07-2013
19

شهر رمضان 1434هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله عظيمِ المنَّة، وصلى الله وسلَّم على الهادي إلى سبيل الجنة، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين اتخذوا من الإيمان وقوةِ اليقين أقوى جُنَّة، وعلى من تبعهم بإحسان من أهل النفوس المطمئنة، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآلهم وأصحابهم ومن سار في سبيلهم إلى يوم الوقوف بين يدي رب العالمين.

أما بعد: فإلى إخواننا وأحبابنا في الله ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وهذه كلمة شهر رمضان من العام الرابع والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة نبينا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وهي عن المسالك والمساعي والأعمال الناجحة المثمرة في الدنيا والآخرة، وذلك بتقويم نظرِ المؤمن فيما يقرر أن يسعى فيه، وأن يقوم به، وأن يعمله وأن يتلبَّس به في حياته، وأن ينطلق عليه ومن خلاله؛ فإنه في خضمِّ الحياة يجد ذاك الزخمَ لما يُطرح ويُنشر عبر وسائل الإعلام حتى ينسابَ إلى ذهنه تصوُّرٌ عن واجبه هو فيما يتعلق بدينِه خصوصاً ومهمته في الحياة، فربما سبق الوهمُ إلى أن اختيار وإقرار بعض الأعمال التي لا يشهد بفضلِها ولا بخيريَّتها كتابٌ ولا سنة أنها أولى به في شيء من شئونه وأحواله، ونحن في شهر القرآن نحب أن تكون نظرتُنا إلى ما يجب أن نقوم به نحو ديننا وفي واقعِنا وحول مهمَّتنا في الحياة بمنظورٍ قرآني رباني حقي فنقول:

إن كثيراً مما يتبادر إلى الأذهان أنه مُجدٍ ومُثمر، وأنه نافع وأداء واجب وحقٍّ في الحياة، خصوصاً فيما يتعلق بمساحات الصراع والنزاع بين طوائف المسلمين، وفيما يباشر السعيَ للوصول إلى السلطة والحكم كثيراً ما يُتوهَّم أن ذلك هو الواجب والمُجدي والمُثمر، حتى يُنصرَف إليه عن مهماتٍ وواجباتٍ مؤكداتٍ بخطابِ الله وخطابِ رسوله لهذا الإنسان في واجبِه في الحياة ومسعاه فيما بينه وبين الله، وفيما يقوم به لأجلِ الله تعالى في خلقِه وعباده، والأرض التي استعمَره فيها؛ فيجب علينا معاشرَ المؤمنين أن نعلم أن ما دعانا إليه القرآن مِن أعمالٍ وأحوالٍ وصفاتٍ نقيمُها ونتحلَّى بها وننطلق منها إلى أداء الأدوار الواجبة في الأنفس والأسر والمجتمعات والأمة التي نعيش فيها من خلال العمر الذي نقضيه على ظهر هذه الأرض.

 إن أمام أيدينا نداءات ربانية فيما يتعلق بمسلك الإنسان في ركوعه وسجوده وعبادةِ مولاه جل جلاله وتعالى في علاه  {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ...}الزمر9. {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً}الفرقان64. {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}آل عمران191. {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}الزمر23. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الأحزاب41،42.

ففي هذه الآيات وظائفُ وأعمالٌ ومهماتٌ يقوم المؤمن في حياته يجب أن يكون له جدٌّ وسعي حثيث في حُسن تنفيذ هذه الأوامر وتطبيقها والقيام بها على وجهها، وهي أساسياتٌ من حلِّ المشكلات المختلفات المتنوعات في واقع الأمة، كما يبين لنا الحق سبحانه وتعالى مسالكَ مع الأسر والأهلين { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...}التحريم6. { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } الفرقان74. { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ – محل اختبار – وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}التغابن15. فأين أنتم من مقابلة الاختبار هذا في الأموال والأولاد، وكيف أدَّيتم الواجبَ نحوه وقمتم بالدور المهم في تحقيق النجاح فيه { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً}سبأ37. فهو يسخِّر أموالَه وأولادَه ليكون الكلُّ قربةً وزُلفى إلى الرحمن جل جلاله، كما شرع لنا سبحانه وتعالى تراحماً وتعاطفاً وإقامةَ الجماعات وعقدَ مجالس الذكر ومجالس العلم، ودعانا إلى ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وجعل في ذلك دفعاً لأنواعٍ من البلايا والشدائد واستنزالاً للرحمات الواسعة، كما فرض علينا طلب العلم النافع، وأمرنا بالسعي إليه، وجعل شهادةَ أولي العلم مقرونةً بشهادته وملائكته أنه لا إله إلا هو.

إلى غير ذلك مما يتعلق بحُسن تنفيذِ الأوامر الإلهية بما يُقدر عليه ويُستطاع ويتيسر مفروضاً ومندوباً في أحوالنا الفردية والأسرية والاجتماعية، وفي التواصل فيما بيننا من الأماكن البعيدة، وفيما فسح الله لنا مِن مساحات واسعة نستطيع فيها أن نحقق كثيراً من حُسن تنفيذ أوامره وإقامة منهاجه وشريعته سبحانه وتعالى، وربما استثقلت النفوسُ التركيزَ على ذلك أو الاستمرار عليه تشوُّفاً لما تهواه النفوس أو تميل إليه، فتحقيق نجاحنا إنما يكون بغلبتِنا لهذه النفوس وانتصارِنا في ميدان المعركة معها أولاً، ليكون ذلك مؤذناً بنصرِ الله سبحانه وتعالى لنا في بقية ميادين الحياة، ففيما أتاح الله تبارك وتعالى ويسَّر الكثير والكثير مما يمكن أن نتواصى به ونتعاون على تنفيذه وإقامته ونحقق سر {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}العصر3. من خلال بذلِ الوسع وبذل الجهد في القيام بذلك وتنفيذه على الوجه المرضي.

أرجوا أن أكون قرُبت إلى توضيح المراد وتبيين هذه الحقيقة في أن منطلقَ مساعينا يجب أن تكون على نورِ التبعيَّة للحق ورسوله، والإخلاص لوجه الله الكريم، وإفراد القصد له وأن نصدق فيها ونجدّ، وأنها الطريق الصحيح لإقامة أمرِ الله تعالى في أرضه، والسبب القوي لتحويل الأحوال وتغييرها { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}الرعد11. وأنها ما يثمر وينتج صلاحاً للعبد في دنياه ومثوبة حسنة عند لقاء مولاه.

اللهم اجعلنا من أهل الصدق معك والإقبال الصادق عليك واجعلنا في المتعاونين على البر والتقوى واجعلنا في الذين آمنوا وعلموا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وكن لنا بما أنت أهله ظاهراً وباطناً برحمتك يا أرحم الراحمين.

 والحمد لله رب العالمين