معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لها ((لا تُوكِي)): أي لا تَبْخَلي وتُمْسِكي عن نَفَقَةٍ مَحْمُودَة وطَيِّبَة عَرَضَتْ لَكِ خَشْيَةً مِن الفَقْرِ ومِن قِلَّةِ المال، فهذا مَذْموم.
أما مُجَرَّد تَوْزيع دَخْلِ الإنسان على مَصْروفَاتِه الشَّهْرِيَّة ونحوها فلا إشكالَ في ذلك.
فلَوْ عَرَضْ له في ذلك مَصْرِفٌ خَيِّرٌ صحيحٌ فلا يَقُل: قد اسْتَوْعَبْتُ ما عندي؛ ولكن يُخْرِج ما تَيَسَّر مِن هُنا ومِن هناك؛ فلا يَدْخُل في كونهِ أوْكى؛ إنما يُوكِي الذي رَبَطَ على المالِ فَخَشِيَ أنْ يُنْفِقَهُ خَشْيَةَ الفَقْر، فهذا هو المذمُوم، وهذا هو الإحْصاء في اللفظ الآخر: ((لَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللهُ عَلَيْكِ))([1])، وقال: ((ارْضَخِي))([2])؛ يعني: أنْفِقِي في سبيلِ الله ما تَيَسَّرَ لَكِ مِن ذلك.
وتختَلِفُ الأحوالُ مِن جِهَةِ الاسْتِعْدادِ لأداءِ الواجبِ في النَّفقاتِ وغيرها، وأيضاً مِن جهةِ قُوَّة التَّوَكُّل وضَعْفِه، ومِن جهةِ الأُسْرَة ويَقينُهم وقُوَّتِهم أو ضَعْف ذلك؛ فلا بُدَّ مِن مُراعاةِ كلِّ هذه الأمور.
والخلاصَةُ: أنَّ مُجَرَّدَ التَّدْبيرَ وَحْدَهُ وتوزيعَ الصَّرْفِيَّات لا إشكالَ فيه مع التوَكُّل على الله، ولا مع البَذْل في سَبيلِ الله سبحانه وتعالى؛ ما دام لا يَنْقَطِع بذلك عن مُساعدةِ مُحتاجٍ عَرَضَ له وعَرَفَ حاجَتَهُ، ولا عن واجبٍ يَتَوجَّه إليه، أو نائِبَة تَنُوبُه أو تَنُوبُ أحَدَ المسلمين حَواليهِ، وبالله التوفيق.
[1] كلا الروايتين في البخاري.
[2] الرواية في البخاري، وتمامها: ((لَا تُوعِي فَيُوعِي الله عَلَيْكِ؛ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ)).