10-2010
16

شهر ذي القعدة 1431 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإلى إخواننا أهل الإسلام والإيمان..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وهذه كلمة شهر ذي القعدة من عام 1431 من هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

ونقول: إن الحقَّ تبارك وتعالى قد جعلَ عدَّةَ الشهور عنده اثني عشر شهراً كما قال سبحانه {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ }التوبة36. منها أربعةٌ حرمٌ أي مكانَ مَزيَّةٍ وخصوصيةٍ لأشهُرٍ من بين بقية الأشهر، وقال في هذا الترتيب لأشهر العام {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}. لا تظلموا أنفسكم في خلال الأشهر، فالأشهر هي زادُكم، وهي محلُّ تعبئتِكم لمستقبلِكم، وتعبئتِكم الخير، وتزوُّدكم بما يعود عليكم بالمنافع وما يحقق لكم السعادة.

ولقد أقبلَت علينا الأشهر الحُرم بعد أن فارَقنا شهراً من أشهر الحج وهو شهر شوال، ومنها شهران من أشهر الحج وهما ذو القعدة وذو الحجة، فشهر ذي القعدة أول الأشهر الحرم من حيث السَّرد وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم وشهر فرد وهو رجب، وفي الأشهر الحرم ما بين ذي القعدة وذي الحجة الموسم الكريم المبارك موسم الحج، الذي هو شعيرةٌ من شعائرِ دين الله، وركنٌ من أركان الإسلام، يتوافد فيه أهل الإسلام على بيت الله سبحانه وتعالى، ويحجُّونه تعظيماً وعُبوديةً منهم للإله الحق الخالق سبحانه وتعالى {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}آل عمران97.

وعند هذه الآية واستقبال الموسم نؤكد على أن مِِن واجب المؤمن أن يفرِّق بين الأوقات، بمعنى أن يكون مستعداً لاغتنامِها وتخصيص المخصوص منها بزيادةٍ في الإقبال على الله تبارك وتعالى والتزوُّد بزادِ التقوى، فمِن جملةِ ذلك أن يكون فيها كثيرَ الذكر للرحمن تبارك وتعالى. وأن يتحلَّى بحِليةِ الأدب مع الله عز وجل، ولنأخُذ ذلك من قوله سبحانه وتعالى في موسم الحج الكريم المبارك {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}البقرة197.

ومن الآداب التي ينبغي أن نتحلى بها: اجتناب الرفث، والرفث كل ما يستحيي أولي الفطرةِ السليمة والعقل منه ومن الحديث به، فينبغي اجتناب الرفث بجميع معانيه فليكن مِن زادِنا في هذا الموسم الكريم أن نتعودَ تجنُّبَ الرفث، ونقيم قاعدتَه في الأسر والمنازل وفي مجالس الأصدقاء، حتى يبدو في واقعِنا معنى من السموِّ والجديَّة والرِّفعة في الوجهة، فذلك طهرٌ يعلو شؤونَنا في اللقاءات والمجتمعات؛ وعند حديث اللسان نكون مقوِّمين لهذا الحديث، فإن حديث اللسان يوصل إلى انتهاك الحرمات، وسَفكِ الدماء، وانتهاك الأعراض، واستحلال الأموال، والقطيعة، كما يوصل إلى كثير من الشرور، بسبب إطلاق اللسان بلا أساس من المراقبة والاحتكام لمنهج الله تبارك وتعالى، قال نبينا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقُل خيراً أو ليصمت.

فينبغي أيها المؤمنون أن نتخذ من هذا الموسم حقيقةَ تربيةٍ لنا في الديار والأسر، فنتعوَّد تركَ الرَّفث في المخاطبة لصغارنا وكبارنا ورجالنا ونسائنا، ولْنُنَزِّه أسماعَنا كذلك عن الإصغاء إلى الرفث كما نُنزِّه ألسنتَنا عن النطق به.

وسمعَك صُن عن كلامِ القبيح              كصَونِ اللسانِ عن النطقِ به

فإنك عنـد استمـاعِ القبيـح              شـريكٌ لقـائلـهِ فـانتبـه

ولهذه الخطوة الطيبة في تصفية الكلام وتنقية الأسماع عن سماع الرفث فائدةٌ كبيرةٌ ومدخلٌ على صلاحٍ يتعلق بالأسَر والمجتمعات، فنرجو أن نستفيد من مرور الأشهر علينا ومرور الأيام رُقِيًّا حقيقيًّا، خصوصاً فيما يتعلق بزكاة نفوسنا، ورابطتِنا بالحق تبارك وتعالى التي لا يكون أحسن ترجمة لها من ضبط اللسان بميزان الشريعة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسيدنا معاذ: ألا أدلُّك على مِلاكِ ذلك كلِّه؟ كُف عليكَ هذا، وأمسك بلسان نفسه. فقال سيدنا معاذ يا رسول الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به قال: ثكلتكَ أمك يا معاذ، وهل يكبُّ الناسَ في النار على مناخرهم - أو قال - على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم.

فانظر ماذا تحصد من هذا اللسان، وأمامك من الكلم الطيب الصاعد إلى حضرة الرحمن جل جلاله، ومن الكلام المبارك الذي به تتنوَّر وتتطهَّر أو تنشر الخير بين الناس، وتنشر الألفة والأخوة، وتنشر بين الناس احترام ما حرم الله تبارك وتعالى من الدماء والأموال والأعراض، كل ذلك نصل إليه حينما تبدأ خطوتُنا الصحيحة في تركِ الرفَث.

ولا شك أن مِن أعظم الرفث ما يُغرى به الإنسان على الآخر في مالِه أو عرضِه أو دمِه، وذلك أعظم الأشياء بعد الشرك بالله تبارك وتعالى، بل هو الذنب الذي اختُلف أتُقبل منه التوبة أم لا؟

إذاً نحن أمام موسمٍ يجب أن نغتنمه، وأيامٍ يجب أن نتزودَ منها لدار البقاء، وفَّقنا الله، وأخذ بأيدينا، وله الطَّول والمنَّةُ وعليه التكلان وبه الثقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.