بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، محمدٍ الطاهر الصادق الأمين، وعلى آله الغُرِّ الطاهرين، وأصحابه النجوم الهادين المهتدين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أما بعد : فكلمتنا لهذا الشهر وقد انتهينا من شهر رمضان المبارك نوجِّهها إلى إخواننا وأحبَّتنا من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فنقول إن من ثمراتِ دروس رمضان المبارك شئونًا تتعلق بواقع الأمة وبحياتها وبقيامها بالمهمات فيها، وبُحسنِ اكتسابها لهذه الغنيمة في هذا العمر القصير، ونلخص من هذه الثمرات العظمى من دروس رمضان في أمرين اثنين:
اكتساب قوة العزيمة، واجتناب أسباب الهزيمة..
فأما اكتساب قوة العزيمة فإنه من خلال الصيام والقيام في رمضان، وإخراج صدقة الفطر، نقف على جوانب تجعل لنا حملاً لشأن الصلة بالإله الخالق ، وأننا عليه قادمون ، وإلى لقائه آئلون ، وأننا في كل ذلك قوبلنا بإكرامه وعظيم إنعامه، فحقٌّ لنا أن لا نرضى بالدنايا ولا بضعف الدور ولا بتضييع الغنيمة، واكتساب أسباب النعيم المؤبَّد .
اكتساب قوة العزيمة من ثمرات دروس رمضان المبارك من شأنها أن توقفَ الأمةَ على قدَمٍ قويمٍ في اختصار الطريق في أداء المهمة والواجب في هذه الحياة فمع الانشغال الكثير بالنظر إلى ما تقول قوى الكفر على ظهر الأرض، وكذلك ما يجري من واقع الظلم والعدوان في كثير من الجهات، ينبغي أن لا يكون ذلك الانشغال قصارى العمل الذي نقوم به ، ولا أن يكون حائلاً بيننا وبين القيام بحقيقة العلاج على الأساس الصحيح ، وذلكم من خلال انتباهنا من صفاتٍ تكون فينا وأعمالٍ نعملها ترضي بارينا جل جلاله وتعالى في علاه، وبذلك نختصر المسافة والطريق ونعمر من الأعمار بحسنِ التزود ما يمكن أن يضيع لو أخذنا مجرد التحليلات والنظر في الواقع وإلقاء الأفكار تلو الأفكار والاقتراحات تلو الاقتراحات والتحليلات بعد التحليلات، وإكبار شيء من القوى الأرضية والأمور الدائرة في هذا الكون بما يقتضي غفلةً عن حقيقة الثقة بقوة المهيمن والالتجاء إليه جل جلاله والاعتماد عليه والتعويل عليه سبحانه وتعالى .
وكذلك اقتضى في كثيرٍ منا معاشر أهل الإسلام غفلةً عن واجبهم في تقوية هذه الصلة بالقوة الكبرى، بقوة الله الجليل من خلال حُسن إقامة الفضائل واجتناب المحارم ، والابتعاد عن موجبات غضب الجبار جل جلاله من التهاون بالفرائض أو ارتكاب المحارم أو إهمال النساء أو الأسَر ليقعَ من يقع منهم في ورطات التنكُّر للشرع المصون والمخالفة له ، والخروج عن منهج رسول الله دون حُسنِ ملاحظةٍ وتدراكٍ وتَلافٍ للأمر ، فينبغي أن تلتفتَ أنظارنا إلى تقويم الصفات والقيام بالأعمال الصالحات .. وبتقويم الصفات يقوى الإيمان، وبالانتباه من الأعمال يقوم الركن الثاني مع ركن الإيمان، وهما الركنان اللذان وعد الله عليهما قيام الاستخلاف في هذه الأرض ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ) . فالوجهة إلى تطهير القلوب عن معاني الحسد من بين أفراد الأسرة وأفراد الجيران والحارة والبلدة ثم المسلمين ، البُعد عن ذلك وعن ما يتعلق به كذلك مِن حقدٍ أو مِن كبرٍ أو من عجبٍ أو من سوءِ ظنٍّ أو مِن تقوُّلٍ بالباطل ، هذه شئون واقعةٌ فينا بكثرة وهي مضعفةٌ للإيمان ، وبوجودها ووجود ذلك الضعف لا يكون الغناء بما نتغنَّى به من اتساع أنظارنا وكثرة تحليلاتنا، وإصدارنا الخطب أو الكتب أو الأشرطة أو استعمال مختلف الوسائل ، بالكلمات الرنانة أو بالتحدي بالكلام أو بجرد لفت النظر إلى عظيمِ وعد الله بلا تحقُّقٍ بما يلزم أهل ذلك الوعد ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ) مع غفلةٍ عن تقويةِ الإيمان وتقويةِ العمل الصالح إلى غير ذلك من جملة ما يُفهم من خلال طرحنا هذا ، ولا تسع هذه الكلمة التفصيلَ في هذا الجانب .
ونأتي إلى جانبها الثاني: وهو تجنب أسباب الهزيمة وذلك بالابتعاد عن كثيرٍ من المحرمات التي ربط الله بها الهزيمة، ومن جملتها التخالف بين القلوب، ومن ذلك ما يدخل إليه الشيطان ويُدخله إلى قلوب الناس مما يتعلق بشأن المذاهب بين المسلمين أو الطُّرق أو الإقليمية أو شيء مما يثير عليه العصبية، وعدم الفقه لمسألة المذاهب المعتبرة في الشريعة وأنها حقيقةٌ واحدةٌ من مصدرٍ واحد، وأنها المترجِمة عن سعة هذه الشريعة، والموجبة لتكاملِ أتباعها وأصحابها متَّصلين بالأصل الواحد .. عندما يغيب هذا الوعي وهذا الفهم وهذه النظرة ويحلُّ محله قصورٌ في النظر وادعاءاتٌ لأهل المذاهب والآراء وأتباعهم تحطُّ مِن شأن مَن عداهُم.. كل ذلك سببٌ من أسباب التنازع والاختلاف الذي يذهب به النصر قال تعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ، فيكون ذلك إذكاءًا وزيادة اشتدادٍ للنوائب الواقعةِ في الأمة، والواقع المرير الذي يُشتكى منه، فكيف يكون الدواء والعلاج مع انشغالنا بمجرد ذلكم الكلام الكثير والتحاليل الكثيرة والغفلة القوية عن الصفات والأعمال الصالحات، وعن الابتعاد عن موجبات الهزيمة من الاختلاف، ومِن جَعلِ الخلاف في الفرعيَّات والجزئيات كأنه خلافٌ في الأصول أو في الدين، وإغراء نفوس المسلمين على بعضهم البعض، وما يتعلق بذلك مما لا تسعه هذه العجالة في هذه الكلمة .
فالقصد أن نخرج بثمراتٍ من دروس رمضان تقوِّم فينا البناءَ الصحيحَ لاكتساب قوة العزيمة بعدم اليأس وعدم القنوط وحسن الثقة بوعد الله وتقوية الإيمان والعمل الصالح.. وتجنِّبنا أسبابَ الهزيمة من كل معاني الغرور والبغضاء والشحناء والحسد والتدابر ..
اللهم وفقنا والأمة للقيام بهذا الواجب كما تحب يا حي يا قيوم .. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ؛ ومن العائدين المقبولين يا معشر المسلمين، وأراكم الله تعالى رمضانات في صلاحٍ لأحوال المسلمين وجمعٍ لقلوبهم وسعادةٍ لهم، ودفعٍ للآفات عنهم ، ألا ادعوا اللهَ بذلك، وكونوا متَّفقين مع ذاكم الدعاء بصفاتكم وأعمالكم ، فخذوا من الصفات والأعمال ما يتناسب ويتَّفق مع هذا الطلب العظيم ، والحق لن يخيِّب الراجين والعاملين بالخير.. وبالله التوفيق .