يجب عليه أن ينتبه ويعتني ويهتم بتقويم أساس الإيمان، ومعرفة الرحمن، وحكمة الخلق والوجود، ومعرفة الرسالة ومقاصدها، ويحسن صلته بالرسول، ثم عليه بكثرة التأمل والتفكير في حال الآخرة، والمصير المحتوم للناس وكيف يكون الحال فيه، والنظر في أحوال الأمم بأصناف جيوشها ودولها ووزرائها وفنائها وزوالها.
فهذه الأساسيات كلها يجب أن يسعى لحسن تقويمها والتعمق فيها. ولا تقوى إلا بحسن الأداء للفرائض وأخذ النصيب من النوافل، وحسن الترك والاجتناب للمعاصي، وأخذ النصيب من الاحتراز من الشبهات والمكروهات.. هذا كله مع وجود رابطة بشيوخ صالحين وإخوان في الله تعالى مُعينين. فهذا لا بد منه.
ومن دون هذا لا تجلب له هذه المناظر ولا الدخول فيها إلا أضراراً مختلفة متنوعة على مستويات مختلفة، قد تصل إلى أصل دينه إذا لم يُقوِّ هذا الأساس الذي أشرنا إليه.
فهو مثل الذي يرمي نفسه في مياه غزيرة ولم يتعلم السباحة؛ والسباحة هنا هي هذه المواضيع التي ذكرناها من تقوية حقائق الإيمان بالله ورسوله ورسله، وأخبار النهاية الكبرى والآخرة، وشؤون الأمم وما جرى فيها. مقترن بأداء الفرائض واجتناب المحرمات، وأخذ النصيب من النوافل، وتوقِّي الشبهات والمكروهات، ووجود صحبة طيبة ومشيخة نَوِيرَة؛ من غير هذا الأساس لا يعرف السباحة؛ فأي ماء يدخل فيه يتعرَّض للغرق.
وأما كونه متعلقاً بهذه الزخارف، ومروِّجاً لها فقد صار مستخدَماً لسيِّئين في سوء وهو لا يشعر؛ لأن الأساس كان مفقودا عنده. وهذا مظهر من مظاهر الغرق؛ أن يتحول إلى خادم ومروِّج لأشياء تافهة أو ساقطة من عين الله، أو هي أبواب الانحراف، فيصير هو داعياً إليها؛ وهذا مظهر من مظاهر الغرق.
فما عاش في مثل هذا المجتمع المنحرف إلا لأنه سلَّم نفسه لهم، وإذا عرف معنى التوجه إلى الله وحَصَّنها بتقوية الأساس الذي ذكرناه، فليلةٌ واحدة من ليالي رمضان تقطع عنه هذا الوهم كله، ويرى نفسه أنه أقدر على أن يختار وعلى أن يقرر مِن أن يَعُد نفسه بالوهم مأسور، ويظن نفسه معذور وهو مغرور.