بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، حمداً يشرق سناه على قلوبِ المتوجِّهين إليه، ويتأكَّد به حسنَ السَّير للمُقبلين عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الهادي من يشاء إلى الصراط المستقيم. ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله القدوةُ في كلِّ خُلقٍ كريم، والباب إلى كلِّ مقامٍ شريفٍ فخيم، اللهم صلّ وسلِّم على عبدك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابه.
أما بعد: فإلى أحبابنا في الله وإخواننا في الله ومن ضمَّنا معهم حقيقة المودة في الله تبارك وتعالى وإدراك عبوديَّتنا لإلهٍ واحدٍ حيّ قيوم منه المُبتدأ وإليه المرجع والمصير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وكلمة أوائل الشهور من عام اثنين وثلاثين وأربعمائة وألف نتذكر فيها من معاني الهجرة الشريفة ما يجب أن ترسخ أقدامُنا فيه، وهو ما حدَّثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مِن أن المهاجر مَن هجر ما نهى الله عنه، من أن المهاجر من هجر السيئات. وتكرر هذا المعنى في عددٍ من الروايات عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
وإن الانتباه من هذه القضية هو حقيقةُ تحصينٍ لهذه الأمة من أنواع الفتن، ومن أنواع انسياق الشرور إليهم المتزايدة المتكاثرة المترابطة التي يوصل قليلُها إلى كثيرِها وصغيرُها إلى كبيرِها، ولكن سدَّ مداخلِ الفتن باجتنابِ ما نهى اللهُ عنه، والبعدُ عن السيئات، وترسيخُ ذلك في حالِ الإنسان، في شخصه وذاته، وفي أسرته وبيته، ثم في مجالساته ومع مجالسيه، ومع مَن يخاطبه ويحدِّثه ويُلاقيه. إن سدَّ أبواب السيئات في ذلك حصنٌ حصينٌ وحرزٌ متين، يقيهِ شروراً كثيرة وبلايا خطيرة، تطرُق بيوتَ الناس بل قلوبهم، وتنساق آثارُها إلى مجتمعاتهم في المنازل والشوارع والديار والمساكن والأماكن العامة وغيرها.
فيا أيها المؤمنون بالله تبارك وتعالى.. إلى همَّةٍ علية، وعزمةٍ قوية، في أن نهجر السيئات بتأمُّل ما يدور في المنازل والديار، وما نُلابسه في خلال الليل والنهار.. ما يدور وما يجري من مشاهدات، من مسموعات، من مخاطبات، من عادات، من لباسات، من أخذٍ وعطاء، من ظاهر وباطن، يجب أن نقيم هذا الأساس لنحظى ونظفر بمعنى من معاني الهجرة نتصل بها بخير الناس ونقرب منه عند البعث من الأرماس.
أيها المؤمنون بالله: نتحصَّن من شرورٍ كثيرةٍ واقعه بيننا بِحُسن التحكُّم فيما يجري ويدور من المسموع والمنظوم والمنثور والمنظور، في أثناء مُكثنا في البيوت والمنازل، وفي أثناء مُزاولتِنا للأعمال والوظائف، وفي أثناء مَشيِنا في السيارات وركوبِنا فيها، وفي أثناء مجالساتنا للأصدقاء ولمَن نجالسهم، وفي كيفية الخطاب للجميع نتنزَّه عن قول السوء وعن النطق به، ونتنزَّه عن المناظر التي تخرُج بنا عن المروءة، فضلاً عما يُفضي بنا إلى مخالفةِ الشريعة المطهرة، ولنستحضر انقيادَنا للحق تبارك وتعالى محقَّقا باتباعِ رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم والتحكُّم له { فلا وربِّك لا يُؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجرَ بينهم ثم لا يجدُوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ ويسلِّموا تسليما }.
فلنَنتهِض انتهاضةً لسدِّ ثغرات برامج الغفلات، وما يجري من المناظر السيئات، مما عسى أن تصل إليه أعينُ الأهل، البنين أو البنات، وما يدور بيننا وبين أصدقائنا، فإننا بالتحكُّم في ذلك نُحكِم زمامَ التحصُّن وسدِّ ثغراتِ الفتنة، وأننا بالانسياق وراءها نفتح الأبواب للفتن وللشرور حتى تنهش منا القيم وتصل بنا إلى حدود بعيدة في زعزعة الإيمان واليقين وفي التدنِّي والسقوط في براثِن الغفلات والمخالفات للشرع المطهر المصون والأمين المأمون صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ففي تبعيةِ صاحب الهجرةِ نستشعرُ أننا وراء هذه القدوة وهذا الإمام، وهو الذي بيَّن لنا معنى من معاني الهجرة يكون مواصلةً بيننا وبينه في تركِ السيئات، في تركِ ما نهَت عنه الشريعة، فلنُقابل العامَ الذي أقبل علينا والسنةَ التي أقبلت علينا بصدقٍ وعزمٍ صادق في إقامة التحذُّر من السيئات والمخالفات للشريعة في مثلِ هذه الأنحاء التي أشرنا إليها، وما يتصل بها من شؤوننا التي يحسُّ بها كلُّ فردٍ منا.. فإلى مثلِ هذه الوجهة الصادقة فلنُقبل أيها الأحباب، ولنتَّقِّ ربَّ الأرباب، ولنُقِم الأسباب ليتداركَنا والأمة مِن كشفِ هذه البلايا والرزايا.
اللهم اجعل هذا العام مِن أبرك الأعوام علينا وعلى أمة النبي محمد، واجعل بركتَه واضحةً بيّنةً في كلِّ فرد منا وكلِّ أسرةٍ من أسرنا، بما ننتهضُ به من قيام أمرِك وسدِّ ثغرات الشرِّ فيها برحمتك يا أرحم الراحمين.. والحمد لله رب العالمين.
((رابط الإستماع))