1- في البداية نحب أن نتعرف على المولد والنشأة وتلقِّيك عن المشائخ؟
ولدت بمدينة تريم - حضرموت - الجمهورية اليمنية عام 1383هـ - 1963م ونشأت بها وتعلمت المبادئ وحفظت القرآن الكريم ثم تلقيت علوم الشريعة المطهرة واللغة العربية والسلوك عن جملة من علمائها الأفاضل كأبي المفتي، والعارف الحبيب محمد بن علوي بن شهاب الدين والعلامة الحبيب عمر بن علوي الكاف والعلامة الشيخ فضل بن عبد الرحمن بافضل وأخي العلامة الحبيب علي المشهور بن محمد بن سالم بن حفيظ والعلامة الحبيب سالم بن عبد الله بن عمر الشاطري وغيرهم، ثم انتقلت إلى البيضاء باليمن عام 1402هـ -1982م وأخذت عن العارف الحبيب محمد بن عبد الله الهدار والعلامة الحبيب زين بن إبراهيم بن سميط واتصلت بالإجازة العلمية بأسانيد كثيرٍ من علماء الحرمين الشريفين والأزهر الشريف واليمن والمغرب والهند وغيرها.
2- متى ابتدأت حفظ القرآن الكريم؟ ومتى حفظته؟ وعلى يد من ؟
عهدنا من سن الصغر رغبة الوالد في التحاق أبنائه بتحفيظ القرآن الكريم بقبة أبي مريم الشهيرة التي قد أعدَّت لتحفيظ القرآن من قبل أكثر من ستة قرون، وكان ابتداء حفظ القرآن على يد الشيح علي بن سالم الخطيب المتولِّي الخطابة بجامع تريم عليه رحمة الله تبارك وتعالى، ثم تمَّت مواصلة الحفظ للقرآن الكريم في فترات، فبعضه على يد الحبيب العلامة علي المشهور بن محمد بن سالم بن حفيظ، وبعضه على يد الفاضل المنوَّر عبدالرحيم بن حييمد جبران، وكان ختمه على يد الحبيب محمد الملقب سعد بن علوي العيدروس .
3- متى أجازك شيوخك في التدريس؟
ما عهدناه في الفترة التي نشأنا فيها من إجازة الشيوخ للطلاب لتدريس العلم الشريف وذلك بحسب استعداد الطالب واستيعابه وإتقانه وقدرته على الأداء والتعليم، فإذا رأوا فيه الاستيعاب الحسن لمسائل كتاب من الكتب المقررة، وتمام الفهم فيه والقدرة على تعليمه الغير أذنوا له في تدريس ذلك الكتاب والتعليم على حسب المستوى الذي أتقنه وانتهى إليه.
4- هل كانت المهمة شاقة ؟
نحب أن نقول إن الوجهة في مجال الخير والقيام بأعمال البر لا تكون المشقة فيها إلا من جهة نفور النفس الأمارة عن الخير والاحتياج لكل قائم في عمل الخير إلى نهيِ نفسه عن هواها وقهرها على طلب رضا مولاها جل جلاله وتعالى في علاه، وهذه تختلف مستويات الناس فيها، فمنهم من يُعاني في تهذيب النفس حتى تطمئن إلى الخير معاناة صعبة وشاقة وهم الأكثر، ومنهم من يكون الأمر يسيرًا عليه لسهولة انصياع نفسه للخير وتهيئة أسباب ارتياحه بالخير واقتداره به، ولما رُتِّب على فعل الخير والقيام بأعمال البر وخصوصا ما يكون النفع منه عظيما على ذات الإنسان ويعود على غيره من أهل الملة لما كان لكل ذلك عظيم الثواب عظيم الجزاء اقتضى ذلك أن يُحفَّ بمشقَّةٍ على النفس هي معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ( حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات ) ثم مع هذين الأمرين اللذين نبِّهنا عنهما في حكمة وجود المشقة بالخير واختلاف الناس في أنواع تلك المشقة وفي مجاوزتهم لعقبتها إلى طمأنينة النفس فإنه في كل الأحوال يجد الراغب في الخير والمقتحم لأفعاله بالعزيمة والنية الصالحة عجائب وغرائب من رعاية الله وعنايته ولطفه وتيسيره وعونه وكلاءته وحفظه وتوفيقه تفوق بأضعاف كثيرات لا تكاد أن تتناهى كل المشقات التي تعترضه وكل المعاناة التي يجدها في سبيل الخير مهما أخلص وصدق.
5- ما هي الأدوات التي يحسن بها المدرس أداء رسالته؟
ما الأدوات في التعلم ثم في التعليم إلا صدق الوجهة والجد في الأخذ ثم في العطاء، ويكون من ضمن صدق الوجهة إخلاص القصد وإفراده للرب واحتواء الضمير على التعظيم والإجلال للحق تعالى المتمثل في تعظيم شرعه ودينه وعلوم دينه المتلقَّاة في أصلها عن نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
6- متى يستطيع المدرس التأثير سلبا أو إيجابا على طلبته؟
لتأثير المدرس على طلبته أسباب ظاهرة وأسباب باطنة ، وقد فصل ذلك الإمام أبو حامد الغزالي عليه رحمة الله تبارك وتعالى في بيان وظائف المرشد المعلم من كتاب العلم من إحياء علوم الدين، كما هو مبيَّن على ألسنة أئمة الدين من أهل الرسوخ والتمكين والدلالة على الحق تبارك وتعالى.
فأهم الأسباب الظاهرة: الإتقان والإحسان والاستيعاب وحسن البيان والتفهيم، وأن يكون المعلم قدوة حسنة لطلابه في تطبيق ما يعلمهم ويدعوهم إليه ائتمارًا للمأمور وانتهاءً عن المنهي عنه، ومتابعة النظر لهم أثناء التقرير ومتابعة مساءلتهم وتصحيح أجوبتهم، والثناء على المُجيد المُتقن بما لا يوقعه في الغرور، وحثِّ المتأخر المتكاسل بما لا يوقعه في اليأس.
وأهم الأسباب الباطنة: إخلاص القصد لوجه الله الكريم، وامتلاء القلب بالرحمة والشفقة على المتعلمين، ونية إنقاذهم من جميع الشرور والفساد، وتقريبهم إلى رب العباد، وربطهم بالأسوة الذي ارتضاه ربهم لهم حبيبُه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتواضعه القلبي، وكثرة تضرعه بالأسحار، وتفقُّده لأحوال وصفات قلبه، وكثرة تأمُّله لتلك الأحوال والصفات، واستناده إلى الله، وتفويضه إليه وشهوده الأثر منه جل جلاله وتعالى في علاه..
وبضِدِّ ما ذكرنا من هذه الأسباب الظاهرة والباطنة، وبفقدِها يكون التأثير السلبي وجلب المضرة إلى المتعلمين والمتلقِّين بما يوقعُهم فيه، إما من تعالٍ وترفُّع، وإما تحاملٍ وحسد، وإما مِن فصلٍ بين العلم والعمل، وغير ذلك من المساوئ التي تحصل بسبب التعليم القائم على غير الأساس القويم .
7- ما هي العلوم والثقافات التي يجب على المعلم أن يتسلَّح بها ؟
العلوم والثقافات التي يجب على المعلم أن يتسلح بها:
أولها: سعة الإطلاع في مادته التي يدرسها، واستيعابه لأطراف مسائلها وتمكُّنه فيها، ثم الحاجة شديدة في المعلمين عامة ومعلمي علوم الشريعة خاصة للإطلاع على سيرة خير المعلمين وإمامهم وقائدهم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم والتضلُّع في التعرف عليها وتأمُّل معانيها وما احتوته من إشارات ودلالات، ثم علم السلوك الذي لا يستغني عنه معلم لأي مادة ويتأكد على معلمي علوم الشريعة المطهرة، فيجب أن يتسلح به المعلِّم وأن يأخذ نصيبًا وافرًا من ذلك العلم إدراكًا ووِجدانا وذوقًا وتحقُّقا، ثم تاريخ المسلمين والأطوار التي مرت بها الأمة في نواحي حياتهم في تطبيقهم لأمر الشريعة وقيامهم بها، وما اتصل بذلك من نماذج عجيبة ومسالك شريفة وقدوات حسنة وسموٍّ في المبدأ وإبداعٍ في التطبيق والتنفيذ.
8- ما هي النصيحة للطلبة المتأهلين لاعتلاء منبر التعليم؟
النصيحة للمتهيئين والمتأهلين لاعتلاء منابر التعليم الخاص والعام هي: التجرد عن الأغراض والمقاصد الفانية الحقيرة بكل أنواعها وجميع معانيها، والارتقاء إلى إفراد القصد للرب والصدق في الإخلاص لوجهه الكريم، وأن يمتلئوا شعورًا بأنهم في مكان الأمانة البالغة النهاية في العظمة إذ منابر التعليم هي منابر الرسول الكريم مبلِّغ الرسالة الخاتمة الشاملة الكاملة مَن ختمَ الله به النبيين، وكل مَن يجلس على هذا المنبر يجب أن يعرف عظمتَه ويستشعر من هيبته وجلاله ما يعلم به أنه يُسأل عن منبر نبوَّة ورسالة لا حق له فيه من قريب أو من بعيد أن يغيِّر شيئا من معالمه ولا أن يتقدم أو يتأخر إلا بحسب ما شرع وعلَّم صاحب المنبر نفسه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأن يطلبوا مضاعفة الرحمة في قلوبهم للأمة عامة ولمن يعلمونهم ويدرِّسونهم ويذكِّرونهم خاصة، وأن يعمِّقوا في قلوبهم التواضع لله واعتقاد الخير في الغير عامة وخاصتهم خاصة، وأن يُحسنوا البلاغ والأداء والبيان وإيصال المعلومات مكسوَّة بروحانية الشفقة والرحمة والإخلاص والعطف والحنان والهمة السامية والعزيمة القوية، وأن يقوِّوا استعدادَهم للاستفادة من كل انتقاد واستقبال ملاحظة المُلاحظ ونصيحة الناصح وتنبيه المنبِّه أيًّا كان، وأن يعتنوا بتقويةِ اتصالهم بالسند عبر مشائخهم وسلسلاتِ السند إلى المنبع والمصدر وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
9- كيف جاءت فكرة بناء دار المصطفى ؟ وكيف جاءت التسمية ؟
أقبل الطلاب لأخذ العلم والتربية بعد تمكُّننا من العودة إلى الوطن تريم بحضرموت في وقتٍ اشتدت فيه حاجة الأمة لأخذِ علم الشريعة ولتهذيب النفوس وتوسيع آفاق الدعوة إلى الله تبارك وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، فابتدأنا نُسكن بعضَ الغرباء الذين قدِموا من إندونيسيا وغيرها في بيتنا، ثم استأجرنا لهم بيتًا بجوارنا، ثم أسكنَّاهم في بعض الغرف التابعة لمسجد التقوى وبمبنى تابع لمسجد مولى عيديد ، وهم يتزايدون من وقت لآخر مما قامت به الضرورة لإيجاد المبنى الذي يحتويهم ويتيسر لهم فيه أخذُ العلم والعمل به والتهيؤ للقيام بالدعوة إلى الله عز وجل.
ولما كانت المقاصد الثلاثة هي جهدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمة ونتيجة أدائه للبلاغ عن الله تبارك وتعالى في رسالته الخاتمة الكاملة العالمية كان حريًّا أن يُنسب المكان الذي تقوم فيه مقاصد أخذِ العلم والتزكية والدعوة إلى الله باسمه عليه الصلاة والسلام، ومن هنا جاء اسم دار المصطفى رزقنا الله اتباعه واقتفاءه والاهتداء بهديه
10- ما هي النصيحة التي تقدمها لمحبي الاستماع إلى العلماء في العالم الإسلامي سواء كانوا من الطلبة أو مدرسين أو دعاة أو مربين ؟
النصيحة لمحبي الاستماع إلى العلماء فيما يُذاع ويُنشر مقروءًا ومسموعًا هي أخذُ الأمر بما يليق بعلم الشريعة من التعظيم ونية التطبيق والعمل ثم التبيُّن والتبصر بالمراد والمقصود وضم أطراف المسالة الواحدة والكلام المتعدد عن القضية والمسألة الواحدة أيضا، وإضافة ما يُسمع من كلام المتمكِّنين من أهل العلم الآخرين عن تلك المسالة إليها حتى تتكوَّن الصورة المناسبة، وإخلاص القصد في الاستماع بأن يُنوى التوصل به إلى الفقه في الدين والتقرب إلى الحق تعالى رب العالمين وطلب سرور قلبِ مبعوثه المرسل رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ثم أن يكونوا على استعداد وفرح للاستماع مِن كل متمكِّن في العلم وكل قائل بالحق والصدق، وأن يعتدلوا في ثنائهم على مَن يستحق الثناء، وأن يتجنبوا التطاولَ بلَمزِ أحد المتحدثين بالعلم أو ضرب أقواله ببعضها أو أقواله بأقوال غيره، وليعلموا المقصود الأعظم من الاستماع إلى المتحدثين عن الشريعة لأخذ الفهم والتنقية للضمير وتوجيه الهمة إلى رضوان العلي الكبير جل جلاله وتعالى في علاه أن تكون تلك مادةً للتجديد في حياة الأسرة والأصدقاء ومحيط الإنسان الذي يعيش فيه، فيتغذى من ذلك الاستماع بما يمدُّ به مجالسيه وأهليه وأقاربه وأصدقائه، ويصبغ به مجالسَه وحديثَه مما يعود بالنفع ويصبغ الحياةَ بصبغة الايمان والتقوى (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون) .
11- كيف تنظر إلى المستقبل في ظل المغيرات الرهيبة للأمة الإسلامية؟
النظر للمستقبل مع ملاحظة المتغيرات في الحياة للأمة الإسلامية على وجهين:
أما الوجه الأول فنوقن ونثق أن الحق منجزٌ وعدَه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه مظهرٌ دينَه على الدين كله ، وأنه لا يبقى بيتُ حجر ولا مدَر ولا وبَر إلا دخله الإسلام بذلِّ ذليل أو عزِّ عزيز، وعد الله والله لا يخلف الميعاد .
أما الوجه الثاني فبخصوص الحوادث التي تقع في الأمة وتقدير الأزمنة للتغيرات، ومتى يكون إنجاز الوعد؟ ومتى تكون الخلافة؟ ومتى يكون ظهور الإمام المهدي؟ ومتى ينزل سيدنا عيسى بن مريم؟ ومتى ترتفع الدول الفلانية؟ ومتى تنحط الدول الفلانية؟ إلى غير ذلك ، فكل ذلك من جملة الغيوب التي أُمرنا فيها بحكم هذه الشريعة الكاملة الغراء أن نكون على الأدب مع الرب جل جلاله وتعالى في علاه، لا نوجه هممنا للتجسس على أمر الغيب الذي غيَّبه الله عنا، ولا نعلق أنفسنا بذلك ولا نربط وجهتَنا في سَيرنا في العلم والعمل بشيء من كل التوقعات والاحتمالات لأن المنطلَق من أساس متين ثابت قوي مكين لا تؤثر فيه التغيرات شي، إنما الواجب عند حدوث أي حادث وحصول أي وضع وتغير أي حال أن نقابل الواقع الذي يكون بما أُمرنا به في ثوابت شريعة الله ونصوص منهج الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهي سبيل قويمة واضحة بعيدة عن التعصب قائمة على تنبُّه للأهواء حتى لا تخالطَ مساعينا ونظرتنا إلى الناس، فنحن على تفويض كامل للحق وعلى منهج واضح قال فيه سيدنا وإمامنا حامله ومبلِّغه الأول صلى الله عليه وسلم: ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه ) بهذا الثبات على تلك الثوابت العظيمة نقابل جميع الأحداث والطوارئ ولا نرضى بتعلقات القلوب بمتى سيكون كذا، ومتى سيكون ذاك، ونفوض الأمر إلى الله مع يقيننا أن كل ما أخبر به رسول صلى الله عليه وسلم سيكون كما أخبر، وكل ما وعدَ الله سينجز كما وعد، ويزيد أهلَ الايمان به زيادات من عنده جل جلاله وتعالى في علاه.
فعلى هذين الوجهين نحب أن يستقيم النظر إلى المستقبليات في عالم الدنيا، ونحب أن يستقيم النظر إلى المستقبل الأخطر والأكبر وهو مستقبل كل فرد يهم كل فرد ويخصه وهو حاله عند الوفاة وعند وضعه في قبره وحياته في برزخه وحالته عند حشره ونشره وقيامه بين يدي الله تعالى ووقوفه للحساب وللميزان وأخذه للكتاب باليمين أو الشمال ووقوفه على الميزان ومروره على الصراط ووروده على حوض المصطفى واستقراره إما في الجنة أو في النار، فنحب أن يكون شغل القلب بها أكبر وأكثر واهتمامه بها أعظم وأقوى، وأن يكون الاستعداد لها من خلال الثبات على تلك الثوابت بالطريقة المُثلى التي خلَّفها فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وحملَها الأكياس من أكابر العارفين.