هذه الوساوس مهما كانت؛ ما خرج منها عن اختيارك لا يضرك، وإنما يضرك انصياعك لها ورضاك بها ومتابعتك لها وإقرارها أو العمل بها. فأما ما خطر على بالك وأنت تكرهه فإن الخواطر السيئة كفارتها كراهتها، ودواؤها الإعراض عنها، واللجوء إلى ذكر الله. لا بمجرد مرور الذكر على اللسان؛ ولكن أن تبعثَ معنى الذكر وسط القلب.. فأول مراتب الحضور أن تكلف القلب حضور معنى الذكر الذي تقوله، ثم يرسخ ذلك ويقوى بحيث يعبِّر اللسان عن المعنى الراسخ في القلب، ثم لك وراء ذلك أيضا قوة في هذا الحضور. فليس المقصود من الأذكار أن تتلوها بلسانك -وإن كان خيراً- ولكن المقصود أن تفتح لها الباب لأن تنفذَ إلى قلبك. ومع ذلك فلن تُعدم أبدًا من كرمِ الله تعالى ما يكفيك شرَّ هذه الوساوس، فيمكنك الصبر عليها خضوعًا لجلال الله تعالى، مع اللجوء إلى حصن ذكر الله تعالى، مع الإعراض عنها ما استطعت، ولابد أن تزول عنك مهما صدقت. فكذلك معاملة الله للمقبلين عليه في كل العصور وفي كل الدهور، فسبحان الرحمن الرحيم؛ نسأله أن يدفع عنا شر كل شيطان وشر كل ذي شر من الإنس والجان وجميع الأكوان .