بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى اللهُ وسلَّم على عبدِه المجتبى المصطفى الأمين، سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فإلى إخواننا وأحبابنا في الله تبارك وتعالى: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
وإننا في كلمة شهر رجب من عام اثنين وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة نبينا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ نُوصِل إليكم كلمة هذا الشهر؛ مُذكِّرين بِنِعَم الله علينا وعليكم فيما هدانا إلى هذا الدين القويم، ومُسترشدين بمنهج الله، ومستضيئين بأنوار وَحيِه وبلاغ رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. فيجب أن نعتبر كُلَّ ما أُوتِينَا وكُلَّ ما مُكِّنَّا منه وكُلَّ ما نقدر عليه وكُلَّ ما وُهِب وأُتِيح لنا من عافيةٍ وصحةٍ وأمنٍ واستقرارٍ وقدرةٍ على التواصل وعلى التواصي وعلى استخدام الوسائل المختلفة في البيان وإيصال التنبيهات والتوجيهات والإفادات والاستفادات؛ يجب أن نعتبر كُلَّ ذلك معنىً من معاني تَفَضُّلِ الله علينا: بتمكينٍ وتهيئةٍ ونصرةٍ وفضلٍ واسع؛ يندرج تحت معنى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً...} النور 55 .
فمع جميع ما يجري ويُشَاهَد ويُسمَع عنه في العالم اليوم من أنواعٍ من القلاقل والمشاكل؛ لا يجوز أن ننسى أيضاً المعاني الواسعات فيما أُتِيح لنا وما أُعطِينا وما مُكِّنَّا منه. فعلينا أن نقابِل تلك النعمة وتلك المنة بمعنىً من الشكر؛ وذلك بحُسن استخدام كُلِّ الطاقات والإمكانات فيما يعود إلى إقامة القِيَم وتثبيتها في أنفسنا وأسرنا وأهالينا ومن حوالينا، وإلى حسن المخاطبة فيما بيننا البين؛ لنكون من المُتواصين بالحق والصبر، وإلى مخاطبة غير المسلمين في عَرْض هذا الدين عليهم؛ على وجهه المنير المُشرق الوضَّاء الساطع.
إن أمَامَنا أنواعٌ من الفُرَص والإمكانات والقدرات والطاقات؛ يمكن استخدامها في نصرةِ الحقِّ ورسوله، وفي التحقُّق بالصفات المَرْضِية لله ورسوله: مِن نفعِ بعضنا البعض، وعَودِ بعضنا على بعض؛ تحت إرشاد نبيِّنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ) رواه أبو داود. فنُحسن التعاون والتذاكر فيما بيننا والتشاور كذلك، وتوجيه بعضنا البعض أن ننشغل بما هو أَوْلَى بنا وما نقدر عليه؛ مما هو أجمل وأكمل، وعند الله ورسوله أفضل؛ من القول والعمل. وأن لا نجعل الانشغال بما لا يَعنينا أو تجاوزنا الحد فيما يعنينا إلى قلق وانزعاج؛ يُفوِّتُ علينا فُرَصَ تَوَجُّهٍ وابتهاج، وعمل وانتهاج، وتقويمٍ للاعوجاج، أو يفوِّت علينا أداءنا مقدوراتٍ من شأنها أن تنفع وأن تزيدنا قوةً في الإيمان ورسوخاً في الأخلاق الفاضلة.
إننا وفي مثلِ شهر رجب الأصب؛ يجب أن ننشغل بحقيقةٍ من معاني الاستغفار، وتحقيق التوبة إلى الله تبارك وتعالى. ويجب أن ننشغل بحُسن البناء للقِيَم؛ بعمارة الأعمار والأوقات بالتجالس في الله، والتزاور في الله، والتذاكر في الله، واغتنام ما يمكن من حضور مجالس العلم، والأخذ لشئون الشريعة الغراء، وتهيئة السبيل لِمَنْ يُمكِنُنَا أن نهيِّئ لهم السبيل؛ سواءً كانوا من أهلٍ وأولادٍ أو من أصدقاء وجيران وأصحاب. وليكن لنا شغلٌ بتقوية القِيَم وتثبيتها. ولنا أيضاً تقويمٌ لتثبيت معاني الرجوع إلى الله، واللجوء إليه، والإلحاح عليه، والتذلل بين يديه، وكثرة التضرع والابتهال إليه سبحانه وتعالى؛ ليقوم في الأمة مجالٌ واسع ومعاني كثيرة منتشرة من الالتجاء إلى الله والتضرع إليه؛ يكون ذلك سبباً لرحمة الأمة، وتحويل الأحوال إلى أحسنها. بالاشتغال بمثل ذلك، وشهود عظيم المنن، وحسن توجيه الطاقات والإمكانيات لما هو أنفع وأجمع للشمل، وأوسع في العلم والمعرفة والتواصل ونشر المحبة وإحياء القِيَم؛ ذلك ما هو أولى بنا.
فلننطلق مستنيرين بنور إرشاد الحق ورسوله؛ إلى إقامة شئوننا على مثلِ هذه الموازين، واغتنام ما آتانا ربُّ العالمين، ولنَزد في رجائنا في الله مع خوفنا منه، وفي ثقتِنا به سبحانه وتعالى مع أدائنا الأسباب. وليكن لنا من الميزان أن نحترز عما تكون فيه الشبهة والشك والإشكال؛ فنتجنبه فعلاً كان ذلك أو مقالاً أو معاملةً مع أحد، ولننطلق فيما هو واضحٌ بيِّن.
وبالله التوفيق، وعليه التكلان، وهو المستعان، والرجاء فيه قائم أن يُريَنا والأمة فينا وفي جميع الأمة قريباً ما تَقَرُّ به عينُ نبينا، وتُسَرُّ به قلوب الصالحين؛ أشهدنا اللهم ذلك في عافية.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
((استمع إلى الكلمة كاملة))