بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على المصطفى الأمين، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإلى إخواننا وأحبابنا حيث ما كانوا ..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..
وهذه الكلمة لشهر ربيع الثاني من عام أربعٍ وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية.
وقد خرجنا جميعاً من شهر ذكرى ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، نحب أن ينتبه المسلمون إلى نقطتين أساسيتين في هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام، يترتب على العمل بهما في الأمة خيرٌ كثير، وعلى إهمالهما شرٌ مستطير.
النقطة الأولى: شأن الصرفيات والاقتصاد في كل ما يصرفه الإنسان على نفسه وأنواع الأمتعة من كل ما يخرج عن حدِّ الحاجة ثم يضرب في جانب المفاخرة والمباهاة، فإن مصروفات المسلمين في هذا مبالغ كبيرة وأموالٌ وفيرة لو وُضعت في مكانها ومحلِّها لحلَّت مشاكلَ كثيرة، ولوصلت إلى ذوي ضرورة وحاجة وفقر، ولفرَّغت كثيراً من أذكياء الأمة من ناشئتها لعلوم الشرع، أو لِما يعود على المجتمعات بالنفع الكثير الكبير، يفرَّغ في مجاله ذلك الناشئ الذكي أو الموهوب في شيء من تلك المجالات، ولا يُستطاع حصر المبذول والمنفَق في جانب الفضول والزوائد في المناسبات بين المسلمين وفي مساكنهم وفي أنواع الأثاث والأمتعة، وربما داخلَهم في ذلك من الخُيَلاءِ والمفاخرات ما أخرجهم إلى حد الإثم؛ وتلك الكميات الكبيرة لو حُوفِظ على كيفية الصرف فيها وعُدِّلت وأُقيم لها الميزان الذي أشار إليه الرحمن بقوله: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }الفرقان67. لتوفرت مصالح كثيرة لأهل هذه الملة فعلى كل فردٍ وكل أسرةٍ منا أن يعطوا هذه النقطة حقَّها وينظروا إلى القدوة قبلَهم أمام أعينهم واضحة جليَّة محمد رسول الله وبيته وأثاثه وملابسه وأسرته وأهل بيته وصحابته الأكرمون رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين.
أما النقطة الثانية: فهي سدُّ ثغراتِ كلِّ ما يوصِل إلى شتاتِ المسلمين وتنازعهم وتباعدهم وتباغضهم بتلافِي تعميق كل خلافٍ بينهم يتعلق بالفكر أو الرأي أو المذهب، وأن يكون الفرد منا والجماعات فعّالةً لمُقتضيات الألفة والأخوة والمحبة، فلا تستجيبُ لدواعي التفريق والتشتيت، ولا تصغي لتلك الأبواق الحاملة لها على ذلك الانطلاق بلا بصيرة والتسارع إلى التحامل على الغير، والإثارة للنفوس من أبسط الأشياء، من أيسر الأشياء وأصغرها إلى أشدها وأكبرها، في المقابلة وفي المعاملة، وفيما نلقي إلى أبنائنا وإلى جلسائنا من التصورات عن الآخرين فيما نختلف معهم فيه في الرأي أو المذهب من دون خيانةٍ في إقرار سوءٍ أو شرٍ أو إنكار خيرٍ وهدى، ولكن من دون هذا وذاك أمامنا مساحات فسيحة واسعة نستطيع أن نضمِّد فيها جراحنا التي أصابتنا في التشتُّت والتباعُد والتباغُض والتمزق.
فعلى كلٍّ منا أفراداً وأسراً وجماعات أن نبذل وسعنا في هذا الجانب وأن نُقَوِّمَ أساليبنا في التفاهم والتخاطب والتحادث والتعامل، أخذ الله بأيدينا وجمع شملنا فلقد أرشدنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إرشادات طويلة وشدد في جانب ذلك الجدال وتلك البغضاء وتلك الشحناء، وحسبنا قوله ( والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) وليكن من إفشاء السلام الكفُّ عن الملام بغير حقيقةِ نصحٍ وفائدةِ تداركٍ للأمر من كل ما يثير الشحناء والبغضاء، وليكن من إفشاء السلام الكف عن ذكر المعايب للآخرين وعن إثارة النفوس والصدور وإغاظتها أمام تصرف الآخرين أو ما يكون من أنحاء آرائهم وأفكارهم اشتغالاً بما هوَ أوجب وما هوَ أطيب وما هوَ أحق أن نشتغل به وإعراضاً عن قول الجاهلين وعن النزول معهم فيما لا ينفع ولا يفيد.
ثبَّت الله أقدامنا وجمعنا بحبيب الله كما جمع أوائلنا بعد الشتات { وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ }آل عمران103.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.