بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على عبده المصطفى الأمين، سيدنا محمد نور الله المبين، الهادي إلى صراطِه المستقيم، ذي الخلق العظيم والنهج القويم. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه.
أما بعد: فإلى أحبابنا وأهل ودادِنا ومَن ربطتنا به روابط الإيمان والمحبة من أهل لا إله إلا الله..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يطيب لنا أن نتحدث معكم في كلمة شهر ربيع الأول لعام واحد وثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة نبيِّنا المصطفى محمدٍ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ذكرى ميلاده وبروزه ووجوده إلى هذا الوجود..
يطيب أن نتحدث معكم عن قضيةٍ تتعلق بمعنى التحكيم الذي فرضَه الله تبارك وتعالى علينا في كتابه، كقوله ( فلا وربِّك لا يؤمنونَ حتى يحكِّموكَ فيما شجرَ بينهم ثم لا يجدُوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ ويسلِّموا تسليما ) فلا يتمُّ لنا إيمانٌ ولا يكمل حتى يتمَّ ويكملَ منا هذا التحكيمُ لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ولما كان ميدانه فسيحاً فإننا في هذه الكلمة نشير إلى مهماتٍ تتعلق بالتحكيم في السمع والبصر والفؤاد، إشارةً إلى قولِ الحق جل جلاله ( إن السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئك كان عنه مسئولا).
وفي تحكيمه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في السمع يجب علينا أن نتفقَّد أنفسَنا في خلال هذا الشهر، أن نكثِر الاستماعَ والإصغاءَ إلى الآياتِ المنزلة عليه، والأوصاف التي تحلَّى بها، والصفات التي حلَّت فيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، والأخلاق التي كان هو منبعُها وعنه تُلقِّيت.. أن يكثُر استماعُنا إلى أخبارِه وإلى شمائله وأوصافه، وأن نتفقَّد السمعَ بدايةَ التدريبِ من خلال هذا الشهر ليستمر فيما بعد، حيث لا ينصرف هذا السمع إلى ما يدخل في دائرة النهي ويدخل في دائرة الكراهة في شريعته الغراء، كل ما نقصد سمعَه في البيوت أو في السيارات أو في أماكن العمل وحيث ما نكون، كذلك ما يطرق أسماعَنا من غير قصدٍ له، نسرع الإعراض عن كلِّ ما يُخِلُّ بالأدب في اتباعه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، سواءً كان من الكلمات السيئة أو من آلات العزف المحرمة، وكل ما يدخل في دائرة مخالفة الشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، ثم أن نحكِّمه في أن لا نتحدث بكل ما سمعنا فقد جاء عنه ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ) بل مهما استمعنا من شيء فلا ننشر مما نسمعُه إلا ما كان في نشرِه فائدةٌ ونفعٌ وخيرٌ لنا وللأمة.
ومن مظاهر تحكيمه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في البصر مضافاً إلى السمع أيضاً أن نتفقَّد ما يجري في ديارنا بدايةً من خلال هذا الشهر، ونستمر بعد ذلك، ما يجري في ديارنا من مسموعات ومرئيات، من مقروءات ومنظورات في مختلف الكتابات والأجهزة الموجودة لدينا في الديار، وأن نعمل على غضِّ البصر عما حرم الله سبحانه وتعالى النظرَ إليه، من كل ما يكون في دائرة الشهوة المحرمة، وما يكون من النظر إلى متاعِ أو بيت الغير بغير إذنه، وما يكون من نظرٍ بعين الاحتقار إلى مسلم، وأن نستعمل النظرَ في التأمل في ملكوت السموات والأرض، وأن نتذكر أننا نُعِدُّ أبصارَنا هذه لأن يُمتِّعنا اللهُ أن نبصر بها وجوهَ أنبيائه وأصفيائه في البرازخ وفي القيامة وفي الجنة دار الكرامة.
أيها المؤمنون: يجب أن نأخذ هذا الدرس في شهر المولد، فالآخذُ به بعزيمة وقوة هو صاحب مولدٍ جديد يتجدد في ذاته من معاني مولدِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الذي أشرق النور عند مولده نصيباً من ذلك النور فيتصف سمعه وبصره بما ذكرنا، وليكن من تحكيمِنا له أن لا ننظر إلى شيء من زخارف الدنيا بنظرِ الاستعظام ولا المحبة لها ولا الرغبة فيها بل نظر الاعتبار بها والتذكُّر لعواقبها ونهاياتها.
أيها المؤمنون: وفي مظاهر تحكيمِه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في الأفئدة أن ننأى بأفئدتنا عن أن تُوالي غيرَ طاعة الله تعالى، وغير المطيعين لله، ونصدُق في تحقيق ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتولَّ اللهَ ورسولَه والذين آمنوا فإن حزب الله هم المفلحون ) وليكُن لنا تفقدٌ حسنٌ في مسألة الموالاة هذه.. مَن نُوالي؟ وما ذا نوالي؟ من ننصر؟ ومن نحب؟ ومن نتبع؟ فكل ذلك من شأنِ تحكيمِ رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في الفؤاد، حتى نصل إلى تحقيقِ أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إلينا مما سواهما، وحتى نصلَ إلى معنىً من الشغف والولَع القلبي وتعلُّق الفؤاد بالحق ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ليظهَر أثرُ ذلك في أنحاء تفكيرِنا وتصوُّراتِنا ونياتنا وأحاسيسنا ومعاملاتنا.
أحبتنا في الله: إنها مائدة الخير بُسِطت في الشهر الكريم، لتتصل لنا ولادةٌ تتجدد في ذواتنا عبر الصفات وما يحل في الذوات من تلك الأنوار الزاهيات الباهيات لتتصل بولادة سيدنا محمد في شهر مولد سيدنا محمد.
بعث الله منا العزائم، وثبَّتَ لنا الدعائم، وقوَّانا على القيام بما ينبغي وما يليق بهذا الشأن العظيم الواسع، وثبَّتنا أكملَ الثبات، ووفَّر حظَّنا من الشهر وصاحبه الذي به تشرف صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.