بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على رحمةِ الله ونورِه المبين، عبدِه الأمين، سيدنا محمدٍ خاتم النبيين وسيد المرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغُرِّ الميامين، وعلى أهل محبَّته ومودته ومتابعيهِ بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين، وعلى إخواننا وأحبابنا من المؤمنين والمؤمنات والذين يتابعون هذه المواقع والكلمات.
ولقد مضت علينا أكثر أيام الشهر الذي يلي رمضان وهو شهر شوال، والكلمة لهذا الشهر تتعلق بتحقيق ما استفدنا من درس الصيام في ناحيتين اثنتين، أساسُها وجود نورانيَّة اشتغالٍ من هذا العبد المخلوق بالخلاق جل جلاله وتعالى في علاه من أثر الإيمان والتعظيم والإجلال والمحبة لهذا الإله سبحانه وتعالى، الذي هو أحقُّ ما نحبه ومن نحبه بكلِّ معنى وبكل وجه، وعلى كل تقدير هو المبدئ الخالق المنشئ الموجد لنا من العدم، هو المنعم المتفضل المحسن الجواد الكريم، هو ذو الجلال الأقدس، وهو ذو الكمال الأعلى سبحانه وتعالى، وله الكمال كلُّه، وله الجمال كله، ومنه الخلق وإليه المرجع، ومنه الإحسان والفضل والإنعام، يجب أن يكون هو الأحبَّ إلينا من كل شيء، ثم إنه لم يأذن لنا أن نحب في الكائنات والمخلوقات شيئاً كعبدِه وحبيبِه وصفوته محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ونتيجة لهذا الاشتغال الناشئ عن المحبة والتعظيم لله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إنه ينبغي أن نحيي بذلَ ساعة ولو قلَّت بيننا وبين الله في خلال اليوم والليلة، كان يقول عنها صلحاء الأمة ( من لم يكن له في يومه وليلته ساعة بينه وبين الله خشينا عليه سوء الخاتمة ) نتيجة للمحبة والتعظيم لابد من سُويعةٍ يبذلها الواحد منا في أثناء النهار أو في أثناء الليل، فإن كانت في جوف الليل ووجد فيها خلوة ولو في وقت قصير دقائق معدودة يفكر فيها في أحواله مع هذا الإله في شئونه مع هذا الخلاق، مرجعُه ومصيرُه إليه، وما كان بينه وبينه، وقد أوجده ثم أرشده وهداه، ووالى عليه الإنعام وجعله في خير أمة، فينبغي أن يكون لنا من الشغل بالله تعالى ترتيبُ هذه الساعة التي أهملها الكثيرُ من الناس، وينبغي أن تكون لنا إحياءٌ لهذا المسلك الذي سلك عليه الأكياس والصالحون، وقد جاء مَثَلُ ذلك في الكتب المنزلة عن الله تعالى في التوراة وفيما قبلها وفيما بعدها، وجاءتنا آثارُ الصحابة والتابعين تشير إلى هذا المعنى وإلى هذا المسلك، فينبغي أن يحرص الواحد منا على ساعةٍ في خلال اليوم والليلة ولو كانت دقائقَ معدودةً يقضيها في ما بينه وبين الحق خالصة.
الأمر الثاني: أنه من مقتضيات ذلك الانشغال بالله الناشئ عن الإيمان به ومحبته وتعظيمه أن يبتثَّ في القلوب تعظيمُ أهل قربِه وأهل حضرتِه، وأولُهم الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون والصالحون من عباد الله تعالى، انتزاع تعظيم هذا الصنف من عباد الله المقربين إليه من القلوب يهيئُها لأن يحتلَّ مكانَه تعظيمُ بُعَداء عن الله تعالى، وتعظيم مُبعدات عن الله تبارك وتعالى، فإذا حصل ذلك لم يكن بين الإنسان وبين الكفر إلا خطوة والعياذ بالله تبارك وتعالى، فيُخاف عليه.
فلأجل ذلك يجب أن نهتمَّ بعد هذه الذكرى لرمضان، وما كان فيها، واستقبالنا لذكرى الحج وما يكون فيه لإحياءِ معنىً من تعظيم وإكرام وإجلال أهل حضرة الله من أنبيائه ورسله ومن الصحابة وأهل البيت الطاهر والتابعين وتابعيهم بإحسان، فيه نغرس ذلك في قلوبنا وقلوب أهالينا وخصوصاً أهل الأمانة في أعناقنا، أبناؤنا وبناتنا، فلابد أن يشعروا بعظمة هؤلاء العُظماء ومكانتهم وقَدرِهم الكبير لدى الرب جل جلاله، وتتعلق قلوبُهم بهم فهذا مفتاحٌ للنجاة، ومفتاح لواردات الله تعالى على قلب العبد المؤمن، وسببٌ لحماية القلب من فيروسات التعظيم لما هو حقير عند الله والالتجاء إلى غيره والركون إلى ما يُبعِد عنه سبحانه وتعالى والافتتان بمعروضات أهل الغفلة والزيغ عن الله تبارك وتعالى وهو مندرج في الركن الإيماني من الحب في الله والبغض في الله تبارك وتعالى ومن الولاء المذكور في القرآن (( إنما وليُّكم اللهُ ورسولُه والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاةَ ويؤتون الزكاةَ وهم راكعون )).
فينبغي لنا أن نلحظ من مجموع وواسع الدروس الرمضانية وما خرجنا به من النتائج التي تكون علامة للمقبولين منا مثل هذين الجانبين اللذين جعلنا التركيز عليهما والالتفات إليهما في هذه الكلمة لهذا الشهر. والله يتولانا ويأخذ بأيدينا ويوفقنا ويرعانا بعين العناية ويجمِّلنا في الأحوال كلها حتى نشتغل في كل وقتٍ وفي كل زمان بما هو أحب وأطيب وأعذب وأقرب وأرغب وأولى وأجمل وأفضل وأكمل وأتم وأقوم. وفِّقنا لذلك يا موفِّق ولا تكِلنا إلى أنفسِنا ولا إلى أحدٍ من خلقِك طرفةَ عين.
وصلى الله على هادينا ومرشدِنا ومعلمِنا وداعينا الذي كان يذكر اللهَ على كل أحيانه، والتي لم تخلُ ليلةٌ من لياليه من خلواته مع باريه ومناجاته لمُصطَفِيه ومُنتقِيه صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومَن يواليه. والحمد لله رب العالمين.
(( إستمع إلى الكلمة كاملة ))