بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلَّم على عبدِه المجتبى المصطفى سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه وعلى الأنبياء والمرسلين، وآلهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإلى إخواننا وأحبابنا: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
وفي وسط هذا الشهر الكريم شهر جمادى الأولى من عام أربعٍ وثلاثين وأربعمائة بعد الألف من هجرة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. نوجه الكلمة لهذا الشهر..
إننا والأمة في حاجةٍ قويةٍ إلى تأكيدِ ما أكَّد عليه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم في شأنِ ما يتعلقُ بالدماء والأعراض والأموال، فإنَّ حفظَ ذلك ورعايتَه والانتباهَ منه أساسٌ في سلامةِ الجانب بين الإنسان وبين ربِّه، وفي سلامة البشر واستقرارِهم، وفي صلاحِ أمرِهم في سرِّهم وإجهارِهم، وفي التمكُّن من التعايش السِّلمي السليم على منهجٍ معتدلٍ قويم.
وإن الأمةَ بعواملَ كثيرةٍ تأثرت تأثراً بالغاً في ضَعف الشعور بعظمةِ حرمةِ هذه الثلاثة الأشياء، التي أكَّد عليها صاحبُ الرسالة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وقال في حجةِ وداعهِ، فقال: ((ألا وإن دماءكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم، كحرمةِ يومِكم هذا، في شهركم هذا، في بلدِكم هذا.. ألا هل بلَّغتُ؟ قالوا: بلغتَ يا رسول الله. قال: ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضربُ بعضُكم رقابَ بعض)).
إن خطورةَ المحاسبةِ على هذه الأشياء وجعلَها في الدين مِن أول ما يُحاسَب عليه الإنسانُ في آخرته يوم القضاء، وأن أول ما يُقضى بين الناس في الدماء، هذه الخطورة تبيِّن لأتباع الحق والهدى مِن أتباع المرسلين وأتباع سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وجوبَ الحذرِ مِن المِساس بشيءٍ منها، مِن كلِّ ما لا يحلُّ مِن دم ومال وعرض.
وبحملِهم لهذه الأمانة هم الذين يفسحون المجالَ للبشر أن يتعايشوا معايشةَ السِّلم والاستقامة فيما يتعلق بالعلائق فيما بينهم، وإننا نحتاج إلى المحافظة على هذا الأساس وإلى تقويته وتقويمه بدءً من أنفسِنا وأُسرِنا، فمن حوالينا حتى نتأهلَ للقيام بحملِ هذه المبادئ والأسس التي هي أساس السلام للأمة والأمن والاستقرار.
وإنه ليُجمِع أهلُ الفِطَر على حماية وصَون الدماء والأموال والأعراض لكل مستحقِّ لها، قال تبارك وتعالى {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ }}النساء29. وقال سبحانه وتعالى {{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}}النساء93. وقال رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (( من قتل معاهداً أو ذميا لم يرَح رائحةَ الجنة )) رواه البخاري وغيره.
وقال سبحانه وتعالى {{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً}}النساء90.
وإن هذا التهاون الذي أصاب الأمةَ بأخذِ الأموال مِن غير حِلِّها أو إنفاقِها في غير محلِّها، وهذا التهاون بالأعراض ولَوكُ الألسن بها، والتعدي عليها، وأخيراً الوصول إلى شدة الاستهانة بالدماء حتى صار كلُّ من تخالُف في رأيٍ مع آخر فكَّر في استحلال دمه، بل ربما أقدم على ذلك بشتى الوسائل التي يسمع الناس الحديث عنها.
إننا والأمة محتاجون إلى تقويم هذه الأسس على وجهِ الصدق، فإنه على مستوى الأفراد والجماعات والدول قد يُستَرسل في القول بوجوب المحافظة عليها وحُرمتها، ومع ذلك يكون العمل والمعاملة والواقع غيرَ ما تحمله تلك الألفاظ والكلمات!! فإننا محتاجون إلى ضمائرَ حيةٍ يقِظةٍ، وإلى عقولٍ مستنيرة صادقة، ونتخاطب في ذلك مع كل من أوتوا من الله فِطراً سليمة وعقولاً سليمة عامة، ومع أهل الإيمان بالله ورسوله خاصة، أن نعود إلى تقويم الشعور بعظمة وجوب حرمة هذه الدماء والأموال والأعراض، ووجوب الحذر أن نتلطخَ بشيء منها، بل وجوب التخلُّص من هذا الواقع الذي هدَّم هذا الأساس وقوَّض بنيانَ الشعورِ القويم تجاه هذه القضايا الثلاث.
فيا أهل الملة: ما أحوجَنا أن نحافظَ على هذه الأسس، وأن نصدق اللهَ تعالى في تعظيم ما عظَّم، وتحريم ما حرَّم، واجتناب ذلك {{ وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ}}الأنعام120.
ولنقرأ في احترام جانبِ العِرض قولَ الحق تبارك وتعالى {{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ* يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}}الحجرات10-13.
ما أعجبه من توجيه وما أعظمه من تنبيه، فلنغرس في قلوبِ ناشئتِنا وأطفالِنا ذكوراً وإناثاً خطرَ التساهل بحُرمة الدماء والأموال والأعراض، ولنُعِدَّهم ليكونوا أسبابَ الخلاص للأمة مِن هذا الانحدار التي وقعت فيه.
يا محوِّل الأحوال حوِّل حالَنا والمسلمين إلى أحسن حال.. وبالله التوفيق، والحمد لله رب العالمين.