08-2004
13

لقاء مجلة الأهرام العربي

مقدمة اللقاء

الشيخ عمر بن حفيظ مدير دار المصطفي في تريم بحضرموت شاب في بداية الأربعينات من عمره وابن احد ابرز علماء تريم‏.‏ وعميد دار المصطفى،‏ تدهش من طلاقه لسانه وحسن بيانه وسرعة بديهته وتحدثه بالفصحى من غير تكلف من خلال حديثه وابتسامته الهادئة وتواضعه الجم‏ التقته الأهرام العربي وأجرت معه الحوار التالي‏ :

 

في البداية نحب أن نتعرف على السيرة ذاتية عن الشيخ عمر بن حفيظ ودراسته ، وكيف أسس دار المصطفى وأصبح عميدا لها ؟

ولدت بمدينة تريم – حضرموت – الجمهورية اليمنية عام 1383هـ - 1963 م ونشأت بها وتعلمت المبادئ وحفظت القرآن الكريم ثم تلقيت علوم الشريعة المطهرة واللغة العربية والسلوك عن جملة من علمائها الأفاضل كأبي المفتي, والعارف الحبيب محمد بن علوي بن شهاب الدين والعلامة الحبيب عمر بن علوي الكاف والعلامة الشيخ فضل بن عبد الرحمن بافضل وأخي العلامة الحبيب علي المشهور بن محمد بن سالم بن حفيظ والعلامة الحبيب سالم بن عبد الله بن عمر الشاطري وغيرهم ثم انتقلت إلى البيضاء باليمن عام 1402هـ -1982 م وأخذت عن العارف الحبيب محمد بن عبد الله الهدار والعلامة الحبيب زين بن إبراهيم بن سميط واتصلت بالإجازة العلمية بأسانيد كثيرٍ من علماء الحرمين الشريفين والأزهر الشريف واليمن والمغرب والهند وغيرها, ثم عدت بعد الوحدة اليمنية إلى تريم عام 1414هـ 1994م وكانت البداية بتأسيس دار المصطفى وأقبل طلاب العلم والفائدة عليها من مختلف الجهات .

 

لماذا تتمتع تريم بالذات بالشهرة الدينية وكذلك بالأربطة ؟

لكثرة من سكنها وحلَّ بها على مدى قرون متتابعة من الجامِعين بين غزارة العلم والعقل وإخلاص العمل والحرص على نفع المجتمع والأمة .

 

يلاحظ قيام فخامة الرئيس علي عبد الله صالح بزيارة دار المصطفى أكثر من مرة فهل ترعاكم الحكومة لأنكم تتبنون منهج الوسطية والاعتدال ؟

زيارة فخامة رئيس الجمهورية الأخ المشير علي عبد الله صالح للدار وبعض مواطن العلم الشرعي الخالص دليل على تشجيعه للعلم النافع النزيه واهتمامه بما يعود بالنفع على الوطن والمسلمين من انتهاج الاعتدال والبعد عن الإفراط والتفريط .

 

كم يبلغ عدد الطلاب والمعلمين وجنسياتهم في دار المصطفى ؟

يبلغ عدد الطلاب الساكنين بدار المصطفى نحو الخمسمائة من اليمن والسعودية والإمارات وسلطنة عمان وسوريا والأردن ومصر والسودان وشرق آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا وأستراليا. أما المدرسون فعامتهم من اليمن وفيهم أفراد من الأزهر الشريف والعراق .

 

ما هي إجراءات قبول الطلاب في دار المصطفى ؟

يشترط لقبول الطالب بالدار أن يكون حسن السيرة والسلوك, والتعريف به من اللجنة المعينة ببلده إن كانت, وإلا فمن رجال العلم أو الأعيان المعروفين, والحصول على التأشيرة من الحكومة اليمنية إن كان من خارج اليمن وهي تشترط موافقة دولته وأن يدفع رسوم الإقامة, وتذكرة السفر, ورسوم التغذية 1000 ريال يمني كل شهر .

عندما يتخرج الطالب من دار المصطفى هل يستطيع ممارسة الدعوة مباشرة وهل تعترضه صعوبات عندما يعود إلى بلده ؟
يمكن للمتخرج القيام بمباشرة التعليم والخطابة والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة وإنما تعترض صعوبات التكاسل والميل إلى المظاهر والزخارف القاطعة عن أداء المهمة على وجهها .

كيف يجب أن يكون الداعية إلى الإسلام في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها المجتمع العربي والإسلامي ؟
يجب أن يكون أشد انتباهًا لأسس دعوته الكاملة الشاملة العظيمة إخلاصًا للحق ورحمةً للعباد وإبرازًا للوجه الصحيح الأجمل للشريعة الغراء قولاً وفعلاً ومعاملةً مع الثبات التام على القيام بالواجبات والابتعاد عن المنهيات متحذِّرا من دسائس النفس ومن التأثر بالإغراءات أو التهديدات متزوداً بسعة النظر في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقتديا به مهتديا بهديه .

 

هل تأثرتم بأحداث 11 سبتمر ، وما هو موقف فضيلة الشيخ عمر بن حفيظ من الإرهاب والتطرف وثقافة العنف ؟

إنما التأثر من حيث إصابة الأبرياء وترويع الآمنين بغير وجه شرعي ونسبة ذلك إلى منتمين لدين الهدى والعدالة والرحمة, وما يترتب على ذلك وينجم عنه من انتشار اعتداءات وظلم وتعب وعناء للبشرية .
أما الإرهاب فإنما يكون بحدوده وقيوده للمتجرئ المعتدي المنتهك لحرمات الغير, ولأجله أنشئت السجون وأجهزة الأمن في جميع الدول, أما ترويع آمنين بغير حق أو إكراه على دين أو إجحاف في حق أحد أو تضييع حق لأحد أو اضطهاده أو الاستبداد عليه في حقوقه والاستيلاء على مصالحه وما يجري مجراه فلا يقر ذلك شرع ولا عقل وهو من أكبر أسباب البلاء على الإنسانية ومردوده وخيم .
وأما التطرف فهو شذوذ في السير وعوج في المسير وخلل في الانتهاج لا يثمر إلا الشقاق والتباعد والعناء.
وأما الثقافة فنراها تتناقض مع العنف في غير محله ولا تتفق معه بحال, وإنما يغلب العنف على متهور فاقد للحجة والبرهان يريد فرض رأيه وما يهواه بغير منطق ولا بيان وهذا متناقض مع أصول الشريعة وثقافة الإسلام القائمة على أساس ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) ( ادفع بالتي هي أحسن ) ( قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) وحديث ( وما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا كان العنف في شيء إلا شأنه ) ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) .

 

هل أنتم بعيدون عما يحدث في فلسطين والعراق ، وما هو موقفكم من الجهاد في سبيل الله ؟

كيف نكون بعيدين عما يحدث فينا وفي أمتنا وفي عصرنا فنحن مع المظلومين والمضطهدين بغير حق بالدعاء لهم ودعوة الناس إلى إنصافهم ومساعدتهم .
أما الجهاد في سبيل الله فهو السعي بمختلف الوسائل لتكون كلمة الله هي العليا وفي ذلك خير الإنسانية والبشر أجمعين مهما قام على ضوابطه وأسسه الشرعية النبوية وليس ذلك مختص بالقتال وحده وإنما الحذر أن يقوم على الاندفاع على هوى أو مصلحة فرد أو حزب أو طائفة أو غرض من الأغراض الحقيرة الفانية أو على جهل ومخالفة للهدى النبوي ثم يسمى شيء من ذلك جهاد في سبيل الله .

 

كيف تسير الدراسة في دار المصطفى بالنسبة للطلاب والطالبات ؟

قامت الدراسة للطلاب والطالبات بدار المصطفى على ثلاثة مقاصد: الأول تحصيل العلم النافع بتلقيه عن المتأهلين الأكفاء بسنده إلى المنبع الأول . الثاني: تزكية النفس وتهذيب أخلاقها بالهدي النبوي . الثالث: نفع الأمة والعباد بنشر الخير والهدى فيهم والدعوة إلى الحق عز وجل, ففي المقصد الأول يتلقون علوم القرآن والشريعة الغراء حديثًا وأصولاً وفقهًا في مذاهب أهل السنة كالمذاهب الأربعة والزيدية, واقمنا مبنى خاصا تابعاً لدار المصطفي يسمى دار الزهراء خاص للنساء يدرس فيه نفس المنهاج الخاص للاولاد مع التركيز على ما تحتاج اليه النساء من علوم خاصة بهن وعلى نفس النمط المتبع لطلاب دار المصطفى.‏
كما توجد في الدار مدرسة أهليه خيرية للتعليم الأساسي والثانوي للبنين والبنات قائمة على منهج وزارة التربية والتعليم ويدرس فيها طلاب من أبناء تريم وكذا من الراغبين من طلاب الدار الساكنين فيها وتعطى لهم بين المغرب والعشاء بعض الدروس في علوم الشريعة وحفظ القران الكريم وغيرها من العلوم الأخرى.

 

بماذا يتميز المجتمع في حضرموت عامة وتريم خاصة ؟

المجتمع بحضرموت كبقية المجتمعات المحافظة على قيمها وموروثها في المبادئ الإسلامية تتميز بتيسير سبل الاستقامة للراغبين وبساطة العيش واستقرار الأمن ووفرة العلم كما تتميز تريم بكثرة المساجد وحلقات العلم وكثرة آثار رجال العلم والصلاح, وكثير من الواردين إليها من المسلمين وغيرهم في الأيام الأخيرة قالوا ما كنا نظن قبل أن نمشي في شوارعها أنه يوجد على هذا الحال بلد في هذا العصر .

 

كيف توفرون الموارد المادية للإنفاق على دار المصطفى ؟

توفير الموارد المالية للإنفاق على الدار بالسعي لدى أهل الخير من الراغبين في التبرع بغير شرط ولا قيد, وبدأنا في الوقت الأخير نثبت أوقافًا للدار, ونحن الآن في إقامة مشاريع تجارية بالتفاوض مع المستثمرين ليكون للدار دخل مستمر يغطي مصاريف الإنفاق .

 

بماذا تتميز دار المصطفى عن غيرها ؟

هي كغيرها من أربطة ودور العلم الشرعي المعتنية بربط العلم بالتزكية والعمل والسلوك والفكر السليم القويم المعتدل الواسع الشامل, تتوفر فيها البينة الإيمانية الروحانية المساعدة على تحصيل المقاصد .

وبالله التوفيق