هذا من جملة العبارات التي سرت بين عدد من أهل العلم وتناقلوها على علاتها هكذا، وعند التحقيق يجب النظر .. فمما هو متفق عليه أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول فما الفرق إذن؟
أما التفريق بأن الرسول أمر بالتبليغ والنبي لم يؤمر بالتبليغ فغير دقيق بل وغير متطابق مع حياة الأنبياء ومهماتهم، لأن مهمات الأنبياء تجديد رسائل الرسل قبلهم وبعثها إذا خمدت في الناس فهم مباشرة مشتغلون بالبلاغ والأداء، وإذا كان المقصود من نبوتهم أن يكون عندهم شريعة وحدهم لا يكلمون بها قريبا ولا بعيدا فما الفائدة من تنبآتهم إذن! وإنما مهمة الأنبياء تجديد رسالات الرسل صلوات الله عليهم ، فالعبارة التي اشتهرت في كتب كثير من الفقهاء وكثير من العلماء أن الرسول أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه والنبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه لا تساعدها النصوص، فيوشك أن تكون تنوقلت تباعًا من منشأ سبقِ لسان أو قلم فتتابعوا عليها على هذا الوجه .. ولكن عند التحقيق نجد أن سادتنا الأنبياء هم القائمون بتزكية الناس وإنقاذ الناس وإرشاد الناس بعد الرسل فهذه هي مهمة الأنبياء وقد يبعثون في نفس وقت الرسل فيرسلونهم الرسل إلى مناطق وإلى قرى لينبئونهم وفي الآية عن أنطاكية ..( واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ) قالوا إنهم أنبياء بعثهم سيدنا عيسى إلى هذه القرية لأجل البلاغ، كذلك شأن الأنبياء ولهذا كان العلماء في أمة النبي محمد ورثة الأنبياء لأنهم يحملون البلاغ عن رسول الله، والأمم السابقة يتجدد فيهم الأنبياء، وقد انقطع الأنبياء فلا نبي ولا رسول بعد نبينا محمد فبقيت المهمة مهمة العلماء وهي تجديد الدين ، أما النبوة فقد انقطعت فصار العلماء هم الذين يجددون الدين.
فبهذا نعلم أن التفريق الصحيح بين الرسول والنبي غير الرسول: أن من جاء بشريعة تنسخ شريعة من قبله أو أنزل عليه كتاب فهو نبي ورسول، ومن جاء فقط ليحيي شرع من قبله ويجدده فهذا نبي وليس برسول . فسيدنا عيسى عليه السلام نبي ورسول لأنه جاء بكتاب جديد ( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) حيث نسخ أحكام من قبله وهو سيدنا موسى، وما بين موسى وعيسى أنبياء غير رسل لا أحد منهم أوحى الله إليه بتغيير شيء من شريعة سيدنا موسى ، فيكون حالهم كحال نزول سيدنا عيسى - وهو رسول - بعد رسالة سيدنا محمد ، فبعد رسالة سيدنا محمد لا فرق بين الأنبياء والرسل ، فالكل تبع للنبي محمد ، فسيدنا عيسى ينزل وهو رسول فيمثل حالة الأنبياء من قبل الذين ليسوا رسلا باتباعه لسيدنا محمد وإحيائه لشريعته فينا عند نزوله ، فهذه العبارة ستصادفونها في بعض كتب أهل العلم الأقوياء أصحاب المكانة في العلم ، ومرجعها عند التحقيق أنها ليست هكذا على وجه الصحة، فالبلاغ مهمة الأنبياء ومهمة الرسل.