فيه، وليقولَ الناس قد صلَّى فيه رسولُ الله، ويتخذوا ذلك حُجَّةً ليضحكوا على ضعفَةِ المؤمنين، فلمَّا وعدَهم صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد عند رجوعِه من تبوك -وهي آخر غزوة له- قبلَ وصوله إلى المكان نزلَ عليه جبريل بقولِ الرحمن -جَلَّ جلاله-: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا}

مسجدٌ في حياةِ النبي يُبنَى والحقُّ يصفُه بأنه كفرٌ وتفريقٌ بين المؤمنين وإرصادٌ لمَن حارب اللهَ ورسولَه! ما الذي حصل!؟

المقاصد، النيات، القلوب، الإرادات التي يطَّلع عليها جبَّارُ الأرض والسماوات..

ما كُل مَن صلَّى صلَّى ولا كلُّ مَن بنَى مسجداً بنى مسجد.. أين النية؟ أين القصد؟ أين المراد؟ أين الغرض؟ تريد مَن؟ تقصد مَن؟ لماذا؟ وكيف؟ ولمن؟

{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}

قال الله لنبيِّه: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ..} يعني مسجد قباء أو مسجده الشريف {..أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا..} ما يتكبَّرون ما يؤذون {..يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فما كان مِن نبيِّنا إلا أن بَعثَ مَن يُهَدِّم هذا المسجدَ ويُكَسِّرُه وبعثَ مِن الصحابة مَن هَدَّم المسجدَ وأبعدَهم عنه.. الصورةُ مسجد، والباطن قصدٌ خبيثٌ، أنبأ عنه الرَّبُّ في قرآنِه!

ألا إنَّ اللهَ ينظرُ إلى نيَّاتِنا، ألا إنَّ اللهَ ينظرُ إلى مقاصدِنا، ألا إنَّ اللهَ ينظرُ إلى ما في سرائرِنا، فلا تجعل يا ربَّ العرشِ في سرائرِنا إلا ما تحب، ولا في ضمائرِنا إلا ما يرضيك، وارزقنا الأدبَ معك، ورحمةَ عبادِك، وإرادةَ الخيرِ لهم، ولا تطوي مِنَّا سريرةً على ما لا تحبُّ ولا ترضاه يا أكرمَ الأكرمين وأرحمَ الراحمين.

وبارِك لنا ولأهلِ هذه المنطقةِ ولأهلِ حضرموتِ واليمنِ في افتتاحِ الجمعة في هذا المسجد، وارزقنا فيها الإخلاصَ لوجهِك، لا نريدُ بها سِواك، ولا نريدُ إلا القربَ والجمعَ للشمل والتقريب إليك والتحبِيب والإخلاصِ لوجهِك، أكرِمنا بذلك، واسلُك بنا في أشرفِ المسالك، وادفعِ البلاءَ عنَّا وعن الأمةِ أجمعين يا مجيبَ الدعوات يا قاضي الحاجات.

والله يقولُ وقولُه الحقُّ المبين: {فَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

وقال تباركَ وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}

باركَ الله لي ولكم في القُرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيه مِنَ الآياتِ والذكرِ الحكيم، وثبَّتَنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خِزيهِ وعذابِه الأليم.

أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولوالدينا ولجميعِ المسلمين فاستَغفِروه، إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً يجمعُ به شملَ أهلِ الإسلام، ويجمعُ به قلوبَنا عليهِ في قصدِ وجهِه دونَ شيءٍ مِن الحُطام، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له جامعُ الأولين والآخِرين ليومِ القيام، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُنِنا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، وحبيبُه الطهرُ خيرُ الأنام، جعلَه للنبوَّةِ مِسكاً وختام.

اللهم أدمِ الصلاةَ والسلامَ على عبدِك المصطفى محمدٍ وعلى آلِه الأطهار وصحبِه الكرام، ومَن والاهم فيك وأحبَّهم وعلى منهجِهم استقام إلى يومِ القيام، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين أهلِ المراتبِ العظام، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم وملائكتِكَ المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين يا ذا الجلالِ والإكرام.

أما بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله.

اتقوا اللهَ في لحظاتِكم هذه، في وِجهةِ قلوبِكم إليه، وفي قصدِكم لوجهِه بالحضورِ لأمرِه الذي نادانا إليه ودلَّنا عليه {فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}.

ومَن استحكَمَ في قلبِه ذكرُ اللهِ انطرَح ما سواه، وأفردَ القصد له -تعالى في علاه-، ونقَّى قلبَه حتى لا يرَى فيه مولاه إلا ما يرضاه. {فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} اتركوا أعمالَكم وأشغالَكم مِن مِثل ِالبيع {ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ}.

أيها المؤمنون: للمقاصدِ الكبيرة في الجمعةِ وما يترتَّبُ عليها مِن خيراتٍ كثيرةٍ لاحظَ الإمامُ أحمدُ بن زين الحبشي -عليه رحمة الله- اجتهادَ الأئمةِ في العددِ الذي تصِحُّ به الجمعة وتقوم به من المستوطنين في القرية التي تُقام فيها الجمعة؛ ورأى أنه لم يأتِ نصٌّ صريحٌ في الكتاب ولا السنة، وأنَّ مِن دلالاتِ السنة اجتهدَ الأئمةُ عليهم رضوان الله في العددِ الذي تصحُّ به الجمعة، والذي في المذاهب الأربعة أنها ما بين الاثني عشر، وهو معتمَد الإمام مالك، إلى الأربعين، وهو معتمَد الإمام الشافعي، إلى أكثرَ مِن ذلك، كما هو معتمَد الإمام أبي حنيفة، رأى عليه الرضوان أنَّ إقامةَ الجمعةِ وإقامة الشعيرة في القرى التي بلغ الذين هم أهل الجمعة فيها اثني عشر فأكثر أولى مِن تركِ هذه الشعيرةِ العظيمة لقلَّةِ العدد، وأخذَ مِن إيحاءِ قولِه صلى الله عليه وسلم: (ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تُقام فيهم الجماعةُ إلا استحوذَ عليهم الشيطان) فرأى أنه ما دام صَحَّ اجتهادٌ بالاثنَي عشر فينبغي ألا تتخلَّف أهلُ القرى عن إقامةِ الجمعة مهما بلغوا اثني عشر رجلا، تَصِحُّ منهم الجمعة؛ لإقامة الشعيرة لما فيها من الإمدادات الكثيرة والخيرات الكبيرة.

وجعل إعادتَهم للظهرِ للخروج من الخلاف راجعاً إلى رغبتِهم والاحتياطِ ما دام أنَّ هناك نَظَرٌ صحيحٌ ممَّن هم أهلٌ للنظر في الكتاب والسنة مِن المستَنبِطين لذلك مَن قال بصحَّةِ الجمعة بهذا العدد؛ لأجل مراعاةِ إظهارِ شعيرةِ الواحدِ الأحد في يومِ الجمعة، ولتعودَ البركةُ على أهلِ تلك القريةِ وأهل تلكَ المحلَّة.

وقال الشافعيةُ: في كُلِّ بقعةٍ أو قرية يوجد فيها أربعون ممَّن تَصِحُّ بهم الجمعة يُلزمهم أن يقيموا الجمعةَ في قريتِهم، ولا يذهبون إلى قريةٍ أخرى إلا حيث لم يكتملِ العددُ في قريتِهم، إن كانوا يسمعونَ النداءَ مِن القريةِ الأخرى وجبَ عليهم الذهابُ إليها وإلا سُنَّ لهم ذلك إن كان لا يُسمَعُ النداءُ منها إلى تلك القرية.

أيها المؤمنون بالله: شريعةُ الله عظمى، ومقاصد التشريع سامية، والمستنبطون مَن هم أهلٌ لذلك مِن الصحابة والتابعين انتهى في وسط أهل السنة من المسلمين اجتهادات الأئمة الأربعة فاستوعبَت عامَّةَ أحكامِ الشريعة وما تحتاجُه الأمة، وخلَّف اللهُ في أتباعِ كلِّ إمامٍ منهم مَن يبني على تلك الأصول التي يَصِحُّ بها الاستنباطُ مِن كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم المُشار إليهِ بقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.

جمعَ اللهُ قلوبَنا عليه، ورزقنا صدقَ الاقبال عليه والتذلُّل بين يديه، والتوجُّه في كلِّ حالٍ إليه.

اللهم اجعَل وجهتَنا في جميعِ الحالات إليك، وأقبِل بوجهِك الكريمِ علينا يا أكرمَ الأكرمين.

وبارِك لأهلِ القريةِ والبلدةِ وأهلِ الوادي والأمةِ في إقامةِ هذه الجمعة، واجعَلها خالصةً لوجهك، واسلك بنا وإيَّاهم مسالكَ أهل محبَّتك مِن الموفِين بعهدِك والظافرِين بودِّك مِن عبادِك الصالحين وحزبِك المفلحين يا أكرمَ الأكرمين وأرحمَ الراحمين.

ولا تصرِف مِن جمعتِنا أحداً إلا مغفورةً ذنوبُه، مستورةً عيوبُه، مكشوفةً كروبُه، مُكَفَّرةً خطاياه، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

واغفِر لآبائنا وأمهاتِنا وأجدادِنا وجدَّاتِنا، والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أحياءَهم والأموات إلى يومِ الميقات، يا مجيبَ الدعوات، يا غافرَ الخطيئات يا أرحمَ الراحمين.

وأكثِروا الصلاةَ والسلامَ على مَن به قامت الجماعة والجُمَع، وانتشر به الخيرُ في الأرض وبه كلٌّ مِن الخلقِ انتفع؛ عبدِ الله المصطفى محمدٍ القائلِ فيما روى الإمامُ مالكٌ في الموطأ: (إنَّ اللهَ جعل يومَ الجمعة للمؤمنين يومَ عيد، فأكثِروا فيه مِن الصلاةِ عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغُني يومَ الجمعة، وإنَّ مَن كان أكثرَ صلاة عليَّ كان أقربَ مني أو كان أولى بي يوم القيامة) صلى الله عليه وسلم. وروى الترمذي في سننه قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أولى الناس بي يومَ القيامة أكثرُهم عليَّ صلاة)، ولقد صحَّ قوله: (مَن صلَّى عليَّ واحدة صلَّى اللهُ عليه بها عشرا).

فأكثِروا الصلاةَ والسلامَ على محمدٍ خيرِ العباد، محبَّةً وشوقاً واقتداءً بخيرِ هاد؛ فإنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بالملائكة وأيَّه بالمؤمنين فقال مُخبِرَا وآمرا لهم تكريما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

اللهم صلِّ وسلِّم على مَن نوَّرتَ به القلوب، وكشفتَ به الكروب، حبيبِك المحبوب سيدِنا محمد، وعلى الخليفةِ مِن بعدِه المختار، وصاحبِه وأنيسه في الغار، مؤازرِ رسولِك في حالَيِ السَّعَةِ والضيق، خليفةِ رسولِ الله سيِّدِنا أبي بكر الصِّديق، وعلى النَّاطقِ بالصَّواب، نَاشِرِ العَدلِ حليف المحراب، أميرِ المؤمنين سيِّدِنا عمرِ بن الخطاب، وعلى مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن، مُنفِق الأموالِ ابتغاءَ وجهِ الكريم المنَّانِ، مَن استحيَت منه ملائكةُ الرحمن، أميرِ المؤمنين ذي النُّورَين سيدِنا عُثمانَ بنِ عفَّان، وعلى أخي النَّبِيِّ المصطفى وابنِ عَمِّه، ووليِّه وبابِ مدينةِ علمه، إمَامِ أهلِ المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيِّدِنا عليِّ بنِ أبي طالب.

وعلى الحَسَنِ والحُسينِ سيدَي شبابِ أهلِ الجنةِ في الجنة وريحانتَي نبيِّك بنصِّ السنَّة، وعلى أمِّهما الحوراء فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى خديجةَ الكبرى وعائشةَ الرضا وأمهات المؤمنين، وعلى الحمزَةَ والعبَّاس، وسائرِ أهل بيتِ نبيِّك الذين طهَّرتَهم مِن الدَّنَسِ والأرجاس، وعلى أهلِ بدرٍ وأهلِ أُحدٍ وأهلِ بيعةِ العقبة وأهل بيعة الرِّضوان، وسائرِ الصَّحبِ الأكرمين، وأهل البيتِ الطاهرين، وعلى جميعِ الأنبياءِ والمرسلين، والملائكةِ المقرَّبين وعبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ وانصرِ المسلمين، اللهم أَذِلَّ الشركَ والمشركين، اللهم أَعلِ كلمةَ المؤمنين، اللهم دَمِّر أعداءَ الدين، اللهم اجمع شملَ المسلمين، اللهم ألِّف ذاتَ بين المسلمين، اجتهد عدوُّك إبليسُ وجندُه مِن الإنسِ والجنِّ في تفريقِ شملِ المسلمين وإثارةِ البغضاءِ والحروبِ بينهم فَرُدَّ كيدَ إبليسَ وجندَه في نحورِهم، واكفِ المسلمينَ جميعَ شرورِهم، وأيقظ قلوبَ المسلمين ليقتدوا بنبيِّك الأمين ولا يرجِعُوا بعده كفاراً يضربُ بعضُهم رقابَ بعض، اللهم ارزُقهم الوعيَ لتحذيرِه وتنبيهِه وتذكيرِه، وارزقنا الاستقامةَ على منهاجِه في ظاهرِه وضميرِه برحمتِك يا أرحمَ الراحمين، اللهم وفرِّج كروبَ الأمة في المشارقِ والمغارب، وادفع جميعَ المصائبِ والنوائب.

إلهَنا وما يريدُ أهلُ القلوبِ المريضةِ على ظهرِ الأرضِ في الترويجِ لشيءٍ مِن الأوبئةِ أو بغيرِها أو بأي أسلوب آخر يريدون به النيلَ مِن الأمةِ أو جُمَعِها أو صحَّتِها أو هَوسِ أن يُقلِّلوا عددَ الأمَّة أو أن يُعقِّموا الأرحام أو غير ذلك مما أنت أعلمُ به مِن المقاصدِ الفاسدة؛ اللهم رُدَّ كيدَهم في نحورِهم، وادفع عنَّا جميعَ شرورِهم، ولا تُبلّغهم مراداً فينا ولا في أحدٍ مِن أهلِ "لا إله إلا الله"، بحقِّ "لا إله إلا الله" رُدَّ عن أهلِ "لا إله إلا الله" كيدَ أعدائك ظاهراً وباطنا، وأيقِظ قلوبَهم ونوِّرها، وزَكِّ عقولَهم وصفِّها حتى يُدركوا كيف يتحرَّكون وكيف يسكنون، وبماذا يرضَون وماذا يتركون.

اللهم لا تَكِلنا إلى أنفسِنا ولا إلى أحدٍ مِن خلقِك طرفةَ عين، وتولَّنا بما أنتَ أهلُه يا مكوِّنَ الكون يا حيُّ يا قيوم.

اللهم اختم لنا بالحسنى، واجعل آخرَ كلامِ كلِّ واحدٍ مِنَّا مِن حياتِه الدنيا "لا إله إلا الله" متحقِّقا بحقائقِها وأنت راضٍ عنه يا أرحمَ الراحمين.

نسألكَ لنا وللأمَّة مِن خيرِ ما سألكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مما استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنتَ المستعانُ وعليكُ البلاغُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}

عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاث، ونهَى عن ثلاث:

{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ}

فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكُم، واشكروه على نعمِه يَزِدْكُم، ولذِكرُ اللهِ أكبر.

 

للاستماع إلى الخطبة: 

لمشاهدتها: