بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المصطفى الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإلى إخواننا وأحبَّتنا في الله، من أهل لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، نوجِّه كلمتَنا لهذا الشهر، شهر ربيع الثاني، من عام واحد وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرةِ نبينا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وعلى جميع من وصلَتهم كلمتُنا هذه من جميع أولئك الإخوان والأحباب سلام الله ورحمته وبركاته.
أيها الأحباب في الله: كلمة الشهر عن تأمُّل معنىً في الجوار، وأداءِ واجبٍ فيما يتعلق بالإحسان إلى الجار ومحبة الجار والعطف على الجار وأداء حقوق الجار، ولنَعلم أن الجِوار في معناه الواسع لمَن جاورَك في مسكنٍ أو جاورَك في عملٍ أو جاورك في سفر، أو كان له معك جوارٌ في تعليم، أو جاورك في بلدٍ بالنسبة بين أهل البلد والبلد الأخرى؛ ونجد أن اتساع معنى هذا الجوار يأتي للمجاورة في المخاطبة مِن كلِّ مَن تتمكن عبر الأجهزة المختلفة بالتخاطب معه.. إن هذا الجوار والقيام فيه بما أحبَّ منك اللهُ تبارك وتعالى وشرع لك، وبما دعاك إليه رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يهيِّئك للنتيجة الكبرى، والنتيجة الكبرى أن يطيب لك جوارُ رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وجوارُ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار الكرامة، وأن يطيب لك الجوارُ مع مَن تُهيَّأ لمجاورتِهم في البرازخ بعد الموت، ثم لمُجاورتِهم في مواقف القيامة.
فيا أيها المؤمن بالله تبارك وتعالى: تأمل جيداً واجباتٍ تقوم بها مع هذا الجوار كلِّه، تكون بذلك مُحقِّقاً لحقائق الإسلام والإيمان، فو الله لا يؤمن من لا يأمن جارُه بوائقَه. أي شرورَه وغوائلَه، ويُروى في الحديث ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيُورِّثه) وفي وصية الحق في الكتاب العزيز قال: { والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل } ولقد حمل لنا تاريخ الإسلام نماذجَ غرَّاء من معاملة الصحابة ثم التابعين وتابعيهم بإحسان للجيران، وكان لذلك آثارٌ كثيرةٌ وقعت على نفسيات الجيران ومَن عدَاهم، وما أحسنَ أن نستخرجَ من تُراثنا وتاريخنا أمثالَ هذه الوقائع والقصص وننشرها بيننا ولأهلينا وأولادنا.
إن هذا التطبيق الذي حدث وظهرت به تلك النماذج هو في حدِّ ذاته لسانُ خطابٍ عمليٍّ واقعي، يدعو إلى الله وإلى رسوله، ويُبرِز محاسنَ الشريعة الغراء وجمالَ دين الله سبحانه وتعالى، ثم إننا إذا أضفنا إلى جانب المعاملة الحسنة والتفقُّد وعيادة المريض والمواساة والعطاء بقدر المستطاع والدعوة إلى البيت وما إلى ذلك، إذا راعَينا مع ذلك وأضفنا إليه حسنَ العرض لمنهج الله، والحضَّ عليه، والتذكير بلقائه والمصير إليه، ونشرَ محاسنِ نبيِّه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وفضائله وشمائله ومناقبه، نكون بذلك على جِوارٍ مع شريعة الله، فنكون على جوارٍ مع الرحمن، ونكون بذلك على جوارٍ مع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فنكون في ذلك في معنى جوارٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. فما جاوَرنا مما وصل إلينا من هدي الأنبياء وسنة خاتَمهم هي جاراتٌ لنا ينبغي أن نحسنَ جوارها، وبإحسان الجِوار معها نتهيأ لمجاورة النبيين وسيدهم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
كما دعانا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في معاني الجِوار إلى أن نُحسن مجاورةَ النِّعم، ولمَّا رأى عليه الصلاة والسلام أثراً من الطعام رفعَه، وقال: يا عائشة أحسنِي مجاورةَ نِعمِ الله، فإنها إذا خرجَت من أهل بيتٍ قلَّ ما تعود إليهم. ومن نِعم الله تبارك وتعالى أوقاتُ فراغٍ نتحصَّل عليها، ينبغي أن نحسنَ مجاورتَها بِصرفِها فيما ينفع ويرفع القدرَ لدى الحق، وفيما يخدم هذه الشريعة والدين.
وإن من أعظم النعم التي يجب علينا حسنُ مجاورتها نعمةُ الحرية، ونعمة الأمان والاستقرار والقدرة على البلاغ وإيصال الخير وبيان الهدى، فلنُحسن مجاورةَ هذه النعمة بحُسن العرض لمنهج الله، والبيان عن شريعته، والتذكير بلقائه بمختلف الوسائل التي لدينا، وبذلك نُبرِز وجهَ الجلال والجمال والكمال للشريعة الغراء، وحينئذٍ تتذاوب تلك الدعايات الكاذبة والافتراءات على الشريعة وأهلها والدين وأهله، وتدرك العقول الواعية والأذهان الصافية في كل مكان عظمةَ هذا الدين وزورَ ما تتفوَّه به ألسنُ المجترئين المُغرضين، وبذلك أيضاً نتحصل على نصيب من صفاءِ البواطن والقُرب من الحق جل جلاله، وزيادة الإيمان به واليقين.
وفَّقنا الله وإياكم وأخذَ بأيدينا ورزقَنا أداءَ حقوق الجار والإحسانَ إلى الجيران، وحسنَ مجاورةِ نِعمِه، وهيَّأنا لمجاورة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وصفوةِ عبادهِ المقرَّبين في دار الكرامة.. والحمد لله رب العالمين.