01-2014
15

شهر ربيع الأول 1435هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مُكرِِمِنا بخيرِِ منادي إلى الإيمان، ونشهد أن لا إله إلا الله الكريم الرحمن، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه المصطفى مِن عدنان، مَن أنزل عليه القرآن، صلى اللهُ وسلَّمَ وبارك عليه وعلى آله المطهرين عن الأدران، وأصحابه الأئمة الأعيان، وعلى تابعيهم بإحسان، وعلينا معهم وفيهم.

 أما بعد..

فإلى إخواننا وأحبابنا في الله، نقدم كلمةَ شهر ربيع الأول من العام الخامس والثلاثين بعد الأربع مائة والألف من هجرة نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ونقول:

 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركانه

 ولنُبادر في هذا الشهر إلى فتحِ باب السماع لنداء هذا المنادي الأكرم، المُشار إليه في قول أولي الألباب كما حكى الله عنهم في كتابه العظيم في خطابهم لربهم: (ربَّنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا) ونعلم أن الوصفَ لأولي الألباب المعتَبرِين بالآيات في خلق السماوات والأرض، ليس مختصاً بأصحابه الكرام الذين باشروا السماعَ من لسانه الكريم وفمه العظيم، وما خرج لهم من بين شفتيه، ولكنه يعمُّ جميع المتَّصفين بتلك الأوصاف على مدى الأوقات..

 فعلى المؤمن وهو يطلب أن يدخل في دائرة أولي الألباب الموصوفين في هذه الآيات التي جاء فيها (ويل لمن قرأها ولم يتدبرها ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها)، عليه أن ينظر في مستواه ومرتبته في شأن هذا السماع من هذا المنادي، مُوقناً أنه المنادي الأكرم الأعظم الأنور الأطهر الأكبر، وأنه يجب أن نكون في شأن إيماننا قائمين على هذا السماع الموجب للاتساع والارتفاع، فإن هذا السماع مفتاحُ باب اليقين، ونزول حقائقه إلى القلوب والأفئدة، والناس فيه على مراتبَ كثيرةٍ متفاوتة.

 فيجب علينا ونحن في شهر ربيع الأول، أن نطلب الرقيَّ في شأن هذا السماع، فإن نبيَّنا المأمور بالبلاغ بلَّغ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أحسنَ البلاغ، ووصلَ إلى قلب كلٍّ منا آثارُ ندائه، وأعظمها فيما بين يدينا من كلام الله سبحانه وتعالى ومن كلام رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فيجب أن نطلب أن يكون لنا عند القراءة والاستماع الى الآيات والأحاديث الكريمة مرتبةُ سماعِ الروح والقلب للبلاغ مِن أصلِه ومحلِّه الأول، وهو الذي يبدأ باستشعار أن المبلِّغ عن الله في كلامه رسولُ الله، فنتدبر معانيَ الآيات كأننا نسمعها مِن فمِه الكريم، ونصغي إلى الأحاديث كأننا نسمعها من لسانه العذب الطاهر، نقوِّي ذلك ونرسِّخه، حتى نتمكَّنَ من الرُّقي في سلَّمه إلى مراتبَ شريفة عليّه، وهذا يحفظ علينا آثارَ الصِّلات بالذات النبوية المحمدية الطاهرة، كما يحفظ علينا بواطننا مِن أن ينالها أوصابُ الأسواء ودعواتُ الضر والشر والفساد بمختلف أنواعها.

 كما أنه يفتح لنا بابَ المواصلة بالجناب المحمدي، كما أنه يهيِّئنا للارتقاء في مراقي هذا السماع، الُمشار إليه بقول الله في الآية الأخرى: ( ولو علم اللهُ فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم) أي الذين لم يرد أن تسمع قلوبُهم وأرواحهم، ( لتولَّوا وهم معرضون) ووجَّه الخطاب للمؤمنين أن يغنموا إنعامَه عليهم بالسماع فقال: ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم واعلموا أن اللهَ يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون).

 فالحق هو الذي يقدر أن يوسع لك الآفاق عند الاستماع حتى كأنك تسمع من حبيبه، وهذا أمرٌ نحتاجه ونحتاج في تحصيله إلى دفعِ القواطع والموانع عنه، التي مِن أشدِّها وأكبرِها وأخطرِها تلوُّث السماع والفكر باستماع أقاويل الفجار والفساق، حيث يكون الكلام البذيء والألفاظ النابية، والتجرِّي على الحق ورسوله، والنطق بالخبيث من القول، وبما يُغري بترك الواجبات أو فعلِ المحرمات، فمن الضرورة لمن أراد أن يُكرم بنصيب من هذا السماع الأشرف، أن يقطع أمثال هذه القواطع أصلا، ولا يرضى أن يلطِّخ وأن يوسخ باطنَه وسمعَه باستماع ذلك الكلام الخبيث، والفكر في مقتضاه وصوره وما تعلق به.

 وعلينا بتحقيقِ هذا المرام وطلبِ هذا الأمر العظيم أن نحييَ اهتمامَ ووِجهات أبنائنا وبناتنا وأهالينا في الديار، بتعلُّم السماع لنداء هذا المنادي حتى كأننا نشاهده في كل آيات الكون يدعونا إلى المكوِّن، وفي كل آياتِ القرآن يُبلِّغنا عن المُنزِل، وفي كل أحاديثه يقيمنا على سبيله الذي ارتضاه تعالى، ونعلِّقهم بسنن من سننه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ونرشدهم إلى قطعِ القواطع عن هذا الخير والموانع منه مما أشرنا إليه، ونُنعش أرواحهم بكثرة من ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والصلاة عليه، وقراءة مولده وشمائله وأخباره وشِيَمه..

وفَّقنا الله لذلك، وأحيا وعمرَ به قلوبَنا وكشفَ الضرَّ عنا وعن أمة محمد، والأمر المذكور سببٌ قويٌّ من أسباب كشفِ الضرِّ والسوء عن هذه الأمة، وبالله التوفيق.